يرى الأكاديمي الإسباني إغناسيو ألفاريز أوسوريو أن الحركة الصهيونية وريثة الاستعمار الأوروبي وتقاسمه سمات معينة، مثل الشعور بالفوقية واحتقارها الشعوب المستعمَرة الذين تجردهم من إنسانيتهم وتصفهم -مزدرية إياهم- بأنهم برابرة وغير متحضرين.

وإغناسيو ألفاريز أوسوريو هو أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة كومبلوتنسي بمدريد ومدير المجلة الأكاديمية "رف الباحث العربي" وعضو مجموعة "كومبلوتنسي" للأبحاث حول المغرب العربي والشرق الأوسط.

كان سابقا أستاذا في جامعة أليكانتي بين عامي 1999 و2019، حيث أدار المعهد المشترك بين الجامعات للتنمية الاجتماعية والسلام (آي يو دي إي إس بي)، وبين عامي 2015 و2018 كان منسقا لمنطقة الشرق الأوسط والمغرب العربي في "مؤسسة البدائل" أحد أهم مراكز الأبحاث في إسبانيا.

نشر 50 مقالا أكاديميا في مجلات وطنية ودولية، بما في ذلك مجلة "ميدل إيست كوارترلي"، ومراجعة الإيمان والعلاقات الدولية، ومغرب المشرق، وآوتر تير، وآفاق المستقبل.

وهو أيضا عضو في هيئة تحرير مجلة الدراسات الدولية المتوسطية ويساهم بشكل منتظم في وسائل الإعلام المختلفة، حاورته الجزيرة نت حول رؤيته للحرب الإسرائيلية على غزة وتأثيرها على العلاقة بين الشرق والغرب، فإلى الحوار:

 كيف تنظرون إلى القرار الأخير للمحكمة الجنائية الدولية بشأن نتنياهو وغالانت؟ وهل يمكن البناء عليه من أجل تطبيق القانون الدولي على جميع الدول دون استثناء؟

بداية، أظن أن هذه نقطة تحول، ذلك أنها المرة الأولى التي يصرح فيها بوضوح بأن بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت مسؤولان عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي يمثل تغيرا غير مسبوق، فلم يحدث أن أشارت العدالة الدولية من قبل بوضوح إلى مسؤولية السلطات الإسرائيلية في تخطيط وتنفيذ مشروع لتدمير قطاع غزة بالكامل واستعمال الجوع سلاحا لتقليل سكانه.

ثانيا، لا بد من أن نأخذ بعين الاعتبار أن أوامر الاعتقال الصادرة عن محكمة العدل الدولية لا تؤثر إلا على الدول الموقعة على ميثاق روما، وهي 123 دولة.

والولايات المتحدة الأميركية ليست ضمن هذه البلاد، لكن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة قد صدّقتا على هذا الميثاق، وهما مجبران بالتالي على اعتقال نتنياهو وغالانت إذا دخلا الأراضي الأوروبية، ويمثل هذا تغيرا غير مسبوق، ذلك أنه يظهر أن إسرائيل تصبح معزولة بشكل متزايد، وأن حصانتها قد وصلت إلى نهايتها.

هناك ازدواجية واضحة بين القيم التي يدعي الاتحاد الأوروبي الدفاع عنها دوليا كالديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة والعلاقات المميزة التي يمنحها لبعض الأنظمة الأكثر استبدادية في العالم من جهة أخرى

⁠أعلنت إسبانيا ودول غربية وعالمية الاعتراف بدولة فلسطين، هل يمكن أن تنجح هذه الدول فيما فشلت فيه اتفاقية أوسلو منذ عقود في تحقيق الحق الفلسطيني؟

لقد اعترف حتى الآن 146 بلدا بدولة فلسطين، أي ما يمثل 75% من بلاد العالم، ومعظم هذه البلاد مما تسمى دول الجنوب.

ويظل الغرب استثناء لما فيه من مقاومة كبيرة للاعتراف بدولة فلسطين، أما في الاتحاد الأوروبي فلم تتخذ هذه الخطوة سوى نصف بلاده: 12 من 27 دولة.

