يمين فرنسا المتطرف وخطره على قيم الجمهورية! 

 محمد جميل أحمد

كان واضحاً أن كثيراً من التداعيات والفاعليات في العالم – وبخاصة منذ التسعينيات – ومنها بالأساس؛ أثر العولمة على فعالية الدولة القومية، وقضايا الهجرة، الاسلاموفوبيا، إلى جانب دور الاقتصاد النيوليبرالي في تقليص امكانات دولة الرفاهية التي شهدتها أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلى جانب الأثر الكبير لثورة الاتصال والمعلوماتية؛ كان لكل ذلك دوراً كبيراً في هذا الصعود الخطير  لأحزاب اليمين الأوروبي المتطرف؛ الذي ظهرت آثاره  في نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة وأدى إلى ما يشبه الزلزال في كل من فرنسا وبلجيكا – على وجه الخصوص – الأمر الذي اضطر  رئيس الأولى (ايمانويل ماكرون) إلى قرار حل الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) فيما استقال رئيس وزراء بلجيكا.

وفيما تبدو ثمة خلفيات كثيرة تزيد من صعوبة نزع أثر اليمين المتطرف من التأثير على وعي كثيرين من مواطني أوروبا الغربية، إلا أن ثمة تحديات أخرى تواجه المحتوى السياسي الموضوعي لسياسات اليمين المتطرف في أوروبا حين يصل إلى السلطة، وهي سياسات ستضع ذلك اليمين أمام اختبار حقيقي، وتحدٍ قاسٍ(بعيداً عن موجة استهلاك الشعارات وتأجيج مشاعر الرفض) ذلك أن أسلوب استهلاك الشعارات وتأجيج مشاعر الرفض أمر  يعكس بوضوح – وعلى نحو عمومي وغامض –  ما لا يريده اليمين المتطرف غي أوروبا، لكنه لا يعكس أبداً هوية ما يريده اليمين الأوروبي المتطرف حين يصل إلى السلطة ويواجه تدابير السياسات اليومية المتصلة بالخدمات والمؤسسية والقانون وقضايا الاندماج والوحدة الأوروبية وغيرها من التحديات.

ولعل في الإجراء الذي اتخذه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بحل البرلمان، ما يعكس، إرادته الواضحة في وضع مواطني فرنسا أمام استحقاق مواجهة مباشر ة – عبر الاقتراع – في اختبار خياراتهم الحقيقية، بلا أي مواربة؛ حول الهوية الديموقراطية ومبادئ الجمهورية الفرنسية وقيمها الانسانية العليا في العدالة والإخاء والمساواة.

لقد كشف الشعب الفرنسي في العام 2002 عن اصطفاف حقيقي مع قيم الجمهورية ومبادئ الثورة الفرنسية؛ حين اصطفت غالبية الأحزاب الفرنسية يوم ذاك مع يمين الوسط الديغولي بقيادة جاك شيراك، ما ان  تكشفت نتائج الجولة الأولى من انتخابات ذلك العام – ولأول مرة – عن  ارتفاع نسبة خطيرة ومقلقة  لأصوات اليمين المتطرف في تلك الانتخابات  بقيادة جان ماري لوبين، حين بلغت كذا عشرة صوتاً، الأمر الذي أدى الى اصطفاف وتكتل كافة القوى الحزبية الديمقراطية في فرنسا حول برنامج سياسي واحد للرئيس جاك شيراك، لتنتصر إرادة الشعب الفرنسي ومبادئه الجمهورية في نتائج الجولة الثانية من الانتخابات بإزاحة اليمين المتطرف من أي احتمال للاقتراب من السلطة السياسية للبلاد.

اليوم وبعد 22 عاماً من انتخابات 2002 تواجه فرنسا الخطر الأكبر ليس فقط على تحديات إدارة فترة انتخابية محتملة لليمين المتطرف، بل كذلك تواجه فرنسا تحديات بتغيير جذري في المبادئ الجمهورية والديمقراطية لثورتها العظيمة منذ قرون ثلاثة!

قد يكون صحيحاً كما قال الاستاذ حازم صاغية ” أنّ نجاح الوسط، بيمينه ويساره، في الاحتفاظ بالموقعين الأوّل والثاني على نطاق قارّيّ عنصر مطمئن، وكذلك إعلان أحزاب اليمين الأقصى تمسّكها، حتّى لو كان لفظيّاً فحسب، بالعمليّة الديمقراطيّة ومبدأ تداول السلطة. لكنّ استشراف الوجهة العريضة، سيّما إذا استمرّت الأوضاع الاقتصاديّة وغير الاقتصاديّة في التردّي، يستدعي القلق والتنبّه وفعل كلّ ما يمكن فعله لوقف هذه الوجهة الخطرة.” فالوجهة الخطرة التي تنبئ بها نتائج الانتخابات الأوربية مؤخراً لاتزال تشكل تهديداً كبيراً وتنبئ بزلزال سياسي واجتماعي محتمل و متعدد الوجهة والمكان في كافة أنحاء القارة الأوروبية.

