لجريدة عمان:
2024-12-22@18:07:17 GMT

مـرجعيّـتان تفرضـان نفسيـهمـا

تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT

حين يكون موضوعُ البحث مزدوجَ الطّبيعة مستـنِدَ الكينونة إلى أكثر من مصدر، يغدو عسيرًا إدخالُه في نمطٍ واحدٍ من أنماط الموجودات الاجتماعيّة، الأمرُ الذي يستعصي معه أن نقاربه من داخل منظومةٍ معرفيّةٍ ومنهجيّة واحدة كما نقارب، عادةً، غيرَه من الموضوعات الواضحةِ النّسب. سيكون على التّحليل، في مثـل هذه الحال من التّداخل الماهـويّ في الموضوع الواحد، أن يَفْتح نفسَه على أكثر من موردٍ معرفيّ ومنهجيّ واحد، وأن يُحْسِن الانتقال السّلس بين أنظمةٍ مفهوميّة قد تبدو غيرَ متجانسة من منظور المعرفة وأنظمتها.

وليس معنى ذلك أنّ على التّـفكير والتّحليل أن يَرْكب لنفسه سبيل التّناقض -أو حتّى التّضادّ- المعرفي من أجل أن يفكّر في ما لا يدخُل في الأنماط والأجناس المعهودة؛ ذلك أنّ ما يبدو تناقضًا بين منظومتين من المعارف والمناهج قد يكون كذلك - أي تناقضًا- فقط إن نحن رأينا إليه من زاوية التحديد المعرفيّ ووسائـلِ تصنيف المعارف؛ أمّا إن نُظِـر إليه من حيث هـو تكوينٌ صِيرَ إلى تجديله (من الجدل) ليناسب النَّظر إلى موضوع شبيهٍ في التركيب من أكثر من نموذج، أُدْرِكَ -عندها- أنّ الأمر فيه لا يتعلّق بخلطةٍ عشوائيّة بين مرجعيْن متجافييْن، بل بِـحاجة موضوعيّـة: أي فَرَضها الموضوعُ الخارجيُّ نفسُه؛ أي أُدْرِكَ أنّ معرفة النّموذج المُـرَكَّب -وهو واقعيّ خارجيّ- يحتاج، حُكْمًا، إلى معرفةٍ مركّبة تستقي مواردها من أكثر من مرجعٍ فكريّ ومنهجيّ أو، قُـل، من كلِّ مرجعٍ يُسْعِـف الفكر في فهم جانبٍ من الموضوع المُفَـكَّـر فيه.

هذه عينُها الحالُ التي يجد فيها الفكرُ الفلسفيّ العربيّ المعاصر نفسَه حين يفكّر في مسائل المجال السّياسيّ العربيّ (السّلطة، الدولة، الشرعية، نظام الحكم، التّمثيل، المجتمع المدنيّ، المواطَنة...). يصادفه الكثير من هذه المسمَّيات، ولكن جنبًا إلى جنب مع القليل من مضامينها المتَعارَف عليها في الفكر السّياسيّ الحديث. في الوقت عـينِـه تصادفه علاقات وبِنًـى لا تسمّيها مفرداتُ ذلك الفكر الحديث؛ لأنّها تنتمي إلى نموذجٍ سياسيّ تـقليديّ قديم دَرَسَ رسْمُـه (بالنّسبة إلى مجتمعات الفكر الحديث)، لكنّ لها كُنياتها التي تُـكَـنَّى بها في فكرٍ سياسيّ تقليديّ لدينا منه، في ثـقافـتـنا العربيّـة الإسلاميّة، ما يفيض عن حاجتنا إليه. هكذا يجد الفكر الفلسفيّ نفسَه - إزاء ازدواجيّة الموضوع المدروس - متردِّدًا بين مرجعٍ وآخر، واجدًا لبُغْيته في كلٍّ منها بعضَ ما يُجيب الحاجـةَ ويُـشْبِع. من البيّن أنّ هذا التّردُّد، أو التّأرجح بين أكثر من مدوّنة معرفيّة - وهو ممجوجٌ ومطعونٌ فيه عند الكثيرين - ما أتى بمحض الاختيار من قِـبَـل مَن وجدوا أنفسهم منساقين إليه، وإنّما هو ممّا حَمَلَت عليه ضَرائِـرُ الدّرس والموضوع المدروس، فأُكْـرِهَ على المُضيّ فيه مَن يبحث في موضوعٍ إشكاليٍّ يختلط فيه حابِلُ الحديث بنابِلِ القديم على مثال ما هُمَا عليه من الاختلاط في موضوع المجال السّياسيّ العربيّ المعاصر. لا بأس، هنا، من الاعتراف أنّ الفكر الفلسفيّ السّياسيّ العربيّ - وهو مُلِمّ بمرجعيْ الفكر السّياسيّ: حديثه والقديم - يعثر في المرجعيْن معًا، وعلى تفاوُت، عمّا يُسْعفه لوصف ظواهر السّياسة العربيّة وعلاقاتها وبناها وتحليلها؛ ما كان منها حديثًا، يشبه ما هو كائن في بنيان الدّولة الحديثة، وما هو منها قديمٌ نظير ما كانت عليه حال الدّولة التّـقليديّة. وهكذا لا تلبث المرجعيّـتان المتوازيتان أن تغدُوَا متجاورتين في المقاربة الواحدة فـتؤدّيان معًا وظيفة إماطة اللّثام عن ذلك المُركَّب الذي يؤسّس مجال السّياسة.