ومن غير المقبول أن يرفض 15 بلدا أوروبيا الاعتراف بحق الشعب الفسلطيني في دولة مستقلة، في حين تمنح إسرائيل معاملة تفضيلية في الوقت الذي تدمر فيه قطاع غزة تدميرا كاملا وتقتل المئات من المدنيين كل يوم، فهناك ازدواجية واضحة بين القيم التي يدعي الاتحاد الأوروبي الدفاع عنها دوليا كالديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة والعلاقات المميزة التي يمنحها لبعض الأنظمة الأكثر استبدادية في العالم من جهة أخرى.

أخيرا، أعتقد أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية على نطاق عالمي يمكن أن يبعث رسالة واضحة إلى إسرائيل مفادها أن العالم لن يسمح لها بضم الأراضي الفلسطينية المحتلة أو الاستمرار في سياسة الأمر الواقع.

وعلاوة على ذلك يمكن أن يخلق الظروف اللازمة لفرض عقوبات دولية على إسرائيل.

الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين صراع استعماري في الدرجة الأولى، والحركة الصهيونية ذات رؤية استشراقية، فهي وريثة الاستعمار الأوروبي وتقاسمه سمات معينة، مثل الشعور بالفوقية واحتقارها للشعوب المستعمَرة الذين تجردهم من إنسانيتهم

⁠تاريخيا، برهن المسلمون على أنهم يتقنون التعايش.. ألا ترى معي أن الدين الإسلامي هو الأقدر على تدبير الخلاف بين الديانات الثلاث في أرض الديانات أي فلسطين المحتلة؟

في حين أنه من الصحيح أن الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين فيه عنصر ديني إلا أنه -في رأيي- صراع استعماري في الدرجة الأولى، فقد استضافت بلاد إسلامية وعلى مدى قرون عديدة مجتمعات يهودية كبيرة وتعايشت معها من دون صعوبات كبيرة، فيجب ألا ننسى أنه حين قرر الملوك الكاثوليكيون طرد اليهود من إسبانيا عام 1492 استقر معظمهم في شمال أفريقيا أو في الإمبراطورية العثمانية، حيث اندمجوا اندماجا كاملا وعاشوا في أمن وسلام.

أما الحركة الصهيونية فإنها ذات رؤية استشراقية، فهي وريثة الاستعمار الأوروبي وتقاسمه سمات معينة، مثل الشعور بالفوقية واحتقارها الشعوب المستعمَرة الذين تجردهم من إنسانيتهم وتصفهم -مزدرية إياهم- بأنهم برابرة وغير متحضرين.

من ناحية أخرى، وظفت الحركة الصهيونية الديانة اليهودية لتعزيز مشروعها الاستعماري عن طريق تقديمها اليهود على أنهم شعب الله المختار، وأن لهم الحق الحصري في أراضي فلسطين، وبناء على هذا أشك في احتمال إيجاد حل لنزاع ذي طبيعة استعمارية.

معظم الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من الغرب مرتبط بمسائل تتعلق بالهوية، إذ إن في الغرب عملية لتوحيد الهويات ضمن إطار واحد، وفي هذا السياق نجد أن حلفاء إسرائيل الأوروبيين الأساسيين أحزاب يمينية متطرفة تثير الخوف من غزو إسلامي محتمل عن طريق الهجرة وتنطلق من مسلّمات معادية للإسلام

 ⁠تدعي بلدان غربية فك ارتباطها بالدين وأنها علمانية، لكن الدول الغربية الكبرى تستحضر المعتقدات الدينية في سياساتها لدعم إسرائيل في حربها على غزة، كيف نفهم هذا التناقض؟

لا أعتبر العامل الديني عاملا حاسما في تفسير الدعم الغربي لإسرائيل، لا في الحاضر ولا في الماضي، فتجدر الإشارة إلى أن قيام إسرائيل مرتبط مباشرة بالمحرقة التي ارتكبتها ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، وأن جزءا مهما من الدعم الذي حظيت به خطة تقسيم فلسطين عام 1947 مرتبط بالمحاولة الغربية لتعويض اليهود عن الضرر الذي لحق بهم، ولم تشارك معظم الدول الأفريقية والآسيوية في تصويت الأمم المتحدة على هذه المسألة، نظرا إلى أن عملية إنهاء الاستعمار كانت لا تزال في بداياتها.