حيال تحدٍ كهذا ليمين شعبوي متطرف يستهلك الحرية دون وعي معناها؛ ربما كان وعي مواطني فرنسا بقيم الجمهورية ومبادئ الثورة الفرنسية، من ناحية، والعجز الذاتي لليمين الشعبوي المتطرف بوصفه خطاباً مجوفاً  لا حلول لديه لمشكلات سياسية واقتصادية تتصل بتعقيدات أكبر من قدرته على رؤية مصائرها وصيرورتاها؛ هو ما قد يبشر بإعادة الثقة للقيم الديمقراطية التي يتم تجريفها لحساب خطاب يميني متطرف ذي هوية شعبوية مغلقة لا تنسجم مع هوية أوروبا الغربية التي طالما كان الانفتاح في هويتها الليبرالية أحد أهم حيثيات مسارها الحديث.

وإذا ما بدا اليسار الأوربي مشوشاً حيال الخطاب اليميني الشعبوي المتطرف والصاعد، بل ولاهثاً  وراء مزايداته على ذلك اليمين المتطرف، بحسب –  آلان غريش-  فإن مزيداً التعقيد ربما سيتعزز في وجه الايمان بالديمقراطية في أوروبا!

*نقلاً عن صحيفة عُمان  – مسقط –

 

الوسومأوربا الديمقراطية اليمين  الفرنسي فرنسا

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أوربا الديمقراطية اليمين الفرنسي فرنسا

إقرأ أيضاً:

زيارة تاريخية للرئيس الفرنسي.. تعزيز للشراكة الاستراتيجية ورسائل إنسانية ودبلوماسية

في ظل تطورات إقليمية متسارعة وأوضاع إنسانية معقدة، تأتي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر كمحطة محورية تعكس عمق العلاقات الثنائية بين القاهرة وباريس. 

وتمثل هذه الزيارة امتداداً لمسار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وتعكس التزامًا فرنسيًا راسخًا بدعم جهود مصر في حفظ الأمن الإقليمي وتعزيز الاستقرار، خاصة في ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة.

وتكتسب الزيارة أهمية استثنائية مع إدراج مدينة العريش في محافظة شمال سيناء ضمن جدول زيارة الرئيس الفرنسي، ما يعكس اعترافاً بالدور الحيوي الذي تلعبه المدينة في دعم الجهود الإغاثية والدبلوماسية، ويُبرز موقع مصر كمحور رئيسي في معالجة الأزمات الإقليمية.

العريش تتزين بالأعلام استعدادًا للزيارة الفرنسية

تستعد مدينة العريش في محافظة شمال سيناء لاستقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث تزينت عدد من شوارعها الرئيسية بأعلام مصر وفرنسا، في مشهد يعكس عمق الترحيب الرسمي والشعبي بهذه الزيارة.

وقام مجلس مدينة العريش بتجميل الشوارع وتنظيفها، إلى جانب تعليق أعلام البلدين على أعمدة الإنارة. كما بادرت عدد من الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني إلى رفع لافتات ترحيبية بالرئيس الفرنسي، تضمنت عبارات مناهضة للتهجير القسري، في رسالة واضحة تعكس الموقف المصري الثابت الرافض لتهجير الفلسطينيين من أرضهم.

لقاءات إنسانية ورسائل سياسية

وأعلنت الرئاسة الفرنسية أن الرئيس ماكرون سيتوجه إلى مدينة العريش غدًا الثلاثاء، على رأس وفد رفيع المستوى يضم وزراء الخارجية، والقوات المسلحة، والاقتصاد، والصحة، والبحث العلمي، والنقل، في تحرك يعكس الأهمية البالغة للزيارة.

ومن المنتظر أن يلتقي ماكرون في ميناء العريش بعدد من أفراد طواقم المنظمات غير الحكومية الفرنسية والدولية، إضافة إلى الهلال الأحمر المصري، تأكيدًا على الدعم الإنساني الفرنسي المقدم لقطاع غزة. كما يُحتمل أن تشمل الزيارة لقاءات مع فلسطينيين، بالإضافة إلى عناصر أمن فرنسيين يعملون ضمن بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الحدود في رفح، والتي يُفترض أن تُفعل لاحقًا.

شكر رسمي من ماكرون لمصر

وخلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد بقصر الاتحادية في القاهرة، وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شكره للرئيس عبد الفتاح السيسي والدولة المصرية على حفاوة الاستقبال، قائلاً:
"أشكر السيسي شكرًا حارًا على استضافته لنا، وعلى السخاء في هذا البلد، ويسعدني أن أكون بجانبكم في مصر هذا البلد العظيم والشريك لفرنسا."

وأكد ماكرون خلال المؤتمر أن مصر وفرنسا تجمعهما علاقة صداقة وثيقة، وقد جرى اليوم توقيع اتفاق شراكة استراتيجية جديد بين البلدين، مشيرًا إلى أنه سيواصل العمل من أجل تعزيز هذه العلاقة الثنائية القوية.

