لا يفل الذكاء الاصطناعي إلا الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 13th, June 2024 GMT
مؤيد الزعبي
كثيرة هي التخوفات من الذكاء الاصطناعي سواء من تقنياتها التي ستؤثر سلباً على حياتنا إن استخدمناها بالطريقة السلبية أو حتى بالتقنيات التي ستجعل الحقائق تتغير وتتبدل ويصعب إثبات أن الذكاء الاصطناعي كان هو منشؤها ومُستحدثها ومعدلها كالتزييف العميق وعمليات التزوير الاحترافية التي تتم بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي وصولاً لمخاوف كبيرة من فقدان الوظائف لصالح الذكاء الاصطناعي.
وهذه مخاوف عامة تتزايد يوماً بعد يوم خصوصاً وأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تتطور وتتقدم بشكل سريع وملفت، ولكن دعني أقل لك عزيزي القارئ إنه لا يفل الذكاء الاصطناعي إلا الذكاء الاصطناعي، وسوف أحاول أن أتناول من خلال هذا الطرح كيف سيساعدنا الذكاء الاصطناعي للتغلب على مخاوفنا من الذكاء الاصطناعي نفسه.
ربما تكون مسألة فقدان الوظائف وتبديلنا كبشر بالروبوتات والأنظمة الذكية لتأخذ مكاننا وأدوارنا هي أكبر مخاوفنا من الذكاء الاصطناعي، ولكن هذه المخاوف هي نفسها مخاوفنا من الآلات خطوط الإنتاج الآلية وهي نفسها مخاوفنا من الكمبيوتر والإنترنت في وقت سابق، ولكن في النهاية أثبتت تجاربنا أن التحديث والتطوير يلغي وظائف صحيح لكن يستحدث بالمقابل وظائف جديدة، وأمام كل شخص منا خيارين إما أن يضع اليد على الخد ويبكي على الأطلال لفقدانه وظيفته أو تضع يدك بيد الذكاء الاصطناعي وتطور من وظيفته الحالية أو حرفتك لتكون رائداً في مجالك، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ بأنني واحد ممن يؤمنون بأن الذكاء الاصطناعي لن يُجلسنا في بيوتنا بل سنجعله نحن يعمل بدلاً عنا ونحن جالسون في بيوتنا نجني ثماره وأمواله وإيراداته، ولكن كل هذا يعتمد على قرارك أنت.
الأمر الآخر الذي نخافه جميعاً هو دخول أنظمة التزييف العميق ومحاولة استغلال الذكاء الاصطناعي في تغليب الحقائق وتزييفها وتغييرها، وهذا صحيح نوعاً ما ولكن الذكاء الاصطناعي نفسه هو من سيكتشف لنا هذا التزييف فهناك أدوات تعمل على تحليل ميزات الفيديو أو الصوت بحثًا عن علامات التلاعب، مثل التناقضات في الإضاءة أو الحركة، أو عدم التناسق في حركة الشفاه أو تعبيرات الوجه لتكتشف لنا مكمن التزييف وهناك شبه إجماع دولي بأن الشركات المبرمجة للذكاء الاصطناعي التوليدي يجب أن تبين الصور والفيديوهات وحتى الصوت المنشئ بواسطة أنظمتها الذكية وهذا سيحل الكثير من المشاكل، وحتى لو وجدت أنظمة تزييف عمق محترفة فسرعان ما ستظهر لنا أدوات ذكاء اصطناعي تفند هذا التزييف وتكتشفه.
