أجيالٌ لن تَنسَى وقرونٌ لن تُنْسِيَ وجرائمٌ لن تُنْسَى
تاريخ النشر: 13th, June 2024 GMT
في ظلال #طوفان_الأقصى “79”
أجيالٌ لن تَنسَى وقرونٌ لن تُنْسِيَ وجرائمٌ لن تُنْسَى
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
ما ارتكبه العدو الإسرائيلي ومعه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤهم الغربيون، ضد الشعب الفلسطيني عامةً وفي قطاع غزة خاصة، خلال الشهور التسعة الماضية، التي شهد العالم كله خلالها على وحشية الاحتلال وعدوانه، ودمويته وساديته، وعرفوا ممارساته، وأدركوا سياساته العنصرية، التي كشفت عن صورته الحقيقية البشعة، التي رفضتها الشعوب، وتظاهرت ضدها الأمم، ونظمت ضدها مسيرات واحتجاجات وفعاليات دولية، شاركت فيها الجامعات والمؤسسات العلمية، في حراكٍ تضامنيٍ أمميٍ لم يشهد مثله العالم، مما سيكون له أبلغ الأثر في السياسات الدولية والانتخابات البرلمانية والرئاسية للدول الكبرى في المستقبل القريب.
ما ارتكبوه معاً ضد الشعب الفلسطيني بشهادة العالم الحر والإنسانية الصادقة، يفوق آلاف المرات ما ارتكبوه من مجازر ومذابح وجرائم وعمليات إبادةٍ جماعيةٍ منظمة، وممارساتٍ عنصريةٍ مقيتةٍ، خلال العقود الثمانية الماضية، رغم قسوتها وشدتها، وعنفها وتطرفها، وآثارها العميقة، ونتائجها المأساوية، وما خلفته من شتاتٍ ولجوءٍ وتشريدٍ وضياعٍ وقتلٍ وحصارٍ ودمارٍ وخرابٍ، بدءً من سنوات ما قبل النكبة وضياع الأرض الفلسطينية على مراحل، مروراً بالنكسة الصدمة، الفاجعة المؤلمة، وحملات قمع الانتفاضات الشعبية الفلسطينية، وإعادة اجتياح الضفة الغربية، وعمليات السور الواقي وكاسر الأمواج وجز العشب وغيرها، وصولاً إلى يوم السابع من أكتوبر وعمليات طوفان الأقصى المجيدة.
ربما يظن العدو الإسرائيلي ومن قاتل معه وبالسلاح زوده، ومن أيده وسانده وصدق روايته، أنهم بما ارتكبوا من جرائم، وما نفذوا من مجازر، وما حققوا من أرقامٍ قياسيةٍ في القتل والخراب والدمار، استطاعوا أن يكووا الوعي الفلسطيني، وتمكنوا من استهداف عقله وتغيير تفكيره، ودفعوه نحو تغيير قناعاته واستبدال مفاهيمه، وأجبروه على القبول بالواقع والتسليم بالجديد الذي تفرضه القوة، وقد أظهر العدو خلال حربه على غزة، وعدوانه المستمر في القدس والضفة الغربية، غاية قوته وأقسى جبروته، واستخدم أكثر الأسلحة فتكاً وتدميراً، ظناً منه أنه يستطيع من خلال القوة المفرطة والمزيد من القوة، تحقيق ما عجز عن تحقيقه بالقوة السابقة.
ما يجب أن يعلمه العدو ويدركه، وهو نفس ما نطق به بعض مسؤوليه، وكشف عنه الكثير من مفكريه، وحذر منه كبار الضباط العسكريين والأمنيين المتقاعدين، ومعهم عدد غير قليل من الاستراتيجيين الإسرائيليين والدوليين، أن حربه على غزة لن تنسي الفلسطينيين حقوقهم، ولن تفت في عضدهم، ولن توهن عزمهم، ولن تدفعهم نحو اليأس والقنوط، والتفريط والتخلي، ولن تنتج جيلاً فلسطينياً متصالحاً معهم، معترفاً بهم، متفهماً لهم، وراضياً عنهم، وخاضعاً لإرادتهم، وخادماً لسياستهم.