وقد صار للدعم الغربي لإسرائيل -انطلاقا من خمسينيات القرن الماضي- خلفية أيديولوجية، إذ ينبغي ألا ننسى أن القادة الصهاينة لطالما نظروا إلى إسرائيل على أنها قاعدة غربية في العالم العربي، ثم صارت إسرائيل في الحرب الباردة حليفة إستراتيجية للغرب تهاجم البلاد العربية التي وقفت في صف الاتحاد السوفياتي.

أما الآن فإن معظم الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من الغرب مرتبط بمسائل تتعلق بالهوية، إذ إن في الغرب عملية لتوحيد الهويات ضمن إطار واحد، وفي هذا السياق نجد أن حلفاء إسرائيل الأوروبيين الأساسيين أحزاب يمينية متطرفة تثير الخوف من غزو إسلامي محتمل عن طريق الهجرة، وتنطلق من مسلّمات معادية للإسلام بشكل واضح.

هناك صدع شديد العمق بين الحكام والمحكومين، ليس في العالم العربي فحسب، بل في الدول الغربية أيضا، فقد نزل جزء كبير من المجتمع الغربي إلى الشارع ليدين المجزرة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني وللمطالبة بأن تُنزل حكوماتهم عقوبات بإسرائيل

⁠رغم الاحتجاجات الشعبية الغربية المتواصلة فإن بعض الحكومات الأوروبية لا تزال تدافع عن إسرائيل التي أدانتها محكمة العدل الدولية بممارسة إبادة جماعية، هل باتت الديمقراطية الغربية مشابهة للديمقراطية العربية، أنتم احتجوا ونحن نفعل ما نريد؟

بالفعل، هناك صدع شديد العمق بين الحكام والمحكومين، ليس في العالم العربي فحسب، بل في الدول الغربية أيضا، فقد نزل جزء كبير من المجتمع الغربي إلى الشارع ليدين المجزرة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني وللمطالبة بأن تنزل حكوماتهم عقوبات بإسرائيل.

وقد كان هذا الضغط فعالا، فقد أجبرت بعض الحكومات مثل الحكومة الإسبانية على إعادة النظر في علاقاتهم مع إسرائيل والاعتراف بدولة فلسطين، وقد حظيت هذه الخطوة بتأييد واسع من المجمتع الإسباني، أما الآن فيدعو المجتمع المدني الأوروبي إلى المضي قدما والموافقة على حظر بيع الأسلحة وتعليق العلاقات الدبلوماسية وفرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل.

ولا يتضح لنا سبب استمرار الاتحاد الأوروبي بمعاملة الجامعات الإسرائيلية معاملة مميزة في الإطار التعليمي الأوروبي في الوقت الذي يدمر فيه الجيش الإسرائيلي جامعات غزة كلها ويعدم أساتذتها دون عقاب.

لجأت السلطات الإسرائيلية لعقود عديدة إلى حجة معاداة السامية، في محاولة لتحييد أي انتقاد لأفعالها في الأراضي المحتلة

تحولت "معاداة السامية" إلى أداة قمع في وجه حرية التعبير في البلدان الغربية وحتى في جامعاتها العالمية، لماذا لم يستطع الفكر الغربي التخلص من الربط بين الصهيونية واليهودية؟

لقد لجأت السلطات الإسرائيلية لعقود عديدة إلى حجة معاداة السامية في محاولة لتحييد أي انتقاد لأفعالها في الأراضي المحتلة، وقد حققت هذه الإستراتيجية نجاحا نسبيا عندما استعملت ضمن الحد المعقول، لكنها تفقد فعاليتها عندما تستعمل على نطاق واسع بهدف مهاجمة كل من ينتقد انتهاكات إسرائيل المستمرة للقانون الإنساني الدولي.

فيمكن أن نقول إن الحكومة الإسرائيلية قد وظفت مصطلح "معاداة السامية"، معتبرة أن كل من يدين المشروع الصهيوني الاستعماري معاد للسامية، فبالنسبة إلى نتنياهو فإن الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والحكومات مثل حكومات إسبانيا وأيرلندا والنرويج كلها معادية للسامية، الأمر الذي يخالف الواقع بشكل واضح.

وبدلا من تشويه سمعة هذه المؤسسات والحكومات فإن ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية عن طريق التقليل من قيمة مصطلح "معاداة السامية" هو تشويه سمعتها هي.

