الجزيرة:
2025-03-10@11:22:00 GMT

غزة.. يوميات العناء والإيمان في مآوي النزوح

تاريخ النشر: 13th, June 2024 GMT

غزة.. يوميات العناء والإيمان في مآوي النزوح

غزة- كرحمٍ ينبض في جسد ميّت، ثمة نداء للصلاة يُسمع لأول مرة بعد انقطاعه عدة أشهر، في حيّ دمرت إسرائيل مساجده كلها، تقتفي أثر الصوت فيذهلك انبعاثه من منطقة أشبه بمدينة أشباح.

الساعة الرابعة بميقات الفجر، يمسك المؤذن بيمينه مكبر الصوت، ويغلق بشماله أذنه، وبصوته الدافئ ينادي للصلاة، من وسط ساحة "مدرسة صلاح الدين الإعدادية" سابقا، وأحد أكبر مراكز إيواء النازحين بحيّ الرمال في قطاع غزة حاليا.

يتجمّع الرجال لتلبية النداء في غرفة سفلية كتبوا عليها "مصلى"، خصصوها للصلاة ولحلقات الذكر وللندوات الدينية، فصلاة الفجر تبدو للنازحين هنا محطة لانطلاق كلٍّ لما يسعى له.

الخروج لجمع الحطب في الصباح هي مهمة الرجال الأبرز في هذه الحرب، أما البعض الآخر فيخرج لتحصيل لقمة العيش وما يعينهم على البقاء، أو لحراسة ما سلم من منازلهم المدمرة، أو لقضاء النهار على أطلال بيوتهم بعيدا عن صخب البشر المتكدسين.

أما النساء هنا، فقد اتفقن فيما بينهن على النهوض قبل الفجر للدعاء وقيام الليل، وليبدأن يومهن بعد ذلك في سباق مع الزمن الضيق، حيث حُصرت همومهن بالعجن والخبز والغسيل وجلب المياه، المالح منها والعذب، وملء الخزان وإشعال النار للطهو وتسخين الماء للاستحمام، وهي مهام يعتقدن أن الحرب أكسبتهن خبرة بها، بعد أن كانت موكلة لآلات تحمل عنهن عبئها.

رجال يؤدون الصلاة جماعة في مدرسة تؤوي نازحين بغزة (الجزيرة) غرفة لعائلتين

الغرف التي كانت تسمّى فصولاً دراسية أضحت اليوم بيوتا تحتضن عائلات ممتدة، يزيد عددها عن 15 شخصا في الفصل الواحد. وعلى باب الغرفة يُكتب اسم العائلة التي تقطن فيها، وكان لافتا أحد عناوين الأبواب حيث حمل اسمين لعائلتين مختلفتين، فاستأذنت الجزيرة نت بالدخول.

غرفة مساحتها 25 مترا مربعا، مقسومة بين عائلتين لا تعرفان بعضهما، تفصل بينهما ستائر وأقمشة يسمونها قواطع، ورغم خفتها وهشاشتها فإنهم يعدونها أسوارا تحفظ خصوصيتهم أو جزءا منها، وفيها يختزلون بيوتهم بكل ما تتضمنه من أنشطة يومية.

تقول ميرفت عبد العال، صاحبة القسم الأول من الغرفة، للجزيرة نت "الحالة النفسية التي انتابتني مع نزوحي الذي تجاوز 10 مرات أتلفت جسدي وعافيتي"، حيث تقول إنها أصيبت بآلام المرارة والكبد الوبائي، واحتاجت علاجات وعملية جراحية لا تملك ثمنها، وفقدت الراحة خلال يومها في ظل الواجبات المطلوبة منها في هذا المكان.

ومنذ أشهر، تعتمد ميرفت الهمس أثناء حديثها مع أبنائها، كي لا تزعج الموجودين في النصف الآخر، الذين يسمعون أنفاسهم ليلاً، لذا وفي كثير من الأحيان تؤْثر الصمت أو تكتفي بالإيماء.

ورغم أنها لم تتمكن من التأقلم أو التعايش مع وضعها الجديد، فإن ما يدفعها لتحمله هو علاقتها الطيبة مع صديقات النزوح. وتقول "كل النساء هنا أخواتي، حتى أنهن رافقنني خلال مبيتي في المشفى حين أصبت بوعكتي الصحية".

