بعد مرور تسعة أشهر منذ بداية التصعيد، تظل الحرب على غزة واحدة من أكثر المواجهات تعقيدا واستدامة في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. بالرغم من الجهود الدولية والمحلية لتحقيق الهدوء ووقف إطلاق النار، فإن الحرب لا تزال مستمرة بلا هوادة. لفهم أسباب استمرار هذه الحرب، يجب النظر في العوامل السياسية، العسكرية، والاجتماعية المحيطة بها.
الرغبات السياسية لإسرائيل
أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار الحرب على غزة هو عدم رغبة إسرائيل في وجود أي سلطة سياسية قوية تحكم غزة، سواء كانت حماس أو السلطة الفلسطينية. إسرائيل تفضل أن تدير القطاع من خلال عائلات أو عشائر أو أصحاب النفوذ المالي المحلي، بحيث تكون هذه الإدارة مسؤولة عن الجوانب الإنسانية والخدماتية فقط. أما المسائل الأمنية، فتفضل إسرائيل أن تبقى تحت سيطرتها المباشرة، كما هو الحال في اتفاقية أوسلو 2. هذا الوضع يضمن لإسرائيل السيطرة الأمنية مع تجنب المسؤولية المباشرة عن حياة السكان اليومية.
يبدو أن إسرائيل تسعى فعلا للخروج من حالة الحرب وتظهر محاولاتها في حسم القضية الفلسطينية بالنسبة لها. ويتضح ذلك من عدم رغبتها في وجود أي هيئة سياسية تمثيلية فاعلة في الضفة الغربية أو بين فلسطينيي الأراضي التي احتلتها عام 1948. ومع ذلك، وحتى الآن، لم تحقق إسرائيل أهدافها في هذا الصدد.
يبدو أن إسرائيل تسعى فعلا للخروج من حالة الحرب وتظهر محاولاتها في حسم القضية الفلسطينية بالنسبة لها. ويتضح ذلك من عدم رغبتها في وجود أي هيئة سياسية تمثيلية فاعلة في الضفة الغربية أو بين فلسطينيي الأراضي التي احتلتها عام 1948. ومع ذلك، وحتى الآن، لم تحقق إسرائيل أهدافها في هذا الصدد
صعوبة القضاء على حماس
على الرغم من المحاولات الإسرائيلية المستمرة، إلا أن القضاء على حركة حماس كتنظيم يبدو مستحيلا. فحماس ليست مجرد جماعة مسلحة، بل هي حركة سياسية واجتماعية لديها تأييد واسع بين السكان الفلسطينيين، كما أن قياداتها وعناصرها يتوزعون بين غزة والضفة الغربية، وكذلك في الشتات والسجون. هذا الانتشار الواسع يجعل من الصعب جدا القضاء على الحركة بشكل كامل، حتى لو تمكنت إسرائيل من تقويض قدراتها العسكرية أو المؤسساتية. بالتالي، لا يمكن إقرار أي واقع في غزة خصوصا دون تجاوز حماس.
تأثير العمليات العسكرية الإسرائيلية
تساهم العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة في تعقيد فرص نجاح أي مقترح للهدنة والخروج من الحرب. فعندما تقوم إسرائيل بعمليات عسكرية في غزة، يؤدي ذلك إلى تدمير البنية التحتية وتعميق الأزمات الإنسانية، مما يجعل الأوضاع أكثر تعقيدا. هذا الوضع يخلق مواجهة مستمرة، حيث يسعى كل طرف إلى تعزيز موقفه والسيطرة على المناطق الاستراتيجية، مما يدفع الجيش الإسرائيلي إلى التمسك بالمناطق التي يسيطر عليها. هذه الديناميكية تعرقل أي جهود حقيقية للتوصل إلى وقف إطلاق للنار. بالتالي، أي تراجع في ذلك بمثابة هزيمة لإسرائيل في قطاع غزة.
ما مصير المقترحات؟
من الواضح أن المقترحات الإسرائيلية التي يتم تقديمها في كثير من الأحيان من خلال الوسطاء الدوليين، تحاول التغاضي عن الواقع على الأرض. إسرائيل تسعى لضمان أمنها من خلال حلول جزئية لا تعالج الجذور الأساسية للصراع. هذه المقترحات غالبا ما تتجنب الحديث عن الانسحاب الكامل من غزة أو إنهاء الحرب بشكل نهائي.
المعادلة باتت واضحة لدى جميع الأطراف المعنية، فلا يمكن التوصل إلى اتفاق دون الانسحاب الكامل من غزة وإنهاء الحرب، وأي مقترح لا يشمل هذين العنصرين الأساسيين يبقى مجرد حبر على ورق وخبر في الإعلام دون تحقيق تقدم حقيقي. الفلسطينيون، بدورهم، يرون أن أي اتفاق يجب أن يتضمن ضمانات حقيقية لإنهاء الاحتلال ورفع الحصار وتحقيق حقوقهم المشروعة.
