الزيلعي وإثارة جدل الإصلاح في الشيوعي
تاريخ النشر: 13th, June 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أستمعت لحديث الدكتور صديق الزيلعي في ندوة بعنوان " مستقبل اليسار في السودان" التي أقامتها المنصة التابعة لمركز الدراسات السودانية، و بدأ الزيلعي حديثه بالقول أنه يتحدث من موقع اليسار، و موقع الانتماء للحزب الشيوعي بحكم تجربته الطويلة، و قال أن حديثي الهدف منه وضع آطار عام لحوار فكري جاد، و من خلال حضوري لعدد من ندوات الزيلعي و تعليقي على كتاباته، تجد أن الزيلعي ينطلق من "عتبة الإصلاح " و المصطلح نفسه يحمل مضمون الإختلاف في الرؤى، و اعتقاده أن خلافات الرؤى الفكرية و الحوار بينها سوف يخلق واقعا جديدا، لآنه يؤسس لعقلية جديدة تتجاوز الإرث الخلافي القائم على النزاع و الإقصاء، و أن تجاوز هذه المرحلة بأمراضها يؤسس لأرضية الديمقراطية في البلاد.
رجع الزيلعي لتاريخ الحزب الشيوعي بهدف التعريف عن مراحل عملية الإصلاح داخل الحزب الشيوعي.. ٌال أن تجربة الجذور التاريخية للحزب الشيوعي السوداني تتمحور في مصدرين الاستعمار و التجربة المصرية.. تجربة الاستعمار من خلال الصراع مع المستعمر طلاب كلية غردون، و الثانية التجربة المصرية حيث كان تواجد الطلاب السودانيين في مصر و انتماء بعضهم للأحزاب الشيوعية المصرية، و وصل البعض إلي مراكز متقدمة في قيادة هذه الأحزاب.. و قال أن الطلاب السودانيين الشيوعين قد تأثروا بأمراض الأحزاب الشيوعية المصرية التي تتمور في " الانقسامات – عدم أحترام الرأي الأخر و حدة الخلاف الفكري" و هي بالفعل من الأمراض المستعصية التي يلمسها أي محاور للزملاء.. الغريب في الأمر أن هذه الأمراض أكبر معيق للديمقراطية..
تحدث الزيلعي عن متناقضتين الأولى تحدث عن باب التجديد في الإطار النظري و كيف قدم سكرتير الحزب عبد الخالق محجوب عن قضايا تجديدية منذ خمسينيات القرن الماضي. ثم تحدث عن حالة الجمود التي يمر بها الحزب.. قال أن عبد الخالق أشار إلي أن ماركس و انجلس قدموا النظرية الماركسية، ثم جاء لينين و قدم أفكارا جديدة مما يدل على التغيير الذي يتوافق مع المتغييرات التي تطرح داخل المجتمعات.. لكن تجديد عبد الخالق محجوب لم يظهر على تطور الحزب و إنتاجه الفكري و حتى الثقافي.. و دلالة على ذلك حديث الزيلعي نفسه عن حالة الجمود التي يعيشها الحزب في قضايا الواقع الراهن و هي أزمة في الخطاب السياسي و التحليل السياسي و ظهر بشكل واضح بعد ثورة ديسمبر و حصل التباس في قضية الديمقراطية.. طرح الشيوعي التغيير الجذري باعتباره ردا على قضية الديمقراطية المطروحة و الصراع حولها .. و أيضا محاولة تصوير الشيوعيين أن الصراع الفكري هو انعكاس للصراع الطبقي في المجتمع و هذا تحليل نابع عن الرؤية الاقتصادية الأمر الذي يجعل السياسة كانها أدوات ميكانيكية أي " التعامل بحرفة النصوص.. القضية التي عجزت النخبة الماركسية السودانية و حتى من بينهم الزيلعي الإجابة عن العلاقة بين " هل الثورية و الصراع الطبقي لهم علاقة بالديمقراطية؟ واحدة من عجز الشيوعيين السودانيين فشلهم في تقديم رؤية فكرية تسقط ديكتاتورية البوليتاريا من مرجعيتهم الفكرية إذا كانوا بالفعل يناضلون من أجل الديمقراطية و يحذو حذو ما فعلت الأحزاب الأوروبية عندما وصلت لقناعة أنها ترغب ممارسة الديمقراطية من صناديق الاقتراع، اعتقد هنا تتمثل الصورة بشكل واضح للجمود الفكري عند الزملاء..
