كتب جان فغالي في" نداءالوطن":من دون شك، العنوان غريب، لكن مَن يدقق في التطورات الميدانية في جنوب لبنان، يلاحظ المعادلة التالية: وتيرة التصعيد في الجنوب باتت توازي تلك الموجودة في غزة، والخسائر من القادة والمقاتلين من «حزب الله» في جنوب لبنان، توازي الخسائر من القادة والمقاتلين في غزة. وعليه فإن كل حديث عن إشغال إسرائيل من جنوب لبنان لتخفيف الضغط عن «حماس» في غزة، لم يعد له اي قيمة أو مردود في العلوم العسكرية.
من خلال تتبع كل ما يجري، يبدو أن كل مخططات «الحزب» لتفادي التخفيف من سقوط مقاتليه، قد فشلت، الجميع يتذكرون كيف أن الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله ناشد عناصر الحزب وأبناء الجنوب عدم استخدام الهواتف الذكية، بعدما اكتشف أن اسرائيل تملك «داتا الإتصالات» الخلوية والأرضية، وتتعقب قادته وعناصره من خلال هواتفهم الذكية أو هواتف مرافقيهم، أو هواتف المنازل.
إنتقل «الحزب» إلى خطة ثانية وهي أن يتفادى مقاتلوه وقادته الإقتراب من الحدود وأن يقوموا بعمليات القصف وتوجيه الصواريخ والمسيّرات من مسافات بعيدة تفادياً لتعقب الصواريخ الإسرائيلية لهم. كانت هذه الخطة بمثابة مناورة إذ تبيَّن أن «حزب الله» استخدمها إعلامياً «للتضليل» بمعنى أن قادته ومقاتليه استمرّوا في مواقعهم، وهذا ما كشفه الإسرائيلي والدليل الأكبر على ذلك العملية الكبيرة ليل الثلثاء – الأربعاء وسقوط قائد عسكري في «حزب الله» هو الأرفع منصباً ومسؤولية منذ بدء فتح «جبهة الإسناد» في جنوب لبنان في الثامن من تشرين الأول الفائت، في اليوم التالي لبدء عملية «طوفان الأقصى».
اليوم، «حزب الله» في وضعٍ حرِج، مهما طالت محاولات الإنكار، بدأ حربه تحت عنوان «إسناد حماس في غزة»، اليوم يحتاج إلى «إسناد» له في جنوب لبنان. يسقط قادته الميدانيون الواحد تلو الآخر، وتقصَف مستودعات ذخيرته وصواريخه في أقصى البقاع الشمالي، كما تقصَف مستودعاته وشاحنات الأسلحة المتجهة إليه من سوريا. إنطلاقاً من هذا الواقع الميداني، هل «حزب الله» هو في وضع «الإسناد» أو في وضع مَن يحتاج إلى الإسناد؟
الواقع السياسي والميداني يُنبئ بأن «جبهة الإسناد» في الجنوب باتت بحاجةٍ إلى «إسناد» بعدما تحوَّلت إلى عبء، لا يعترف «حزب الله» بهذا الواقع، لكن عدم الإعتراف به لا يعني أنه غير موجود.
إن حرباً، بلغت، حتى الآن، شهرها التاسع، لا يمكن أن تقف إلا في حال من إثنتين: إما بانتصار طرف على طرف، وإما بتسوية كبرى تبدأ في رفح وتنتهي في طهران، الواقع ليس عند هذا المستوى، وكأن الحرب ما زالت في ذروتها، وإلى أن تحط رحالها، ما هو الثمن الذي يكون قد دفعه لبنان؟
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی جنوب لبنان حزب الله فی غزة
إقرأ أيضاً:
هذا هو المطلوب من حزب الله
نتيجة واحدة يمكن استخلاصها من الحرب الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة ولبنان بجنوبه وبقاعه وضاحيته الجنوبية بالتزامن مع سقوط نظام البعث في سوريا. وقد لا تكون هذه النتيجة هي الوحيدة من بين نتائج كثيرة ربما ستبدأ بالظهور تدريجيًا. وقد يُفاجأ المرء عندما ينظر إلى مفاعيل هذه النتيجة بموضوعية وبانتفاء حاجة اللجوء إلى البصارين والعرافين والضاربين بالرمل وقارئي الكفّ ليدرك حقيقة واحدة مجردة، وهي أن تكرار "عملية 7 أكتوبر" لم تعد متاحة بعدما تمّ تدفيع فلسطينيي القطاع ثمنًا باهظًا، وبعدما قبل "حزب الله" بالتسليم باتفاق وقف النار، الذي لم تأتِ بنوده، وبالأخص ما جاء في البندين السادس والسابع منه بالنسبة إلى تخّليه عن سلاحه بهذه البساطة، التي فصّلها اتفاق وقف النار، الذي سينسحب أيضًا على القطاع بعدما بلغت المفاوضات بين الإسرائيليين وحركة "حماس" مرحلة متقدمة.