السيناريوهات المستقبلية في قطاع غزة
دخول إسرائيل في الحرب دون أهداف واضحة أو تطبيق مستحيل لها يمنع تحقيق أي اتفاق لوقف إطلاق النار. على الجانب الآخر، فإن المرونة التي تظهرها المقاومة الفلسطينية لا تخرج عن المعايير المطروحة للموافقة على أي اقتراح، وتتمثل بالانسحاب من القطاع وإنهاء الحرب
- استمرار الحرب مع وقف مؤقت لإطلاق النار: هذا السيناريو يشير إلى استمرار الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع توقف مؤقت لإطلاق النار وفترات هدن إنسانية بين الفترات. هذا الخيار قد يؤدي إلى تخفيف حدة الصراع لفترة معينة، لكنه لا يعالج جذور المشكلة ولا يوفر حلا دائما.
- التوصل إلى صيغة لإدارة قطاع غزة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية: هذا الخيار يشمل التوصل إلى اتفاقية بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة. يمكن أن تتضمن هذه الصيغة إدخال قوات دولية للمساعدة في إدارة القطاع، وتحسين الظروف المعيشية للسكان، وتحقيق الأمن والاستقرار. ومع ذلك، قد يواجه هذا الخيار تحديات كثيرة بما في ذلك المعارضة الداخلية والخارجية وصعوبة في تحقيق التوافق بين جميع الأطراف المعنية.
- استسلام فصائل المقاومة: هذا السيناريو غير محتمل تماما، حيث أن فصائل المقاومة، بما في ذلك حماس، تتمسك بأهدافها وترفض الاستسلام، فاستسلامها سيعني تنازلها عن مبادئها ومطالبها، مما يجعل هذا السيناريو غير واقعي.
ختاما، إن دخول إسرائيل في الحرب دون أهداف واضحة أو تطبيق مستحيل لها يمنع تحقيق أي اتفاق لوقف إطلاق النار. على الجانب الآخر، فإن المرونة التي تظهرها المقاومة الفلسطينية لا تخرج عن المعايير المطروحة للموافقة على أي اقتراح، وتتمثل بالانسحاب من القطاع وإنهاء الحرب، لكن تبادل الأسرى وإعادة الإعمار قضيتا تحصيل حاصل للمطالب الأساسية، وفي حال عدم تحقيقهما سوف نشهد مستقبلا مزيدا من المقترحات والمفاوضات السياسية، بموازاة تصعيد عسكري والمزيد من جرائم الإبادة الإسرائيلية ضد غزة وما يقابلها من عمليات للمقاومة الفلسطينية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل فلسطين غزة وقف إطلاق النار مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إطلاق النار إسرائیل فی قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تصر على لعبة “إرهاب يعبر الأغوار”.. لماذا؟ الأردن في عمق “الابتزاز” ومخاطر التهجير
#سواليف
مجددا يعود وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل #كاتس إلى الضرب على الوتر الغامض، عندما يجمع #الأردن بالعراق واليمن في تصريح مثير حول ما يسميه امتدادات الإرهاب الإيراني، فيما تستمر الفرق الهندسية التابعة للجيش الإسرائيلي ببناء #جدار جديد بعد تشكيل ما يسمى بفرقة #الأغوار العسكرية تحت ذريعة حماية #حدود_الكيان مع الأردن.
الوقائع تقول إن المجسات الأردنية العميقة تفهم الاسترسال الإسرائيلي التكتيكي في لعبة حدود الأغوار. لكن ما هو غير معلوم بعد للرأي العام الأردني عموما، هوية التكتيكات المضادة في ظل استمرار الإعلام اليميني الإسرائيلي بالعزف على ما يسمى مخاطر تهريب الأسلحة الإيرانية بكثافة من منطقة #الأغوار في الأردن.
لا يوجد أدلة ولا قرائن حقيقية على ارتخاء قبضة الأمن الأردني فيما يتعلق ليس بالجماعات المرتبطة بإيران فقط، ولكن فيما يتعلق أيضا بالفصائل الفلسطينية المقاومة، حيث الحدود والأجواء والمناخات الأردنية مغلقة تماما على أي عمل مسلح بما في ذلك العمل السياسي والإعلامي للمقاومة.