من النّافل القول إنّ العمران السّياسيّ العربيّ المعاصر لا يَعْدَم وجود أبنيةٍ وعلاقاتٍ حديثةٍ فيه أُسْوةً بما في أيّ دولةٍ حديثة. إنّ مؤسّساتٍ وأجهزةً في الدّول من قبيل الحكومات والبرلمانات ومؤسّسات القضاء والدّفاع الوطنيّ والاقتصاد والإنتاج والتّخطيط، وأجهزة التّنشئة والتّكوين والإعلام والأمن والاستخبار...، وأنظمة من قبيل الدّستور، والقوانين والتّشريعات، ومدوّنات الحقوق المدنيّة والسّياسيّة...، لهي من مألوفات هذا العمران السياسي العربيّ ومن عُـدّةِ عمله. كما أنّ من مألوفاته إدارة الشّؤونُ العامّة على قدْرٍ من المقتضى المؤسّسيّ الحديث الذي على مِطْماره تُدار تلك الشّؤون في الدّول الحديثة. تتفاوت هذه المظاهر السّياسيّة الحديثة، حجمًا ومقاديرَ، من دولةٍ عربيّة إلى أخرى؛ تبعًا لتفاوُت التّطوُّر السّياسيّ وتراكُم المكتسبات السّياسيّة، وتبعًا لنوع النّخب السّياسيّة القائدة ونوع مشاربها الثّـقافيّة، لكنّها تفرض نفسَها فيها، جميعِها، بما هي جزءٌ من نظام السياسة والسلطة فيها. لذلك لا نُدحة لباحثٍ أو فيلسوفٍ عربي عن توسُّل معطيات الفلسفة السّياسيّة الحديثة ومفاهيمها حين مقاربة عمل الدّولة والمجال السّياسيّ في هذا الوجْه الحديث منه؛ فهي وحدها المرجعيّة التي تُظْهِرنا على ذلك الوجْه؛ الذي قد يكون باديًا بحيث لا إعضال في قراءة ملامحه، أو قد يكون مضمَرًا بحيث تحجُبُه أرديّةُ التّـقليد عن البُـدُوِّ أو الظّـهور.

