نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية مقالا مطولا لباحثين أميركيين تناولوا فيه تداعيات الحرب التي تشنها إسرائيل حاليا على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

واعتبر مايكل روبينز، وأماني جمال ومارك تيسلر، وثلاثتهم باحثون وأكاديميون بارزون في شبكة "الباروميتر العربي" البحثية، أن الهجوم كان لحظة فارقة ليس لإسرائيل وحدها بل للعالم العربي برمته.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيويورك تايمز: أوضاع الفلسطينيين في الضفة بلغت الحضيضنيويورك تايمز: أوضاع الفلسطينيين في ...list 2 of 2لوبس: نظام جديد من أجل عالم أكثر عدالةلوبس: نظام جديد من أجل عالم أكثر عدالةend of list

وزعموا أن هجوم المقاومة الفلسطينية وقع في وقت بدأ فيه نظام جديد بالتشكل في المنطقة، عندما شرعت 4 دول عربية -هي البحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة– في تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل قبل 3 سنوات.

تراجع زخم التطبيع

وقد أدى هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والعملية العسكرية الإسرائيلية المدمرة التي أعقبت ذلك في قطاع غزة -وفق المقال- إلى تراجع زخم التطبيع، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية أنها لن تمضي قدما في أي اتفاق للتطبيع ما لم تتخذ إسرائيل خطوات واضحة لتسهيل إقامة دولة فلسطينية.

وأفاد المقال بأن الآلاف في العديد من الدول العربية خرجوا للشوارع احتجاجا على الحرب الإسرائيلية والأزمة الإنسانية التي أفرزتها. وفي الأردن والمغرب، طالب المتظاهرون بإلغاء معاهدتي السلام المبرمتين مع إسرائيل، وأعربوا عن إحباطهم من عدم إصغاء الحكومات العربية لمطالب شعوبها.

ويعتقد الباحثون الثلاثة في مقالهم المشترك أن السابع من أكتوبر/تشرين الأول قد يمثل نقطة فاصلة للولايات المتحدة أيضا، ذلك لأن الرأي العام العربي قد انقلب بشكل حاد على إسرائيل "أوثق حلفائها" في المنطقة، بسبب الحرب التي تشنها في قطاع غزة.

إيران والصين

ومن شأن هذا التطور -برأي الثلاثة- أن يُربك الجهود الأميركية ليس للمساعدة في حل الأزمة بالقطاع الفلسطيني فحسب، إنما في احتواء إيران أيضا، والتصدي للنفوذ الصيني المتزايد في الشرق الأوسط.

وذكر الكُتاب الثلاثة أن شبكة "الباروميتر العربي" التي يديرونها هم أنفسهم -وهي منظمة بحثية محايدة- ظلت منذ عام 2006 تجري استطلاعات رأي نصف سنوية على المستوى الوطني في 16 دولة عربية، للوقوف على آراء المواطنين العاديين في منطقة لا تُنظَّم فيها سوى القليل من استطلاعات الرأي.

وأشاروا إلى أن استطلاعات للرأي أُجريت بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، كشفت أن قلة من العرب العاديين لديهم آراء إيجابية تجاه الولايات المتحدة.

لكن هذه المواقف تحسنت بعض الشيء بحلول عام 2022، حيث أكد ما لا يقل عن ثلث المستجيبين في جميع البلدان التي شملها استطلاع الباروميتر العربي تقريبا، أن لديهم آراء "إيجابية جدا" أو "إيجابية لحدٍّ ما" عن الولايات المتحدة.

تحول كبير

لكن استطلاعات الرأي التي أجرتها الشبكة البحثية في 5 دول في أواخر عام 2023 وأوائل عام 2024 تظهر أن مكانة الولايات المتحدة بين المواطنين العرب قد تراجعت بشكل كبير. وقد أشار استطلاع أُجري في تونس جزء منه قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول وجزء آخر بعده، إلى أن هذا التحول حدث ردا على أحداث غزة.