هناك مخاوف أخرى متعلقة بسرية المعلومات والبيانات وإمكانية تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي تلعب دور "الهكر" والتي ستكون أذكى وأقوى من البشر أنفسهم، والبعض يقول بأن الهكر البشري دمر أنظمة وسرق بيانات وشن حروب إلكترونية فكيف سيكون الحال مع وجود هكر يعمل بالذكاء الاصطناعي، ولكن في هذه النقطة تحديداً لا تقلق عزيزي القارئ فالذكاء الاصطناعي سيكون هو درعك الحامي، فكما أن هناك من يبرمج ذكاء اصطناعي ليكون مخترقاً إلكترونياً هناك من يبرمجه ليكون درعك الإلكتروني والحامي لبياناتك ومعلوماتك وأسرارك ولكن أن تتخيل كيف ستكون المواجهة صحيح أنها صعبة ولكن أثبت لك أن هناك شركات ستبرمج أنظمة تجعل من بياناتك شيفرة خاصة مرتبطة بحمضك النووي إن اردت، وهناك شركات مالية ضخمة تقوم حالياً باستحداث أنظمة جديدة لبطاقات الائتمان والحسابات المصرفية لتكون مشفرة بطريقة يصعب اختراقها، والأمر سيعمم على جميع البيانات خصوصاً وأن هناك أنظمة تشفير حديثة مثل البلوك تشين، وهناك استخدامات قادمة لبناء أنظمة كمومية لحماية البيانات وتشفيرها، والاستثمار في حماية البيانات سيكون أعلى بمراحل كثيرة من الاستثمار في اختراقها وهذا يضمن لكن أن مستقبل بياناتك أمن الذكاء الاصطناعي هو درعك الحامي.
وعند الحديث عن مخاوفنا بشأن تلاشي القيم الإنسانية وتحول مجتمعاتنا لمجتمعات روبوتية كما يضن البعض إلا أنني أجد بأن الذكاء الاصطناعي سيجعلنا أكثر إنسانية إن أردنا ذلك، فالذكاء الاصطناعي سيجعلنا أكثر قدرة على تحليل مشاكل مجتمعاتنا وتحديدها بشكل دقيق والحديث عنا عن المجتمع بأكمله أو حتى عن مشاكل الأفراد أنفسهم، فأنظمة مثل التحليل والطب النفسي وما سيستحدث من تقنيات للتقويم الأسري التي ستساعد الكثيرين في تجنب الكثير من مشاكل حياتهم وتعيدهم لإنسانيتهم، وأيضاً ستساعدنا أنظمة الذكاء الاصطناعي في تحقيق العدالة سواء عند استخدامها في الأنظمة القانونية التي ستعمل دون تدخل البشر، وسيوفر لنا الذكاء الاصطناعي قدراً عالياً من الشفافية والإنصاف عندما يدخل في أنظمتنا الحكومية والخدمية، وأيضاً هناك نقطة مهمة أن العالم يتجه للأتمتة أنظمته ومساراته في جميع المجالات وهذا سيوفر لنا قيمة ثابتة من العدالة، وصحيح أن هناك مخاوف من كيفية بنائنا لأنظمة الذكاء الاصطناعي وأنه من المحتمل أن نبنيها لتكون غير عادلة وغير منصفة وهذا أمر وارد، ولكن طالما لم يجتمع البشر لبناء نظام واحد ووحيد للذكاء الاصطناعي فأنا أضمن لك أن المنافسة ستكون هي الحل للوصول لنظام ذكاء اصطناعي أكثر إنسانية وعدالة وإنصاف.
وفي النهاية عزيزي القارئ يجب أن تعلم أن الذكاء الاصطناعي ليس عدوك بل مساعدك وجميع مخاوفك منه ستكتشف أنه مبالغ بها قليلاً، ولا أطالبك هنا أن تستهين بمخاوفك إلا أن مخاوفنا منه سنجد حلاً لها باستخدامه وتطبيقه بالشكل الصحيح، وبالنسبة لي الشيء الذي أخافه في الذكاء الاصطناعي أن نبنيه على شاكلتنا نحن البشر حينها سيشن حروباً وسيبدأ بالدمار وسيبدأ بالتحيز والتمييز، إما أن أوجدناه ليعمل كآلة فلن أخافه بل سوف أطوعه ليخدمنا ويحسن حياتنا، وما أخافه أيضاً مسألة فقدان السيطرة على أنظمة الذكاء الاصطناعي، لذلك يجب أن ننظر للذكاء الاصطناعي من منظور لا يفل الذكاء الاصطناعي إلا الذكاء الاصطناعي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يدخل جيبك.. خوارزميات تحدد كم يجب أن تدفع؟
هل تخيّلت يوما أن تذهب إلى السوبرماركت لشراء علبة حليب (سعة لترين) فتدفع 3 دولارات، بينما يدفع الشخص الذي كان أمامك في الصف 3.50 دولارات، ويدفع من جاء بعدك دولارين فقط؟ ماذا لو كانت أسعار السلع مبنية على بياناتك الشخصية أو ظروفك، أو حتى على مستوى شحن بطارية هاتفك؟
قد يبدو هذا وكأنه من الخيال العلمي، لكنه في الحقيقة ليس بعيدا عن الواقع كما قد تتخيل!