النساء في مركز الإيواء يتكافلن وينفذن مبادرة لإطعام جميع النازحين فيها (الجزيرة) عجين الطحين والحكايات

في الغرفة المجاورة التي تحمل عنوان "عائلة أم رمزي الدلو"، وهي سيدة أرملة تتولى شؤون أبنائها وذراريهم، تجمعت أكثر من 20 امرأة وزّعن على أنفسهن مهام إعداد المعجنات لكل النازحين في المدرسة، تنفيذا لمبادرة يطلقها نشطاء بشكل دوري.

وفي غرفة أم رمزي التي تلقّت قذيفة مدفعية رقّعت أَثرها بلوح خشبي رقيق، تتعالى ضحكات السيدات ويتبادلن المواويل والنكات والأحاديث الشيّقة، وبينما كانت الأيادي تعمل كانت الآذان تنصت لصاحبة البيت، وهي تروي تفاصيل ميلاد زوجة ابنها قبل أشهر، حيث اصطحبتها لمشفى الشفاء، ولم تكن هناك غرفة خالية لتوليدها، فاضطرت لإخلاء غرفة يتكدس فيها النازحون.

وتقول إنها لا تستطيع وصف ميلاد فتاة تتوالى عليها آلام وطلقات المخاض على مسمع مئات النازحين الذين كانوا يفترشون باب الغرفة الخارجي حيث كانت تلد.

وتتحدث أم رمزي عن معاناتها التي توزعت بين البحث لحفيدها وأمه على ملابس، ومحاولة توفير طعام وقت المجاعة لتقوى الأم على الرضاعة، فلم تجد لها إلا سمسمية وعجوة. لكنها لم تتمكن من توفير الخصوصية والراحة لهما في هذا الفصل دائما.

وقاطعت أمٌّ من الموجودات حديث أم رمزي قائلة "أريد نزع الحفاض عن طفلتي وتعليمها دخول المرحاض، لكن وجودي في هذا المكان يحول دون ذلك".

وكسرت السيدة أم رائد الدلو الجمود الذي انتهى به حديث النساء البائس، وهي ترق العجين بعد أن تمرغه في الدقيق، وتدندن "شفنا الويل يمّا شفناه للويل".

النازحون عادوا مرة أخرى إلى المدارس التي سبق وأن اقتحمتها قوات الاحتلال (الجزيرة) "المدرسة حارتنا"

انتقلنا إلى جوار أم رائد، التي نزحت إلى المدرسة في الأسبوع الأول من الحرب، ودفعها لذلك قصف الطائرات بيت ابنتها العروس على رؤوس من فيه فاستشهدت مع زوجها، إضافةً إلى المناشير (إخطارات ورقية) التي رماها الاحتلال على المنطقة التي تقطن فيها تطالبهم بالإخلاء إلى الجنوب.

رفضت أم رائد ترك مدينتها والنزوح جنوبا، واختارت اللجوء إلى مدرسة تابعة للـ"أونروا"، لاعتقادها أنها "مكان آمن ومحصّن"، قبل أن يتبدد هذا الاعتقاد حين حوصرت المدرسة، واقتحمتها قوات الاحتلال مرة، وقصفت أخرى.

تقول "افترشنا الأرض 4 أيام مع أطفالنا، وعددنا 15، وعين القناص في المبنى المقابل لم تنفك عنّا، وبقينا دون طعام سوى "مصاص" (حلوى) نوزعه على الأطفال كل ما بكوا من الجوع..".

وبعد انسحاب الاحتلال، عادت أم رائد والعائلات إلى المدرسة. "ألم تخشوا العودة وتكرار ما حدث؟"، قلن "أجواؤنا لا يمكن أن نجدها في مكان آخر، حارتنا نُسفت فأصبحت هذه المدرسة حارتنا، يعرف كلٌّ منا ما له وما عليه، بدءا من أدوار تنظيف المراحيض وانتهاءً بإفراغ سلات القمامة".

اتفقت النساء على التجمع عصرا في "المضافة" بعد الانتهاء من إطعام عوائلهن، ويقصدن بذلك "غرفة أم جمال عاشور" التي يتجمعن فيها لخلوها من الرجال بعد استشهاد زوجها وابنها البكر.

ومع ابتسامتها التي تستقبل بها الوافدين، يخال الناظر إليها أن قلبها لم يخدش قط، لكن عندما تبدأ الحديث يتكشّف حزنها، خاصة حين تمر بتفاصيل استشهاد ابنها وزوجها.

