تصوّر لحياة جديدة من دون الإنترنت؟
تاريخ النشر: 13th, June 2024 GMT
آخر تحديث: 13 يونيو 2024 - 11:29 صصفاء ذياب المراسيم اليومية التي كنّا نعيشها نحن العراقيين ربّما تختلف عن مراسيم أيّة ثقافة أخرى، فحياتنا كانت منظّمة إلى درجة التطابق في الكثير من الأحيان، هذا التطابق الذي لم يؤدِّ إلى الرتابة، بل إلى النظام الذي شكّل بنية مجتمعنا حتَّى في التحوّلات التي كانت الحروب سبباً لها، منذ حرب الثمانينيات وما حصل في التسعينيات والحصار الذي ساهم مساهمة كبيرة في انحراف مسار حياتنا اليومية.
هذا كلّه جعلنا نتحدّث عن نوستالوجيا الزمن الجميل- بعيداً عن تسمية الجميل التي تثير حولها لغطاً بشكل دائم- لكنّه جميل لأنّنا كنّا أطفالاً لا نرى سوى الحياة البسيطة بعيداً عن تعب آبائنا وأمهاتنا… الذهاب إلى العمل صباحاً، والقيلولة عند الظهيرة، وتمشية العصاري، ومقهى ما بعد العشاء، وتفصيلات كثيرة شكّلت حياتنا السابقة، فضلاً عن فيلم ليلتي الأحد والأربعاء الأجنبي، وفيلم ظهيرة الجمعة العربي، وبرامج مثل عدسة الفن والرياضة في أسبوع والعلم للجميع، وغيرها الكثير.. غير أنَّ ما حدث بعد العام 2003، ودخول الإنترنت بشكل كبير في حياتنا، وتحوّلنا إلى الهواتف الذكية، والآيباد، والتقنيات الجديدة كلّها، جعلت حياتنا تنجرف إلى تيّارات كثيرة، لاسيّما مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت من الصديق الحقيقي صديقاً افتراضياً، ولسنا بحاجة للذهاب إلى المكتبة لشراء كتاب ورقي ما دامت الكثير من المواقع تنشر أي كتاب مجاناً، فضلاً عن المواقع الإلكترونية التي جعلتنا ننصرف عن شراء الجريدة اليومية، التي كانت تعدّ تقليداً مهماً في العائلة العراقية… لكنّنا بعد هذه التحوّلات وارتباط حياتنا بشكل لا فكاك منه بالإنترنت وما بعد والعلاقات الجديدة التي أنشأها، لنفترض تساؤلاً: ما الذي ستفعله لو انقطع الإنترنت لمدة شهر كامل عنك؟ كيف ستعيد حياتك إلى زمن ما قبل الإنترنت؟ وما المشاريع التي كان الإنترنت سبباً لعرقلتها وتتمنى إنجازها؟ مشروعات مؤجّلة يؤكد الدكتور خالد خليل هادي أنَه ليس بحاجة إلى التأكيد على الحضور الكثيف للإنترنت في حياة الإنسان، بمختلف توجّهاته، وهو حضورٌ طاغٍ لا يمكن تصوّر الحياة بدونه. ولن يكون مثالياً كثيراً، لكن على المستوى الشخصي في حال تعطّل الإنترنت سيحتاج ذلك منه أيّاماً لكي يتأقلم مع هذا الوضع، فمعظم عمله بوصفه تدريسيّاً في الجامعة يتطلب حضور الإنترنت. و”لعلّي لا أبالغ إذا ما قلت إنَّ الإنترنت لم يكن حاضراً في بيتي ولدى أسرتي قبل أزمة كورونا، وكنت أتواصل مباشرة مع الأهل والأصدقاء، لكنّ حضور أزمة كورنا اضطرّني إلى الاشتراك في شبكات الإنترنت. للظروف التي عاشتها البشرية جمعاء” . ويضيف: ولمّا كان الإنسان مجبولاً على التأقلم مع مختلف الظروف التي يعيشها، فإنَّ تعطّل الإنترنت سيوفّر لي وقتاً كبيراً للعودة من جديد إلى التواصل المباشر مع الأصدقاء والأهل. وما يشتمل عليه من حميميّة، فضلاً عن وجود عدد من المشاريع المؤجّلة، منها إكمال كتابٍ تأخّر صدوره لعامين كاملين. زِدْ على ذلك أنّ هذا الانقطاع سيوفّر لي ممارسة بعض الرياضات، وتعديل جدول النوم المضطرب، فضلاً عن توفيره وقتاً أكبر للعودة إلى القراءة الورقية التي غاب حضورها لصالح القراءة الرقمية.إنّ الابتعاد عن الإنترنت وما يرتبط به من وسائل التواصل الاجتماعي، لا شكّ في أنَّه يُسهم في تحقيق لون من ألوان التوازن في الصحّة النفسية، فمنسوب الأخبار السيّئة المرتفع يرهق الفرد كثيراً. غياب الإنترنت سيسمح لك بمشاهدة من تريد، وتتحدّث مع من تريد وتقرأ لمن تريد، في حين حضوره سيُظهر لك كلاماً لشخصيات بسيطة ومدّعية أسهمت الميديا في انتشارها، وتقرأ أخباراً لست معنيّاً بها، وتظهر لك مقاطع ربَّما تُكدّر يومك، وتعيش في دوّامة الترند العراقي السطحي والمؤدلج، الذي تُنشئه الجيوش الإلكترونية لغايات سياسية وتسقيطيّة.