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 25 أشياء لا يفعلها الناجحون في الصباح الباكرlist 2 of 2"الإقفال العظيم" على "تيك توك".. تحدٍ جديد يحوّل الأشهر الأخيرة من العام إلى نقطة انطلاقend of listالذكاء الاصطناعي يدخل في التسعيركشفت مجموعة "دلتا إيرلاينز" الأميركية في يوليو/تموز الماضي، أن ما يقرب من 3% من تسعير تذاكرها المحلية يتم تحديده باستخدام الذكاء الاصطناعي، دون أن توضح الكيفية. وأعلنت الشركة أنها تهدف إلى رفع هذه النسبة إلى 20% بحلول نهاية العام الجاري.
أثار هذا الخبر قلق المستهلكين الذين خافوا من احتمال استخدام "دلتا" لبيانات العملاء لتحديد الأسعار التي ستفرضها عليهم. ولهذا، وجّه ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي -مارك وارنر وروبن غاليغو وريتشارد بلومنثال- رسالة إلى الشركة يطلبون فيها مزيدا من التفاصيل حول خططها المعلنة لتطبيق ما يسمى بـ"التسعير الديناميكي المعتمد على الذكاء الاصطناعي".
وجاء في الرسالة، "إن ممارسات ‘دلتا’ الحالية والمخططة للتسعير الفردي لا تثير فقط مخاوف تتعلق بخصوصية البيانات، بل من المرجح أيضا أن تؤدي إلى زيادات في أسعار التذاكر لكل مستهلك حسب ‘نقطة الألم’ الخاصة به، في وقت تعاني فيه العائلات الأميركية بالفعل من ارتفاع التكاليف".
ورغم أن "دلتا" لم تنفِ استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد الأسعار، فقد ردت بالقول إنها لا تستخدمه في "ممارسات تسعير تمييزية أو استغلالية".
ومع ذلك، تقول الرئيسة السابقة للجنة التجارة الفدرالية الأميركية لينا خان، إن بعض الشركات قادرة على استخدام بياناتك الشخصية لتقدير ما تسميه "نقطة الألم" لديك، أي الحد الأقصى الذي تكون مستعدا لدفعه مقابل سلعة أو خدمة معينة.
"التسعير القائم على المراقبة"في يناير/كانون الثاني الماضي، نشرت لجنة التجارة الفدرالية الأميركية تقريرا حول دراسة أجرتها في يوليو/تموز 2024 بشأن "التسعير القائم على المراقبة".
إعلانخلص التقرير إلى أن الشركات تستطيع جمع البيانات مباشرة من خلال تسجيل الحسابات أو الاشتراك في البريد الإلكتروني أو المشتريات عبر الإنترنت، كما يمكنها استخدام أدوات تتبع رقمية مثل "بيكسلات الويب" (web pixels) التي تجمع إشارات رقمية تشمل:
عنوان بروتوكول الإنترنت (IP). نوع الجهاز المستخدم. معلومات المتصفح. تفضيلات اللغة. تفاصيل دقيقة عن التفاعل مع المواقع مثل تحركات الماوس وأنماط التمرير وسلوك مشاهدة الفيديو.ويُعرف هذا النوع من الممارسات باسم التسعير القائم على المراقبة (Surveillance Pricing).
ما "التسعير القائم على المراقبة"؟"التسعير القائم على المراقبة" هو ممارسة تعتمد على مراقبة بيانات المستهلك لتحديد أسعار مخصصة لكل فرد بهدف تعظيم أرباح البائع. بعبارة أقرب، عندما يحصل البائع على معلوماتك الشخصية، ليتمكن من تحديد السعر الأعلى الذي يعتقد أنك ستدفعه دون تردد.
