دأب المفكرون أكثر من غيرهم على الاستفادة من التاريخ والانكباب على دراسته والنظر فيه والغوص في مكنوناته وغاياته، فوجدوا فيه الحِكَم التي استنتجوا منها ما يصلح لليوم والغد، وغادروا التاريخ آخذين منه أحسن ما فيه ليسلموه للأجيال التالية، ونابذين مفاسده التي لم يتخلصوا منها بإخفائها، وإنما بدراستها والنظر فيها كي لا يقع المعاصرون ومن يأتي بعدهم فيما وقع فيه أسلافهم من مصائب وأخطاء وسقطات لا تغتفر.
يبتدئ القارئ العربي اليوم وهو يتحسس طريق القراءة، بالقراءة عن فلسطين وتاريخ احتلالها وكيف تطور الاحتلال واستشرى وزادت رقعة الأرض التي يحتلها يوما بعد يوم. وبعد أن يتشرب تلك المعلومات ويدرك الأسباب والمآلات، يحاول توعية الآخر -البعيد عن فلسطين جغرافيا- أكان في الشرق أم الغرب، في سبيل تغيير شيء ولو يسير من الواقع. ومع التطور التكنولوجي والتقدم العلمي والإعلامي على السواء، انفلتت الرواية التي كانت وحيدة أو محصورة فيما تقدمه وسائل الإعلام -التلفاز، الإذاعة، الصحافة- فحسب، وصارت متاحة للجميع، ففي يد كل واحد من البشر اليوم أداته الإعلامية التي يحملها أنّى توجّه وقصد. وبينما كانت الانقلابات السياسية، أو في حالات الحروب والاحتلال تبدأ بوسائل الإعلام والسيطرة عليها، صارت القوى السياسية تستعمل الإعلام البديل والحر بمحاذاة الإعلام المعتاد، فصار للمشاهير باعتبارهم أكثر الناس تأثيرا، أو لنقل أكثر الناس قدرة على نشر الرسائل التي يريدها الممولون لذلك المشهور، أصبح ما ينشرونه أبلغ تأثيرًا وأسرع انتشارًا وذيوعًا من وكالات الإعلام ونشرات الأخبار.
وفي حاضر اليوم والعالم يشهد إبادة جماعية هي الأولى من حيث التوثيق والبشاعة الحية، يقف المرء أمام سؤال الجدوى من كل هذا؛ ولهذا بالذات ينبغي أن نعيد الاهتمام بالمؤرخين والمفكرين الأحرار. فلو لم يكن للناس أي تأثير، لماذا تقمع حكومات الغرب الطلاب بوحشية لا مثيل لها لدى مناصرتها للقضية الفلسطينية، بل لدى مطالبتها بالكف عن القتل! فكثير من المتظاهرين لا يهمه تاريخ القضية ولا يعرف عنها شيئا، لكنه ينتفض أمام مشاهد التقتيل والإبادة المبثوثة في الآفاق اليوم! لذلك حمل «منتدى الجزيرة الخامس عشر» أهمية كبرى لموضوعه، وللمتحدثين فيه؛ من أمثال إيلان بابيه ومصطفى البرغوثي الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، وديفيد هيرست مؤسس ومحرر موقع ميدل إيست أي (Middle East Eye)، ووائل الدحدوح مراسل ومدير مكتب الجزيرة في غزة، وغيرهم. ومنتدى الجزيرة هذا أو Al Jazeera Forum هو منتدى تقيمه قناة الجزيرة في الدوحة وقد حمل عنوان «تحولات الشرق الأوسط بعد طوفان الأقصى» لهذه الدورة.
إن أهمية التاريخ بشقيه، المعاصر والماضي؛ تكمن في أنه شكّل ويشكّل حياة الناس في الشرق والغرب، فمنهم منتفع منه مستفيد، ومنهم كوته ويلاته ويكتوي منها كل يوم. فالتاريخ يحدد ما حدث وما سيحدث، وأما ما فعلته الجزيرة في هذا المنتدى؛ فقد جمعت الدارس للتاريخ من فلسطين، والدارس له من خارج فلسطين، والسياسي الذي تعامل مع القضية وكان قريبا منها جغرافيا، والسياسي القيادي المنافح عن القضية، بل إنها جمعت بين وائل الدحدوح الذي عاش وذاق ويلات الإبادة الحالية، وبين إيلان بابيه «الإسرائيلي» المنافح عن فلسطين والفلسطينيين في وجه الصهيونية العالمية!. هذه الإبادة ومآلاتها تستدعي أن تجمع الحكومة مفكرين أحرارا يساهمون في تشكيل المناهج الدراسية لترسخ المعنى الحقيقي للوطن؛ فلماذا يختار الفلسطيني أن يبقى في أرضه رغم الإبادة؟ ولماذا يهرب المستوطن خارج الأراضي المحتلة وهو ينتفع بالتسهيلات والحياة الرغيدة عند أول اختبار حقيقي؟ فإن لم يتولَ أحد رعاية النشء بالتوجيه السليم المستقيم منذ البداية، فإن مواقع التواصل والإعلام الجديد يشكل عقولهم وتوجهاتهم التي قد تستعملها جهات معادية أو متربصون أشرار لا يرون في الإنسان سوى القيمة المادية له.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الجزيرة نت ترصد أوضاع نازحي الجموعية في جبل أولياء بالخرطوم
الخرطوم – يأبى القلق أن يفارق سرية محمد سعيد من القليعة، إحدى قرى الجموعية بجنوب غرب أم درمان، منذ أن نما إلى سمعها تطويق قوات الدعم السريع المنطقة، حيث وصلت هذه القوات من الخرطوم عقب سيطرة الجيش السوداني على العاصمة.