لكنّني في النهاية وعلى الرغم من الذي تقدّم، أحتاجه لأكون مطّلعاً على ما يجري، فهو اختراع عظيم، يُمكن توجيهه بالطريقة التي تناسبك، وهذا هو التحدّي المهم الذي يواجه الإنسان، فكلّ اختراع يمكنك توجيهه بالطريقة التي تُريد. انسحاب المدمن ويرى الشاعر إبراهيم البهرزي أنَّ حالة الانهمام بالإنترنيت أصبحت تحمل أعراض الإدمان كلّه، والانقطاع الفجائي عنها سيؤدّي حتماً إلى الأعراض الانسحابية التي يعانيها المدمنون عند الاستشفاء ومنها فجوة الفراغ الروحي التي سيكون صعباً ردمها ببديل آخر أوّل الأمر، ستكون شاقّة يتخلّلها الضياع الفكري لبضعة أيّام، ثمَّ لا يلبث المرء أن يتعوّد على مشاغل بديلة أخرى.ويشير البهرزي إلى أنّه شخصياً أدرك هذا مبكّراً وتفادى حالة الإدمان المؤلمة هذه من خلال منح نفسه إجازات متقطّعة عن التواصل معه وكسر سلطة العادة بين حين وآخر والعودة إلى عادات ما قبل الانترنيت، ومنها الكتابة والقراءة الورقية، ربَّما سيبدو التعوّد عليها مرّةً أخرى صعباً أوّل الأمر، لكنَّ الأمور ستصبح مألوفة بعد بضعة أيّام من زوال حالة الانسحاب الإنترنيتية إن جازت التسمية، بل إنَّها ستحمل- فيما بعد- مسحة من النشوة تشبه تلك التي يشعر بها المغترب ساعة العودة إلى دياره. يعرقل الانهمام بالإنترنت المشاريع كلّها التي تقتضي تخطيطاً مسبّقاً ووفرة زمنيّة بسبب طبيعته القائمة على المدوّنات السريعة الوجيزة، وبسبب تعدّد بوّاباته المطلّة على المثير والمبهر والغريب من الأشياء، وكلّها لا تبلور جهداً جادّاً لخلق مشروعات عميقة وأصيلة وتشتّت المخيّلة وتعطّل القدرة على التأمّل العميق كتلك التي توفّرها أجواء القراءة والكتابة الورقية… وإجمالاً، فإنَّ إدمان الإنترنت يضع الفرد في إطار ثقافة استهلاكية تتطلّب الهروب منها بين حين وآخر في إجازات إجبارية وحالات نقاهة يمضيها المرء في مرابع المكتبة القديمة. استعادة الهدوء وبحسب الكاتب والصحفي قيس حسن، فإنَّ الانترنت بات مفصلاً مهمّاً من مفاصل الحياة، وفي ذات الوقت يضعنا أمام مجريات العالم السياسية والأمنية والاجتماعية وغيرها، واختصاراً، يشبّه الإنترنت بالاختراعات التي غيّرت كثيراً من حياة البشر، مثله كمثل الكهرباء، والسيّارة، ووسط هذا الدور المفصلي والأساسي من الصعب تخيّل ما يتركه غيابه أو انقطاعه، واذا كان الحديث عن انقطاع شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية والفكرية والفنية، فهو أمر مربك حقّاً، ومن الصعب التفكير بنتائجه. ويضيف: أشعر شخصيّاً، وكأنّي أستعيد بعضاً من الهدوء، فقد وضعنا الإنترنت عموماً وسط صخب العالم، ووسط الحروب والنزاعات، وتثيرني كثيراً تسمية الإنترنت، بـ”شبكة الإنترنت” هي فعلاً شبكة، تقدّم الغثَّ والسمين، الممتع والمؤلم، العميق والسطحي.ويطرح حسن سؤالاً: ماذا أفعل بدون انترنت؟ مجيباً: سألت نفسي كثيراً، وبصراحة لا أتردّد في القول بأنَّه سؤال مربك حقّاً، وتردّدي يكشف بشكل واضح الأثر الكبير للإنترنت، ربَّما أعيد علاقاتي بأصدقاء كثر أفتقدهم، وربَّما أخصّص ساعات أكثر لعائلتي، أمَّا المشروعات المؤجّلة، فليس هناك فعلاً ما يمكن أن أسمّيه مشروعاً مؤجّلاً. إلَّا أنّني بصراحة كنت أتمنى في زمن مضى أن أتعلّم العزف على آلة موسيقية، كان هذا حلم المراهقة والشباب، أستعيده الآن، هل يمكن أن أعود له لاحقاً. هذا ما أتمناه فعلاً. الحزن القادم ويبين الكاتب جواد عبد الكاظم أنَّ الإنترنت احتلَّ مساحة كبيرة في حياتنا العامة، والثقافية منها على وجه الخصوص، لما وجدنا فيه من سرعة ومساحة واسعة لما نطمح له ونرغب في الحصول عليه، و”أنا شخصيّاً أخصّص له وقتاً ليس بالقليل صباح كلّ يوم للاطلاع على أهمِّ ما في الصحف المحلّية وأخبارها ومقالاتها