⁠بمَ تفسر تخوف النخب الغربية من الصهيونية؟

أعتقد أنه لا يمكن إطلاق حكم عام فيما يتعلق بهذه المسألة، لاختلاف الحال في كل من البلدان الغربية، فنجد جالية يهودية كبيرة في الولايات المتحدة الأميركية مكونة من 7.5 ملايين شخص، أي أكثر من سكان إسرائيل نفسها.

وعلاوة على ذلك نجد "لوبي" قويا مواليا لإسرائيل ذا تأثير كبير على قطاعات الإعلام والسلاح والنفط.

وقد صارت المسيحية الإنجيلية في العقدين الأخيرين جزءا من هذا اللوبي المؤيد لإسرائيل أيضا، ذلك أنها تؤمن بأن بلوغ المشروع الصهيوني ذروته سيعجل من ظهور المسيح.

وعلاوة على هذا هناك منظمات مثل "أيباك" التي تحشد موارد اقتصادية مهمة لمكافأة السياسيين الذي هم أكثر ولاء للحكومة الإسرائيلية أو لمعاقبة أولئك الذين هم أقل ولاء لها.

وعلى الرغم من وجود جاليات يهودية كبيرة في المملكة المتحدة وفرنسا فإنها أقل قدرة على التأثير في حكومة البلدين مقارنة بقوة هذا التأثير في الولايات المتحدة الأميركية.

أما حالة ألمانيا فهي شديدة الاختلاف، ذلك أن سياستها الخارجية مشروطة بشعور بالذنب لمسؤولية البلد في الإبادة الجسدية لملايين اليهود، الأمر الذي قادها إلى تقديم الدعم غير المشروط لسياسيات أي حكومة إسرائيلية، سواء أكانت تابعة لحزب العمل أو اليمين المتطرف.

نشهد بالفعل تحولات عميقة في النظام العالمي، النظام أحادي القطب الذي عزز بعد الحرب الباردة يفسح المجال أمام النظام ثنائي الأقطاب الذي تلعب فيه بلاد مثل الصين والهند وروسيا دورا أكبر

⁠هناك من يرى أن ما يجري من تحولات في العالم في الصين وروسيا وأفريقيا هو بداية لتراجع المركزية الغربية، كيف تقرؤون هذه التحولات؟ وما توقعاتكم لنتائجها القريبة والبعيدة المدى؟

نحن نشهد بالفعل تحولات عميقة في النظام العالمي، النظام أحادي القطب الذي عزز بعد الحرب الباردة يفسح المجال أمام النظام ثنائي الأقطاب الذي تلعب فيه بلاد مثل الصين والهند وروسيا دورا أكبر.

وقد صرحت الولايات المتحدة الأميركية بنيتها الانسحاب من الشرق الأوسط والتركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادي، الأمر الذي ترك فراغا في السلطة تحاول الصين ملأه.

وبفضل مبادرة "الحزام والطريق" عززت الصين وجودها في الشرق الأوسط مستفيدة من طريقها البحري الذي يربط شرق آسيا بأوروبا، وقد صارت الصين اليوم الشريكة الاقتصادية الرئيسية للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران وإسرائيل، الأمر الذي يبين نجاح السياسة الخارجية غير الأيديولوجية التي تقدم العلاقات التجارية على السياسة.

فإن كانت الولايات المتحدة قد اعتمدت على التحكم بالنفط والقوة العسكرية وبيع السلاح لتأمين هيمنتها على الشرق الأوسط يبدو أن الصين تراهن على تكثيف العلاقات التجارية لبسط نفوذها، وللوصول إلى هذا تحتاج بشكل ملح إلى الاستقرار في الشرق الأوسط.