فرنسا تدعم مصر في ظروفها الإقليمية والاقتصادية

وأشار الرئيس الفرنسي إلى أن فرنسا حريصة على استقرار مصر في ظل التدهور الإقليمي والتحديات الاقتصادية التي تواجهها، موضحًا أن باريس ستواصل دعم الحوار المصري مع صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية، لتسهيل تقديم المساعدات المطلوبة وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية.

كما لفت إلى أن الحوار المطول الذي جمعه بالرئيس السيسي تطرق إلى مجالات عديدة من التعاون الثنائي والأزمات التي تعصف بالإقليم، مؤكدًا على إرادة البلدين الثابتة في تعزيز التنمية والازدهار في مصر.

شراكة اقتصادية متجذرة

أكد الرئيس الفرنسي أن فرنسا تُعد المستثمر الأوروبي الأول في مصر خارج قطاع المحروقات، بإجمالي استثمارات يتجاوز 7 مليارات يورو، موفرة بذلك أكثر من 50 ألف فرصة عمل في السوق المصرية.

كما شدد على التزام فرنسا المستمر بدعم البنية التحتية الحيوية في مصر، ومنها مترو أنفاق القاهرة، الذي بدأ التعاون بشأنه منذ عام 1984، ويستمر حاليًا من خلال تمويل مشروع تطوير الخط الأول بقيمة 770 مليون يورو عبر قروض ميسرة.

وأشار إلى أن مشروع الخط السادس لمترو القاهرة يمثل أولوية لكلا البلدين، وتستعد الشركات الفرنسية للعمل عليه بكامل طاقتها.

وفي ختام تصريحاته، شدد ماكرون على التزام بلاده بدعم أجندة التنمية المستدامة في مصر لعام 2030، من خلال الاستثمارات والمساعدات الثنائية والمتعددة الأطراف، مشيراً إلى أن فرنسا ستبقى دائمًا إلى جانب مصر كشريك موثوق يسعى لتحقيق مستقبل أكثر رخاءً واستقرارًا لشعبي البلدين.

زيارة تحمل دلالات استراتيجية وإنسانية

تحمل زيارة الرئيس الفرنسي إلى العريش دلالات سياسية وإنسانية بالغة، فهي تأتي في وقت يشهد فيه الإقليم توترات غير مسبوقة، وعلى وقع أزمة إنسانية خانقة في قطاع غزة. وتمثل زيارته إلى شمال سيناء رسالة دعم واضحة للجهود المصرية في المجال الإغاثي والدبلوماسي، كما تؤكد الدور الأوروبي المتنامي في احتواء تبعات الأزمة.

كما أن لقاء ماكرون بطواقم الهلال الأحمر والمنظمات الدولية في العريش يعكس اهتمامًا إنسانيًا فرنسيًا بمصير المدنيين في غزة، ويُعد بمثابة رسالة ضغط على كافة الأطراف لضرورة إعلاء الجانب الإنساني على حساب الحسابات السياسية الضيقة.

شراكة أعمق واستقرار إقليمي مستدام

زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمصر، وخصوصًا إلى مدينة العريش، تمثل نقلة نوعية في العلاقات الثنائية بين البلدين، ليس فقط من حيث الملفات التي تناولتها، بل من حيث الرمزية التي تنطوي عليها. وهي زيارة تؤكد أن مصر لا تزال فاعلاً إقليميًا محوريًا، وأن فرنسا تنظر إليها كشريك لا غنى عنه في المنطقة.

كما تُبرِز الزيارة البُعد الإنساني في الدبلوماسية الفرنسية، والتقاطع في المواقف بين القاهرة وباريس تجاه قضايا الهجرة، وإعادة الإعمار، ورفض التهجير، ودعم السلام، بما يُعزز فرص تحقيق الاستقرار الإقليمي وفتح آفاق جديدة للتعاون البنّاء بين ضفتي المتوسط.

مقالات مشابهة

  • مدير "الأوروبى الآسيوى للدراسات": زيارة ماكرون للعريش رسالة جغرافية إلى إسرائيل وأمريكا
  • الرسائل السياسية والدبلوماسية من زيارة الرئيس الفرنسي إلى القاهرة وجولته في حي الحسين السياحي
  • زيارة تاريخية للرئيس الفرنسي.. تعزيز للشراكة الاستراتيجية ورسائل إنسانية ودبلوماسية
  • دعبس: زيارة الرئيس الفرنسي تعكس دور مصر الحيوي والهام بالإقليم
  • اليمين المتطرف الفرنسي يطرح فكرة إسقاط الحكومة في أعقاب الحكم على لوبان
  • اليمين المتطرف ينظم احتجاجا في باريس ضد حظر ترشح لوبان في الانتخابات الفرنسية
  • تظاهرة لليمين المتطرف دعما لـمارين لوبن وسط توترات تشهدها فرنسا
  • رئيس الجمهورية يستقبل وزير الخارجية الفرنسي
  • تظاهرة لليمين المتطرف دعما لمارين لوبن وسط توترات تشهدها فرنسا
  • ماكرون يزور مصر للمرة الرابعة.. رفح والعريش ضمن جولة الرئيس الفرنسي