أقيم في منزل صغير من طابق أرضي، بينه والبحر أقل من مائة متر (مجمع مساكن محطة الإرسال الإذاعي بالحيل الشمالية)، والحديث عن إعصار قوي سيصل بعد أقل من خمسة أيام!.. كيف نستعد لاستقباله؟ ماذا نفعل بالضبط؟ ما هي الاحتياطات الواجب اتخاذها؟ أيام كافية للاستعداد له، وأخذ كافة الاحتياطات، ولكن ذلك في البلدان التي تعودت على هذه الظواهر والكوارث، أما هنا فلم نصل بعد إلى أن تكون الأعاصير جزءًا أصيلًا من ثقافتنا الحياتية وخططنا الاستراتيجية، لذلك فالارتباك وارد على كل الأصعدة، رغم ما قامت به الجهات المسؤولة من حملة إعلامية قدمت الكثير من التوجيهات والتنبيهات، بل والتحذيرات الواضحة والمباشرة.
الحالة كما تصفها الصحافة يوم 5 يونيو (السلطنة تعلن حالة الطوارئ لمواجهة إعصار جونو.. الخرائط العددية تتوقع وصول الإعصار مساء اليوم إلى مصيرة ورأس الحد ويمتد تدريجيًا إلى محافظات ومناطق السلطنة.. مصيرة والحلانيات الأكثر تعرضًا للخطر.. مسقط في طريق الإعصار.. استنفار في الجهات الحكومية المعنية.. إجلاء سكان مصيرة ونزوح شامل من رأس الحد.. بلدية مسقط تجهز خطتها لمواجهة الكوارث الطبيعية.. تأجيل الامتحانات بالكلية التطبيقية وجنوب الشرقية.. مالك بن سليمان: شرطة عمان السلطانية ستوفر بالتعاون مع الجهات الحكومية المأوى والغذاء لكل من يصعب عليهم إيجاد مأوى.. تشكيل ثلاث غرف عمليات في مسقط وأخرى للعمليات المشتركة لجميع الجهات العسكرية والأمنية.. ندعو المواطنين والمقيمين إلى عدم المغامرة وأن يلزموا المناطق الآمنة.. اعتماد الرقم (9999) للاستفسار أو الملاحظات وطلب المساعدة.. الأرصاد الجوية تكشف أمام لجنة الدفاع المدني آخر التطورات.. إعصار جونو يتجه لسلطنة عمان بسرعة 18 كم/ ساعة مصحوبا بأمطار رعدية غزيرة ورياح شديدة تؤدي إلى أمواج عالية جدا.. إجلاء سكان رأس الحد والجنز ورأس مدركة.. في اجتماع طارئ، عبدالله عباس يستعرض خطة بلدية مسقط الخاصة بالكوارث الطبيعية.. تأجيل الامتحانات بتعليمية جنوب الباطنة.. سوء الأحوال الجوية يتسبب في نزوح سكان المناطق الساحلية بجعلان)..
نحاول استيعاب الحالة!!.. أزعم أنني استوعبت أنه أمر جلل، وكان يغيظني عدم تقبل البعض لحجم الكارثة، فصديقي الذي تربطني به بعض الأعمال يضرب معي موعدا ليوم غد الذي يفترض أن يصل فيه الإعصار إلى مسقط! بعدما تكوّن ونضج في المحيط الهندي، وانحرف عن مصيرة، فأخذ يضرب أجزاء من جنوب الشرقية حتى وصل إلى قريات، لنسمع قصصا لا حصر لها.. وبدأ العد التنازلي لوصوله إلى باقي مسقط بعد حوالي أربع وعشرين ساعة.. صور الأقمار الصناعية التي يبثها التلفزيون ومختلف المواقع تظهر دائرة عملاقة تلف بعكس اتجاه عقارب الساعة قطرها يسع عرض الأرض العمانية أو يزيد، عبارة عن كتل حمراء تتخللها فراغات قليلة في الأطراف، فهمت منها أن اللون الأحمر هو العواصف والأمطار وأن الفراغات هي فترات الهدوء..