مقالات ذات صلة الاحتلال : إصابة قائد لواء منشية بانفجار عبوة ناسفة خلال العملية العسكرية في طولكرم 2024/12/25المؤسسة الأردنية تستشعر بأن قادة اليمين الإسرائيلي ساعون قصدا لتضخيم فكرة حصول اختراقات من جهة الأغوار. لكن محللين بارزين وإستراتيجيين، من بينهم نائب رئيس هيئة الأركان الأردني الأسبق، الجنرال قاصد محمود، يشيرون إلى #مبالغات و #تضخيمات إسرائيلية لها هدف عميق وخبيث عنوانه العريض الضغط على الأردن لأسباب سياسية ضمن أجندة قادمة لا محالة عنوانها التهجير، ومجددا تطبيق النظرية التي تحدث عنها وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، عندما وصف بأن حكام تل أبيب الحاليين مهتمون فعلا بحسم الصراع وحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن.
القيادي الفتحاوي البارز عباس زكي قال في جلسة حوار حضرتها “القدس العربي” إن عملية تجريف البنية التحتية في مخيمات الضفة الغربية هدفها التوطئة للتهجير، معتبرا أن الأردن في #مخاطر_التهجير الآن، وعليه التحرك وفقا لهذه المعادلة.
معادلة التحرك الأردني لا تزال غامضة، فالجميع يرصد مبالغات القادة الإسرائيليين في الحديث عن الإرهاب الذي بدأ يعبر حدود الأغوار من الأردن باتجاه الكيان.
ولا أحد في مجتمع الأردن لديه معطيات أو معلومات بعد عن أي خطة أردنية مضادة للتحرك الإسرائيلي الذي يعتقد بأنه يتناغم في النتيجة، أو قد يتناغم لاحقا مع ما يصفه المحلل البارز الدكتور سنان شقديح، باحتياجات الرئيس ترامب التي ستبرز لاحقا من الأردن.
هنا برزت الدراسة التي نشرها باحث أكاديمي بارز في الأردن ظهر الثلاثاء، وهو الدكتور وليد عبد الحي، الذي درس خيارات الدولة الأردنية في ظل ما أسماه بتوافق بين طاقم ترامب والمؤسسات الأمريكية العميقة على تأمين وحماية إسرائيل في كل الأحوال.
الدكتور عبد الحي شدد في دراسته على تلك العناصر التي تستوجب الانتباه لما أسماه بالجبهة الخامسة، حيث مؤشرات تراكم على أن ترامب قد يدعم تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الشرقية، والهدف تقليص الكتلة السكانية الفلسطينية ضمن معادلة الديموغرافيا التي تؤرق معاهد البحث الاسرائيلية.
ما يشير له عبد الحي علميا لا يزال أكبر الهواجس بالنسبة للنخب والأوساط والصالونات السياسية الأردنية، فيما تحتفظ أجهزة القرار بأوراقها في هذا الملف الحساس.
ولا مؤشرات بعد على أن سياسة النأي بالنفس عن مواجهة متوقعة مع برنامج الرئيس ترامب عند استلامه مهام منصبه، يمكن أن تحقق مكاسب حقيقية. وفي المقابل، لا مؤشرات على أن سيناريو عدم المجازفة بالمستقبل الذي أصبح بمثابة شعار المرحلة الرسمي أردنيا، يمكنه أن يعالج التخوفات والهواجس.
المطروح سلسلة من الأفكار المتزاحمة في هذا السياق. لكن المقابل زج تصريحات أركان اليمين الإسرائيلي الأردن في الحديث عن استغلال إيران للجغرافيا وتهريب الأسلحة محطة يصبح التعاطي معها قسريا، خصوصا بعدما تتبناها المؤسسة الإسرائيلية بتصريحات مباشرة لوزير الدفاع تؤسس لفرضيات غير موجودة على أرض الواقع.
ما يقال في الأروقة الرسمية الأردنية هنا أن محاولات التسلل عبر الأغوار أو تنفيذ عمليات أو حتى تهريب أسلحة فردية في معدلها الطبيعي تماما قياسا بكل ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية، حيث عمليات فردية محدودة، وتراكم في الأكاذيب الإعلامية الإسرائيلية عن إستغلال جهات إيرانية للأراضي والحدود الأردنية.
وهو ما لا يحصل عمليا بموجب كل تأكيدات الرواية الرسمية الأردنية.
لذلك تبقى لعبة اليمين الإسرائيلي في ملف الأغوار والحدود مع الأردن، ولاحقا خطة حسم الصراع والسيطرة على الضفة الغربية، واحدة من أبرز تجليات الابتزاز الإسرائيلي للأردن.
وفيما تلجأ عمان إلى فهم وتعريف هذا الابتزاز، لم يصدر عن طاقم الرئيس ترامب ما يؤشر على موقفه أو فلسفته في إدارة هذه الجزئية الحساسة.