فقد أسست الحربُ الإسرائيلية الظالمة بما لا يدع مجالاً للشك، قواعد متينة وأسس عميقة لأجيالٍ فلسطينية وعربية قادمة، أكثر إصراراً وثباتاً على الحق الوطني الفلسطيني في أرضهم ووطنهم ومقدساتهم وكامل حقوقهم، وستكون الأجيال اللاحقة أكثر تمسكاً بحقوقها من الأجيال التي سبقت، وأكثر عناداً وأشد مراساً، وسيكون لديها وسائلها الجديدة، وأدواتها المبتكرة، وطرقها الخاصة في استعادة الحق وتحرير الأرض، وقد أثبتت حوادث الزمان وتجارب الشتات واللجوء أن شيئاً لن ينسي الفلسطينيين حقوقهم، وقد جاء الدم المهراق والمجازر البشعة، وعمليات الإبادة الجماعية القاسية، لتعزز هذه المفاهيم والمعاني وتبني عليها وتراكم فوقها.
وسيدرك العدو الصهيوني، الذي لن يبقى إن شاء الله ولن يدوم لسنواتٍ أخرى قادمة، إذ أزف زمان سقوطه وحلت نهايته وخاتمته، واقتربت الساعة التي يتفكك فيها ويندثر، وإنما سيعلم مشغلوه وصانعوه، وزارعوه ومساندوه، أن هذه الحرب قد غرست في الوعي الفلسطيني والعربي والإسلامي لمئات السنوات القادمة، العداء المطلق للغربي المستعمر، وللولايات المتحدة الأمريكية التي كان لها الدور الأكبر في تنظيم هذه الحرب وإدارتها، وسيعلمون يقيناً أنهم أخطأوا وأجرموا، وارتكبوا في حق الأجيال الفلسطينية ومستقبلها جرائم يصعب نسيانها، ويستحيل تجاوزها والعفو عنها، مهما تقادم الزمن، وتوالت الأيام، وتتابعت الأجيال وتتدافعت.
هذه الحرب الملعونة الظالمة يصعب نسيانها، ولا يمكن للزمن مهما طال أن يطويها، ولا تستطيع الأجيال القادمة كلها ولو بعد مئات السنوات، نسل الشهداء، وأبناء الثكالى والمفوجعات، ومن بقي حياً تحت الركام، ومن انتشل من تحت الأنقاض، ومن نجا من القصف والدمار، وغيرهم ممن تركت الحرب على أجسادهم آثاراً باقية، أن ينسوا ما فعل بهم العدو الإسرائيلي وحلفاؤه، وما خلف وراءه سلاحهم وأدوات قتلهم.
الفلسطينيون هم كما أجدادهم العرب والمسلمين، الذين ذاقوا المر وتجرعوا الهوان من التتار المغول ومن الصليبيين والفرنجة، ما نسوا أرضهم، ولا تخلوا عن حقوقهم، ولا استسلموا لأعدائهم، ولا خضعت رقابهم لسيفه، ولا لانت نفوسهم لحكمه، بل جاءت من بعدهم أجيالٌ حفظت حقوقهم، ونظمت صفوفها لأجلهم، وخاضت الحروب انتقاماً لهم، وثأراً لشهدائهم، فكانت حطين التي لا ننساها، وعين جالوت التي نتغنى بها، وسيكون لهما ثالثة قاصمة لعدونا، وخاتمةً لأحزاننا، ونهاية لسني عذاباتنا، فلا يفرح العدو بما أجرم، وليتهيأ لما هو أعظم، ووعداً أننا سنثأر، فهذا حقٌ لا يموت، وأمةٌ لا تنسى، وجرائمٌ لا تطوى.
بيروت في 12/6/2024
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: طوفان الأقصى لن ت ن س
إقرأ أيضاً:
هذا ما كشفته كلمة نعيم قاسم اليوم.. دلالات مهمة جداً!
