الاستيلاء على أهم شركتين.. القطاع الدوائي في اليمن تحت مطرقة النهب الحوثية
تاريخ النشر: 13th, June 2024 GMT
في خضم ما يجري من اعتقالات تعسفية تمارسها مليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن ضد موظفي السفارة الأميركية والعاملين في المنظمات الأممية والدولية، كانت خيوط مؤامرة أخرى تحاك من قبل قيادات المليشيا ذاتها ولكن نحو القطاع الخاص الذي يتعرض لأبشع الانتهاكات والجرائم وبهدف السيطرة عليه وتسخيره لصالح "إمبراطورية السلالية".
بشكل مفاجئ ودون أي سابق إنذار، شنت المليشيا الحوثية عبر جهاز "المخابرات" التابع لهم، عملية مداهمة بحق أكبر شركتين للصناعات الدوائية في اليمن، هما "الشركة الدوائية الحديثة"، و"الشركة العالمية لصناعة الأدوية"، وشرعت بعمليات اعتقالات تعسفية بحق مديريها، قبل أن تقوم بوضع يدها على الشركتين تحت غطاء "الحارس القضائي".
وتحاول المليشيا الحوثية استغلال ما أسمته "الإنجاز الأمني الكبير" وإعلان "ضبط خلية تجسس أميركية- إسرائيلة" لتغطية المخطط الخفي الذي يستهدف القطاع الخاص ورؤوس الأموال التي أصبحت في مرمى عمليات النهب دون استثناء.
النهب لا يكفي
على مدى السنوات الماضية، ظلت أرباح الشركتين مطمعاً للكثير من القيادات الحوثية التي عملت على فرض الجبايات والإتاوات الباهظة وتحت مسميات كثيرة. ووفقاً للمصادر تقوم القيادات الحوثية منذ سبعة أعوام بنهب أرباح اربعة من المساهمين في إحدى الشركتين باجمالي 240 ألف دولار في العام. وهذا يمثل ما نسبته 13% من إجمالي أرباح الشركة، كما تحاول منذ أعوام السيطرة على أرباح مساهمين آخرين.
مصدر في "الشركة الدوائية الحديثة" أكد أن الشركة لديها تصريح من الهيئة العليا للأدوية التابعة لوزارة الصحة، مضيفًا: جميع أمورنا قانونية، ندفع الضرائب والزكاة، وحصة الحارس القضائي التي تبلغ ما بين 180 إلى 200 ألف دولار سنوياً.
يبدو أن ما تقوم به المليشيا الحوثية من نهب منظم للشركتين لم يكن كافياً لبعض القيادات البارزة، في مقدمتهم القيادي "أحمد حامد" والذي يشغل منصب مدير مكتب الرئاسة الحوثية. حيث أصدر القيادي الحوثي أوامر للمليشيا الحوثية بمداهمة الشركتين "الدوائية" و"العالمية" وتعيين أحد أتباعه ويدعى صالح دبيش، حارساً قضائيا عليهما، ووضع اليد على كامل إيرادات وأرباح الشركتين في البنوك التجارية في صنعاء، تحت حجة أن بعض المساهمين في الشركتين يرفضون توجيهات الجماعة وعدم رفع مستوى المبالغ المقدمة سنوياً.
وبيّنت المصادر أن الجماعة الحوثية برّرت قرارها بمصادرة الشركتين اللتين يعمل فيهما أكثر من ألف موظف بأن هناك أربعة مساهمين يُصنفون على أنهم في صفوف خصوم الجماعة، وأنها لا تتسلم أرباحهم السنوية من إدارة الشركة، كما يحصل مع مجموعة أخرى من المساهمين تورد أرباحهم السنوية التي تقدر بربع مليون دولار إلى مكتب ما يسمى الحارس القضائي بخلاف الجبايات التي تدفعها الشركتان للجماعة تحت أسماء متعددة.
اعتقالات تعسفية
أثناء مداهمة الشركتين من قبل المخابرات الحوثية، تم اختطاف 8 من المديرين بينهم امرأة، وتم اقتيادهم إلى سجن خاص في صنعاء، وحالياً يتم تلفيق لهم الكثير من التهم لتبرير استمرار احتجازهم غير القانوني.