وضح الزيلعي العلاقة التي كانت بين الحزب الشيوعي السوداني و الحزب في الاتحاد السوفيتي السابق حيث كان أثر الأخير تأثيرا بليغا و أن تجربة الحزب الشيوعي السوفيتي مرسومة مسار الشيوعي السوداني وقع الحافر على الحافر، و أن التجربة الماركسية الينينية تلاحظ في شكل التحالفات التي يؤسسها الحزب الشيوعي مع القوى المدنية حيث يحاول فرض سطوة الحزب عليها، و أيضا موقف الحزب أيضا من الطبقة الوسطى، إلي جانب اللوائح و اسس العمل و التنظيم و كل ذلك يبين أثر التجربة اللينينية على الحزب.
و في محطة أخرى تحدث الزيلعي عن إشكالية " المركزية الديمقراطية" و أثرها حتى على القرارات التي يصل إليها الحزب. و قال إذا حدث أي حوار داخل الحزب بين التيارات المختلفة تختار القيادة لجنة صغيرة لكي تلخص الحوارات و قال أن الجنة هي سوف تؤثر على النتيجة، و بالفعل أن كل الذين خرجوا من الحزب الشيوعي مؤخرا " مجموعة الخاتم عدلان و مجموعة الشفيع خضر" بنوا نقدهم على " المركزية الديمقراطية" بأن أي حوار فكري داخل الحزب لن ينجح بسبب تأثيرها السالب في العملية السياسية..
قال الزيلعي أنني اتحدث من موقع تطوير المؤسسة و ليس العداء لها.. مقولة الهدف منها تخفيف وطأة القول بعدها، خاصة أن الزيلعي يدعو إلي مؤسسة جديدة تكسب كل الذين يعتقدون أنهم من قبائل اليسار، مؤسسة تتبنى الفكر الإنساني صنوا مع الماركسية، و يبني الزيلعي تصوره على قوى جديدة تتجاوز الإرث اللينيني في التنظيم و اللوائح و تفتح منافذ الحوار داخل المؤسسة بهدف تنمية الوعي السياسي.. لكن تصبح الأسئلة هل القيادة الاستالينية تسمح بالتغيير؟ و هل الجمود الذي وطن نفسه داخل الحزب أبقى على زملاء يستطيعوا الدخول في معركة فكرية؟ و لماذا يقبلوا بالصراع الذي أخرج الخاتم و طرد الشفيع من الحزب من الزيلعي؟ و كما قال الدكتور طلعت الطيب العضو السابق في الشيوعي في مقال له، يقول فيه ( يظل إصلاح الحزب الشيوعي عملية مستحيلة طالما ظلت المركزية الديمقراطية هي التي تحكم حياته الداخلية لأنها تصادر تماما حقوق العضوية لمصلحة القيادة فهي العقبة الكؤود امام تطوير الحزب كما وصفها الراحل الخاتم عدلان في رائعته " أن أوان التغيير") حقيق أن الزيلعي مثير للجدل يحاول أن يرمي حجرا في الساكن.. أن الحزب الذي غاب منذ بداية الحرب و غطى في نوم عميق نقول للصديق الزيلعي الرجاء عدم اذعاجه...! نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحزب الشیوعی داخل الحزب قال أن
إقرأ أيضاً:
تصالح فرقاء اليمن
في ظلّ تعقيدات الوضع السياسي في اليمن، يتّجه حزب التجمّع اليمني للإصلاح (ذو التوجّه الإسلامي)، وعائلة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح نحو المصالحة، بعد سنوات من القطيعة، والتراشق الإعلامي، والاتهامات المتبادلة بمسؤولية كلّ طرف عن سقوط مؤسّسات الدولة بيد الحوثيين.