في ورقة بحثية صدرت عام 2024، وصف الباحث القانوني والخبير الاقتصادي في جامعة نيويورك أورن بار غيل، هذه الظاهرة بقوله "بفضل البيانات الضخمة، يمكّن التمييز السعري القائم على الخوارزميات البائعين من تقسيم قاعدة الزبائن المحتملين إلى فئات فرعية أدق فأدق بحيث يُحدد لكل فئة سعر مختلف. وفي بعض الحالات، يمكن للبائعين تحديد أسعار شخصية بالكامل، بحيث يضعون سعرا مختلفا لكل مستهلك".
وفي مقابلة مع الاقتصادي روبرت رايش في يوليو/تموز من هذا العام، قالت لينا خان، "تُظهر الأدلة أن تطبيقات خدمات النقل مثل ‘أوبر’ تفرض أسعارا مختلفة لنفس الرحلات في نفس الوقت. ورغم أن الأسباب غير واضحة تماما، إلا أن الباحثين أجروا تجارب واكتشفوا أن الركاب الذين تكون بطارية هواتفهم منخفضة يتم فرض أسعار أعلى عليهم".
من جانبها، نفت "أوبر" استهداف مستخدمي تطبيقها عمدا بأسعار أعلى. ومع ذلك، كشف الرئيس السابق للبحوث الاقتصادية في الشركة كيث تشين، في مقابلة إذاعية عام 2016 أن الشركة لاحظت أن المستخدمين الذين تكون بطاريات هواتفهم منخفضة يميلون أكثر لقبول الأسعار المرتفعة في أوقات الذروة.
وأضاف "وجدت ‘أوبر’ أن من لديهم بطارية منخفضة يقبلون السعر المرتفع بغض النظر، لأنهم يحتاجون إلى العودة إلى منازلهم فورا بدلا من الانتظار 15 دقيقة إضافية لانخفاض السعر. نحن بالتأكيد لا نستخدم ذلك لفرض أسعار أعلى، لكنه جانب نفسي مثير للاهتمام في سلوك الإنسان".
وفي عام 2023، نشرت صحيفة "لا ديرن يغاغ" البلجيكية تحقيقا توصل إلى أن أسعار الرحلات في تطبيق "أوبر" يمكن أن تختلف بين المستخدمين. فقد أظهر اختبارهم أن الرحلة نفسها من مقر الصحيفة في بروكسل كانت تكلف 17.56 يورو (20.51 دولارا) عند طلبها من هاتف بطاريته 12% فقط، بينما تكلف 16.60 يورو (19.39 دولارا) عند طلبها من هاتف بطاريته 84%.
وعندما طُلب تعليق من أوبر، نفت ذلك قائلة "لا يأخذ تطبيق ‘أوبر’ في الحسبان مستوى بطارية الهاتف عند حساب سعر الرحلة. إن نظام التسعير الديناميكي لدينا يعتمد على مستوى الطلب والعرض في تلك اللحظة فقط".
كيف يعمل "التسعير القائم على المراقبة"؟يمكن لتجار التجزئة مراقبة سلوكك عبر الإنترنت من خلال تسجيل ما تنقر عليه، ومدة تصفحك، وموقعك الجغرافي، ونوع الجهاز الذي تستخدمه، ثم دمج هذه البيانات مع سجل مشترياتك السابقة لتحديد ما يُعرف باسم "حساسية السعر" لديك.
إعلانتشير "حساسية السعر" إلى مدى تغيّر سلوك المشتري عندما تتغير أسعار المنتجات.
ولتحليل ذلك، تستخدم الشركات أدوات مراقبة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم توصيات تسعير مخصصة. هذه الأنظمة المتقدمة تعمل على نطاق واسع؛ من إستراتيجيات تسعير تشمل المتجر بأكمله إلى تعديلات لحظية للأسعار مصممة حسب أنماط سلوك كل مستخدم على حدة.