لم يفصل بين الأب وابنه سوى شهرين، وعند سؤال أم جمال عن ظروف استشهاد زوجها، قاطعها طفلها الصغير محمد وأجاب "يوم مجزرة دوار الكويت، ذهبنا معا على دراجته لجلب الطحين، لكنني عدتُ وحدي وعاد شهيدا".

مع ضغط المهام وعظم المسؤولية، تقول أم جمال إنها لا تجد وقتا لتعيش حزنها أو تعبّر عنه، "غير أن مكاني ممتلئ دائما بالضيوف من داخل المدرسة وخارجها".

أما ابنتها سجى، فتقول إنها لا تحب المدرسة التي تلقّت فيها أكبر صدمتيْ فقدٍ تعرضت لهما في حياتها، وتضيف الأم "كل الخوف والجوع والشغل بكفة والفقد بكفة تانية".

فتيات يشاركن في حلقات القرآن التي تُنظم بشكل دوري في مدارس النازحين (الجزيرة) أُنس القرآن

تخلل الصمت الذي عم الجلسة صوت أُم رفعت نبهان وهي تتلو القرآن، حيث كانت تقترب من نهاية ختمه في جلسة واحدة خلال عدة ساعات. وعندما أرادت التعريف عن نفسها للجزيرة نت قاطعتها المسمّعة ورفعت الصفحة المخصصة لتدوين الأخطاء، وقالت "سردتْ حتى اللحظة 28 جزءا، وصفحتها بيضاء بلا خطأ واحد". وأردفت "هكذا يمكنني أن أُعرّف بها".

وحين أكملت أم رفعت الختمة، انسكبت دموعها وسجدت سجدة طويلة طلبت من الله فيها أن يُكتب أجر ختمتها لزوجها الشهيد، الذي قتله الاحتلال قبل أشهر على باب المدرسة ودُفن مقابلها. وقالت "زوجي هو من شجعني على حفظ القرآن، واليوم أسرده دون أن يكون معي".

بقي جثمان زوجها 17 يوما مسجّى على الأرض، إلى أن دفن مع ثلة من الجثامين في أرض خالية مقابل المدرسة، بعد انسحاب الاحتلال من المنطقة. وتقول أم رفعت "سأزور قبر زوجي للمرة الأولى، لأخبره بأنني أهديت ثواب سردي للقرآن إليه".

محاولات الترميم والإصلاح في مراكز الإيواء مستمرة وسط الحرب (الجزيرة)

فاحت رائحة طلاء في أرجاء الطابق الذي كنّا فيه، وسط ذهول؛ مَن يفكر بهذا الشيء في هذا المكان والزمان؟، وعند سؤال الموجودات أجبن ضاحكات "هذه أم رامي ما بتعرف تقعد!"، حيث كانت تشرف على دهن الغرفة المجاورة التي حرقها جنود الاحتلال إبان الاقتحام.

التفتت أم رامي حسين إلى النساء اللاتي تجمهرن على باب الغرفة، وقالت "سننقل ندواتنا وتسميعنا وحلقاتنا إلى هذه الغرفة، وكلما هدّوا سنعمّر".

ويبدو أن عِناد أم رامي وتحديها للاحتلال لم يبدأ من هذه الغرفة، فقد دمر الاحتلال بيتها وبيوت أبنائها، لكنها صيّرت غرفتها في المدرسة دارا ثانية، وأطلقت هنا دورات لتحفيظ القرآن وتفسيره وتلاوته.

قبور بعض الشهداء الذين استهدفهم جنود الاحتلال موجودة في محيط المدرسة (الجزيرة) "أم الشباب"

خلال مقابلة الجزيرة نت لأم رامي استأذن عدد من الشباب الدخول إليها عدة مرات، وكان جُلّهم يناديها "يا أمي"، وعند سؤالها عن عدد أبنائها أجابت متبسّمة "لا أحد من هؤلاء ابني، لكنّي أمهم جميعا، بعدما فرقتهم الحرب عن أمهاتهم، إما في جنوب القطاع أو قضين شهيدات"، ولأنها تتولى أمور الطهي لهم وإطعامهم وتلمّس ما ينقصهم أطلقوا عليها في المدرسة لقب "أم الشباب".

نفضت أم رامي بيتها المدمر حجرا حجرا، وانتشلت ما سلم من تحت الأنقاض، ورتبته في غرفتها المزيّنة بصور العائلة مجتمعة، حيث كان النصيب الأوفر من الصور لابنها فضل، الذي استشهد في ساحة المدرسة مع سبعة من أصدقائه، بعدما فرغوا من الوضوء لصلاة الفجر.