ولو لم يسقط نظام بشار الأسد بهذه السهولة والسرعة غير المتوقعين لكان أمكن القول إن ما تلقته كل من حركة "حماس" و"حزب الله" من ضربات موجعة لم تضعفهما بالقدر الذي أدّعت تل أبيب بأنها قد وصلت إلى مبتغاها وأهدافها. إلاّ أن هذا السقوط المفاجئ قد أفقد "الحركة" و"الحزب" سندًا أساسيًا أقله بالنسبة إلى ما يؤمنّه هذا النظام من جسر تواصل وعبور السلاح من إيران عبر العراق وسوريا وصولًا إلى لبنان، ومنه إلى قطاع غزة بطرق لا تزال حتى هذه اللحظة مجهولة.
وحيال هذا الواقع الجديد في منطقة الساحات الموحدّة يرى كثيرون في لبنان وخارجه أنه لا بدّ للقيادة الجديدة في "حزب الله" التعامل مع هذا الواقع بطريقة تضمن لها حضورًا سياسيًا فاعلًا بعد أن يتخّلوا عن منطق "فائض القوة". وفي اعتقاد أكثر من طرف على علاقة جيدة مع "الضاحية الجنوبية" أن هذا الانتقال من حالة إلى أخرى تتطلب بعض الوقت. إلاّ أن ما حصل مؤخرًا أمام قصر العدل في بيروت لا يوحي بأن "الحزب" مقبل على التعاطي مع الواقع الجديد بخلفيات سياسية بعيدًا عن تأثير السلاح.
فهذا السلاح، كما يعتقد كثيرون من اللبنانيين، لم يستطع أن يردع إسرائيل في تدمير أجزاء كبيرة من لبنان، ولم تكن لديه القدرة على رفض الشروط الإسرائيلية الواردة في اتفاق وقف النار. وإذا لم يتخلَ "حزب الله" عما تبقّى لديه من سلاح بموجب موافقته على اتفاق وقف النار بكل فاصلة واردة فيه فإن تكرار تجربة "حرب الاسناد" تبقى واردة في الحسابات المشتركة لوحدة الساحات في أي وقت.
فالمطلوب من "حزب الله" اولًا وأخيرًا، وفق ما تلقاه من نصائح، التأقلم مع هذا الواقع الجديد في المنطقة، ومحاولة "هضمه" بإعادة قراءة المشهد السياسي الجديد، قليل من التواضع، وذلك لكي يتمكّن من الانخراط في الحياة السياسية من بوابتها الرئيسية وفي شكل طبيعي ومن دون حاجته إلى السلاح مثله مثل أغلبية اللبنانيين.
وقد يكون المطلوب من "حزب الله" كبداية تلقائية لانخراطه بالعمل السياسي الطبيعي مثله مثل حركة "أمل" ألاّ يستمر في تعطيل نصاب الجلسات الانتخابية، خصوصًا إذا لم يكن متيقنًا بأن المرشح الأوفر حظًّا للوصول إلى بعبدا بعد طول انتظار ومعاناة لن يطعن "المقاومة" في ظهرها.
وما هو مطلوب من "حزب الله" بالتحديد مطلوب من جميع القوى السياسية لكي تقبل برئيس للجمهورية لا يكون طرفًا منحازًا لأي جهة سياسية معينة، وتكون لديه الخبرة الكافية في لتعاطي مع القضايا الحسّاسة. وقد يكون قائد الجيش العماد جوزاف عون من بين عدد من المرشحين الأوفر حظًا للوصول قبل غيره إلى نقطة نهاية السباق الرئاسي، خصوصًا إذا اعتبره "حزب الله" أحد أبرز المرشحين المحتملين، الذين لن يطعنوا أي مكون من المكونات اللبنانية في الظهر.
المصدر: خاص لبنان24