ولعل المفاجأة الكبرى -برأي الباحثين الثلاثة في مقالهم- أن الاستطلاعات أوضحت أن خسارة الولايات المتحدة للرأي العام العربي كانت مكسبا للصين. فقد تحسنت وجهات نظر المواطنين العرب تجاه الصين في استطلاعات الباروميتر العربي الأخيرة، على عكس ما كان سائدا طوال نصف عقد من الزمن من ضعف التأييد لبكين في العالم العربي.

ولكن عندما سُئل المستطلعة آراؤهم عما إذا كانت الصين قد بذلت جهودا جادة لحماية حقوق الفلسطينيين، لم يوافق على ذلك سوى عدد قليل منهم. وتشير هذه النتيجة -بحسب مقال فورين أفيرز- إلى أن آراء المواطنين العرب تنم عن استياء عميق من الولايات المتحدة أكثر مما تعكس دعماً محددا للسياسات الصينية تجاه غزة.

ويتوقع الباحثون الثلاثة في مقالهم أن الزعماء الأميركيين سوف يسعون، في الأشهر والسنوات المقبلة، إلى إنهاء الصراع في غزة وبدء مفاوضات من أجل التوصل إلى تسوية دائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

هجمات الحوثيين

وتأمل الولايات المتحدة كذلك لصون الاقتصاد الدولي من خلال حماية البحر الأحمر من هجمات "وكلاء إيران" في إشارة إلى جماعة الحوثي اليمنية، وترسيخ تحالف إقليمي يحتوي إيران ويحد من التدخل الصيني في المنطقة، بحسب المجلة.

ولكي يتسنى لواشنطن تحقيق أي من هذه الأهداف، فإنها تحتاج إلى شراكة الدول العربية، وهو أمر يزعم الكُتَّاب الثلاثة أنه سيتعذّر عليها نيله إذا ظلت الشعوب العربية مرتابة من الأهداف الأميركية في الشرق الأوسط.

على أن العديد من المحللين والسياسيين الأميركيين كثيرا ما أشاروا إلى أنه لا ينبغي إيلاء "الشارع العربي" أهمية كبيرة في السياسة الخارجية، متذرعين بأن القادة العرب "المستبدين" لا يكترثون كثيرا بالرأي العام في بلدانهم.

واستنادا إلى هذه الحجة، يشدد هؤلاء المحللون والسياسيون على أنه يتوجب على صُنّاع السياسة الأميركية إعطاء الأولوية لعقد صفقات مع أصحاب النفوذ على كسب قلوب وعقول المواطنين العرب. ومع ذلك فإن روبينز وأماني جمال وتيسلر يرون في مقالهم المشترك أن الفكرة القائلة إن القادة العرب ليسوا مقيدين بالرأي العام، لا تعدو أن تكون مجرد "وهم".

واستدل الباحثون الثلاثة بانتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بالحكومات في 4 دول عربية، وبالاحتجاجات الواسعة النطاق في عام 2019 التي أدت إلى تغييرات في قيادات 4 بلدان عربية أخرى.

عواقب مباشرة وخطيرة

وأضافوا أن من الممكن أيضا أن تكون لغضب المواطنين العرب من السياسة الخارجية الأميركية عواقب مباشرة وخطيرة على الولايات المتحدة. وأفادوا بأن الأبحاث السابقة المستندة إلى بيانات من استطلاعات الرأي التي أجرتها شبكتهم في الجزائر والأردن، أظهرت أن الغضب من السياسة الخارجية الأميركية قد تدفع المواطنين العرب إلى التعاطف مع الأعمال "الإرهابية" الموجهة ضد الولايات المتحدة، حسبما ورد في المقال.

ووفق المقال، فلطالما اعتبر العرب أن الولايات المتحدة تعمل على تأمين مصالحها ومصالح القادة العرب المتحالفين معها قبل مصالح المواطنين العاديين، حتى في الوقت الذي يسعى فيه المواطنون العرب إلى دعم أكبر لجهود التحول الديمقراطي ومكافحة الفساد.