الأدبية، ومتابعة الجديد في عالم الإصدارات العراقية الحديثة، ومعروضات المكتبات التجارية في بغداد والمدن الأخرى، وتحميل ما أعثر عليه من الكتب التي أحتاجها لكتاباتي أو تروق لي؛ ولذا أعدّ انقطاع خدمة الإنترنت مشكلة حقيقية بعد عقدين من معرفته والالتصاق به والاستفادة الكبيرة منه. أما عن ماذا سيفعل عبد الكاظم في حال انقطاع الإنترنت، فيؤكّد بأنّه سيشعر أولاً بالحزن والضيق الشديد، ثمَّ سيضطر مرغماً إلى ترتيب حياته وملء الفراغ الذي سيتركه بالشكل الذي يخفّف عنه هول ما وقع، ولن يجد بالتأكيد بديلاً سوى العودة لمكتبته الكبيرة، وقراءة ما لم يقرأه منها بعد، وهو كثير، وممارسة الكتابة التي شغله الإنترنت عنها، وضيّع منه الوقت الكافي لها، إذ تأخّر عدد غير قليل من مشاريع التأليف عنده بسببه، وجعلها تتأخّر منذ أشهر وبعضها من سنوات، فإن “انقطع– لا سمح الله- فلن أجد سوى العودة إليها وإنجازها بأسرع ما يمكن بعد أن غاب ما كان يجذبني ويلهيني عنها” . السلام النفسي من جهته، يقول الشاعر شاكر الغزي نقلاً عن المأثور: إنَّ تسعة أعشار السلامة أو العافية في اعتزال الناس، والمقصود بالناس هنا الرقعة الصغيرة المحيطة بالإنسان. الآن، اتسعت هذه الرقعة كثيراً، ولم يعد بإمكان الإنسان اعتزال الناس ليسلم؛ بل صار يحمل معه ثلاثة عوالم أو أربعة (افتراضية طبعاً) حتّى إلى غرفة نومه!.وفي رأيه الخاص، فإنَّ “أهمّ ما أفقدتنا إيّاه العوالم الافتراضية (النت) هو السلام النفسي أو الطمأنينة؛ إذ إنَّ كلَّ فرد منّا الآن يعيش رغماً عنه في حالة قلق واضطراب (وربَّما كآبة) مستمرّة بسبب الضغط الخفيّ الذي تزجّه فيه عوالم السوشيال، فما دام النت أونلاين فقلقه الإنسان أونلاين أيضاً؛ ولذلك نفكّر مراراً في قطع النتّ لأيّام أو لشهر لنحظى بشيء من راحة البال المُفتقدة. وأحياناً، يُخيّل لي أنّ الغاية الأولى لإيجاد عالم النتّ وتوابعه، هو إدخال القلق العالميّ إلى قرارة الإنسان ليعيش مضطرباً مختلّاً!.أمّا عن مشاريعه: من المشاريع الأخرى التي عرقلها إدمان النتّ، هو القراءة! شخصياً كنت أصنّف نفسي كقارئ يوميّ شغوف، أمّا الآن فقراءاتي صارت قليلة جدّاً؛ لأنّ النت يستنزف معظم الوقت الذي كنّا نسمّيه وقت فراغ ونستغله في القراءة غالباً.كذلك، فقدتُ طقساً كنت أمارسه في العصاري، وهو التمشّي على شطّ الفرات مع بعض الأصدقاء المقرّبين للترويح والتسرّي. متعة البحث ويختتم السينمائي الدكتور فراس الشاروط حديثنا، مؤكّداً إن وجد انترنت أم لم يوجد، فهو لم يشكّل يوماً عنده أهمّية طاغية، فقد كيّف نفسه منذ البداية على عدم تركيز أولوياته القرائية والبحثة ومشاهداته على وجود شبكة انترنت، “ما زلت أجد متعتي في القراءة الورقية، صحيح هو أغناني في المشاهدات الفيلمية والتقارير الوثائقية، لكنّي أمتلك مكتبة وأرشيفاً كبيراً ونادراً، ومتعتي هي في التنقيب والبحث في هذه المكتبة، أيضاً ما زلت أقتني كتباً وأقراصاً فيلمية، وكأنّي في زمن غير الزمن الآني، هذا لا يعني أنَّ النت لم يقدّم لي حلولاً وأشياء سرعت في الأفكار والزمن، لكنّي لم أعول عليه كثيراً.ويضيف: لا أظن أنَّ هنالك مشروعات عندي قد تأخّرت أو تأجّل حلّها بسبب عدم وجود اتصال في شبكة النت، المكتبات الجامعية والوطنية موجودة، ولا أظنُّ أنَّ عدم وجود شبكة النت يوماً قد شكّل معضلة أو أزمة في حياتي المهنية.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: ل الإنترنت التی ت
إقرأ أيضاً:
المقاومة الرقمية للسردية الفلسطينية
#المقاومة_الرقمية للسردية الفلسطينية
د. #حسن_العاصي
أكاديمي وباحث فلسطيني
أجرت وكالة الأنباء الوطنية الجزائرية لقاءً معي حول الأساليب والطرق التي يلجأ لها النشطاء الفلسطينيين لنشر السردية الفلسطينية، وفضح الرواية الصهيونية التي تعتمد التزوير والتضليل لكسب الراي العام العالمي.