ما كانت تخشاه قد وقع بالفعل، فقد داهم الجنود منزلها ووضعوها بين خيارين لا ثالث لهما، إما الخروج من المنزل أو أخذ طفلتها المصابة بأزمة صحية.
وتفاديا للمشاكل، كما تقول للجزيرة نت، أخذت سرية ابنتها وأبناءها الأربعة وخرجت من المنزل تائهة لا تعرف أين تتجه، مع أن الوجهة معلومة وهي منطقة جبل الأولياء بجنوب الخرطوم التي استعاد الجيش السيطرة عليها.
ولكن الطريق طويل بدون زاد ولا دواء يسعف الطفلة التي تعرضت لنقص في الأوكسجين 4 مرات ولا معين غير زخات من ماء بارد على صدرها، إلى أن وصلت الأسرة تشيعها طلقات الرصاص إلى جبل الأولياء، حيث التقتها الجزيرة نت في معسكر للنازحين.
ووفق عثمان عمر صالح النازح من قرية الغرزة، فإن الجنود دخلوا القرية الساعة الرابعة عصرا في الرابع والعشرين من رمضان، وأول ما فعلوه سيطروا على آبار المياه، ومنعوا السكان من أخذ ما يحتاجونه من مياه الشرب منها، وأمروهم بالخروج من منازلهم فورا، والذي لا يخرج ينال نصيبه من الضرب، لا فرق في ذلك بين كبير وصغير.
إعلاناحتمى صالح ومرافقوه بأهلهم في قرية القليعة غرب الغرزة، لكن الجنود لحقوا بهم وأذاقوهم الويل، رابع أيام العيد، حسب إفادته.
ليبدؤوا رحلة نزوح أخرى أشد مرارة في طريق محفوف بالأشواك، كما يقول للجزيرة نت، ويصلوا بعد يومين إلى منطقة ود البشير، لكن متعقبيهم لا يكلّون ولا يملون، فقد لحقوا بهم أيضا وأوسعوهم ضربا وسلبوا ما تبقى معهم، وطردوهم نهائيا من المنطقة، إلى أن عبروا جسر الأولياء إلى مناطق سيطرة الجيش، والتقيناهم في هذا المخيم.
رغم الهدوء السائد في العاصمة السودانية.. الحرب تخلّف أوضاعا صعبة لدى سكان #الخرطوم الذين يفتقدون المقومات الأساسية للحياة، ويواجهون صعوبات في الحصول على الماء والغذاء ومختلف الخدمات | تقرير: حسن رزاق #الأخبار pic.twitter.com/Iw1IjMsQHs
— قناة الجزيرة (@AJArabic) April 5, 2025
وشهدت قرى جنوبي غرب مدينة أم درمان وسكنها، وهي المناطق المعروفة محليا باسم قرى الجموعية، هجمات عنيفة من قوات الدعم السريع.
وقالت مصادر محلية، للجزيرة نت، إن عشرات المدنيين قتلوا وأصيب آخرون جراء تلك الهجمات.
ووصل عدد كبير من سكان هذه القرى إلى معسكر للنازحين في منطقة جبل الأولياء، حيث دارت آخر المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي عبرت الجسر، وأخذت طريقها إلى تلك القرى.
الكل في هذا المعسكر يحمل قصة معاناة وألم تختلف أحيانا ولكنها تتفق جميعها على انتهاكات واسعة تحدث عنها هؤلاء.
فائزة خميس تحكي بمرارة عن دخول قوة إلى منزلها تحت وقع الضرب والتهديد "إما تسليم الذهب والسيارات أو أخذ الفتيات القاصرات والاعتداء عليهن".
لم يشفع لفائزة توسلاتها لهم ولا عمها الكسيح الذي شمله قرار الطرد أيضا، وانتهى بهم الأمر إلى مسير يوم كامل مليء بالخوف والمشقة والمصير المجهول.
إعلانأم جمعة إسماعيل خرجت تحت تهديد السلاح من منزلها أسوة بغيرها من سكان المنطقة دون أن يمهلها المهاجمون وقتا لأخذ حتى ما خف من ملابسها، لتجد واقعا صعبا ينتظرها في معسكر النازحين بجبل الأولياء.
ووفق مشرف المعسكر محمد عبد الله عبد القادر، فإن أعداد النازحين في تزايد، وبمساعدة الجيش وأبناء المنطقة والمغتربين تم عمل تكايا إسعافية لتحضير الطعام للنازحين، لكن تصاعد وصول القادمين من هذه القرى أصبح يفوق طاقة التكية.
وناشد عبد القادر المنظمات الإنسانية بزيارة المخيم والوقوف على احتياجات النازحين في هذه المنطقة.
وأبان أنهم يعانون صعوبة الحصول على مياه الشرب ومن الاحتياجات الضرورية لإسكان النازحين والدواء، وكذلك فإن قرب المنطقة من وجود قوات الدعم السريع في الناحية الأخرى لجسر جبل الأولياء جعلها منطقة استهداف، كما صرح للجزيرة نت.