في المقابل، لا يني العمرانُ السياسي نفسُه يُـفْصِح، في الوقتِ عيـنِه، عن صورٍ عدّة من استمراريّةِ مفعولِ أنظمةٍ وقيمٍ وعلاقاتٍ سياسيّة، منحدرةٍ من النّظام القديم، في هذا العمران. هكذا نصطدم بحقيقة استمرار ظواهر الاستبداد، وتَمَرْكُز السّلطة في النّصاب الواحد، ومداخلات الدّين في السّياسة، وعشائريّة النّظام السّياسيّ، والانقسام إلى عامّةٍ وخاصّة بدلًا من المَرَاتـبـيّات الاجتماعيّة الحديثة، وأدوار العصبيّـات الأهليّة في حياة الدّولة...إلخ. وهذه، أيضًا، ظواهر متفاوتة الحضور والحجم والحِدّة من دولةٍ عربيّة إلى أخرى؛ تبعًا لتفاوُت آثار المواريث السّياسيّة التّـقـليديّة، وتبعًا لنوع الثّـقافة السّياسيّة السّائدة في المجتمع ولدى النّخب. من الطّبيعيّ، في مثل هذه الحال، أن يقع اللّجوء إلى منظومات الفكر السّياسيّ التّـقليديّ وتوسُّل مفاهيمها لفهم ظواهر التّـقليد في الاجتماع السّياسيّ. وما أغنانا عن القول إنّه على كثرة تلك المنظومات في تراثنا (من كلامٍ على مسائل الإمامة، وفقهٍ سياسيّ، وآداب سلطانية وفلسفةٍ سياسيّة...) يظلّ لنظريّة العمران الخلدونيّة قيمة اعتباريّة خاصّة في ميدان السّياسيّات (كما في ميدان التّاريخ). وما أكثر الأحيان التي يشعر فيها المرءُ منّا - وهو يطالع صورة السّياسة في البلاد العربيّة المعاصرة - أنّنا ما زلنا نعيش، في اجتماعنا السّياسيّ، داخل دائرة الأنثروپـولوجيا الخلدونيّـة، وأنّ هذه أقـدرُ من غيرها على فكّ لُغْـز دوران ذلك الاجتماع على مدار التّـقليد. بل لعلّ ذلك، أيضًا، في جملة الأسباب التي تَحْـمل على بعضِ الاعتـقاد براهنيّـة ابن خلدون ونظريّـته...، وتلك مسألةٌ أخـرى.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ر الس یاسی الس یاسی ة ة الحدیثة یاسی ة ا أکثر من الد ولة من الم

إقرأ أيضاً:

نجوم من ذهب في ذاكرة كأس الخليج العربي

بعد نحو 54 عاماً من انطلاقتها الأولى في عام 1970 بمملكة البحرين، بمشاركة أربعة منتخبات هي الكويت والسعودية وقطر والبحرين، لم تغب كأس الخليج العربي لكرة القدم عن ذاكرة الأحداث الرياضية، ومازالت تحافظ على قوة تأثيرها، وتنافسيتها بين المنتخبات الخليجية.

تحظى البطولة باهتمام كبير في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لما تمثله من أهمية تاريخية في تعزيز التواصل بين الشباب الخليجي، وتعميق الوعي بالعمل الخليجي المشترك، وتعزيز أواصر التقارب بين الشعوب، وقد جسدت بتفاصيلها وتنظيمها المتبادل الإرث الخليجي الرياضي.

وبعد نحو 11 عاماً من تتويجه بآخر لقب في كأس الخليج العربي لكرة القدم في 2013 بالبحرين في خليجي 21، يستعد منتخب الإمارات لظهور جديد في البطولة الخليجية، خلال مشاركته في "خليجي 26" بالكويت خلال الفترة من 21 ديسمبر (كانون الأول) الحالي إلى 3 يناير (كانون الثاني) المقبل.

وكانت الانطلاقة الأولى للأبيض الإماراتي في النسخة الثانية للبطولة عام 1972، بالمملكة العربية السعودية ولم يغب بعدها على الإطلاق عن منافساتها، وحقق لقبها مرتين في نسختي 2007، و2013.

فهد خميس

شهدت البطولة على مدار تاريخها ميلاد الكثير من نجوم المنتخبات الخليجية، من أبرزهم فهد خميس صاحب الأفضلية الهجومية الكبيرة مع منتخب الإمارات في أربع نسخ مختلفة، منها 6 أهداف في "خليجي 8" بالبحرين عام 1986، توج من خلالها هدافاً لتلك النسخة، وغيرها من الأهداف الأخرى في العديد من النسخ التالية.

جاسم يعقوب

يبرز النجم الكويتي جاسم يعقوب برصيد 18 هدفاً سجلها في 3 بطولات متتالية، إذ كانت البداية في نسخة 1972، برصيد 3 أهداف، ثم نسخة 1974 وسجل فيها 6 أهداف، ونسخة 1976، والتي شهدت إحراز 9 أهداف.