مقالات ذات صلة مفهوم (حل الدولتين) فوق الطاولة وتحتها 2024/11/21طالما كان للسردية موقعاً مفصلياً بتاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني، في تشكيل الراي العام الإقليمي والدولي، وتوجيه السياسات الحكومية. يزداد هذا الدور تأثيراً خاصة مع سعي إسرائيل لإقامة علاقات مع محيطها، وتمكنها من تحقيق اختراقات تطبيعية مع بعض الدول العربية. ثم حدث العدوان الأخير على قطاع غزة فانقلبت بعض الموازين لصالح السردية الفلسطينية في أماكن متعددة من العالم. وكشف العدوان زيف السردية الإسرائيلية القائمة على فكرة ترويج المظلومية والدفاع عن النفس في وجه التهديد الخارجي.
تمكنت السردية الفلسطينية من كسب التضامن والتأييد الشعبي والرسمي بفضل جهود المثقفين والنشطاء الفلسطينيين في مختلف بقاع العالم، وبفضل المتضامنين العرب، وحركة التضامن الدولي، الذين نقلوا معاناة الشعب الفلسطيني جواء سياسات الاحتلال إلى العالم. وبالرغم من السيطرة الصهيونية على الإعلام الغربي، والديبلوماسية الإسرائيلية الناعمة، تمكنت السردية الفلسطينية من الوصول والتأثير على الكثير من الشعوب في العالم، بفضل المصداقية والأدلة المنطقية، والمشاهدات المباشرة لعذابات الفلسطينيين. ولم تتمكن الرواية الصهيونية من إخفاء وتبرير قتل الأطفال وحرق النساء، وتدمير المباني واقتلاع الأشجار، وتجويع شعب كامل آمن يعيش تحت إرهاب دولة إسرائيل.
لقد أصبحت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي خلال العقدين الماضيين، أدوات قوية وفعالة في تشكيل ونشر السرديات. حيث تمكن الفلسطينيون من الاستفادة المثلى منها لإخبار العالم عم معاناتهم اليومية، ومن نقل الاعتداءات الصهيونية بشكل لحظي، تدعمها شهادات حية للناس مما عزز السردية الفلسطينية وأثبت مصداقيتها.
فيما يلي نص الأسئلة والأجوبة:
1. كيف يستخدم النشطاء الفلسطينيون منصات الإعلام الاجتماعي في نشر قضيتهم والتوعية بانتهاكات الاحتلال؟
منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، بدأت معركة جديدة من نوع مختلف، معركة رقمية لا تقل أهمية وشراسة عن معركة الصواريخ والبنادق، بين الفلسطينيين والأشقاء والأصدقاء الأمميين الداعمين من جهة، وبين الكيان الصهيوني ومن يدعمه من جهة أخرى. معركة مهمة تدور رحاها على الشبكة العنكبوتية، وتتواصل بصوت عال وواضح، ونتائجها سوف تؤثر بشكل عميق على مستقبل الصراع والمواجهة. معركة بين الحق الفلسطيني في التحرر من الاحتلال البغيض، وإقامة دولته المستقلة، وبين العدوان والغطرسة الصهيونية. بين العدالة والإنسانية والتضامن الأممي، وبين التوحش والعجرفة الإسرائيلية.
يهدف النشطاء الفلسطينيون إلى الاستيلاء على السيطرة على السرد من المنافذ الإعلامية التي تقمع وجهة نظرهم وتقارن بشكل خاطئ بين معاناة إسرائيل ومعاناة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. ويحاولون فضح السياسات الإسرائيلية القائمة على نظام الفصل العنصري، الذي يسعى إلى حملة تطهير عرقي وإبادة جماعية للشعب الفلسطيني.
منذ بدء الحرب الهمجية التي تشنها قوات الاحتلال الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ ما يقارب العام، نقلت وسائل التواصل الاجتماعي أصوت الاحتجاج الجماهيري المتضامن مع الفلسطينيين وقضيتهم العادلة. أصوات تنمو على الشبكة العنكبوتية، وتتواصل بصوت عال وواضح. في غضون أيام – بينما قصفت إسرائيل الأراضي مناطق سكنية في غزة، انتشرت على منصات وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع من أفلام فيديو مصورة بالهاتف المحمول من الشباب الفلسطينيين إلى الشتات العربي وإلى مختلف بقاع الأرض، تُظهر وحشية الاحتلال، أشعلت الانترنت وأثارت الغضب في جميع أنحاء العالم. ساعدت هذه الأصوات المؤيدة للفلسطينيين والميمات ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي في إنجاز ما لم تنجح فيه عقود من الاحتجاجات العربية ومقاطعة إسرائيل إنجازه للقضية الفلسطينية التي تُركت للموت قبل بضعة أشهر من طوفان الأقصى.