رافقنا أم رامي إلى مكان استهداف ابنها، لكنها في الطريق توقفتْ أمام فسائل الأشجار التي بدأت تنبتُ أمام غرفتها، وقالت"انتزعتها من تحت ركام بيتنا المدمر، وأعدت زراعتها ورويتها ودبّت فيها الحياة بعد أن كانت ميتة"، وأردفت "ونحن كذلك مهما سرى فينا الموت فسنحيا، رغما عن إسرائيل، حتى لو حاولت إبادتنا".

وحين اقتربنا من مسرح الاستهداف في ساحة المدرسة، حيث ارتقت روح ابنها، وقفت أم رامي على بقعةٍ قرب صنابير المياه، وقالت وهي تدور حول نفسها "هنا طلعت روحه، وكلما مشيت من هنا بحس روحي بتطلع".

وبينما تعبق رائحة الكعك والعيد في المكان، لا تشتم أم رامي إلا رائحة دم ابنها، الذي لا تزال آثاره على الجدار، فخارت قواها وغطّت وجهها بيديها، ثم بكت وحجبت ضعفها، فهرولت إليها الأمهات لمساندتها، وقد تشابهت قصصهن بين فقد الولد والبيت والمال، ما جعل لطبطبتهن على أكتاف بعضهن جدوى، وكلمة السر بينهن "بتعدّي (ستمُر).. بس قولي يارب"!

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أم رائد أم رامی التی ت فی هذا

إقرأ أيضاً:

حكومة سلام غائبة عن أزمة النزوح الجديدة إنها سياسة النعامة

تشهد الحدود الشمالية منذ أيام حركة نزوح كثيفة من سوريا باتجاه الأراضي اللبنانية، وبالتحديد باتجاه عكار إذ يهرب مئات السكان من مناطق الساحل السوري إثر الأحداث الدموية والإعدامات هناك، وسط تقديرات تشير إلى أن اعداد من دخلوا وصلت إلى 6000 نازح ، وقد بدأ المجلس الاسلامي العلوي حملة للإيواء وفتح المدارس بعدما اكتظت المنازل بالنازحين.

في البيان الوزاري أكدت الحكومة متابعة "العمل على عودة النازحين السوريين وتعزيز التواصل مع المجتمع الدولي للمساهمة في مواجهة أعباء النزوح السوري مع الإصرار على عودة هؤلاء النازحين إلى بلدهم ورفض أي شكل من أشكال إدماجهم أو توطينهم وتنفيذ ورقة السياسة العامة لعودة النازحين التي اقرتها الحكومة اللبنانية وإعادة النظر فيها إذا لزم الأمر".
لكن رغم ما يحصل، لك تتخذ الحكومة أي تدابير، إذ أن فاعليات عكار السياسية طالبت السلطات اللبنانية ببذل الممكن واتخاذ الإجراءات المناسبة لتفادي الآثار السلبية التي سبق أن سبّبتها حركة النزوح السوري الى لبنان طيلة السنوات السابقة، مع الإشارة في هذا السياق إلا أن وزيرة الشؤون الاجتماعية اللبنانية حنين السيد، وفور تسلمها منصبها الوزاري، تحدثت عن أن عودة النازحين السوريين يجب أن تكون طوعية وآمنة.

فهل يستطيع لبنان استيعاب نازحين من جديد لينضموا الى مليوني سوري كانوا قد نزحوا منذ العام 2011؟

إن لبنان الذي يعاني أصلاً من أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، يواجه بحسب ما يؤكد المنسق العام للحملة الوطنية لاعادة النازحين السوريين النقيب مارون الخولي لـ"لبنان24" تحديات جسيمة في استيعاب أي موجة نزوح جديدة من الساحل السوري، خصوصًا مع وجود أكثر من مليوني لاجئ سوري منذ 2011. ووفقًا لتقديرات البنك الدولي، بلغت كلفة النزوح السوري على لبنان 80 مليار دولار، ما ساهم بشكل مباشر في انهيار العملة اللبنانية التي فقدت أكثر من 98% من قيمتها منذ 2019.وأزمة السيولة وانهيار القطاع المصرفي وتفاقم البطالة والفقر اكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر.وضغط غير مسبوق على البنية التحتية من مياه، وكهرباء، وصحة، وتعليم، لذلك فإن استقبال نازحين جددا سيزيد من المنافسة على فرص العمل في سوق يعاني أصلاً من انهيار، واستنزاف الموارد العامة التي تعتمد على الاستيراد بعملة صعبة وتفجير التوترات الاجتماعية بين اللبنانيين والنازحين، خاصة في مناطق مثل طرابلس والبقاع.