وشملت دراسة لجنة التجارة الفدرالية في يناير/كانون الثاني 2025 مجموعة واسعة من الشركات التي تتعامل مباشرة مع المستهلكين -سواء كانت متاجر إلكترونية بالكامل أم تقليدية- في قطاعات مثل:
البقالة. الأزياء. الصحة والجمال. الأدوات المنزلية. متاجر السلع العامة والمعدات.وحددت الدراسة أمثلة لأساليب مختلفة لتطبيق "التسعير القائم على المراقبة" بنسب متفاوتة، منها:
"المقامرون المترددون": على سبيل المثال، وجدت الدراسة أنه إذا لاحظ موقع للمراهنات الرياضية أن الزائر يتردد أو يمكث على الصفحة الرئيسية أكثر من المتوقع أو يحرك مؤشر الماوس باتجاه زر الإغلاق، فقد يُفعّل الموقع نافذة منبثقة تعرض أحداثا رياضية شهيرة لتشجيعه على البقاء والمراهنة. المشترون غير المتمرسين: ذكرت الدراسة أيضا أن معرض سيارات يمكنه استخدام كشك إلكتروني في صالة العرض لمساعدة الزبائن على استكشاف النماذج وخيارات التمويل. لكن يمكن استخدام هذه البيانات لتصنيف الزبون كـ"مشتري سيارة لأول مرة" -أي أقل خبرة- ومن ثم عرض أسعار فائدة أو عروض تجارية أقل فائدة له مقارنة بالعملاء الأكثر دراية. من يختارون "التوصيل السريع": قد يُعتبر أحد الوالدين الذي يختار خيار "التوصيل السريع" لحليب الأطفال شخصا في عجلة من أمره، وبالتالي أقل حساسية للأسعار، ما يجعل السعر أعلى له من غيره. استبعاد العملاء المخلصين من الخصومات: تقول الدراسة إن صيدلية قد تختار استبعاد عملائها المنتظمين من عرض ترويجي على الأدوية التي تُباع دون وصفة، لأنها تعتقد أنهم سيشترونها على أي حال. وبدلا من ذلك، تُوجّه رموز الخصم إلى الزبائن غير المنتظمين الذين يُحتمل أن يتوقفوا عن الشراء. تحليل سلوك العميل: تشير الدراسة إلى أن تصرفات مثل إضافة منتج إلى عربة التسوق دون إتمام الشراء، أو ترتيب قائمة المنتجات من الأرخص إلى الأغلى، يمكن استخدامها لاستنتاج الحالة العاطفية للعميل أو مدى اهتمامه بالشراء أو قدرته المالية. تحليل التفاعل مع مقاطع الفيديو: يمكن لمتاجر الإنترنت قياس مدى استعداد المستهلكين لدفع أسعار أعلى من خلال مراقبة تفاعلهم مع مقاطع الفيديو التعريفية. فمثلا، متجر إلكتروني لبيع أدوات التخييم والبقاء قد يعتبر أن الزائر الذي شاهد أكثر من 65% من مقطع فيديو ترويجي على صفحته الرئيسية هو زبون محتمل "قابل للاستهداف برسائل تشجيعية إضافية على الشراء". استخدام البيانات الشخصية للإعلانات المستهدفة: قد تجمع شركة مستحضرات تجميل معلومات عن نوع بشرة المستهلك أو لونه من خلال استبيان على الإنترنت، ثم تستخدم هذه البيانات لتوجيه إعلانات أو عروض مخصصة له. التسعير حسب الموقع الجغرافي: يمكن لتجار التجزئة تعديل مواقعهم الإلكترونية بحيث لا يظهر للزوار سوى الأسعار المعروضة في أقرب فرع جغرافي لمكانهم، مما يسمح بتحديد الأسعار حسب المنطقة. كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي هنا؟يستخدم تجار التجزئة الذكاء الاصطناعي لجمع معلومات مفصّلة عن المستهلكين، تشمل بيانات تسجيل الدخول، والموقع الجغرافي، وسلوك التصفح، وعناصر العربة المهجورة، وحتى أنماط تحريك الماوس. ثم تُغذّى هذه البيانات في خوارزميات تسعير متطورة.
يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل "الاستعداد للدفع" (WTP – Willingness To Pay) لكل فرد، ثم يختبر نقاط سعر مختلفة لتحديد السعر الأمثل الذي يحقق أعلى إيراد ممكن.
إعلانيقول الباحث أورن بار غيل، إن "البائعين يستخدمون البيانات الضخمة والخوارزميات المتقدمة بشكل متزايد للتمييز بين العملاء في الأسعار. نحن نقترب من عالم يُفرض فيه على كل مستهلك سعر شخصي لمنتج أو خدمة مصممة له خصوصا. وقد تختلف الأسعار بمئات الدولارات بين شخص وآخر".
