برامج الذكاء الاصطناعي مصدر قلق جديد للعمال
تاريخ النشر: 5th, August 2023 GMT
يَعد الذكاء الاصطناعي بإحداث ثورة في مجموعة واسعة من المهن، في توقّع يحمل مخاوف لعدد كبير من العمال الذين يُبدون قلقا من رؤية وظائفهم تخضع لتحوّلات أو تختفي.
وما كان قبل نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عقب إطلاق برنامج "شات جي بي تي" ليس كما بعده، فما يُسمّى بالذكاء الاصطناعي التوليدي أظهر قدرة على الاستجابة بطريقة موثقة لكلّ ما يُطلَب منه بلغة شائعة.
وتقول عاملة في مجال الرسوم البيانية لم ترغب في ذكر اسمها إنّ "الناس بدؤوا يدركون أنّ بعض المهارات التي طوّروها وتخصصوا بها يمكن أن يحل محلها الذكاء الاصطناعي بأسلوب واقعي".
وفي حالتها، أتت الصدمة من الصور التي ابتكرتها برامج منها "ميدجورني" و"ستايبل ديفيوشن" ونُشرت عبر الإنترنت في العام الفائت.
وهذه المرأة المتحدرة من نيويورك والمعتادة على قطاع الإعلام الذي شهد عمليات تسريح كبيرة للعاملين فيه، لم تعد متأكدة الآن مما ستبدو عليه الوظائف في المجال الذي تعمل فيه "بغضون 5 سنوات أو حتى قبل ذلك".
قلق من التكنولوجياوتقول المحللة النفسية المتحدرة من نيويورك كلير غوستافسون التي تطرّق عدد كبير من مرضاها إلى الذكاء الاصطناعي إنّ "كل شيء جديد وغير مألوف يسبّب القلق. التكنولوجيا تتقدّم بسرعة كبيرة لدرجة أنه من الصعب إيجاد نقاط مرجعية لها".
وأبدى أحد العاملين في مجال الترفيه قلقه للمعالجة النفسية ميريس باول، من الذكاء الاصطناعي في السينما والتلفزيون، وهي نقطة رئيسية يُضرِب بسببها الممثلون وكتّاب السيناريو في هوليود.
وتؤكد غوستافسون أنّ "المهن الإبداعية هي التي تواجه القلق الأكبر" في هذا الشأن.
لكنّ المبرمجين والمستشارين عبر الهاتف والمتخصصين القانونيين أو الماليين أو المحاسبين أو الصحفيين باتوا أصلا في مرمى الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يمكنه إنتاج مقالة أو أي نصوص في ثوان.
ويشير محللون من بنك غولدمان ساكس إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يزيل أو يقلّص محتوى نحو 300 مليون وظيفة، وفق دراسة نُشرت في مارس/آذار الماضي.
ويقول إريك (29 عاما) الذي يعمل في مصرف ويعتزم تغيير مهنته "أتوقع أن تصبح وظيفتي قديمة في غضون 10 سنوات، لأنّ قدرات الذكاء الاصطناعي تتيح له أداء غالبية المهام التي يؤديها موظفو البنوك".
قبول المجهولتقول كلير غوستافسون "عندما اخترق "شات جي بي تي" حياة الناس، انتاب الجميع قلق؛ حتى المعالجين النفسيين"، إذ تحدّث البعض عن احتمال أن يتم الاستغناء عنهم بالذكاء الاصطناعي.
وتضيف المتخصصة في دعم الأشخاص الذين يواجهون تغييرات مهنية "لم يتسبب بهذا القلق الكبير على المستوى الاجتماعي سوى التغيّر المناخي وفيروس كورونا"، وأشارت إلى أنها تعمل مع مرضاها لمساعدتهم على "قبول المجهول" و"إيجاد طرق لاستخدام التقنيات الجديدة لمصلحتهم".
بالمقابل يقول شون يوناس العامل في مجال الرسوم البيانية ثنائية وثلاثية الأبعاد "نظرا لأن الذكاء الاصطناعي سيكون قادرا على القيام بالجزء الأكبر من المهام، فسأخسر عددا من المهارات"، مؤكدا أن ذلك لا يسبب له أي ضغط. ويضيف "أرى أنّ ذلك بمثابة أداة جديدة تُضاف إلى الأدوات الاخرى". ويرى أنّ الفنانين لا يزالون قادرين في المستقبل على أن يتميّزوا عن الذكاء الاصطناعي "من خلال المحافظة على أسلوب فريد".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي.. إلى أين؟ الرُّوبوت العاطفي وأنسنة الآلة
الفاهم محمد
أخبار ذات صلة أحلام إبداعية على أجندة 2025 متاحف الإمارات.. جسورٌ بين الحضاراتلطالما اعتبرت المشاعر الإنسانية، سواء من طرف الأدباء أو الفلاسفة، شيئاً مقصوراً على الإنسان، فهي تدخل في صميم الجوهر الإنساني. لقد أبدع الأدب بالخصوص في تصوير عذابات البشر، والتباسات هذه المشاعر، مثل الحسد والغيرة، والسعادة والحزن، والخيانة والحب وغيرها. والآن مع ما نعيشه في زخم الثورة الرقمية، يطلع علينا الذكاء الاصطناعي مزهواً بنفسه، كي يدعي قدرته على تقديم محاكاة دقيقة لبواطن الإنسان، وعلى تجاوز التعقيد والثراء الذي تنطوي عليه تلك المشاعر، التي تجعل من الإنسان إنساناً، وليس مجرد آلة لمعالجة المعلومات.
