لماذا يتم تحجيم دور النظام الدولي ومنظماته الفرعية؟
تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT
منذ عقود مضت والنظام الدولي، لم يعد نظاما دولياً لجميع الدول بكافة قاراته دون تمييز بين الأعضاء، بل أصبح هذا النظام رهينة الدول الكبرى وفق سياسات وتوجهات بعينها، وخاصة الولايات المتحدة في كيفية إدارة الخلافات والصراعات والأزمات بين الدول، ما عرقل دور الأمم المتحدة التي كانت ساعية في أن ترد الحقوق إلى أصحابها لو أُبعد حق النقض، لتتخذ قرارت عادلة ضد من يخالف القوانين التي وضعت أو التي تتخذ آنياً في الظروف الراهنة، لذلك العالم أصبح كأنه يعيش في شريعة الغاب لا شريعة نظام عالمي، وليس في عالم متحضر تنويري وعقلاني، لكن الأمر عكس المقولات التي كُتبت في ديباجة النظام الدولي ومنظمة الأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية، وهذه إشكالية قانونية وأخلاقية، أن يتراجع الضمير العالمي عن وضع حد للمظالم والابادات الجماعية والطرد والتهجير لأصحاب الحق الأصلي كالفلسطينيين، وغيرها من الممارسات التي تخالف الحقوق والقرارات الدولية، كما يحدث في فلسطين ودول أخرى، ومنها حقوق الإنسان التي تهدر كرامته وعدم العيش الكريم، في ظل ما يقولون أنه عصر حقوق الإنسان (الأنسنة)، لكن الأقوال تخالف في الواقع والممارسات الفعلية.
ففي عام 2003، قامت الولايات المتحدة بشن حرب على جمهورية العراق، ثم احتلاله، بذريعة وجود أسلحة نووية يخفيها النظام العراقي في بلاده، وتشكل خطرا على الاستقرار العالمي، وعلى جيرانه. وبعد سنوات قليلة ظهر أن السلاح النووي العراقي مجرد كذبة مخترعة ومعدة، وتم ترتيبها بأصوات استخباراتية، وتم نشرها عبر الأمم المتحدة قبل شن الحرب التي قتلت أكثر من مليون عراقي بسبب آثار هذه الحرب، والتجويع بسبب الحصار عليه عدة سنوات، وسمع كل العالم أجمع تلك الفرية على منبر الأمم المتحدة، ثم بعد عدة سنوات اعترفت الولايات المتحدة عبر رئيسها الأسبق جورج بوش الابن بعدم صحة خبر السلاح النووي، وكذلك بعد الحرب على أفغانستان عام 2002، والتي كانت بسبب اتهام تنظيم القاعدة بتدبير هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وكانت هذه ـ كما قالت الولايات المتحدة، هو الرد على القاعدة التي اعترفت بهذه الهجمات، ودولة طالبان هي التي تؤوي القاعدة وعناصرها في أفغانستان، وبالرغم من رفض العالم لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن الحرب خلقت أزمات للشعب الأفغاني كله، وهو لا دخل له بما فعلته القاعدة، التي ضربت الأبرياء في الولايات المتحدة، ومنهم العشرات من المسلمين الأمريكيين، كما أن الحرب لم تأت من خلال مجلس الأمن، بل من خلال الولايات المتحدة ودول متحالفة معها، باعتبارها القطب الأوحد في النظام الدولي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، بقي النظام الدولي بعيدا عن العدالة الدولية المجمع عليها من خلال الأمم المتحدة، وهذه للأسف جلبت الصراعات والتوترات والأزمات الدولية، والمنظمة الدولية تم تغييبها عن الدور المطلوب، وكما تم في قراراتها عند التأسيس بعد الحرب العالمية الثانية.