ويخلص الباحثون إلى أن مخاطر الفشل في معالجة تراجع الدعم العربي للولايات المتحدة تتجاوز غزة، "فمن دون حدوث تحول كبير" في الدعم الأميركي لحرب إسرائيل، ومن دون إجراء تغييرات ذكية في السياسة الأميركية للحد من تنامي العداء العربي لأميركا على المدى الطويل، ستواصل جهات فاعلة أخرى -بما فيها الصين- محاولة "إزاحة" الولايات المتحدة من دورها القيادي في الشرق الأوسط.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات الولایات المتحدة المواطنین العرب إلى أن

إقرأ أيضاً:

"بازار" مسلسلات شهر رمضان في العالم العربي.. النقد السياسي ممنوع

مع قدوم شهر رمضان، يُفتَتح "بازار" المسلسلات التلفزيونية في العالم العربي، حيث تخصص شركات الإنتاج جزءًا كبيرًا من ميزانياتها لهذا الشهر الفضيل. ويجد المشاهد العربي نفسه غارقًا في بحر من عشرات القصص التي تهدف إلى تحقيق أكبر قدر من العائدات المالية، في أعمال غالبًا ما تخلو من أي نقد سياسي.

اعلان

وحتى الآن، انطلق نحو 22 مسلسلًا عربيًا بالتوازي، حيث تعود كثافة الإنتاجات التلفزيونية في الشهر المخصص للصيام إلى عدة عوامل، منها استغلال المنتجين للتجمعات العائلية التي تُعد مشاهدة المسلسلات فيها تقليدًا، وحاجة المشاهد إلى متابعة عمل ترفيهي يخفف عنه مشقة الصيام.

في المقابل، يرى نقاد الدراما أن حصر الإنتاجات العربية في شهر واحد من السنة ينعكس سلبًا على مكانة الدراما العربية.

أولًا، من حيث أداء الممثلين الذين يجدون أنفسهم في سباق محموم لاختيار أفضل الأدوار للبقاء على الساحة المحلية.

وثانيًا، من حيث تأثير ذلك على الحبكة ذاتها، إذ يعتقد البعض أن التركيز على عرض الإنتاجات خلال 30 يومًا يؤدي إلى دخول القصة في دوامة من التكرار، ما يضعف تطور الشخصيات والأحداث.

مسلمون عراقيون يحضرون صلاة أول أيام عيد الأضحى في مسجد 17 رمضان في بغداد، العراق، الخميس، 24 سبتمبر 2015.Karim Kadim/APRelatedرمضان في دمشق بعد 5 عقود من حكم آل الأسد.. فكيف كان أول أيام شهر الصوم؟"هذا ليس رمضان، إنه عام الحزن".. كيف استقبل أهل غزة أول أيام شهر الصوم؟رمضان في غزة: موائد الإفطار حاضرة والأحبة غائبون

لكن، بجانب كل ذلك، يُلاحَظ في الدراما العربية غياب النقد السياسي والعزوف عن تناول القضايا الاجتماعية الهامة. وهذا يظهر بشكل أساسي في الأعمال الدرامية المشتركة، وكذلك في الأعمال المصريةعلى وجه الخصوص، حيث يبدو أن المنتجين، المدعومين من بعض الأنظمة السياسية في الدول العربية، يتجنبون الخوض في مواضيع النزاعات السياسية أو الطائفية أو الاجتماعية التي تهم المواطن العربي.

الأعمال العربية المشتركة... لا سياسة ولا تاريخ ولا حاضر

إبان الحرب الأهلية السورية، فرضت الدراما المشتركة نفسها على السوق العربي، وهي نوع من الأعمال التي تجمع ممثلين من جنسيات عربية متعددة، وغالبًا ما تبتعد عن أي سياق سياسي، لتدور أحداثها حول قصص حب بوليسية أو دراما اجتماعية خفيفة. وقد قدم هذا النوع من الإنتاجات حلولًا للشركات التي فضلت الابتعاد عن الخوض في النقد السياسي، واستجابت لأذواق الجمهور الخليجي، بحيث تبنّت هذه الأعمال منصاتٌ مهيمنة على السوق مثل خدمة "شاهد" السعودية.