وعلى أي حال، أعتقد أن الصين الآن ليست في وضع يسمح لها بالحلول محل الولايات المتحدة باعتبارها قوة مهيمنة كبرى في الشرق الأوسط، نظرا لافتقارها إلى الحضور العسكري في المنطقة وإلى الحضور الدبلوماسي النشط القادر على التأثير في مصير الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة الأمیرکیة الاتحاد الأوروبی معاداة السامیة بدولة فلسطین الشرق الأوسط الأمر الذی فی العالم عن طریق یمکن أن ذلک أن من جهة

إقرأ أيضاً:

السعودية وإيران وإسرائيل.. كيف سيتعامل ترامب مع ملفات الشرق الأوسط؟

أبوظبي، والقدس (CNN)-- إذا كان من الممكن اعتبار فترة ولايته الأولى في البيت الأبيض مؤشرًا على أي شيء، فمن المرجح أن يُبقي الرئيس المنتخب دونالد ترامب الشرق الأوسط على رأس جدول أعماله.

خلال السنوات الأربع الأولى من ولايته، اتخذ ترامب قرارًا غير مسبوق باختياره المملكة العربية السعودية كوجهة لأول رحلة خارجية له، وحاول التوسط في "صفقة القرن" بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وعزز التكامل الإقليمي لإسرائيل، وكثف الضغوط على إيران بشكل كبير.

لكن الشرق الأوسط تغير بشكل كبير منذ أن ترك منصبه في عام 2021، فيما تترقب الجهات الإقليمية الفاعلة باهتمام كيف سيتعامل الرئيس الجديد مع هذه التحولات.

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبر حسابه على منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، الأربعاء، إن "عودتك التاريخية إلى البيت الأبيض تقدم بداية جديدة لأمريكا، وتؤكد من جديد على التزامنا القوي بالتحالف العظيم بين إسرائيل وأمريكا. هذا انتصار كبير!".

كما رحبت دول الخليج العربية بفوز الرئيس المنتخب. وهنأ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في بيان، ترامب على انتخابه كما اتصل محمد بن سلمان بترامب لتهنئته. وقالت الإمارات العربية المتحدة إنها والولايات المتحدة "متحدتان في شراكتنا الدائمة القائمة على الطموحات المشتركة للتقدم".

أما إيران فقد قللت من أهمية الانتخابات الأمريكية، قائلة إنه "لا يوجد فرق كبير" فيمن يصبح رئيسًا في الولايات المتحدة، حسبما نقلت وسائل الإعلام الرسمية. وقالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني إن "السياسات العامة للولايات المتحدة وإيران لم تتغير" بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

هكذا قد يؤثر انتخاب ترامب على اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط:

الإسرائيليون والفلسطينيون

ورأى محللون أن إنهاء الحروب في غزة ولبنان ودمج إسرائيل في الشرق الأوسط من المرجح أن يكونا على رأس أجندة الرئيس المنتخب في الشرق الأوسط.

وقال مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، إن "نتنياهو سيواجه رئيسًا أكثر صرامة مما اعتاد عليه، بمعنى أنني لا أعتقد أن ترامب سيتسامح مع الحروب بالسلوك الذي تجري به"، مضيفا أنه بالنسبة للفلسطينيين، لن يحدث هذا فرقًا كبيرًا "لأن الإدارتين كانتا متحيزتين تماما" لصالح إسرائيل.

وقال الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ألون بينكاس لشبكة CNN إن ترامب لا يريد أن تكون هذه الحروب "على مكتبه كقضية ملحة" عندما يتم تنصيبه في 20 يناير/كانون الثاني.

وأضاف: "سيقول: أنهوا الأمر؛ أنا لا أحتاج إلى هذا"، وتابع قائلا إن ترامب سيطلب على الأرجح من رئيس الوزراء الإسرائيلي "الإعلان عن النصر" ثم التوصل إلى اتفاق من خلال وسطاء.

Credit: Gettyimages

طوال حملته الانتخابية، لم يحدد ترامب كيف سيتعامل مع الحرب بين إسرائيل وحماس إذا أُعيد انتخابه، أو كيف ستختلف سياساته عن سياسات سلفه جو بايدن. في أبريل/ نيسان الماضي، قال ترامب إن إسرائيل بحاجة إلى "إنهاء ما بدأته" و"إنهائه بسرعة"، مشيرًا إلى أنها "تخسر حرب العلاقات العامة" بسبب الصور القادمة من غزة.

وقال بينكاس إن ترامب "لا يهتم بالقضية الفلسطينية". وخلال فترة ولايته الأولى، لم يلق بثقله خلف الدعم الأمريكي الطويل الأمد لدولة فلسطينية مستقلة، مضيفا أن ترامب يرغب في الحل "الذي يحبه الطرفان".