ولو رجعنا إلى النظام الدولي القائم الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية، كما أشرنا آنفاً، لوجدنا انه بعد قيامه انقسم العالم إلى معسكرين متنافسين ـ المعسكر الرأسمالي الليبرالي، والمعسكر الإشتراكي، أو كما يسمى أحيانا المعسكر الشيوعي، حيث برزت سمات هذه المرحلة من الصراع الدولي على المصالح وعلى الإستراتيجية بين الشرق والغرب، وكان السباق على التسلح والتفوق العسكري والتفوق الاقتصادي على أشده، بين هذين المعسكرين، بالوسائل التكتيكية حينا، وبالوسائل الاستخباراتية أحيانا أخرى، ولعل إثارة أو تشجيع الحروب الجانبية بين الدول هي السياسات القائمة والدائمة والثابتة في هذا الصراع الدولي، وما تزال، بهدف إيجاد وسائل للاختراق السياسي والإقتصادي الذي يهدف بطبيعة الحال إلى إضعاف قدرة أحد الأقطار للآخر، دون الوصول إلى مرحلة الصدام الخطير بينهما والقبول بسقوف محددة للصراع بينهما، بحيث يبتدعون الحروب، ويحركون الدول البائسة والنامية، بأن تتصارع ويبيعون لها الأسلحة والتقنيات الحديثة والقروض المؤجلة، بحيث تبقى هذه الدول رهينة لهذه الاستراتيجيات. وهذه أزمات أثرت حتى على الدول الكبرى، وبدأت الآن تعاني ماديا واقتصاديا ، وما يزال الحبل على الغارب كما تقول الأمثال.
ويرى البعض أن الاتحاد السوفييتي ـ آنذاك ـ هو الخاسر في هذه المرحلة من الحرب الباردة وتوابعها، ومن الصراع بالنهاية بحكم ضعف قدرات الدول التابعة له في هذا المعسكر، خاصة المنضوية تحت الاتحاد السوفييتي، الدول التابعة له اتحادياً، من غير الدول المشاركة معه في حلف وارسو، يدفع لها ويساهم في ميزانيتها الاقتصادية والعسكرية، وبعد المتغيرات في المعسكر الشرقي، بانهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي كله، ثم توحيد ألمانيا بعد ذلك بأشهر قليلة، بعد ما كانت منقسمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ثم تغير النظام الدولي بعد خروج الاتحاد السوفييتي، من المعادلة التوازنية لتظهر أن (الحرب الباردة)، بين القطبين العالميين انتهت فعلا، وإن بدأت تعود بعد أن استعاد الاتحاد الروسي قدراته، كما ان «كتلة عدم الانحياز» هي الأخرى انحلت عمليا ليبدأ العالم بالتشكل ضمن مرحلة جديدة ذات سمات مختلفة نوعيا عن المرحلة السابقة ونظامها والأسس والقواعد التي تحكمها عدا التصريح الشهير الذي أدلى به الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب أثناء حرب الخليج الثانية، بأن سلطة القانون «لا سلطة الغاب هي التي تحكم هذه الدول في المستقبل»! لكن هذا لم يتحقق، وبقيت الولايات المتحدة هي التي لا تخضع للنظام الذي انتهى بخروج أحد القطبين من الساحة الدولية، ولم يحدث أن تأسس نظام دولي جديد، بل أصبحت الولايات المتحدة هي القطب الأوحد(وحيد القرن) في الساحة الدولية.
بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، شنت إسرائيل حربا على غزة، وبدلا من استخدام الحرب الإخلاقية، فإنها قامت بإبادة جماعية للشعب الفلسطيني في غزة، وليس هذا فحسب، بل لم تترك شيئاً قابلا للحياة، في مدينة صغيرة بغزة فيها أكثر من مليونين من السكان، ناهيك عن قتل ما يقرب من خمسين الفاً من السكان غير المصابين، وأغلبهم من الاطفال والنساء وكبار السن، ولاتزال، ولم تترك الولايات المتحدة الولايات المجال للأمم المتحدة، لوقف إطلاق النار، بل هي التي تطرح المقترحات! وتم تغييب الأمم المتحدة، وحتى تم تهديد محكمة العدل الدولية، وهذه من مشكلات النظم القانونية التي تخضع للتوجهات السياسية وليس للعدالة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد السوفییتی الولایات المتحدة الأمم المتحدة النظام الدولی هی التی
إقرأ أيضاً:
الولايات المتحدة: نهاية الحرب في لبنان قد تكون قريبة
رام الله - دنيا الوطن
اعتبرت الولايات المتحدة الأميركية أن إسرائيل حققت بعض الأهداف المهمة في حربها ضد "حزب الله" اللبناني، وأن نهاية الحرب قد تكون قريبة.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، في مؤتمر صحافي في واشنطن: "ما رأيناه هو أن (إسرائيل) حققت عدداً من الأهداف المهمة".
وأضاف ميلر: "لقد رأينا (إسرائيل)، على مدار الشهرين الماضيين، فعالة جداً في تطهير البنية التحتية لـ(حزب الله) بالقرب من الحدود، ولهذا السبب نعتقد أننا في المكان الذي يمكننا فيه التوصل إلى حل دبلوماسي الآن".