اما في حال الموافقة على استقبال النازحين الجدد الهاربين من المجازر الطائفية التي تحصل في منطقة الساحل السوري، فهذا ممكن انسانياً، لكن شرط الالتزام بشرطين أساسيين وهما بحسب الخولي: الاول التنسيق مع المفوضية السامية لللاجئين (UNHCR) لإدارة النزوح الجديد بشكل مؤقت (3 أشهر)، مع ضمان عدم تحويل لبنان إلى وجهة دائمة عبر إعادة التوطين في دول ثالثة.أما الثاني فهو تفعيل خطة عودة فورية للنازحين القدامى، بالتعاون مع الحكومة السورية والمجتمع الدولي، خاصة مع تحسن الأوضاع الأمنية في بعض المناطق السورية.

يضيف الخولي: مدانة سياسة الصمت التي تتصرف بها الحكومة الحالية والتي يمكن توصيفها بـ"سياسة النعامة"، فالانفلات الأمني على الحدود (آلاف النازحين يدخلون يوميًا)ربطاً بتفشي المخيمات العشوائية 3100 مخيم منتشر في 1000 بلدة، والذي تتجاهله الحكومة، يهدد الاستقرار الديموغرافي والهوية المجتمعية.

إن زيارة الرئيس نجيب ميقاتي إلى دمشق واتفاقه على تشكيل لجنة مشتركة لعودة النازحين،خصوصاً وأنه قد استند الى خطة الحملة الوطنية لإعادة النازحين كانت مؤشرا جيدا ، كما يؤكد الخولي، إلا أن تغيير الحكومة أوقف التقدم، وهذا يعكس غياب رؤية استراتيجية وتبعية لبنان للصراعات الإقليمية وحجم الضغوط الغربية على الحكومة الحالية لعدم فتح ملف النازحين السوريين في الفترة الحالية. ولذلك فإن المطلوب من حكومة سلام إعلان حالة الطوارئ لإدارة الأزمة بآليات سريعة وتبني خطة الحملة لعودة النازحين السوريين والتي تتلخص أولاً في تصنيف وفق وضعية النازحين:

الفئة الأولى: النازحون الذين لم تتضرر بيوتهم بشكل كبير، وهؤلاء يمكن ترتيب عودتهم بشكل فوري، على أن لا تتجاوز المدة الزمنية ثلاثة أشهر من بدء تنفيذ الخطة.

الفئة الثانية: النازحون الذين تدمرت بيوتهم بشكل كلي أو جزئي، وهؤلاء يتم تنظيم عودتهم تدريجياً خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر، مع مراعاة توفير الدعم اللازم من الدولة السورية والمجتمع الدولي لإعادة الإعمار وتأمين سبل العيش لهم.

تنظيم العمالة السورية في لبنان:
لضمان عدم تكرار أزمة النزوح، نقترح حصر العمالة السورية في لبنان بإصدار ما لا يزيد عن 300 ألف إجازة عمل، تُمنح وفقاً لاحتياجات السوق اللبناني وبشروط واضحة، مع التأكيد على أن هذه الإجازات تخص العمال فقط دون عائلاتهم.

تشكيل لجان متخصصة لإدارة وتنفيذ العودة:

لجنة لإعادة إحصاء النازحين السوريين: تهدف إلى تحديث قاعدة البيانات الرسمية حول أعداد النازحين وأوضاعهم والمناطق والبلدات السورية النازحة منها وتصنيفهم وفقا للفئتين الاولى والثانية .

لجنة لوجستية: مهمتها وضع الآليات التنفيذية للعودة وتأمين وسائل النقل الضرورية لضمان عودة آمنة ومنظمة.

لجنة مركزية لإدارة العودة: تتولى التنسيق بين مختلف الجهات اللبنانية والسورية، إضافة إلى المنظمات الدولية المعنية، لضمان حسن سير العملية ومتابعتها.