كل الأسر تقريبا وضعت سيناريوهات البحث عن مكان آمن.. قررتُ أخذ أسرتي إلى البلد. ولكن ماذا نأخذ من البيت؟ وماذا نترك؟ أحضرت حقيبة كبيرة لأضع فيها ما غلى ثمنه وخف وزنه، وفي مقدمتها الوثائق الشخصية بأنواعها. ومن أهم الوثائق بالنسبة لي ألبومات الصور، التي أعدها ربما أهم حتى من جواز السفر، الذي يمكن تعويضه بـ(بدل فاقد) فلكل أسرة أرشيف من الصور التي لا تعوض، فلم يتأصل بعد العالم الافتراضي مثل الآن، وحرصت كثيرا على الصور ذات العلاقة المباشرة بعملي.. شحنت الحقيبة، وبذلك شعرت أنني أنقذت ثلاثة أرباع البيت.. الكتب والمجلات الدورية، قدّرت أنها في مكان مرتفع ولن يطالها الماء فتركتها.
صحافة 6 يونيو تقول: (إعصار جونو يغير مساره ويضرب معظم ولايات الشرقية.. بناء على الأوامر السامية/ إجازة في القطاعين العام والخاص حتى السبت المقبل.. مالك بن سليمان: وصلنا مرحلة «جد الجد» والشرطة تعلن أعلى درجات التأهب وتهيب بالمواطنين والمقيمين البقاء في منازلهم.. تموين وإعاشة وخدمات طبية للنازحين.. على الجميع التوجه إلى المناطق الآمنة.. الأرصاد تتوقع فيضانات في غالبية مناطق السلطنة.. إيقاف الدراسة والامتحانات في كافة المراحل، والمدارس (أماكن إيواء).. وخط هاتف ساخن للتربية لتلقي استفسارات المواطنين.. وقف صادرات السلطنة من الغاز الطبيعي، وفي تفاصيل الخبر: ميناء الفحل لتصدير النفط سيغلق على الأرجح خلال فترة قصيرة، وأن ميناء السلطان قابوس أغلق أيضا، وأن أسعار النفط قفزت فوق سبعين دولارا للبرميل.. الطيران العماني يوقف عملياته الجوية حتى إشعار آخر.. طائرات سلاح الجو السلطاني تنقل المواطنين من مصيرة إلى مسقط.. أمطار غزيرة ورياح قوية وارتفاع منسوب الموج بولايات الشرقية.. المؤسسات الحكومية والخدمية تتأهب لمواجهة الإعصار.. بيانات من 4630 محطة لقياس كميات الأمطار وجريان الأودية.. تجهيز جميع فتحات تصريف الأمطار والتأكد من سلامة وجاهزية السدود.. إيصال أكثر من 50 طنا من المواد الغذائية والكماليات.. نقل كافة المواد المتوافرة بمخازن مديريات التنمية الاجتماعية إلى المنطقة الشرقية.. عمانتل: إعادة أي انقطاع قد يحدث لحركة الاتصالات بأسرع وقت ممكن. وإعلان من الشركة العمانية للاتصالات لتلقي البلاغات عن أعطال الهاتف المتنقل على(1234) والثابت على(1300)..
كتل من الأمواج الهائجة.. إخلاء الشواطئ وابتعاد الصيادين في محافظة مسقط.. خطة الطوارئ لمواجهة الإعصار بالسيب.. صور تشهد تقلبات جوية، ..وتأثير كبير على القرى الساحلية.. قريات أول ولاية في مسقط واجهت الإعصار.. لجنة طوارئ صحية في الوسطى.. ارتفاع أمواج البحر ودخول المياه إلى المنازل بمنطقة رأس الحد.. فريق عمل لمواجهة الإعصار في صحار.. المواد الغذائية والشموع أبرز مشتريات أهالي مسقط.. أمطار ورياح قوية بولاية جعلان بني بوعلي.. تعذر توزيع الجريدة في بعض المناطق بسبب ظروف الطقس السيئة التي تمر بها البلاد).