نشر موقع "الجزيرة نت" تقريراً تحت عنوان "خبراء: كلمة الأمين العام لحزب الله رسمت خارطة المعركة والمفاوضات"، وجاء فيه: ألقى الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، اليوم الأربعاء، كلمة شاملة، تناول فيها رؤية الحزب للوضع الراهن في لبنان، ودرات الكلمة حول 3 محاور رئيسية: المعركة، والتفاوض، وما بعد الحرب، وتضمنت رسائل متعددة المستويات، وجهت بشكل خاص إلى إسرائيل، والمفاوضين على الساحتين المحلية والدولية، إضافة إلى الداخل اللبناني.تحدث قاسم عن المعركة في المحور الأول من كلمته، وأشار بوضوح إلى أن "على العدو أن يتوقع الرد على وسط تل أبيب إذا استهدف بيروت"، وأوضح أن المقاتلين مستعدون لخوض معركة طويلة، مع الحفاظ على القدرة على الوصول إلى الخطوط الأمامية، وإجراء التبديلات، وتوفير السلاح، وقال "سنظل في الميدان ونقاتل مهما ارتفعت الكلفة، وسنجعلها عالية باهظة، وسنرد اعتداء العدو ونحن في موقع الدفاع".
وفي المحور الثاني، تناول قاسم مسألة المفاوضات، مشيرا إلى استلامهم المقترح الأميركي بشأن وقف إطلاق النار، والذي قدموا ملاحظاتهم عليه، وأكد أن الحزب قرر عدم الخوض في تفاصيل الاتفاق عبر وسائل الإعلام، كما أوضح أن هناك تطابقا بين ملاحظات لبنان الرسمي وتلك التي قدمها الحزب، وأضاف أن "التفاوض يتم تحت سقفين رئيسيين: الأول هو وقف العدوان بشكل كامل وشامل، والثاني ضمان الحفاظ على السيادة اللبنانية".
وفي المحور الثالث، قدم قاسم رؤية الحزب وخارطة الطريق لمرحلة ما بعد الحرب، موضحا مواقفه من خلال 3 رسائل أساسية:
الرسالة الأولى: أكدت استمرار حزب الله في تبني موقفه السابق قبل الحرب وهو سياسة المقاومة.
الرسالة الثانية: أعادت التأكيد والتذكير على ثلاثية "الجيش، الشعب، المقاومة"، مع الإشارة إلى أن الحزب معني بتسهيل انتخاب رئيس جمهورية ضمن الأطر الدستورية وتحت سقف اتفاق الطائف.
الرسالة الثالثة: التزام الحزب بالمشاركة في إعادة الإعمار.
مواقف حاسمة قال المحلل السياسي قاسم قصير، للجزيرة نت، إن كلمة نعيم قاسم جاءت لتأكيد مواقف حزب الله والمقاومة على الأصعدة العسكرية والسياسية والتفاوضية، موضحا أن "الكلمة حملت رسالة واضحة لكل من الداخل والخارج حول قوة الحزب وقدرته على الصمود، واستعداده لما بعد وقف الحرب، خاصة في ما يتعلق بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، والتمسك باتفاق الطائف، والمضي قدما في جهود إعادة الإعمار".
وأشار قصير إلى أن قاسم شدد على أن "فشل العدو في تحقيق أهدافه يعد انتصارا"، وأكد على قاعدة تكاتف الجيش اللبناني والشعب والمقاومة.
وفي ما يخص المفاوضات، أشار المحلل إلى أن الأمين العام لحزب الله ربط نجاحها برد فعل إسرائيل والجدية التي يظهرها رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، مشددا على ضرورة التفاوض تحت سقف وقف العدوان بشكل كامل وشامل، وحفظ السيادة اللبنانية.
وأضاف قصير أن قاسم توجه إلى النازحين معبرا عن تقديره لتضحياتهم، وأوضح أن الحزب سيقوم بواجبه قدر الإمكان، داعيا إياهم إلى الصبر، وأكد على أن عملية إعادة الإعمار ستتم بالتعاون مع الدولة فور وقف العدوان.
التفاوض والنار يرى المحلل السياسي توفيق شومان، في حديثه للجزيرة نت، أن خطاب نعيم قاسم يمكن قراءته من 3 زوايا رئيسية، أولها تتعلق بالميدان وتجديد بنك الأهداف بصورة يومية، وهو ما تعكسه عمليات المقاومة المستمرة التي تستهدف مستوطنات جديدة ومواقع عسكرية متنوعة، تشمل الأعمال الأمنية، والتقنية، والاستخبارية، والعسكرية، واللوجستية، وصولا إلى تل أبيب.