إن محاكاة هذه المشاعر الإنسانية من قبل الذكاء الاصطناعي، تطرح تساؤلات فلسفية عميقة، حول ما إذا كان بإمكان الآلات أن تصل إلى مستوى من التطور، يجعلها قادرة على تجربة هذه العواطف بطريقة مشابهة للإنسان،. وإذا تحقق هذا الأمر بالفعل في المستقبل، فإن هذا من شأنه أن يطرح تساؤلات أخرى، حول ماهية الإنسانية ذاتها، بل وإلى إعادة تعريف مفهوم «الإنساني» ذاته.
بدأت أصداء الذكاء الاصطناعي في مجال الخيال العلمي، وبالضبط الأعمال السينمائية، قبل أن تجد تطبيقاتها الفعلية في الواقع. هناك العديد من الأفلام التي تناولت هذا الموضوع، أشهرها فيلم ستيفن سبيلبرغ 2001 A I Artificial Intelligence الذي يركز على طفل روبوت يدعى دافيد، يحلم بأن يتحول إلى طفل حقيقي يقول: «أنا لست لعبة بل نموذجاً متطوراً من الذكاء الاصطناعي». كما يقول أيضا: «أنا أريد أن أكون طفلاً حقيقياً». طوال الفيلم نلاحظ أن هذا الروبوت، يسعى جاهداً إلى كسب ود العائلة التي استضافته، كي تبادله الحب كما لو كان ابنهم الحقيقي. بذلك فهو يطرح سؤالاً فلسفياً محرجاً: «ما هو الهدف من الحب إن لم يكن تلقي الحب في المقابل». وبعد محاولات في العثور على «الفراشة الزرقاء» التي ستجعله إنساناً، يكتشف أنها مجرد أسطورة، وأنه لن يتمكن أبداً من أن يصبح إنساناً، لذلك يقرر الانتحار عن طريق الغرق في البحر.
مشاعر رقمية
وفي فيلم Her من إخراج سبايك جونز سنة 2013 نستكشف علاقة عاطفية بين تيودور الرجل المنعزل، وبين نظام تشغيل ذكي يدعى سامانثا يتمتع بقدرات عاطفية مذهلة، تجعل البطل يقع في علاقة غرامية معه، مفضلاً إياه على علاقة طبيعية مع جارته. تقول سامانثا:«أنا لست إنسانة، ولكن أنا أحبك» فمن خلال هذه الكلمات تحاول إقناع تيودور، بأنها قادرة على الحب والحنان، على الرغم من كونها ذكاءً اصطناعياً، ولكي تؤكد عمق مشاعرها وصدق حبها تقول: «أنا أحب كل شيء فيك، حتى أوجه الضعف والقصور فيك»، ولكن على الرغم من تطور هذه المشاعر، إلا أن الفيلم يشير إلى أنه لا يمكن للمشاعر الرقمية، أن تحل محل التفاعلات والروابط البشرية الحقيقية. نلاحظ في المشهد الختامي تيودور وحيداً، وهو يبكي على فراق سامانثا، التي قررت عدم الاستمرار في علاقتها بالطريقة التقليدية التي يريدها.
وأخيراً، وليس آخراً لدينا فيلم EX Machina من إخراج أليكس جارلاند سنة 2014، والذي يتناول موضوع روبوت متطور يدعى إيفا يتمتع بوعي ذاتي، وبقدرات عاطفية شبيهة بالبشر. وبعد اختراع هذه الإنسانة الآلية سيقع مخترعها في حبها، لكننا سنكتشف في سياق الفيلم أن إيفا في الحقيقة استعملت الحب كطعم، كي تجذب إليها البطل كاليب من أجل تحريرها. تقول: «أريد أن أكون حرة، أريد أن أغادر هذا المكان». إن الشعور بالحرية والحب يضعنا أمام آلة تتمتع بأعمق الخصائص الإنسانية. وينتهي الفيلم نهاية مثيرة، عندما تتمكن إيفا من التحرر وحبس كاليب داخل المنشأة، ثم تخرج إلى العالم الخارجي كما لو كانت إنسانة عادية.