ووفقاً المصادر، فإن المختطفين الثمانية هم: فاطمة عيشان مدير المشتريات، وفهيم الخليدي نائب المدير العام، وعبد الله شرف مدير المبيعات، ومختار المخلافي مدير الموارد البشرية، وعبد الخالق الغولي مدير النظام، وصفوان الأغبري مدير البحث والتطوير، وعبد المجيد قشنون مدير الصيانة، ومحمد المعمري مسؤول الصندوق، إلى جانب وليد الشطفة مدير الشركة الذي يعد أحد أبرز رجال الأعمال الذين عملوا على توطين صناعة الأدوية، واستيراد وشراء الخبرات العالمية في هذا المجال.
بحسب المصادر فإن المليشيا الحوثية ستقوم بإحالة مديري الشركتين إلى القضاء، وتحديدا للمحكمة الجزائية المتخصصة التي تديرها القيادات الحوثية لإصدار أحكام جائرة تصل إلى حد الإعدام. وهذه المحكمة الحوثية قامت قبل أيام بإصدار حكم بإعدام نحو 45 معتقلاً بينهم مدير شركة برودجي رجل الأعمال البارز "عدنان الحرازي" عقب تلفيق لهم تهم الخيانة والتخابر مع الخارج وإسرائيل.
خلافات على النهب
وما جرى في "الشركة الدوائية الحديثة"، و"الشركة العالمية لصناعة الأدوية" هو بداية للسيطرة على هاتين الشركتين الرائدتين في الصناعة الدوائية. بتعيين "الحارس القضائي" يمثل البداية لإحكام السيطرة خصوصا وأن هذا الجهاز يخضع للإشراف المباشر من قبل القيادي "أحمد حامد"، وهو ذاته القيادي الذي أصدر توجيهات بمداهمة الشركتين واعتقال أبرز المديرين فيهما.
وبحسب مصادر صحية في صنعاء، فإن القطاع الدوائي تعرض خلال السنوات التسع للكثير من الاستهدافات وتضييق الخناق على عمل المصانع والمؤسسات والوكلاء المرتبطين بشركات دوائية مرموقة وعالمية وتعمل في اليمن منذ سنوات طويلة، مشيرة إلى صراع كبير بين قيادات بارزة بينهم وزير الصحة الحوثي طه المتوكل وآخرون في الهيئة العليا للأدوية بصنعاء ومدير مكتب الرئاسة الانقلابية أحمد حامد وراء الاستهداف الممنهج الذي يطول المصانع والشركات الدوائية في المناطق المحررة.
وذكرت الكثير من التقارير المحلية أن المليشيا اتجهت خلال السنوات الخمس الماضية صوب القطاع الدوائي، وبرز ذلك من خلال إغلاق الكثير من المصانع والشركات والمؤسسات الدوائية الصغيرة والمتوسطة، والتي اضطر ملاكها إلى التسليم والإغلاق والفرار بما تبقى صوب المناطق المحررة أو الخارج.
الاستحواذ على القطاع الدوائي والأرباح الطائلة فجر خلافات بين أجنحة المليشيا التي تسابقت نحو بسط نفوذها والتحكم بهذا القطاع الذي يدر أموالا ضخمة في ظل انهيار المنظومة الصحية بعد سيطرة المليشيا التي استغلت هذا التدهور لإحكام سيطرتها تحت غطاء "دعم الصناعة الدوائية المحلية".
مخطط مدروس
لم تكن هذه المرة الأولى التي تعرضت لها الشركتان "الدوائية الحديثة" و"العالمية" للمداهمة والاعتقالات التعسفية، فخلال السنوات الماضية كانت الشركتان تحت مطرقة الاستهداف الحوثي في فرض الجبايات والسطو على جزء من أرباحهما، ناهيك عن اعتقال الكثيرين وإجبار الشركتين على توظيف موالين لهم.
وأكدت المصادر الصحية في صنعاء، أن القيادات الحوثية بينهم أحمد حامد الذي نصّب نفسه "رئيس الرئيس" عرض على قيادة الشركتين استبدال عدد من المساهمين الرئيسين بآخرين من أتباعه، وبحجة أن هؤلاء المساهمين موالون للحكومة اليمنية الشرعية، وهو ما رفضه مجلس إدارة الشركتين. كما أن القيادات الحوثية طالبت باستلام أرباح المساهمين المحددين بصورة غير قانونية وهو ما تم رفضه أيضا، مشيرة إلى أن هذه الأسباب كانت كفيلة بدفع القيادات الحوثية للتوجه نحو السيطرة الكلية على الشركتين، على الرغم من التزامهما بكل التوجيهات والجبايات والإجراءات المقرة من المليشيا على مدى السنوات الماضية.
وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني أكد أن ما تعرضت له الشركتان يندرج ضمن ممارسات المليشيا الحوثية التدميرية للقطاع الخاص، واستهدافها الممنهج للاقتصاد للوطني، مضيفاً: "إن هذه الجريمة النكراء تؤكد مضي مليشيا الحوثي في تنفيذ مخططها لتجريف القطاع الخاص والتضييق على رؤوس الاموال والبيوت التجارية المعروفة في المناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها، لدفعها للمغادرة خارج البلد، لصالح شركات ومستثمرين تابعين لها، بهدف السيطرة الكلية على القطاع التجاري، والتحكم بالاقتصاد الوطني، دون اكتراث بالأوضاع الاقتصادية والإنسانية الصعبة".
كما أكدت منظمة سام للحقوق والحريات أن اقتحام عناصر مسلحة حوثية مصنعاً تابعاً للشركة الدوائية الحديثة، والشركة العالمية لصناعة الأدوية، واختطاف عدد من المديرين، ابتزاز ونهب منظم، يعكس استهتار مليشيا الحوثي وإدمانها سياسة الابتزاز والنهب دون أيّ وازع أخلاقي أو إنساني.
وقالت "سام"، في بيان لها، إن ممارسات مليشيا الحوثي مخالفة للقانون وليس لها ما يبررها بأي حال، كما أنها تمثل انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان الأساسية، بما فيها الحق في الملكية، الذي كفلته القوانين الوطنية والدولية. وشددت المنظمة الحقوقية على أن هذه السياسة النهبوية التي تنتهجها جماعة الحوثي تحت عباءة "الحارس القضائي" تتقاطع مع اقتصاد الحرب وغسيل الأموال، بما ينطوي عليه من تحايل، وسلب وابتزاز، وعنف متعمّد للسيطرة على الأصول المربحة، واستثمار الأموال المنهوبة في نشاطات قابلة للتداول، واستغلال اليد العاملة في الأملاك المنهوبة.
أضرار كبيرة
وتعد الشركة الدوائية الحديثة والشركة العالمية من كبريات الشركات الدوائية في اليمن، فالأولى تأسست في عام 1999 كأول مصنع وطني لإنتاج المضادات الحيوية. بعد ذلك، قامت الشركة بتوسيع خطوط إنتاجها الحالية وإضافة خطوط إنتاجية جديدة بأشكال صيدلانية أخرى كالأقراص الصلبة والمظاريف الفوارة والمطهرات. وحاليًا، تعمل الشركة على تصنيع أكثر من مائة وخمسين صنفًا دوائيًا. في حين أن الشركة العالمية تأسست عام 2004، وبدأت أنشطتها ودخلت السوق في عام 2009، وهي أكبر منتج للأدوية في اليمن، وقد سمح النمو السريع للشركة بأن تستحوذ على أكثر من 9٪ من حصة السوق المحلية في فترة تقل عن أربع سنوات. كلتا الشركتين مقراتهما الرئيسية في صنعاء، وتصدران بعض منتجاتهما إلى الأسواق المجاورة، وخاصة دول شرق وشمال إفريقيا.
وإغلاق الشركتين سيترتب عليه أضرار كبيرة فإيقاف مصانعهما، يعني توقف إنتاج جميع الأصناف المخزنة في الحضانات منذ نحو عام وستكون معرضة للتلف بفعل الظروف التي تتعرض لها والتي ستؤدي إلى خروجها عن المواصفات المعتمدة عالميًا، وبالتالي يستلزم الأمر إعادة إجراء دراسات مجددًا وتجهيز عينات جديدة، فضًلا عن الخسائر الباهظة التي ترتبت على إجراء التحاليل السابقة التي عملت عليها.
ووفقاً للمعلومات فإن معظم الأصناف حديثة وموادها صعب الحصول عليها، وبالتالي فإن الإغلاق سيؤدي إلى تأخر استكمال دراسة وإنجاز وتسجيل هذه الأصناف لأكثر من عام، كما أن الأصناف التي سجلت سابقا وكان هناك التزامات للهيئة العليا للأدوية باستكمالها ستتأخر تلبيتها، فضلًا عن تأخر البحوث التي تجرى لمعرفة مدى صلاحيات الأصناف، وعدم القدرة على رفع صلاحيتها أسوةً بالأصناف التجارية الأخرى.
