حوار صريح مع الصادق الرزيقي وآخرين من عقلاء الرزيقات
تاريخ النشر: 13th, June 2024 GMT
قبل سنوات حكي لي الأخ الصادق الرزيقي أن الراحل محمد سعيد معروف أحد الرموز التاريخية في بلاط الصحافة السودانية قد استدعاه إلي مكتبه بمقر صحيفة السودان الحديث.. وكان الاستدعاء لمكتب محمد سعيد معروف في التسعينيات أمراً مهيباً في حد ذاته لصحفي كان يشق طريقه في درب الصحافة بثبات تسنده موهبة ومفردة في الكتابة لاتُجاري لصحفي كان متمكناً من أدوات الصحافة بمكون معرفي ومخزون فكري لايتوفر حتي الآن لكثيرين من أقران الرزيقي في حقل الثقافة والإعلام.
قال لي الرزيقي إن المرحوم محمد سعيد معروف قال له : ( ياابني الصادق إنت شايل ليك إسم قبيلة عظيمة وعريقة ولازم تحافظ علي هذا الإسم)..
وطيلة سنوات معرفتي القريبة جداً من الأخ الصادق الرزيقي أقول بالصدق كله إنه ظلّ حريصاً علي نصيحة أستاذ الأجيال محمد سعيد معروف.. فالصادق الرزيقي ظل حاضراً وبعمق في المشهد الدارفوري عامة ووسط أهله وعشيرته الرزيقات خاصة ويمكن القول إن المعرفة الأفقية والرأسية التي تتوفر للاخ الصادق الرزيقي لكيمياء ومجتمع وقضية دارفور لا تتوفر لغيره ممن أعرف من المثقفين والإعلاميين والسياسيين في المشهد السوداني الماثل وهو ما جعل حضور الرزيقي المثقف والصحفي في الراهن السياسي السوداني عامة والدارفوري خاصة امراً لاغني عنه لكل من يريد مناقشة وتداول قضايا السودان ودارفور.. ولهذا لم أستغرب شخصياً ان يكون الرزيقي أبرز وجوه وفد قبيلة الرزيقات والمتحدثين في اللقاء الذي جمعهم يوم أمس بالفريق
البرهان في مدينة بورتسودان..
ومع الفرح والبشري بهذه المبادرة لنفرٍ كريمٍ من أبناء قبيلة الرزيقات لابد من حديثٍ صريحٍ ومؤلم مع هذه المجموعة من خيار الرزيقات وعقلائهم الذين تنتظرهَم مهمة عسيرة لإصلاح ما أفسده الذين ظلموا من عشيرتهم خاصة.. ومفتتح القول يعيدني إلي جلسة مناصحة خاصة جمعتني بالأخ الرزيقي بحضور الأخوين العزيزين الأستاذ يوسف عبدالمنان والأخ الدكتور الفاتح الحسن المهدي حيث قضينا سحابة ذلك اليوم بمطعم الكرنك بحي الرياض بالخرطَوم.. قلت يومها للأخ الرزيقي إنه دفع وسيدفع ثمناً باهظاً لرهانه وتعاونه المؤقت مع قادة مليشيا الدعم السريع الذين استعانوا بالرزيقي ذات مرحلة من مراحل تمددهم خارج كاكي ومظلة القوات المسلحة السودانية.. وقد دفع الرزيقي ثمناً باهظاً لتعاونه ذاك إذ تم اعتقاله بعد تلفيق عدة قضايا ضده ثَم انتهي الأمر إلي مفارقة شهيرة أوضحت أن حميدتي وإخوانه دائرة مغلقة لاتقبل أراء العقلاءو الحكماء والنجباء من أبناء ورموز قبيلة الرزيقات الذين صمت بعضهم عندما كان مطلوباً منهم أن يتحدثوا وآثر آخرون ترك السفينة المعطوبة لتغرق وحدها بينما ذهب آخرون مع عصابة التمرد طمعاً في ذهب المليشي وفضته ومع هذا خسروا أنفسهم قبل الآخرين..