منصور مفتاح

يتصدر النجم القطري منصور مفتاح الأضواء في بطولات الخليج برصيد 13 هدفاً، وكان علامة بارزة في المنتخب وعلى مستوى الخليج العربي، وساهم بقدر وافر في الانتصارات التي حققها منتخب بلاده في بطولات الخليج المختلفة.

حسين سعيد

يقفز إلى ذاكرة البطولات الخليجية النجم حسين سعيد المتوج بلقب هداف النسخة الخامسة في العراق عام 1979 برصيد 10 أهداف، وصاحب البصمة المميزة مع منتخب بلاده على مستوى بطولات الخليج.

ماجد عبدالله

تلمع ذاكرة كأس الخليج بنجم المنتخب السعودي ماجد عبدالله صاحب المشاركة المميزة في 5 نسخ متتالية، والأهداف الـ 17، والمستوى الفني الرفيع، والقدرات الكبيرة التي قدمته كأحد أبرز نجوم المنتخب السعودي.

إسماعيل مطر

لم يكتف إسماعيل مطر نجم الكرة الإماراتية بقيادة منتخب الإمارات إلى اللقب الأول في "خليجي 18" في عام 2007، حيث شكل بتألقه الكبير في منافسات البطولة والمباراة النهائية رقماً صعباً خاصة بعد تتويج تألقه بهدف الفوز الحاسم في المباراة النهائية أمام المنتخب العماني، بالإضافة إلى أهدافه الخمسة في البطولة، كما كان له تأثيره الإيجابي في اللقب الثاني لمنتخبنا في خليجي 21 بالبحرين، كما يبرز نجم "الأبيض" علي مبخوت برصيد 13 هدفاً.

علي الحبسي

يعد على الحبسي حارس مرمى المنتخب العماني السابق، رقماً كبيراً بتجاربه الاحترافية الأوروبية، وكان من العناصر المؤثرة في صفوف المنتخب وسبباً مهماً في التتويج باللقب في عام 2009، بالإضافة إلى دوره الحاسم في تأهل المنتخب إلى نهائي 2004، و2007، ونجوميته التي مكنته من الفوز بلقب أفضل حارس في بطولات الخليج 4 مرات.

حمود سلطان

يمثل الحارس البحريني حمود سلطان أحد الأسماء البارزة في مسيرة المنتخب البحريني، وأكثر اللاعبين مشاركة في البطولة، وبرزت براعته في النسخة الرابعة التي شهدت ميلاد حارس مرمى صاحب قدرات عالية، وشارك في البطولة أعوام 1979، و1982، و1984، وغاب عن النسخة الثامنة في البحرين عام 1986 بسبب الإصابة، ثم عاد للمشاركة في النسخ التالية 1988، و1990، و1992، و1994 و1996.

فيصل الدخيل

ينظر إلى الكويتي فيصل الدخيل على أنه أحد أشهر اللاعبين في كأس الخليج، بمشاركته في 3 نسخ أعوام 1976 و1979 و1986، ورصيده التهديفي بالوصول إلى 14 هدفاً، وغيرها من المحطات المميزة في البطولة.

مقالات مشابهة

  • الثقافة تطرح على رئيس الوزراء 3 محاور لاستعادة دورها في قيادة الفكر والإبداع
  • البرلمان العربي يلبي دعوة العراق لعقد جلسة ببغداد في نيسان المقبل
  • الاثنين.. انطلاق الدورة الثانية لملتقى مراكز الفكر العربي بالجامعة العربية
  • معلومات الوزراء يصدر مستقبل مراكز الفكر في عصر الذكاء الاصطناعي
  • نجوم من ذهب في ذاكرة كأس الخليج العربي
  • تعرّف على أبرز 5 لاعبين غائبين عن منافسات كأس الخليج العربي
  • شعراء سوريا رسل الفكر والجمال| من الملاحم الشعبية إلى الأدب الحديث.. رحلة ممتدة من أبى العلاء لنزار قباني
  • اقرأ غدًا في «البوابة».. يا مال الشام!.. سوريا الحضارة.. الفكر.. الإبداع.. «وعليك عينى يا دمشق»
  • الولايات المتحدة وبريطانيا تفرضان عقوبات على مسؤولين في جورجيا بسبب قمع الاحتجاجات
  • سلامة داود عن رئيس الحكومة البنجلاديشية: نموذج يحتذى به في الفكر الاقتصادي