كما أن إيقاف المصنع والمولدات سيتسبب في توقف وحدة معالجة الماء وهو ما يؤدي إلى تلوثها. وعليه؛ فإن إعادة تأهيل الوحدة وتعقيمها سيحتاج إلى أسابيع وربما أشهر للتخلص من التلوث، نظرًا لأن الماء مرتبط بكافة عمليات التصنيع ويعتبر مادة خام قابلة للتلوث في حال توقفت الوحدة.
قطاع دوائي رديف
في سبتمبر 2023، خرجت المليشيا الحوثية بالتفاخر بقرب إدخال نحو 28 مصنعاً دوائياً تحت مسمى "استراتيجية توطين الصناعات الدوائية". المصانع المعلنة تتبع قيادات حوثية من الصف الأول، وهي رديف خفي جرى الإعلان عنه رسمياً ليكون القطاع الدوائي الرسمي في اليمن بعد إزاحة الكثيرين من المصانع والمؤسسات الدوائية التي كانت حاضرة على مدى عقود وتحظى باحترام وتقدير الكثير من الشركات العالمية المعنية في هذا القطاع.
وقال وزير الإعلام معمر الإرياني، إن القطاع الخاص يتعرض منذ الانقلاب لعمليات ابتزاز وتضييق مستمر عبر إغلاق ومصادرة مئات الشركات والمصانع والمنشآت التجارية، وفرض جبايات ورسوم وغرامات غير قانونية، واحتجاز البضائع في المنافذ والتصرف بها وبيعها، وفرض قوائم سعرية، الأمر الذي أدى لإفلاس عدد من الشركات والتجار، ونزوح رأس المال الوطني خارج البلد، وفقدان عشرات الآلاف لوظائفهم.
وطالب الإرياني المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومبعوثها الخاص بالضغط لوقف ممارسات مليشيا الحوثي التدميرية للقطاع الخاص الذي صمد واستمر في نشاطه رغم الظروف الصعبة، والتي تهدد بانهيار الأوضاع الاقتصادية ومفاقمة المعاناة الإنسانية، والشروع الفوري في تصنيف المليشيا “منظمة إرهابية”، وتكريس الجهود لدعم الحكومة لفرض سيطرتها وتثبيت الأمن والاستقرار على كامل الأراضي اليمنية.
وقال توفيق الحميدي رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، إن "ما تمارسه جماعة الحوثي تحت مزاعم الحارس القضائي، هو نوع من السرقة المنظمة بحسب القانون، يعكس استهتار جماعة الحوثي وإدمانها سياسة الابتزاز والنهب دون أيّ وازع أخلاقي أو إنساني". وأضاف، إن استمرار هذه الممارسات يهدد الأمن الاقتصادي والصحي في اليمن، ويزيد من معاناة المواطنين الذين يعتمدون على هذه الشركات للحصول على الأدوية والخدمات الطبية.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: القیادات الحوثیة الملیشیا الحوثیة الشرکة العالمیة القطاع الدوائی الحارس القضائی ملیشیا الحوثی القطاع الخاص الکثیر من أحمد حامد فی صنعاء فی الیمن کما أن
إقرأ أيضاً:
مفاجآت على طريق القدس.. عام من الاستيلاء على سفينة “جلاكسي”
يمانيون – متابعات
يعد مشهد استيلاء القوات المسلحة اليمنية على سفينة الشحن الإسرائيلية “جلاكسي” واقتيادها إلى ميناء الحديدة قبل عام من أكثر المشاهد المأساوية في تاريخ الكيان، وصفعة مدوية للأعداء لم يستوعبوها حتى الآن.
في الرابع عشر من شهر نوفمبر 2023م، وفي خطابه الثاني بعد عملية “طوفان الأقصى” تحدث السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي – يحفظه الله- كثيراً عن تداعيات التطورات في قطاع غزة، والعدوان غير المسبوق عليها، والاستهداف الهمجي على المدنيين، والصمت العربي المطبق، ثم تطرق إلى الدور اليمني وما الذي يمكن أن تقدمه اليمن في هذا الجانب نصرة، وإسناداً للمظلومين في غزة.
ويومها قال السيد القائد عبد الملك الحوثي:” في البحر الأحمر، وبالذات في باب المندب، وما يحاذي المياه الإقليمية اليمنية، عيوننا مفتوحة للرصد الدائم، والبحث عن أي سفينة إسرائيلية، وليعلم الجميع، وليعرف الكل أن العدو الإسرائيلي يعتمد في حركته في البحر الأحمر، وبالذات من باب المندب على التهريب والتمويه، ولم يجرؤ أن يرفع الأعلام الإسرائيلية على سفنه، وهو يغلق أجهزة التعارف”.