وقد أثار هذا الاتجاه الذي دام لسنوات، حفيظة بعض النقاد الذين رأوا أن الأعمال المشتركة ابتعدت عن القضايا الجوهرية التي تشهدها المجتمعات العربية، خاصة السياسية منها وتلك التي توثق مرحلة كانت فيها الدول العربية تحت السيطرة الأجنبية. إذ تعتبر هذه المرحلة جزءًا لا يتجزأ من التاريخ والحاضر العربي. ورأى آخرون أن تغييب القضايا السياسية عن الدراما هدفه إلهاء الجمهور عن ظاهرة الشمولية وغياب حرية التعبير فيما ذهب البعض أبعد من ذلك واعتبر ذلك جزءا من "مشهد التطبيع في المنطقة" حسب رأيهم.

سكان منطقة عزبة حمادة في حي المطرية بالقاهرة ينظرون من شرفات منازلهم للاحتفال بإفطار جماعي ”إفطار جماعي“، خلال شهر رمضان المبارك في القاهرة، مصر، الاثنين، 25 مارس/آذار 2024Amr Nabil/AP

ففي الأعمال المشتركة، يجد المشاهد نفسه أمام شخصيات "مسطحة" لا تنتمي إلى فئة معينة، ولا تحمل رأيًا سياسيًا واضحًا، ولا تظهر فيها أي إشارة للقضايا التي تعيشها الشخصيات في البلد الذي قد يُعرض فيه المسلسل في وقت حدوث أحداث أمنية كبيرة.

صعود الأعمال التركية.. ومصر تستثمر دون التطرق للسياسية

وقد استمرت هذه المسلسلات كـ "ترند" في الدراما العربية لسنوات طويلة، حتى تراجعت هذا العام، ويُحتمل أن تكون "الدراما المعرّبة" - وهي نوع جديد من الأعمال المقتبسة عن الدراما التركية - أحد أسباب تراجعها، حتى وإن لم يكن موسم رمضان موعدًا لانطلاق الأعمال التركية المعربة.

كما يمكن أن ينمّ تراجع الاعمال العربية المشتركة عن تغير في استراتيجية بعض الدول لصناعة الوعي والترفيه في المنطقة.

وعلى غرار الأعمال "المشتركة" يُلاحظ الاستثمار المصري الحكومي الكبير في الإنتاجات التلفزيونية، حتى أن بعض النقاد وصفوا هذا الاستثمارات بـ"الاحتكار" الذي تمارسه السلطات المصرية للسوق في شهر رمضان.

ومع ذلك، تتركز الأعمال المنتجة على الإثارة والكوميديا والقصص الاجتماعية، ما يجعلها بعيدة عن أي معالجة جادة للقضايا السياسية التي تمس الواقع العربي الراهن.

وفي حين يغيب النقد السياسي عن الدراما الرمضانية كما هو الحال عادة، يُلاحظ وجود تحول طفيف في سوريا مع سقوط نظام بشار الأسد، حيث ظهرت مسلسلات ناقدة لفساد المؤسسة العسكرية، وهو ما لم يكن ممكنًا في السابق.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية "لا أرض أخرى".. عمل فلسطيني اسرائيلي عن الاستيطان يفوز بجائزة الأوسكار كأفضل فيلم وثائقي

مقالات مشابهة

  • شيخ الأزهر: ندعو الله أن يوفِّق القادة العرب في القمة العربية ووضع حدٍّ للغطرسة والفوضى التي يتعامل بهما الداعمون للكيان المحتل
  • "بازار" مسلسلات شهر رمضان في العالم العربي.. النقد السياسي ممنوع
  • ستارمر يعلّق على صفقة المعادن النادرة بين أميركا وأوكرانيا
  • بعد التهنئة برمضان.. ما أبرز الفتاوى اليهودية التي تشجع على قتل الفلسطينيين والعرب؟
  • بعد التهنئة برمضان.. ما أبرز الفتاوى اليهودية التي تشجيع على قتل الفلسطينيين والعرب؟
  • الضربات التي أوجعت الولايات المتحدة!!
  • بولندا تدعو زيلينسكي للعودة إلى التفاوض مع أميركا
  • السنة والشيعة .. بانوراما الضد والتوازن !
  • روسيا والصين قد تجندان موظفي أميركا المفصولين .. مصادر تحذر
  • روسيا تعين سفيرا جديدا لدى الولايات المتحدة الأميركية