يشير شومان إلى أن هذه العمليات تعكس قبول المقاومة بمعادلة "التفاوض تحت النار"، التي يسعى العدو الإسرائيلي إلى فرضها، إلا أن الخطاب يبرز بوضوح استعداد المقاومة لمواجهة هذه المعادلة بكل السبل الممكنة، بهدف إفشال مساعي إسرائيل لتوظيف العدوان لتحقيق مكاسب سياسية في المفاوضات.
أما الزاوية الثانية فترتبط بالمفاوضات الجارية، التي تجري بالتنسيق والتناغم مع الدولة اللبنانية، ويوضح شومان أن خطاب قاسم اتسم بالتحفظ في التعليق على هذه المفاوضات، انتظارا لما ستسفر عنه زيارة آموس هوكشتاين إلى تل أبيب والرد الإسرائيلي المرتقب، وتأكيد قاسم استعداد المقاومة لخوض حرب طويلة إذا اختار العدو الإسرائيلي هذا السيناريو.
وبخصوص الزاوية الثالثة والمتعلقة بالوضع السياسي الداخلي، يشير المحلل إلى أن قاسم أكد التزام حزب الله باتفاق الطائف والعمل تحت سقفه، باعتباره عقدا سياسيا واجتماعياً وطنياً جامعاً، في إشارة واضحة إلى تمسك الحزب بالشراكة الوطنية المتوازنة والمتساوية، ويرى شومان أن هذا الموقف ينفي أي نية لاستثمار الخطاب السياسي داخليا، كما يُشاع في بعض الأوساط اللبنانية.
الميدان والسياسة من جهته، اعتبر الباحث والكاتب السياسي علي مطر، في حديثه للجزيرة نت، أن كلمة الشيخ نعيم قاسم تحمل دلالات مهمة تركز على محورين رئيسيين هما الميدان والمفاوضات، بالإضافة إلى رسائل مرتبطة بإدارة المشهد السياسي في لبنان بعد الحرب.
ففي الجانب الميداني، يوضح مطر أن الشيخ قاسم قدم شرحاً مفصلاً لنمط عمل المقاومة، مشيرا إلى اعتمادها أسلوب الدفاع المتحرك عوضا عن الدفاعات الثابتة التقليدية، كما بيّن قاسم أن المقاومة نجحت خلال شهرين في إحباط محاولات العدو الإسرائيلي لتحقيق أي تقدم ميداني، مستشهدا باستمرار إطلاق الصواريخ والتصدي لمحاولات التوغل في مناطق مثل الخيام، وشمع، وأطراف بنت جبيل.
ووفقاً لمطر، تحمل هذه الرسالة تأكيدا على أن "العدو الإسرائيلي لم يتمكن من تحقيق أهدافه الإستراتيجية في القضاء على البنية العسكرية لحزب الله، التي ما زالت فاعلة ومستمرة في المواجهة".
وعلى صعيد المفاوضات، يشير الباحث مطر إلى أن الشيخ قاسم أكد حرص المقاومة على الوصول إلى اتفاق ينهي العدوان ويحفظ سيادة لبنان، بشرط عدم المساس بالتضحيات اللبنانية أو إخضاعها لشروط إسرائيلية، وأضاف أن القوة العسكرية على الأرض تُعتبر ورقة أساسية لتحسين شروط التفاوض لصالح المقاومة.
وفي سياق آخر، يلفت الباحث إلى أن قاسم حرص على الإشارة بشكل غير مباشر إلى قضايا حساسة، مثل طرح إسرائيل مفهوم "الدفاع عن النفس"، وهو ما يراه مطر تدخلا خطيرا في الشأن اللبناني، وانتهاكا للسيادة اللبنانية وللقانون الدولي.
يختم مطر تحليله للكلمة بالإشارة إلى أنّ حزب الله، كما أوضح أمينه العام، يعتزم استئناف حياته السياسية بشكل طبيعي بعد الحرب، مع العمل على تطوير قدراته بما يخدم المصلحة الوطنية وإعادة الإعمار. (الجزيرة نت)