ومضى قائلاً:” لكن -إن شاء الله- سنظفر -بتوفيق الله سبحانه وتعالى- بهم، وسننكل بهم، وفي أي مستوى تناله أيدينا، وإمكاناتنا، لن نتردد في استهداف العدو الإسرائيلي.. هذا موقفنا المعلن والصريح والواضح، وليعرف به كل العالم”.
حمل خطاب السيد القائد جزئيتين هامتين، الأولى، التأكيد على أن اليمن بقواته المسلحة ستظفر بهم، والثانية التأكيد على أننا سننكل بهم، وهو خطاب كان هاماً في توقيته، وغامضاً للكثيرين، لا سيما وأن اليمن لم يسبق أن نفذ عمليات كبرى في البحار، ما جعل الكثيرون يتساءلون: كيف يمكن لليمن التنكيل والظفر بسفن العدو الإسرائيلي؟!
قبل الخطاب، كانت الأحداث في قطاع غزة تتصاعد، والجرائم في تزايد مستمر، والقصف الجنوني في ذروته، والأمريكيون والغربيون على رأس الداعمين والمساندين لهذا العدو، وسبق للسيد القائد أن تحدث في خطاب سابق- الخطاب الأول بعد طوفان الأقصى- وأكد أن اليمن ستقدم الدعم لغزة بقدر ما تستطيع، لا سيما إذا تورطت أمريكا وشاركت في هذا العدوان.
وبعد أن اتضح للجميع المشاركة العلنية الأمريكية في حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، كان على سيد الأنصار الوفاء بوعده، وإسكات الأصوات النشاز التي بدأت تتحدث بأن كلام السيد هو قول وليس فعلًا، لكن آمالهم خابت، حينما أعلنت القوات المسلحة عن عملياتها الأولى المساندة لغزة عن طريق القصف بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على “أم الرشراش” جنوبي فلسطين المحتلة، في مشهد فاجأ الكثير من المتابعين.
الصيد الثمين
بعد أيام قليلة، وتحديداً في 19 نوفمبر عام 2023م، بدأت الصورة تتضح جلياً، وبدأ الميدان يفسر حرفياً خطاب السيد القائد، فالقوات البحرية اليمنية كانت ترصد وتتبع كل السفن التابعة للعدو الإسرائيلي، وقد تلقت الأوامر بالسيطرة والاستيلاء على أي سفينة صهيونية تمر من البحر الأحمر، فكان الصيد الأول يتمثل في متابعة ورصد حركة سفينة الشحن التابعة لرجل أعمال صهيوني (رامي انغار) أثناء مرورها في البحر الأحمر، وتسمى “جلاكسي”.
أعلنت القوات المسلحة اليمنية في بيان تلاه العميد يحيى سريع عن الاستيلاء على هذه السفينة يوم 19 نوفمبر 2023م، وعرضت مشاهد نوعية لعملية الاستيلاء، فكانت صفعة مدوية للكيان الذي سارع بالنفي أنها تابعة له، حتى يتهرب من الحرج، فيما أدانت بريطانيا هذه الحادثة، وقالت: إنها غير قانونية، واعتبرت واشنطن هذه الخطوة بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي، وطالبت بالإفراج عن السفينة وطاقمها.
وعلى الرغم من الحرج الكبير للكيان ورعاته من الأمريكيين والبريطانيين، إلا أن مشهد الاستيلاء على السفينة أشعل الرأي العام العربي والعالمي، وأدخل الفرحة إلى قلوب الفلسطينيين الذين كانوا يعتقدون أن كل العرب تخلوا عنهم، وأيقنوا بعد هذه العملية أن اليمنيين صادقون في وعدهم، وأن كلام السيد القائد عبد الملك الحوثي عندما قال:” لستم وحدكم” هو قول وفعل.
ظل السؤال الأبرز هنا: ماذا بعد هذه العملية وما قدرات اليمن في إشعال حرب في البحر الأحمر؟ وهو ليس خبيراً في هذا الجانب.
الجواب على كل هذه التساؤلات برهنها الواقع خلال عام مضى من بعد عملية الاستيلاء على “جلاكسي”، حيث انتقل اليمن إلى مراحل متدرجة في تصعيده ضد العدو الإسرائيلي، وفي كل مرحلة كان يثبت جدارة تشكل مفاجأة للأعداء.