تنظيرات الآلات الروحية
تنظيرات عديدة دافعت عن إمكانية محاكاة الذكاء الاصطناعي لعواطف الإنسان، سنكتفي هنا فقط براي كورتزفايل الذي يمكن نعته بعرّاب ما بعد الإنسانية. فهو يرى في كتابه «عصر الآلات الروحية»، إمكانية تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي، قادرة على التفاعل البشري والتعبير عن المشاعر. إن هذه الآلات الروحية في نظره سيكون بإمكانها التعلم والتطور الذاتي، واكتساب المشاعر والتعاطف والوعي. هذا معناه أن محاكاة المشاعر الإنسانية، ستصبح جزءاً أساسياً من التطور التكنولوجي للذكاء الاصطناعي في المستقبل المنظور. ويؤكد كورتزفايل أيضاً بنبرة حماسية، أنه من المتوقع لهذه التطورات أن تفضي إلى علاقات أكثر تفاعلية وطبيعية بين البشر والآلات، مما يغير بشكل جذري الوضع البشري.
هذه الأفكار التي يدافع عنها كورتزفايل، أو تلك التي تناولتها الأعمال السينمائية، ليست مجرد طروحات نظرية، ولا هي فقط خيال فني جامح. بل هناك بالفعل تطبيقات ملموسة للذكاء الاصطناعي، تمتلك القدرة على محاكاة المشاعر الإنسانية نذكر منها Alexa من أمازون، وتطبيق Siri من آبل، وهي تطبيقات تحاول التفاعل مع المستخدمين بلغة طبيعية، وتقديم ردود ذات طابع شخصي عاطفي. هناك أيضاً الشخصيات الافتراضية والوكلاء الرقميون، فقد طورت شركات مثل REplika وشركة Anima.ai شخصيات افتراضية قادرة على التحدث والتفاعل بطريقة شبيهة بالبشر. يجب أن نتحدث أيضاً عن الروبوتات الاجتماعية، التي بدأت تحضر بقوة في الفضاء العمومي مثل Pepper المصمم للإظهار تعبيرات وردود فعل عاطفية. وParo المصمم للاستخدام في مجال الرعاية الصحية، وهو روبوت يستجيب للتربيت وZora المصمم للتفاعل مع كبار السن، كما أنه يظهر سلوكيات إنسانية.
أكثر من هذا طُوِّر العديد من الأنظمة الذكية، التي لديها القدرة على إظهار تعبيرات عاطفية، كالضحك والبكاء مثل برنامج EVA من شركة cereproc والذي بإمكانه إنتاج تعبيرات صوتية. وبرنامج sophia وهو روبوت إنساني واجتماعي من شركة Hanson Robotics قادر على إبداء تعبيرات الضحك والدهشة من خلال قسمات وجهه.
حوسبة العواطف
رغم تطور هذه الأنظمة الذكية في تقليدها للعواطف البشرية، إلا أنها لا تزال لحد الآن على الأقل عاجزة عن تقديم محاكاة دقيقة لما يمكن أن يحس به الإنسان من حزن أو فرح. إن هذا الأمر يعود إلى تعقد هذه المشاعر وتداخلها فيما بينها. فالإنسان يمكنه أن يحب الشيء من جوانب، ويمكنه أن يكرهه من جوانب أخرى. كل هذا يؤكد أن العواطف البشرية، ليست مجرد تعبيرات سطحية يمكن حوسبتها، إضافة إلى هذا فالمشاعر البشرية، تنشأ في ارتباط بسياق اجتماعي ونفسي. كما أنها تكون نتيجة تراكمات حدثت خلال مدة زمنية طويلة من تجربة الحياة. ومن ثم فهذا النوع من الفهم السياقي الدقيق لا يزال بعيداً عن الروبوتات الذكية. يتعلق الأمر إذاً بمدى قدرتنا على أنسنة الآلة، ولكن ليس بمعنى جعلها مطابقة في صفاتها للبشر، بل المقصود هو إنشاء نوع من التفاعل والترابط بين البشر والآلات، لأن الهدف هو صنع تعاون واندماج بين القدرات البشرية والآلية، بحيث يكمل كل منهما الآخر، لذلك ستظل التجربة الإنسانية في شموليتها تنبع من طبيعة الإنسان، إضافة إلى التباسات المشاعر، وآلام الروح التي تعتصر قلب الإنسان، ستبقى هي كذلك خارج نطاق فهم الأنظمة الذكية، فلا الآلات يمكنها أن تصبح بشراً، ولا البشر يمكنهم أن يتحولوا إلى آلات.