تحول التضامن مع الفلسطينيين إلى الإنترنت وأصبح عالمياً، وهو شارع عربي افتراضي لديه القدرة على إحداث تأثير أوسع من تلك الموجودة في مدن الشرق الأوسط. لقد ربط المتظاهرون عبر الإنترنت ذراعيهم بحركات شعبية لحقوق الأقليات مثل Black Lives Matter، سعياً لاستعادة السرد من وسائل الإعلام السائدة والحصول على الدعم في الدول الغربية التي دعمت إسرائيل بشكل انعكاسي.
فمنذ حرب الإبادة الأخيرة على قطاع غزة قبل عام، أصبح العالم عرضة لتدفقات هائلة من المعلومات والبيانات والصور حول ما يحدث في غزة. ظهرت تطورات الحرب كما لو أنها اختباراً لقوة الإعلام الجديد، أو ما يعرف بوسائل التواصل الاجتماعي، في مقابل مؤسسات إعلامية ضخمة وعريقة، اتخذت جانب “إسرائيل” وروجت روايتها.
وبينما اتهم الفلسطينيون وأنصارهم وسائل الإعلام الغربية السائدة في أوروبا والولايات المتحدة بالتحيز لصالح الرواية الإسرائيلية للحرب، فقد تم استخدام منصات الإنترنت بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع من قبل الناشطين المؤيدين لفلسطين في جميع أنحاء العالم لمواجهة هذا التحيز وتزويد جمهور الإنترنت بالجانب الفلسطيني من القصة.
2. ما هي أبرز أشكال التضليل الإعلامي التي تواجهها القضية الفلسطينية في الفضاء الرقمي؟ وكيف يرد النشطاء الفلسطينيون على هذه التحديات؟
يعتمد الملايين في جميع أنحاء العالم على مصادر وسائل التواصل الاجتماعي لفهم ومتابعة أسباب الصراع العربي الإسرائيلي، ومن ثم تشكيل الراي والموقف من هذا الصراع. ولكن لا يكون كل المحتوى – بما في ذلك المحتوى الذي يقدمه المسؤولين – دقيقاً وصادقاً وحقيقياً.
على سبيل المثال تم إخفاء هاشتاج “الأقصى” منصة إنستغرام مؤقتاً، لأنه كانت هناك تقارير عن “بعض المحتوى الذي قد لا يتوافق مع إرشادات مجتمع إنستغرام”، وفقاً للإشعار الذي تلقاه المستخدمون. وألقت شركة فيسبوك، التي تملك إنستغرام، باللوم في عمليات إزالة المحتوى على “مشكلة تقنية عالمية واسعة النطاق لا تتعلق بأي موضوع معين”. ومع ذلك، يبدو أن الوسوم تم حظرها لأن محتوى المنصة يقدم دعماً للفلسطينيين. لقد ربط نظام إدارة المحتوى في فيسبوك عن طريق الخطأ المسجد الأقصى – ثالث أقدس موقع في الإسلام – بمنظمة إرهابية، وفقاً لاتصالات داخلية للموظفين اطلع عليها موقع Buzzfeed.
في حالة ربما كانت الأكثر شهرة لنشر معلومات مضللة بشأن المشاهد في غزة، شارك المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي باللغة العربية، أوفير جندلمان، مقطع فيديو زعم أنه يظهر حماس وهي تطلق الصواريخ على إسرائيل. كان المقطع في الواقع من عام 2018، وأظهر إطلاق الصواريخ في محافظة درعا السورية. تم تصنيف التغريدة في البداية على أنها “إعلام مُتلاعب به” بواسطة تويتر، قبل أن يحذفها جندلمان نفسه.
كما نشر الحساب الرسمي للجيش الإسرائيلي على تويتر معلومات مضللة. شارك حساب قوات الدفاع الإسرائيلية (@IDF) مقطع فيديو يزعم أنه يُظهر حماس وهي تدمج قاذفات الصواريخ في الأحياء المدنية. ومع ذلك، أظهرت اللقطات في الواقع سلاحاً وهمياً استخدمته إسرائيل خلال مناورة تدريبية في شمال غرب البلاد. تمت إعادة مشاركة الفيديو بواسطة حساب تويتر الموثق “Stop Antisemites”، والذي اعتذر لاحقاً عن المعلومات المضللة. وفي الاعتذار، أصرت بشكل استفزازي على وصف اللقطات الفعلية بأنها جاءت من “حي أغلبية مسلمة”، فيما بدا أنه محاولة واضحة لربط سلاح إسرائيلي بالفلسطينيين.
وقال شتايا: “عادة ما تستخدم السلطات الإسرائيلية المعلومات المضللة والأخبار المزيفة كجزء أساسي من دعايتها. هذا النوع من المعلومات يؤثر بشكل كبير على وعي الناس والحركات السياسية الفلسطينية”. وفقاً لمنظمة “حملة”، حدد 54٪ من المشاركين في الاستطلاع في تقريرها “الأخبار المزيفة في فلسطين” السلطات الإسرائيلية كمصدر رئيسي للأخبار المزيفة. ووجد البحث أيضاً أن هناك ارتفاعًا بنسبة 58٪ في الأخبار المزيفة أثناء الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين.