وفي الصف المقابل اثبتت مجموعة أخري من أبناء قبيلة الرزيقات مواقف للتاريخ حيث ظلت تصادم آل دقلو وتواجههم في كل مراحل علوهم وهبوطهم ويتقدم هذه الثلة الطيبة أخيارٌ من أبناء القبيلة قدموا أنفسهم فداءاً للسودان الوطن حيث قاتلوا عصابات التمرد بشراسة وشجاعة نادرة ولايزالون صامدين في ساحات المواجهة وخنادق القتال ضد مليشيات وعصابات التمرد..
إن التحديات التي ستواجه عقلاء أبناء قبيلة الرزيقات عظيمة.. والمهمة التي تنتظرهم ليست مستحيلة.. لكنها أيضاً ليست سهلة..
ومن أبرز التحديات التي تواجه عقلاء قبيلة الرزيقات أن الجهلة والمعتدين والمرتزقة من أبنائهم قد وضعوا هذه القبيلة العظيمة في مواجهة مع كل المجتمع السوداني بمختلف قبائله وإثنياته ومكوناته الإجتماعية..
لقد أدخلت مليشيا التمرد السريع الحزن والغبن والغل والحقد والحسرة داخل كل بيت بطول السودان وعرضه
.. وأدخلت عصابة آل دقلو السودان كله في مرحلة هي الأكثر تعقيداً في تاريخه الحديث.. وباسم قبيلة الرزيقات تم تجميع السفلة والساقطين والمجرمين من كل أوكار الجريمة في الأرض وتم تجميعهم تحت بندقية مرتزقة عابرة للقارات..
ولهذا فإن مهمة العقلاء من أبناء الرزيقات لن تكون سهلة.. تنتظرهَم مهمة تتطلب قدراً عالياً من الصبر والتحمل والثبات.. أن يتواصلوا مع كل زعماء القبائل والمكونات الإجتماعية التي طالها أذي مليشيا حميدتي الذي رفض ذات حلقة تلفزيونية بحضور الأخ الرزيقي أن يطلب منه كاتب هذه السطور إدارة خلافه مع الشيخ موسي هلال داخل حوش قبيلة الرزيقات.. رفض يومها في صلفٍ وغرور أن أوجه له سؤالا بصفته فرداً من أبناء الرزيقات وأن أوجه له السؤال بصفته دعم سريع!!
لن نتجاوز الموضوعية والصراحة الناصحة إن قلنا إن المجرم حميدتي ومن يلفون لفه قد وضعوا قبيلة الرزيقات وجهاً لوجه أمام الشعب السوداني وأمام التاريخ.. وأن الخسائر الوجدانية والشروخ والجروح النفسية التي تركتها وتتركها مليشيا حميدتي وعبد الرحيم دقلو ستبقي آثارها لمائة عام قادمة وهي حقيقة يعرفها جيداً الأخ الصادق الرزيقي الذي كان أول من تعلمت منه قراءة ومتابعة روايات ماركيز واشهرها رواية مائة عام من العزلة.. الرواية التي يحتاج الأستاذ الرزيقي التوقف قليلا عن ختام فصولها الَمذهلة فقد استمرت الأمطار بالهطول حتي أفنت المدينة وعائلة يونيديا إلي الأبد..
وهنالك فرصة حقيقية أمام عقلاء الرزيقات أن ينقذوا هذه القبيلة من أنياب عصابات ومليشيات التمرد السريع حتى لاتفني هذه القبيلة العريقة إلي الأبد..
عبد الماجد عبد الحميد
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قبیلة الرزیقات من أبناء
إقرأ أيضاً:
حوار جاد لتغيير آمن بديلا للقلق في مصر
ليس خافيا ما يعيشه أنصار السيسي وحتى بعض القوى المعارضة من حالة ترقب وقلق بعد عديد التطورات في المنطقة وأهمها طوفان الأقصى وتداعياته، وانتصار الثورة السورية وتداعياتها أيضا، حتى أن السيسي نفسه حاول لمرات عديدة التدخل بنفسه لتبديد أو تخفيف هذا القلق ببعض كلمات جوفاء دون جدوى.