وقد ظلّت عائلة صالح، والمقرّبون من نجله أحمد (يقيم في الإمارات)، وابن شقيق صالح، طارق صالح (عضو مجلس القيادة الرئاسي وقائد ما تعرف بالمقاومة الوطنية)، ينظرون إلى حزب الإصلاح باعتباره الخصم الرئيس الذي ساهم في إنهاء حكم العائلة. إلا أن التحوّلات السياسية والعسكرية تحتم على الطرفَين مراجعة حساباتهما، والبحث عن أرضية مشتركة تتيح بناء تحالف سياسي وعسكري في مواجهة جماعة الحوثي، وإعادة الاستقرار للبلد.
وخلال العامَين الماضيين، توقّف التراشق الإعلامي بين الجانبين إلى حدّ كبير، وتغيّرت لغة الخطاب السياسي، وطغت عليها الإشادات والتهاني المتبادلة، واللقاءات المتكرّرة لناشطين من كلّ فريق. واحدة من أبرز مظاهر هذا التصالح، التي لم تكن ممكنةً في السابق، تمثّلت في استقطاب إعلاميّين وناشطين بارزين من حزب الإصلاح، وخُصّصت لهم برامج، بعضهم كانوا قد عُرفوا بنقدهم السياسي الشديد لصالح وعائلته في أثناء حكمه وبعد فترته. ويكتسب هذا التواصل الإعلامي أهميةً خاصّةً بالنظر إلى أن إعلام كلّ فريق شكّل لسنوات طويلة ساحةً لتبادل الاتهامات وتصفية الحسابات المرتبطة بثورة 2011، وسقوط مؤسّسات الدولة.
كما تتجسّد المُصالحة في تغيير مواقف حزب الإصلاح من بعض المناسبات التاريخية، إذ امتنع الحزب عن الاحتفال بذكرى ثورة 11 فبراير/ شباط، تماشياً مع الوضع الجديد، رغم تدمير بعض قواعد الحزب (واعتراضهم على ذلك). وفي المقابل، شاركت قيادات بارزة في “الإصلاح” في ديسمبر/ كانون الأول 2024، في احتفال عائلة صالح بما يُسمّى “انتفاضة 2 ديسمبر”، وهي الذكرى السنوية للاشتباكات التي اندلعت في 2 ديسمبر/ كانون الأول 2017 بين قوّات صالح والحوثيين، وانتهت بمقتل صالح في الرابع من الشهر نفسه.
وتفرض التحوّلات العسكرية والسياسية في اليمن على الفريقَين إعادةَ ترتيب تحالفاتهما وفقاً لمتطلّبات المرحلة، في غياب حلّ سياسي شامل، واستمرار الجمود العسكري في الجبهات، كما أن الضغوط الإقليمية والدولية تلعب دوراً بالغ الأهمية في تقريب وجهات النظر، وإعادة تشكيل التحالفات المناهضة للحوثيين، إثر تصعيد هجماتهم على السفن الإسرائيلية والأميركية في البحر الأحمر وخليج عدن. وبناءً على ذلك، كثّفت الولايات المتحدة، وعددٌ من العواصم الغربية، لقاءاتها الدبلوماسية في الأشهر الماضية مع مكوّنات الحكومة الشرعية، وفي مقدّمتها حزب الإصلاح، وبعض رموز عائلة صالح.
ومن المتوقّع أن يشكّل التعاون بين عائلة صالح وحزب الإصلاح قوّةَ دفع مهمّة في استعادة توازن القوى في اليمن، استناداً إلى تجارب سابقة من التحالفات خلال الأزمات المصيرية. ففي ثمانينيّات القرن الماضي، شكّل تحالف صالح مع القوى الإسلامية جبهةً موحّدةً نجحت في صدّ التمدّد الشيوعي في المناطق الشمالية.