ومن بين حالات أخرى من انتشار المعلومات المضللة عبر الإنترنت تقارير كاذبة تفيد بأن الفلسطينيين قاموا بتزوير مراسم جنازة في غزة في محاولة لجذب التعاطف العالمي. أظهر الفيديو المزيف، الذي شاركه مستشار وزارة الخارجية الإسرائيلية، دان بوراز، مجموعة من المراهقين يحملون “جثة”. وعندما سمعت صفارات الإنذار بصوت عالٍ فجأة، هرع المراهقون – بمن فيهم “النعش” – يتفرق الجميع ويهربون. تم التقاط اللقطات في الواقع العام الماضي في الأردن من قبل مجموعة من الشباب الذين يحاولون تجنب قيود كوفيد-19 من خلال التظاهر بإقامة جنازة وهمية. شارك بوراز الفيديو مع هاشتاج “Pallywood”، وهو مفهوم مشوه للغاية صاغه دعاة اليمين المؤيد لإسرائيل في محاولة ساخرة لاتهام الفلسطينيين بتصوير معاناتهم بشكل درامي لكسب الود الدولي.
مثال آخر لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يروجون لأخبار كاذبة لربط الناس في غزة بـ “Pallywood” يتضمن مشاركة مقطع فيديو يزعم أنه يظهر فلسطينيين يضعون المكياج على إصابات مزيفة ناجمة عن هجمات إسرائيلية. يمكن إرجاع المقطع، الذي تمت مشاركته الأسبوع الماضي، في الواقع إلى عام 2018، وكان جزءًا من تقرير إخباري عن فناني المكياج الفلسطينيين.
3. ما هو تأثير حملات الهاشتاغ (مثل #FreePalestine) على الرأي العام الدولي وحشد التضامن مع الفلسطينيين؟
لقد أحدث العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني تحولاً كبيراً في الرأي العام العالمي، عبر التواصل عبر الإنترنت والتعبئة والتأثير على السياسة وتغيير التصورات الدولية وتشكيل الحركات الناشطة. وأصبحت الوسوم أداة مهمة في نسج السرديات المعقدة على الإنترنت. مثل هاشتاغ #FreePalestine الذي أثبتت الدراسات أنه لا يُحدِث تغييرات في الرأي العام على الإنترنت فحسب، بل إنه يحشد أيضاً العمل الحقيقي ويشكل السرديات العالمية التي تؤثر على السياسة والأعمال. يشمل تحول الرأي العام تغييرات في مواقف الناس ووجهات نظرهم بشأن قضايا معينة. يقدم هاشتاغ #FreePalestine مثالاً ملموساً لكيفية أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي عاملاً في تحويل الرأي العام. في تطوير هذه الحملة، يمكن ملاحظة أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست مجرد وسيلة لنقل الرسائل، ولكنها أيضاً أداة لحشد الدعم الجماهيري. تُظهر الأنشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة تلك المتعلقة بهاشتاغ #FreePalestine، التأثير الكبير للجهات الفاعلة والمؤثرة. يمكن للرسائل التي تنقلها الشخصيات المؤثرة أن تكتسب بسرعة انتباه الجمهور وتشكل آرائهم.
لا يعكس الهاشتاج رد فعل على الأحداث الجارية فحسب، بل يرمز أيضاً إلى المقاومة والنضال طويل الأمد. إن استخدام مثل هذه الوسوم كوسيلة للتضامن يخلق بُعداً تاريخياً يربط الماضي والحاضر والمستقبل. وتضيف مساهمة وانخراط الفاعلين المتضامنين الأفراد والمنظمات غير الحكومية في حملة الهاشتاغ بُعداً سياسياً وإنسانياُ وسعاً. ومن خلال هذا الدعم السياسي والإنساني، تساهم الحكومات والمنظمات غير الحكومية في إنشاء سرد أكثر إنصافاً للقضية الفلسطينية.
على سبيل المثال، يوجد في منصة التواصل الاجتماعي تويتر، هناك موضوع بارز ومهيمن في الغرفة X، ألا وهو الحوار السياسي، والذي يشمل هاشتاجين رئيسيين: #IsraelVsPalestine مع 20000 تغريدة و#BusinessPalestine مع 5000 تغريدة. وغالباً ما يعمل الحوار السياسي على تويتر كمساحة للتعبير والنقاش المتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. يشير الهاشتاج #IsraelVsPalestine إلى الاهتمام والمشاركة العاليين، مما يعكس التوتر السياسي واستقطاب الآراء بين مستخدمي تويتر. بالإضافة إلى ذلك، يوفر #BusinessPalestine منظوراً أكثر تحديداً يتعلق بالجوانب الاقتصادية للصراع، مما يعكس الاهتمام والمخاوف بشأن التأثير الاقتصادي للصراع. على منصة فيسبوك، الموضوع المهيمن هو التضامن الفلسطيني، ويمثله هاشتاغان رئيسيان: #FreePalestine مع 10000 تغريدة و#SupportPalestine مع 8000 تغريدة. يعكس هذا التضامن دعماً واسع النطاق من مستخدمي فيسبوك لحرية فلسطين وقد يشمل حملات أو مبادرات مختلفة تؤكد على الجوانب الإنسانية والعدالة الاجتماعية. يشير العدد الكبير من التغريدات تحت كلا الهاشتاغين إلى قوة حركة التضامن هذه بين مستخدمي فيسبوك، مما يسلط الضوء على الدور الحاسم لوسائل التواصل الاجتماعي في تبني وتوحيد وجهات النظر بشأن الموقف من العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني.