وعلى رأي المثل "أراد أن يكحلها فأعماها"، فإن السيسي حرص أكثر من مرة على إطلاق رسائل الطمأنة للقلقين خلال زياراته ولقاءاته المتكررة والمتزايدة للأكاديمية العسكرية وغيرها من الكليات العسكرية بمناسبة وغير مناسبة، فتترس السيسي بالمؤسسة العسكرية وليس بالشعب هو عين القلق الذي يحاول تبديده لدى أنصاره. فالحاكم المطمئن غير القلق يتحرك بشكل طبيعي بين الناس، ويكون عنوان إقامته معروفا وليس مجهولا رغم مرور 12 عاما على انقلابه.
وحين يوجه نظام السيسي إعلامه ولجانه لتشويه الثورة السورية، والتركيز على صور القتل والسحل التي جرت مؤخرا خلال محاولة الانقلاب الفاشلة على الحكم هناك، في محاولة لتذكير المصريين بفضله عليهم إذ جنبهم هذا المصير، فإنه في الحقيقة يزيد الخوف والقلق لديهم من حيث يدري أو لا يدري، فأنصار النظام في مصر الذين حرضوا على الانقلاب، ثم على قتل المعارضين لهذا الانقلاب في مجازر لن تمحى من الذاكرة الوطنية، يشعرون أنهم سيكونون هدفا لردود فعل غير منضبطة حال حدوث تغيير، ولذا فإن الرسالة المبطنة لهم هي التمسك بهذا النظام والعض عليه بالنواجذ حتى يتجنبوا ذلك المصير، لكن ذلك لا يبدد القلق لديهم بل يزيده.
حين يوجه نظام السيسي إعلامه ولجانه لتشويه الثورة السورية، والتركيز على صور القتل والسحل التي جرت مؤخرا خلال محاولة الانقلاب الفاشلة على الحكم هناك، في محاولة لتذكير المصريين بفضله عليهم إذ جنبهم هذا المصير، فإنه في الحقيقة يزيد الخوف والقلق لديهم من حيث يدري أو لا يدريقوى سياسية مدنية لا تخفي قلقها أيضا من احتمالات تغيير يمكن أن يفتح الباب لتصفية حسابات، وإسالة دماء، وهي أيضا مذعورة مما حدث في سوريا، خاصة أن بعضها كانت داعمة لنظام بشار الأسد، أو أنها في خصومة أيديولوجية مع التيار الإسلامي عموما في المنطقة، وساهمت هذه القوى في نشر الذعر مما حدث في سوريا في معركة الساحل الأخيرة ضد فلول نظام الأسد، وإن وجب التنويه هنا لرفضي واستنكاري التام لجرائم القتل على الهوية التي تمت للعلويين، فانتماء الأسد أو معظم أركان حكمه لهذه الطائفة لا يبرر قتل المدنيين الأبرياء منها، وحسنا فعلت السلطة السورية بفتح تحقيقات لمحاسبة الجناة.
لا يمكن لعاقل تجاهل هذه المخاوف وهذا القلق، وبعضه مشروع، خصوصا لدى بعض الأقليات الدينية أو الثقافية، ولكن الاحتماء بحكم عسكري يستغل هذا الخوف لتعزيز قبضته لن يمحو هذه المخاوف وهذا القلق، لأنه يتغذى بالأساس عليه، كما أن احتماء النظام بقواه العسكرية والأمنية، وبنائه الأسوار حول عاصمته الإدارية أو قصور حكمه لحمايته، أو بناء المزيد من السجون لاعتقال معارضيه؛ ليس كافيا لتحقيق الأمن والاستقرار، أو الخروج من الأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية. وهنا نستحضر ما كتبه أحد الولاة إلى الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه) يطلب منه مالا كثيرا ليبني سورا حول عاصمة الولاية، فقال عمر: ماذا تنفع الأسوار؟ حصنها بالعدل ونقِّ طرقها من الظلم.