وقال البرغوثي إن هناك مخاوف من أن يسمح ترامب لإسرائيل بضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، وهو ما من شأنه أن يعني "نهاية حل الدولتين".

خلال فترة ولايته الأولى، اتخذ ترامب عدة خطوات لصالح إسرائيل. ففي عام 2017، اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مخالفًا بذلك عقودًا من السياسة الأمريكية والإجماع الدولي. كما اعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، التي استولت عليها من سوريا خلال حرب عام 1967.

ولكن في حين يزعم ترامب في كثير من الأحيان أنه الرئيس الأكثر تأييدًا لإسرائيل في التاريخ الحديث، بل وحتى يتباهى بعلاقته الوثيقة والشخصية مع نتنياهو، فإن العلاقات بينهما لم تكن ودية دائمًا.

في عام 2021، عندما كان كلاهما خارج المنصب، اتهم ترامب نتنياهو بالخيانة عندما هنأ الزعيم الإسرائيلي بايدن على فوزه بالرئاسة في عام 2020.

وبعد وقت قصير من هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، انتقد ترامب نتنياهو وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لعدم استعدادها، زاعمًا أن الهجوم لم يكن ليحدث لو كان رئيسًا.

وقال بوعز بسموت عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، لشبكة CNN، إن انتخاب ترامب جاء في "الوقت المناسب" لأنه سيوفر فرصة لتوسيع "اتفاقيات إبراهيم" (التطبيع) مع اقتراب الحروب في غزة ولبنان من نهايتها.

وأضاف أن الاتفاقيات، التي سهلتها إدارة ترامب الأولى وشهدت تطبيع إسرائيل للعلاقات مع 4 دول عربية، وضعت احتمالات قيام دولة فلسطينية مستقلة جانبًا. وتابع قائلا: "عندما تنتهي الحرب، ستكون هناك حاجة إلى إعادة تشغيل حقيقية في الشرق الأوسط"، وسيكون ترامب هو الشخص الأفضل لتحقيق "شرق أوسط جديد".

وقال ناداف شتراوكلر، الخبير الاستراتيجي السياسي الذي عمل بشكل وثيق مع نتنياهو، إن انتخاب ترامب يبعث برسالة إلى أعداء إسرائيل في إيران.

ومن المرجح أيضًا أن يكتسب رئيس الوزراء الإسرائيلي المزيد من الجرأة على المستوى المحلي، بعد يوم من إقالته لوزير الدفاع يوآف جالانت إثر أشهر من الصدامات حول السياسة الداخلية وجهود الحرب الإسرائيلية.

وأضاف أن نتنياهو "ربما يحسب تحركاته التالية بشكل مختلف عما كان ليفعله لو فازت هاريس"، وتابع قائلا إن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب قد يعني أنه سيكون هناك المزيد من الضغوط على إسرائيل لإنهاء الحروب في غزة ولبنان، وربما إعادة تركيز الجهود لمواجهة إيران.

إيران

يرى الخبراء أن السنوات الأربع المقبلة قد تكون أكبر اختبار للجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها عام 1979، مع خضوع طهران لتدقيق ترامب الذي من المرجح أن يؤدي إلى عودة حملة "الضغط الأقصى" التي فرضها خلال ولايته السابقة، والتي زادت من عزلة إيران وشلت اقتصادها.

فشل ترامب، الذي يفتخر بأنه صانع صفقات ماهر، في احتواء نفوذ طهران في الشرق الأوسط رغم انسحابه من الاتفاق النووي لعام 2015 للحد من البرنامج النووي الإيراني، وإعادة فرض العقوبات عليها، وحتى إصدار أمر باغتيال قاسم سليماني، القائد العسكري الذي أشرف على العلاقات مع وكلاء إيران في المنطقة.

منذ مغادرة ترامب منصبه في عام 2020، كثفت إيران تخصيب اليورانيوم، وزادت صادراتها النفطية، وكثفت دعمها للجماعات المسلحة الإقليمية، وأرست سابقة بضرب إسرائيل في هجوم مباشر مرتين.

ولكن مع استمرار إسرائيل في إضعاف قدرات طهران الإقليمية من خلال ضرب وكلائها، تجد إيران نفسها تخسر قوتها الرادعة في مواجهة الاضطرابات الاقتصادية والسخط الداخلي واسع النطاق.