4. كيف تؤثر الرقابة الرقمية على المحتوى الفلسطيني؟ وما هي التحديات التي يواجهها النشطاء في إيصال صوتهم للعالم؟
القيود والرقابة لها تأثير بعيد المدى على قدرة الناس على التواصل والتنظيم وتبادل المعلومات، وتحد من نقل الصورة والمعلومة الحقيقية للآخرين. عندما يتم حظر حسابك أو إزالة المحتوى الخاص بك، فمن الواضح أن هذا ينتهك قدرتك على ممارسة حقك في حرية التعبير عبر الإنترنت. وهذا ما تعتمده إسرائيل في محاولتها خنق ووأد الحقائق ومنع انتشار صور الظلم والقتل والدمار والتنكيل وهدم البيوت الذي يمارسه جيشها.
خلال أزمة حي الشيخ جراح في القدس حول عمليات الطرد الوشيكة في أوائل مايو/ 2021 على خلفية قرارات قضائية إسرائيلية تقضي بإخلاء منازل في الحي من سكانها الفلسطينيين لصالح جمعيات استيطانية صهيونية.
حيث أطلق الناشطون الفلسطينيون وأنصارهم في الخارج ناقوس الخطر بشأن حالات عديدة من إزالة منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي والوسوم وحساباتهم أو إغلاقها أو تقييدها بطريقة أخرى. أثارت هذه السلسلة تساؤلات حول دور شركات التكنولوجيا الكبرى مثل فيسبوك وتيك توك وإنستغرام وتويتر في تعميق اختلال التوازن في القوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والطرق التي تساهم بها الرقابة على الفلسطينيين والناشطين من أجل حقوق الفلسطينيين في التخلص من الاحتلال والتشريد والظلم المستمر.
تم تعليق حساب الصحافية الفلسطينية منى الكرد على منصة إنستغرام لفترة لأنها وثّقت الانتهاكات الصهيونية اليومية التي تحدث في القدس. كما تم إزالة محتوى شقيقها محمد الكرد بسبب “خطاب الكراهية”، على الرغم من أنه قال إنه كان يصور عنف الشرطة الإسرائيلية ببساطة دون تعليق نصي.
والعديد من الفلسطينيين يشتكون أن قصصهم على وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة إنستغرام وفيسبوك تتلقى مشاركة أقل ومشاهدات أقل لأسباب غير مفسرة. وفي الوقت نفسه تتم تعطيل حسابات مجموعات تضامنية مع الفلسطينيين والتي تضم مئات الآلاف من الأعضاء بصورة مؤقتة أو بصفة نهائية بسبب “مخالفة معايير المجتمع”. أثيرت أسئلة أيضاً على تويتر عندما تم تعليق حساب الصحافية الفلسطينية مريم البرغوثي أثناء تقديمها تقريراً من مظاهرة تضامنية في الضفة الغربية المحتلة. أخبر تويتر لاحقاً موقع Vice أن القرار اتخذ عن طريق الخطأ – على الرغم من أنه فشل في توضيح الجزء المحدد من شروط الخدمة الذي اعتقد في البداية أن البرغوثي انتهكته.
علقت العديد من جماعات حقوق الإنسان على أن أي رقابة من عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي قد ترقى إلى تدمير الأدلة في وثائق جرائم الحرب، والتي تراقبها المحكمة الجنائية الدولية حالياً فيما يتعلق بالعدوان الصهيوني الأخير.
في الوقت الذي يقوم فيه الفلسطينيون والمؤيدون لهم بتوثيق العنف الوحشي الصهيوني وجرائم الاحتلال من خلال الصور ومقاطع الفيديو، مع استخدام هاشتاغات باللغتين الإنجليزية والعربية. فإن النشطاء والمدافعين عن الحقوق الرقمية والمستخدمين انتقدوا منصات التواصل الاجتماعي بسبب الأدلة المتزايدة على الإزالة غير المبررة للمحتوى المؤيد للفلسطينيين. اعترف فيسبوك الأسبوع الماضي بأنه وصف بشكل غير دقيق بعض الكلمات التي يستخدمها الفلسطينيون عادة عبر الإنترنت (بما في ذلك “الشهيد” و”المقاومة”) على أنها تحريض على العنف.