بدلا من تغذية المخاوف والقلق تعالوا بنا إلى حوار مجتمعي حقيقي، يطرح فيه كل طرف مخاوفه وهمومه، فليس صحيحا أن أطرافا بعينها فقط لديها مخاوف، بل إن كل الأطراف المنشغلة بالشأن العام لديها مخاوف من بعضها، إذن لنكن صرحاء ومباشرين في الحوار حول هذه المخاوف، ليس لمجرد الفضفضة أو البحث عن خلاص وأمان شخصي أو طائفي،كنت ولا زلت من دعاة الحوار الجاد المنتج، وليس حوار اللقطة والشكليات وتسديد الخانات، كنت ولا زلت مع حوار شامل لا يستثني أحدا وليس مع حوار مغلق على تيار أو مجموعات تشاركت في حدث واحد مثل 30 يونيو، كنت ولا زلت مع حوار تقوده أطراف موثوقة من الجميع، وليس مع حوار إذعان وتوجيهات عُلوية ولكن بحثا عن أمان للشعب كله، وللوطن كله، بحثا عن صيغة مقبولة للعيش المشترك، بحثا عن عقد اجتماعي جديد يحدد الحقوق والواجبات، والتحديات المشتركة، وسبل التنافس الشريف سياسيا واقتصاديا وثقافيا لصالح الوطن والمواطن.
كنت ولا زلت من دعاة الحوار الجاد المنتج، وليس حوار اللقطة والشكليات وتسديد الخانات، كنت ولا زلت مع حوار شامل لا يستثني أحدا وليس مع حوار مغلق على تيار أو مجموعات تشاركت في حدث واحد مثل 30 يونيو، كنت ولا زلت مع حوار تقوده أطراف موثوقة من الجميع، وليس مع حوار إذعان وتوجيهات عُلوية، ولذا فقد دعوت أكثر من مرة -وها أنا أكرر الدعوة- لحوار تقوده جهة موثوقة مثل الأزهر الشريف، أو بيت العائلة، أو لجنة مشتركة من النقابات المهنية، أو لجنة من شخصيات وطنية تحظى بقبول عام، وتقوم هذه الجهة الداعية للحوار بوضع أجندته، وتحديد مساراته، وتحدد توقيتاته، وتحدد قوائم المستهدفين بالحوار من كل التيارات، والفئات، من المصريين المقيمين داخل الوطن أو خارجه، لتكون النتيجة وثيقة تأسيسية جديدة، تضع الحلول والتوجهات العامة لإنقاذ الوطن، واستعادة اللحمة الوطنية، وتضع تقييما أمينا لما جرى خلال السنوات الماضية وكيف يمكن تجنبه مستقبلا، وترسم الحدود الدقيقة بين ما هو مدني وما هو عسكري، وما هو ديني وما هو دنيوي، وعلاقة هذا بذاك، كما تحدد الثوابت الوطنية التي يلتزم بها الجميع، ويمكن أن تكون الخطوة العملية العاجلة هي الإفراج عن السجناء السياسيين، والدعوة لانتخابات جديدة رئاسية وبرلمانية وفق ضمانات نزاهة كافية، وتنافسية حرة لا تستبعد أحدا.
إن حوارا وطنيا مجتمعيا حقيقيا هو الكفيل فعلا بطي صفحة العشرية السوداء، بكل مآسيها، والانتقال بمصر إلى الحكم المدني الرشيد، واستعادة مكانتها اللائقة في إقليمها وفي العالم، وبدخولها مرحلة جديدة من التنمية والحرية والاستقرار والرخاء.
x.com/kotbelaraby