حارس الازدهار.. مهمة الفشل
بعد شهر تماماً من عملية الاستيلاء على سفينة “جلاكسي” في البحر الأحمر، أعلنت واشنطن عن تشكيل تحالف عسكري بحري ضد اليمن يوم 18 ديسمبر 2023م، حيث جاء الإعلان عقب اجتماع لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن مع وزراء ومسؤولين من 40 دولة، فضلاً عن ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وتم خلاله مناقشة تصاعد ما سموه بتهديدات “الحوثيين” في البحر الأحمر، حيث كان هدف التحالف حماية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وفك الحصار المفروض على ميناء “ام الرشراش”.
لكن هذا التحالف سرعان ما تفكك، فالدول العربية أعلنت النأي بنفسها عن المشاركة فيه، والدول الأوروبية فضلت أن تعمل بمفردها في حماية سفنها في البحر الأحمر، ولم تبق سوى دول قليلة فيه.
كان الإعلان عن تشكيل التحالف رسالة من قبل أمريكا لليمن بهدف رفع الحصار عن موانئ إسرائيل جنوبي فلسطين المحتلة، لكن القوات المسلحة اليمنية رفعت من وتيرة تصعيدها، ولم تأبه لأية تهديدات، واستمرت في تعقب السفن المرتبطة بالكيان أو تلك التي تتجه إلى الموانئ الإسرائيلية، وأجبرت الكثير منها على التراجع وتغيير مسارها.
بقيت أمريكا على رأس تحالف الازدهار وإلى جانبها بريطانيا، ودخلا في عدوان مباشر على اليمن في 12 يناير 2024م ولا يزال مستمراً حتى يومنا هذا، وكان الهدف هو إجبار اليمن بالقوة على رفع الحصار المفروض على “إسرائيل”.. لكن الإخفاق الأمريكي البريطاني الإسرائيلي تواصل في البحر الأحمر، في حين أظهر اليمن ما في جعبته من أسلحة وقوة وعتاد، ومع مرور الأيام والأسابيع والأشهر، تعرضت السفن البريطانية للاستهداف المباشر، وتم إغراقها في البحر مثلما حدث لسفينة “روبيمار”، وتعرضت القطع الحربية للعدو الأمريكي والبريطاني للاستهداف، وصولاً إلى استهداف حاملة الطائرات الأمريكية “ايزنهاور” التي اضطرت للفرار من البحر الأحمر نتيجة العمليات اليمنية المتصاعدة للقوات المسلحة اليمنية، كما اضطرت البارجة البريطانية “أدموند” للفرار.
لم تؤتِ الغارات الأمريكية البريطانية أكلها، وتمكنت القوات المسلحة اليمنية بكافة تشكيلاتها من استهداف سفن الأعداء، متجاوزة البحر الأحمر، إلى البحر العربي، والمحيط الهندي، وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، وفي بعض الأحيان، وعند تمادي السفن بعدم الاستجابة لنداءات اليمن يتم إغراق السفن المخالفة واحراقها، وخير شاهد على ذلك، ما حدث لسفينيه “سونيون” في البحر الأحمر، وهي سفينة يونانية حاولت عبور البحر الأحمر للاتجاه إلى ميناء “أم الرشراش” ولم تستجب للتحذيرات المتعددة للقوات اليمنية، فكان مصيرها الإغراق، والصعود إلى متنها وتفجيرها.
تحول اليمن إلى قوة بحرية هزمت القوة البحرية الأعظم في العالم، وأنتجت مفاجآت يمنية على طريق القدس لم يستوعبها الكثيرون حتى الآن، من أبرزها صناعة القوارب المسيرة، والصواريخ الفرط صوتية، والغواصات المسيرة، والأسلحة الباليستية والمجنحة، والطائرات المسيرة، وأسلحة أخرى لم يكشف عنها بعد.
بدأ اليمنيون عامهم بالاستيلاء على “جلاكسي” ومسك الختام كان باستهداف حاملة الطائرات الأمريكية “ابراهام لينكولن” في البحر العربي، ومدمرتين حربيتين أمريكيتين في البحر الأحمر، في حين لا تزال الأحداث تتصاعد، ولا نعلم ما الذي تخبئه لنا الأيام.
——————————————-
موقع أنصار الله – أحمد داود