وقال علي فايز مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، إن "الجمهورية الإسلامية تبدو هشة في حين أن التهديدات ضدها هائلة"، مضيفًا أن المرشد الأعلى علي خامنئي البالغ من العمر 86 عامًا لديه نطاق محدود للتعامل مع جميع الأزمات التي تحدث في الوقت نفسه.

Credit: Gettyimages

وبينما يتأرجح الشرق الأوسط على شفا حرب أوسع نطاقا، مع تهديد إيران بالرد على هجوم إسرائيلي على أراضيها أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك مخاوف من أن انتخاب ترامب قد يمكّن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهو الأمر الذي حذرت منه إدارة بايدن.

وقال فايز: "هناك سيناريو واحد وهو أن يطلب ترامب من نتنياهو إنهاء المهمة قبل توليه منصبه رسميًا، وهذا يعني أننا قد نشهد تصعيدًا حادًا في التوترات في نوفمبر وديسمبر، حيث تحاول إسرائيل دفع ميزتها لإضعاف إيران ومحور المقاومة (الجماعات المسلحة) قبل أن يتولى ترامب منصبه ... ثم يأت ترامب وينسب الفضل إلى نفسه باعتباره صانع سلام".

لكنه أشار إلى أن هذا قد يتغير إذا قررت إدارة بايدن "سحب القابس" من قدرة إسرائيل على تصعيد التوترات في الأشهر الأخيرة من ولايتها. وقد مهدت الولايات المتحدة بالفعل الطريق لذلك بإرسال خطاب إلى إسرائيل الشهر الماضي تحذر فيه من العواقب إذا لم تحسن إسرائيل الوضع الإنساني في غزة.

وقال فايز إن العامل المهم في علاقة إيران بالرئيس الأمريكي المقبل سيكون هو كيفية رد ترامب على التقارير الاستخباراتية الأمريكية الأخيرة التي تشير إلى أن طهران حاولت اغتياله، وهي المزاعم التي رفضتها إيران ووصفتها بأنها "لا أساس لها من الصحة وخبيثة"، لكنه شدد على أهمية التمييز بين ترامب وإدارة ترامب.

وأضاف أن "ترامب قد ينجذب إلى إغراء التفوق على الإيرانيين على طاولة المفاوضات لأن ذلك سيكون بالنسبة له الاختبار النهائي لمهارته في فن عقد الصفقة"، مشيرا إلى أنه خلال فترة ولايته الأولى، كان منجذبًا إلى احتمال عقد صفقة مع إيران.

وكتب ترامب في تغريدة عام 2020: "إيران لم تفز أبدًا في حرب، لكنها لم تخسر أبدًا أي مفاوضات!".

ورأى فايز أن إحياء نهج "الضغط الأقصى" الذي ينتهجه ترامب قد يقترن بسياسة "الدعم الأقصى" للشعب الإيراني، وهي سياسة محتملة لتغيير النظام. وقال إن هذا من شأنه أن يجعل من غير المرجح أن تعود الدولتان إلى طاولة المفاوضات. 

وأضاف: "لا أعتقد أن أي شخص في فريق الأمن القومي (التابع لترامب) سيشارك هدف التوصل إلى اتفاق مفيد للطرفين مع النظام الإيراني".

السعودية ودول الخليج

في انتظار عودته المحتملة، واصلت دول الخليج العربية التعامل مع ترامب بعد مغادرته منصبه. ويرى المحللون ان هذا قد يكون مثمرا بالنسبة لهم.

ازدهرت العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة في العهد الأول لترامب. فقد اتخذ خطوة تاريخية باختياره الرياض كأول زيارة خارجية له كرئيس في عام 2017، ووقف إلى جانب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال الأزمة المحيطة بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي على أيدي عملاء سعوديين في عام 2018، عندما واجه وريث العرش عزلة عالمية.

وقال حسن الحسن، زميل أبحاث سياسة الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بالبحرين، إن "دول الخليج تولي أهمية كبيرة للقدرة على العمل مع زعيم متشابه التفكير وإدارة العلاقات من خلال الاتصال الشخصي... وهذا يعكس الطريقة التي تدير بها أعمالها مع الدول الأخرى أيضًا".