وفي مكافحة تهريب البشر وإغلاق المعابر غير الشرعية

نظرًا للخطورة الأمنية والاقتصادية الناتجة عن التهريب غير الشرعي عبر الحدود المشتركة بين لبنان وسوريا، نرى ضرورة إغلاق المعابر غير الشرعية ومكافحة تهريب البشر من خلال:تعزيز التعاون الأمني المشترك بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية لضبط الحدود ومنع عمليات التهريب، وتفعيل نقاط مراقبة حدودية وتسيير دوريات مشتركة لمنع أي خروقات أو تجاوزات تؤثر على استقرار البلدين.كما نقترح تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين الجيش والأمن العام والمخابرات،وحملة دبلوماسية مكثفة لعرض الأزمة في المحافل الدولية واستقدام التعاطف الدولي لدعم عودة النازحين الى سوريا.

لكن كيف سيتم العمل حيال المعابر غير الشرعية لاسيما وأن المعابر الشرعية دمرتها إسرائيل؟

إن تدمير إسرائيل للمعابر مثل معبر الدبوسية يُعد، بحسب الخولي، تحدياً تقنياً يمكن تجاوزه بإصلاحات سريعة خلال أسبوع إذا وُجدت الإرادة السياسية، لكن العائق الحقيقي هو الضغوط الإقليمية والدولية التي تُعطل إعادة فتحها لربطها بملف التسوية السياسية في سوريا. أما المعابر غير الشرعية فهي تحتاج إلى استراتيجية أمنية شاملة تشمل تعزيز الأبراج الحدودية وتغطية النقاط الجغرافية النائية عبر زيادة أفواج الجيش المدعومة بتقنيات مراقبة طائرات مسيرة، كاميرات حرارية والى تعاون إقليمي مع سوريا لمراقبة التحركات عبر الحدود.

الأكيد أن السيناريوهات الدولية والمخاطر الأمنية المحدقة عالية، لكن على الدولة التشدد بأن لبنان ليس ملاذًا آمنًا وعلى المجتمع الدولي عدم التعامل مع لبنان كمنطقة "تخزين موقت" للاجئين، دون تحمل مسؤولياته، ويجب نقل الملف إلى الاتحاد الأوروبي والضغط لتمويل عودة النازحين، ودعوة الولايات المتحدة ودول التعاون الخليجي إلى ربط المساعدات بتسريع الحلول السياسية في سوريا وأهمها عودة النازحين السوريين إلى سوريا.

أمام كل ذلك تبدي أوساط سياسية تخوفاً من انتقال الاقتتال الداخلي في سوريا الى لبنان؟ ويرى الخولي أن خطر انتقال الاقتتال إلى لبنان وارد خصوصا في ظل التجاذبات الطائفية، فتصريحات الفصائل المسلحة في طرابلس والبقاع اللبنانية من بعض العشائر تُظهر استعدادًا للانخراط في الصراع السوري، مع إشارته إلى أن حدود اللبنانية السورية مشتعلة بالاشتباكات أصلاً وقبل أحداث الساحل السوري وهي تنتقل في مناطق عدة مثل جرود الهرمل وقد تتحول إلى جبهات مفتوحة، ومن الممكن أن يكون هناك دعم من بعض الأطراف اللبنانية لمجموعات في سوريا وهذا من شأنه قد يُعمق الانقسام المحلي.

في الخلاصة لبنان يحتاج إلى خطة مارشال دولية بتمويل يفوق 80 مليار دولار لإعادة الإعمار وتمويل عودة النازحين، والى ضغط دولي على النظام السوري الجديد لخلق بيئة آمنة لعودة النازحين، ومن دون ذلك، سيبقى لبنان ساحة مفتوحة للأزمات الإقليمية، مع خطر تحوله إلى "دولة فاشلة" تُهدد استقرار المتوسط. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • الجزيرة نت ترصد الدمار الذي خلفه الاحتلال بمستشفيات الجنوب اللبناني
  • بعد معارك الساحل السوري.. موجة نزوح جديدة إلى لبنان
  • حكومة سلام غائبة عن أزمة النزوح الجديدة إنها سياسة النعامة
  • ما اتفقت قناتا الجزيرة والحدث على أمر .. إلّا والطائفية كانت معهما !!
  • الجزيرة ترصد أجواء رمضان في غزة ظل وقف المساعدات
  • ضغط ميداني جنوباً وشرقاً على العهد والحكومة والقوى العسكرية
  • السفارة الصينية تسهّل إجراءات الحصول على التأشيرة
  • يوميات رجل عانس.. كوميديا سعودية تسلط الضوء على عزوبية الرجال
  • الهجرة الدولية تعلن نزوح 365 أسرة يمنية منذ مطلع العام الجاري
  • للمعلومية والدة ياسر عرمان توفت في احد مراكز النزوح بالقضارف