وفي التسعينيّات، انتصر صالح بتحالفه مع حزب الإصلاح على الانفصاليين في الجنوب. ومن الممكن استلهام تلك التجارب والاستفادة منها وتمهيد الطريق لتحالف سياسي قادر على فرض رؤية موحّدة في أيّ مفاوضات مستقبلية، أو صياغة تسوية شاملة تعيد رسم المشهد اليمني. إضافة إلى ذلك، يُعرف حزب الإصلاح بانتشاره الكبير في مختلف المحافظات اليمنية، بينما تحتفظ عائلة صالح بشعبية واسعة، نظراً إلى ارتباطها بحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي حكم اليمن أكثر من ثلاثة عقود، ففي الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية كافّة، التي شهدها اليمن الموحّد، حاز المؤتمر الشعبي العام على أغلبية المقاعد، وتلاه حزب الإصلاح في المرتبة الثانية. يمكن توظيف هذه القاعدة الشعبية الواسعة لصالح أيّ أجندة مستقبلية مشتركة لتحالف مُرتقَب.
ومع ذلك، لا يخلو هذا التقارب من التحدّيات، من أبرزها الخلاف حول دور كلّ منهما مستقبلاً، وتقاسم النفوذ، فضلاً عن إرث ثقيل من انعدام الثقة المتبادل يصعب تجاوزه من دون تفاهماتٍ واضحةٍ وضماناتٍ قوية. وعلاوة على ذلك، يبرز التباين الأكثر حدّةً حول علاقات كلّ طرف بالإمارات، ففي حين تتبنّى أبوظبي سياسةً عدائيةً تجاه “الإصلاح”، وتصنّفه فرعاً لجماعة الإخوان المسلمين (المحظورة لديها)، نجد أن عائلة صالح تعتمد بشكل شبه كلّي على الدعم السياسي والعسكري الإماراتي. هذا التناقض يضع أيّ تحالف بين القوَّتَين البارزتَين في معسكر الشرعية في مأزق استراتيجي، خاصّة مع استمرار أبوظبي في دعم القوى المعادية لحزب الإصلاح في جنوب اليمن، وفي مقدّمتها المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي لا يُخفي عداءَه للحزب.
على الصعيد الميداني، ما زالت القوات التابعة لحزب الإصلاح متمركزةً في مأرب وتعز، في حين تنتشر قوّات طارق صالح في امتداد الساحل الغربي. ولم يتبلور بعد اتّفاق واضح بشأن شكل التعاون العسكري بين الجانبَين، رغم وجود تنسيق غير مباشر في بعض الجبهات. ومع تصاعد احتمالات اللجوء إلى الخيار العسكري ضدّ جماعة الحوثي، يبدو أن التنسيق المباشر بين الجانبين قد يُصبح أمراً لا مفرّ منه في المستقبل. أمّا سياسياً، فلا يوجد أيّ إعلان رسمي عن اتفاق بينهما، غير أن العوامل الإقليمية والدولية تظلّ اللاعب الأبرز في توجيه مسار هذا التصالح. وتمتلك السعودية والإمارات معاً القدرة على الدفع بالمكوّنَين الرئيسَين نحو شراكة أوسع، أو الإبقاء على هذا التقارب في حدوده الدنيا.
ومن المتوقّع أن يؤسّس أي تحالف جادّ بين الإصلاح وعائلة صالح قاعدةً لتحالفات سياسية وقَبلية أوسع، لكن ذلك يتوقّف على قدرة الأطراف المعنية في تقديم تنازلات متبادلة، وتوحيد الجهود تحت رؤية وطنية شاملة لإعادة الاستقرار إلى اليمن. في المقابل، هناك سيناريو آخر يتمثّل في بقاء الانفتاح بين الطرفَين محدوداً وغير مؤسّسي، فيقتصر على تنسيق إعلامي وتواصل بين بعض الشخصيات المؤثّرة، من دون أن يترجم تحالفاً حقيقياً في الأرض. وهذا السيناريو يبدو الأكثر احتمالاً، على الأقلّ في الوقت الراهن، نظراً إلى التباين في المصالح الإقليمية لكلّ طرف، بالإضافة إلى استمرار تأثير الخلافات التاريخية فيهما.
المقال نقلاً عن صحيفة “العربي الجديد“