بين أكتوبر ونوفمبر 2023، وثقت هيومن رايتس ووتش أكثر من 1050 عملية إزالة وقمع أخرى للمحتوى على إنستغرام وفيسبوك نشره فلسطينيون وأنصارهم، بما في ذلك عن انتهاكات حقوق الإنسان.
5. **كيف يمكن تعزيز المقاومة الإلكترونية في المستقبل؟
لقد حولت سهولة وسرعة المشاركة وإعادة التغريد وإعادة النشر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أداة حاسمة في هذا التحول الناجح في السرد. جدير بالأهمية أن يستمر ويتواصل ويتطور عمل ودور وفاعلية المواطنين الفلسطينيين العاديين الذين يغطون بكاميرا الهاتف الأحدث التي تقع في فلسطين، من اعتداءات وقتل يقوم بها جنود جيش الاحتلال الصهيوني، الأمر الذي يؤدي إلى مضاعفة التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية، ونزاهة الجمهور المتلقي.
ومن المهم تعزيز استقطاب الرأي من خلال استخدام الناشطون والمجموعات المهتمة بالقضية الفلسطينية فيسبوك كأداة لحشد الدعم ونشر الرسائل. حيث تكتسب الحملات عبر الإنترنت والعرائض والدعوات للتضامن زخماً من خلال كثافة التفاعلات على المنصات، مما يخلق تأثيراً كبيراً على الرأي العام.
أيضاً تشجيع عدد أكبر من المشاهير الإعلان عن مواقفهم من الغطرسة والتوحش الصهيوني علانية في مواقع التواصل الاجتماعي بدلاً من التحدث بها في غرف مغلقة، كما فعلت المغنية البريطانية من أصل ألباني “دوّا ليبا” التي أعلنت صراحة تضامنها مع فلسطين ومع غزة، وطالبت إسرائيل بوقف حملة التطهير العرقي والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين. كلك دعا الممثل والمخرج والمنتج الأمريكي الشهير “مارك روفالو” إلى فرض عقوبات على إسرائيل، وطالب بوقف الدعم الأمريكي لإسرائيل الذي اعتبره أنه يغذي العنف ويعيق وقف إطلاق النار. وكتب تغريدة على موقع تويتر يدعم فيها سكان قطاع غزة، وحصدت أكثر من 15 مليون مشاهدة، وعشرات آلاف الإعجابات، وآلاف التعليقات خلال 24 ساعة فقط.
كما استخدمت العارضتان جيجي وبيلا حديد، ووالدهما فلسطيني، حساباتهما على وسائل التواصل الاجتماعي – التي تضم أكثر من 108 ملايين متابع مجتمعين – للتعبير عن دعمهما لفلسطين. وتصل منصاتهما الضخمة إلى الملايين في غضون ثوانٍ.
كل هذا يساعد في دفع التغيير في السرد الصهيوني المهيمن والسائد. حيث لا يمكن اعتبار وسائل الإعلام التقليدية مصدراً موثوقاً للحقائق. وهنا يبرز دور الإعلام الرقمي كأحد سلاح مقاومة العدوان الصهيوني، خاصة في الوقت الذي يتعذر فيه وصول الصحفيين والمحققين إلى أماكن كثيرة في فلسطين محدود للغاية لأسباب متعددة، فتصبح المسؤولية على عاتق المواطنين الذين يتحولون إلى صحفيين ينقلون جرائم الجيش الصهيوني إلى العالم خلال ثوان معدودة، وبوسائل بسيطة.
ومن المهم زيادة وتعميق التواصل ما بين النشطاء والفاعلين فيما بينهم، وفيما بينهم وبين شعوب العالم لزيادة الوعي بالقضية الفلسطينية وتعقيداتها، ولنقل صورة حقيقية عن حياة الناس ومعاناتهم اليومية نتيجة الاحتلال العسكري الإسرائيلي. وكذلك القيام بالعديد من الحملات والعرائض، أو حملات هاشتاغ، أو جمع الأموال للمشاريع على الإنترنت لدعم صمود الشعب الفلسطيني.
هذه الحملات المستمرة المنتظمة يجب أن تركز على أولاً: الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)؛ وثانياً: زيادة الوعي بقضية فلسطين من خلال الأنشطة على الإنترنت وعلى الأرض. فيما يتعلق بمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها. مع وجوب أن تشمل الأنشطة تشجيع المتسوقين على مقاطعة المنتجات من المستوطنات الإسرائيلية. ووقف التعاون العلمي والأكاديمي مع الجامعات ومراكز الأبحاث الإسرائيلية، وممارسة الضغط رقمياً على الممثلين والفرق الموسيقية والمغنين الدعوة والتوقف عن القدوم إلى إسرائيل. ولزيادة الوعي بقضية فلسطين مهم تزويد الجماهير عبر الإنترنت على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع المجموعات بقصص ذات طبيعة حقوقية، وإنسانية، تتضمن مثل هذه القصص معلومات عن الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني في ظل الحكم العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة.
من المهم تغيير الطريقة التي كان يرى بها العالم الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الشعب الفلسطيني. فالفلسطينيين وخاصة الذين يعيشون في غزة الآن ليس لديهم خيار سوى أن يكونوا صحفيين حرب.