Credit: Gettyimages

خلال فترة ولايته الأولى، كانت السعودية والإمارات تخوضان حربًا في اليمن، وكانت علاقات البلدين مع إيران في أسوأ حالاتها منذ عقود.

لكن دول الخليج عدلت سياساتها الخارجية بشكل كبير منذ ذلك الحين، واختارت الحد من تدخلاتها العسكرية والتواصل مع أعداء سابقين مثل إيران، في حين عملت على تنويع تحالفاتها في عالم متعدد الأقطاب على نحو متزايد وسط شكوك حول دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وقال الحسن: "مع إيران، هناك فرصة أن يعود ترامب إلى موقف الضغط الأقصى، ونظرًا لتحسن العلاقات مع إيران، فقد تتعرض (دول الخليج) لضغوط أكبر من الولايات المتحدة للالتزام بأقصى قدر من الضغط".

إن أحد التحديات التي قد تواجهها القوى المتوسطة الناشئة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في عهد ترامب هو إدارة علاقاتها الوثيقة مع الصين. فعلى مدى السنوات الماضية، وسعت الدول المنتجة للنفط علاقاتها التجارية والتكنولوجية مع الصين على الرغم من المنافسة بين واشنطن وبكين.

وتم دعوة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للانضمام إلى مجموعة البريكس للدول النامية، كما حصلت المملكة العربية السعودية على وضع شريك الحوار في منظمة شنغهاي للتعاون، وهي كتلة أمنية واقتصادية آسيوية تقودها الصين.

لقد استخدمت الرياض وأبوظبي التكنولوجيا الصينية في البنية التحتية الرئيسية، ورغم التعهدات بالحد من نفوذ بكين على قطاعات الذكاء الاصطناعي الناشئة، فقد اعتمدت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل متزايد على الخبرة الصينية.

وقال الحسن إن "السؤال هو ما إذا كانت إدارة ترامب ستمارس ضغوطا أكبر على دول الخليج لفك ارتباطها بالصين في مجالات معينة، ناهيك عن الحروب الجمركية والتجارية التي من المرجح أن تتفاقم في ظل إدارة ترامب والتي قد يكون لها تأثير على الصادرات الخليجية أيضا".

ويأمل ترامب أيضًا في توسيع اندماج إسرائيل في الشرق الأوسط، لكنه قد يواجه تحديًا في رفض المملكة العربية السعودية تطبيع العلاقات مع إسرائيل حتى ترى طريقًا لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما ترفضه إسرائيل.

قطر، التي كانت من أوائل الدول التي هنأت ترامب، أصبحت لا غنى عنها في الجهود الأمريكية للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة بسبب علاقاتها مع حماس. لكن هذه العلاقات قد تكون عبئا في ظل إدارة ترامب، بحسب الحسن. وقال: "إنهم ربما يشعرون بقلق بالغ بشأن ما قد يكون عليه ترامب في ولايته الثانية".

أمريكاإسرائيلإيرانالإماراتالسعوديةقطرنشر الأربعاء، 06 نوفمبر / تشرين الثاني 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

مقالات مشابهة

  • السعودية وإيران وإسرائيل.. كيف سيتعامل ترامب مع ملفات الشرق الأوسط؟
  • نيويورك تايمز: ترامب يعيد الولايات المتحدة إلى مسار أكثر عزلة وحمائية
  • جيل زد السوري الذي دفع الثمن مبكرا
  • بين هاريس وترامب.. من الرئيس الذي يتمناه نتنياهو؟
  • الأمم المتحدة: 120 مليون نازح ولاجئ حول العالم.. والتحديات تزداد
  • غدا.. وزير الخارجية الفرنسي يزور الضفة الغربية وإسرائيل
  • لابد من محاسبتهم..واشنطن تدعو إسرائيل لردع عنف المستوطنين في الضفة الغربية
  • الأمم المتحدة تحذر: لا مناطق آمنة في غزة والكارثة تزداد سوءًا
  • مشاهد من لعبة Arma 3.. حقيقة فيديو منسوب لاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل في جنوب لبنان
  • مختار: لا ينبغي استمرار انقسام مجلس الدولة الذي يعد الواجهة السياسية للمنطقة الغربية