وأضاف أن وسطاء جددا ظهروا في السوق، متخصصين في تقدير استعداد المستهلكين للدفع وبيع هذه المعلومات لتجار التجزئة.
هل تعد هذه الممارسة قانونية؟نعم، لكنها تواجه تحديات تنظيمية متزايدة. فحتى الآن، قدّم مشرّعون في الولايات المتحدة 51 مشروع قانون في 24 ولاية لتنظيم التسعير القائم على الخوارزميات، مقارنة بـ10 فقط خلال عام 2024.
تركّز معظم هذه التشريعات على برامج تسعير الإيجارات العقارية التي تؤدي إلى تثبيت الأسعار، لكن المدافعين عن حقوق المستهلكين يطالبون أيضا بفرض قيود على التسعير القائم على البيانات الشخصية أو الموقع أو السلوك الرقمي.
ومن بين الإجراءات البارزة: في 9 مايو/أيار 2025، وقّعت حاكمة نيويورك كاثي هوكول قانونا يمنع التسعير الخوارزمي المخصص غير المعلن. في أوهايو، يفرض مشروعا القانون "إس بي 79" وإس بي 328″على الشركات التي تتجاوز إيراداتها 5 ملايين دولار أن تُخطر المستهلكين إذا كانت الأسعار تُحدد بواسطة خوارزمية. في كاليفورنيا، حاول مشروع القانون "إيه بي 446" حظر التسعير القائم على البيانات الشخصية، لكنه واجه معارضة قوية وتم تقليص نطاقه، رغم استمرار الجدل حول مشاريع أخرى مشابهة. أما في المملكة المتحدة، فقد أتاح قانون الأسواق الرقمية والمنافسة وحماية المستهلك (DMCCA) الذي دخل حيز التنفيذ في أبريل/نيسان 2025، لهيئة المنافسة والأسواق (CMA) فرض غرامات تصل إلى 10% من الإيرادات العالمية على الشركات التي تمارس ممارسات تسعير غير عادلة أو مضللة.وتؤكد الهيئات التنظيمية أن مشاركة الجمهور وسنّ القوانين سيبقيان عاملين أساسيين للحد من خطر استغلال الشركات للبيانات الشخصية في تسعير غير منصف.
هل التسعير القائم على المراقبة ظاهرة جديدة؟ليس تماما؛ بل هو تطور لمفاهيم قديمة عُرفت سابقا باسم "التمييز السعري" أو "التسعير الديناميكي".
على سبيل المثال، في عام 2008 أوقفت شركة "نورويتش يونيون" (التي تُعرف الآن باسم "أفيفا" Aviva) -وهي أكبر شركة تأمين بريطانية- برنامجها للتأمين على السيارات "ادفع كما تقود" بعد أن أبدى العملاء مخاوف تتعلق بالخصوصية والمراقبة.
كان البرنامج يستخدم الأقمار الصناعية وأجهزة تتبع لتسجيل أنماط القيادة وتقديم خصومات للسائقين الذين يتجنبون أوقات الذروة أو الطرق الخطرة.
واليوم، تستخدم العديد من شركات التأمين البريطانية أجهزة مماثلة تُعرف باسم "الصندوق الأسود"، حيث يُركّب السائقون الجدد الجهاز في سياراتهم لتسجيل سلوك القيادة، وكلما كان السلوك أفضل، انخفضت أقساط التأمين.
وفي العقد الأول من الألفية، جرّبت "أمازون" نظام التسعير الديناميكي عبر الإنترنت، حيث قدمت أسعارا مختلفة للأقراص المدمجة نفسها استنادا إلى بيانات التصفح وملفات تعريف الارتباط "كوكيز" (cookies).
أثار ذلك موجة من الشكاوى حول العدالة والشفافية، إذ رأى البعض أن الممارسة تمثل نوعا من التمييز السعري.
"أمازون" والجدل حول التسعير الديناميكيقالت "أمازون" في حينه إن تجربة التسعير كانت تشمل عملاء عشوائيين فقط، ونفت أنها كانت تستهدف متسوقين محددين بناء على بياناتهم.
لكن في سبتمبر/أيلول 2000، أصدرت الشركة بيانا اعتذاريا لعملائها بخصوص برنامج اختبار الأسعار، وأعلنت أنها أوقفت التجربة تماما.
وقال المدير التنفيذي للشركة جيف بيزوس في البيان، "لم نختبر ولن نختبر أبدا الأسعار بناء على الخصائص الديمغرافية للعملاء. ما قمنا به كان اختبار أسعار عشوائيا، وقد كان ذلك خطأ لأنه أثار حالة من عدم اليقين لدى العملاء بدلا من تبسيط حياتهم".
ومنذ ذلك الوقت، أصبحت مسألة الشفافية في التسعير الإلكتروني وحقوق المستهلك في بيئة التجارة الرقمية قضية مركزية في النقاش العام.
كيف يمكن للمستهلكين حماية أنفسهم؟قدمت لجنة التجارة الفدرالية الأميركية في تقريرها حول التسعير القائم على المراقبة مجموعة من التوصيات لحماية المستهلكين من جمع بياناتهم الشخصية واستخدامها لتحديد الأسعار.
ومن بين هذه الطرق:
استخدام المتصفحات الخاصة عند التسوق عبر الإنترنت لمنع المواقع من تخزين ملفات تعريف الارتباط (Cookies). إلغاء الاشتراك من برامج تتبع المستهلكين كلما كان ذلك ممكنا. حذف سجل التصفح والكوكيز بانتظام، أو استخدام شبكات افتراضية خاصة (VPN) لإخفاء عنوان الـIP ومنع تتبع البيانات.ومع ذلك، يشير التقرير إلى أن هذه الخطوات قد تكون صعبة وغير فعالة بالكامل، لأن العديد من الشركات تعتمد على تقنيات أكثر تقدما مثل "بصمة الجهاز" (Device Fingerprinting) لتتبع المستخدمين.
تتيح هذه التقنية تتبع الأفراد بناء على معلومات فريدة من أجهزتهم -مثل إعدادات المتصفح ونوع العتاد والبرامج المستخدمة- حتى في حال حذف الكوكيز أو استخدام وضع التصفح الخفي.
نصائح إضافية للمستهلكينيمكن للمستهلكين أيضا:
استخدام وضع "التصفح الخاص" أو "التخفي" لإخفاء نشاطهم. تقليل كمية المعلومات الشخصية التي يشاركونها أثناء التسوق أو الاشتراك في العروض.ومع ذلك، تشير لجنة التجارة إلى أن تقنيات التتبع المتقدمة تجعل من الصعب الإفلات تماما من آليات التسعير المبنية على المراقبة.
وفي تقريرها الصادر في يوليو/تموز 2024 بعنوان "الاستغلال السعري القائم على المراقبة"، أوصت منظمة "كونسيومر ووتش دوغ" -وهي منظمة غير ربحية في كاليفورنيا- بما يلي: "ينبغي للمستهلكين أن يطالبوا بقدر أكبر من الشفافية من تجار التجزئة، من خلال الإصرار على معرفة كيفية استخدام بياناتهم الشخصية لتحديد الأسعار، والاستفادة من إعدادات الخصوصية وخيارات الانسحاب من جمع البيانات الموجودة بالفعل".
إن مفهوم "التسعير القائم على المراقبة" ليس مجرد فكرة مستقبلية، بل ممارسة حقيقية تتزايد مع تقدم الذكاء الاصطناعي وانتشار جمع البيانات الرقمية.
فبينما تزعم الشركات أن الغرض من هذه التقنيات هو تحسين تجربة المستخدم، يرى المنتقدون أنها تمثل شكلا جديدا من التمييز الاقتصادي، حيث يمكن أن يُفرض على شخصين السعر نفسه لمنتج واحد، لا بناء على السوق، بل بناء على ملفهما الرقمي.
ومع تصاعد القلق العام، يتجه المشرّعون والهيئات الرقابية في الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها إلى إعادة تقييم الإطار القانوني للتسعير الرقمي، في محاولة للموازنة بين الابتكار والعدالة.
وفي نهاية المطاف، فإن التحدي الأكبر يكمن في حماية المستهلك من استغلال بياناته الشخصية، دون خنق التقنيات الحديثة التي قد تعود بالنفع على السوق والمستهلك في آنٍ واحد.