إذن الحالة تقترب من مسقط، والجو غريب لا يُفهم، فلا هي غيوم صريحة ترقى لحالة إعصار، ولا شمس صيفية واضحة! والبحر جزر بعيد، وقد سمعنا معلومة أن البحر يتراجع إلى أبعد مدى ثم يأتي منطلقا كثور هائج. ويبدو أن هنا يحدث الخلط بين الإعصار الطبيعي والتسونامي. عند بوابة الحارة قررت تغيير الوجهة توجسًا من مفاجآت الطريق للشرقية، إلى الوادي الكبير عند الأهل.. هنا جلسنا ننتظر قدومه، غير مستوعبين معنى أن تكون في حالة إعصار؟ فقد أخذت السحب تتراكم والمطر يتزايد، حتى وصل لدرجة غزير أو غزير جدا، ولكن لا نشعر باختلاف واضح عن المنخفضات الجوية. بل أضفى علينا أجواء بهيجة، يحلو فيها الشاي والقهوة وبعض الخفائف، محاولين تبسيط الفكرة للصغار لنبعد عنهم الخوف. وكلما زاد المطر والريح نتساءل: (تو هوه هذا الإعصار ولا لا؟!). ونتمتم بالأدعية التي تصلنا هاتفيا أو التي حفظناها الخاصة لمثل هذه الحالات هكذا حتى بدأ يقل تدريجيا، لنخرج من البيت ونرى أن كمية السيول أكثر فعلا من المعتاد، ولكن لم يحن الوقت بعد لنذهب بعيدا.. الحمد لله، نحن في أمان، حتى إن بعض البقالات مفتوحة.. الوالد والوالدة و بعض الأشقاء، في الخوير في هدوء لا يوحي بأي تأثر.. لا خراب ولا دمار.. الأخبار القادمة من البلد في شمال الشرقية تقول: الأمور طيبة.. ولكن ما يصلنا من أخبار ومناظر من بعض المناطق يحمل كل القلق.. أتواصل مع زميلي المصور محمد التوبي (رحمه الله) فيقول لي إنه عالق فوق جبل الرسيل وأن الوادي قد كسّر الشارع.. يتواصل زميل آخر في قريات مع زميله في الباطنة ليقول له إن منطقته قد أصبحت بحيرة، وأنه وسط الماء، ويطلب منه (البريان) قائلا: ربما لن نلتقي.. رسائل من الأصدقاء في الخارج عمانيين وغير عمانيين يحاولون الاطمئنان علينا. أتواصل مع صاحبي في الحيل الجنوبية يقول لي: الكهرباء مقطوعة، والماء دخل البيت ونحتمي بالطابق العلوي.. أتواصل مع بعض جيران الحارة فيقولون خرجنا جميعا عدا أسرة واحدة آسيوية بقيت ندعو لها بالسلامة..
هكذا مر يوم وليلة؟.. الحمد لله حق حمده، فقد كتب الله تعالى لي أن أكون وأسرتي في أمان وسلام، حتى مر الإعصار بزوابعه وتفاصيله، ليتكشف لي الوجه الآخر أو الحقيقي للإعصار بعدما أخرج من هذا الدفء العائلي..
عدد من الزملاء والمراسلين والفنيين قد توزعوا على البؤر المتوقعة، وآخرون في استوديوهات الإذاعة والتلفزيون والصحافة، يبيتون في الاستديوهات والمكاتب، يبلون بلاء رائعا وقد تركوا أسرهم وبيوتهم لرحمة الله، محاولين بث المعلومات أولًا بأول، ونقل الاستغاثات والاحتياجات الملحة، وتهدئة الخواطر، كما هو الحال لدى فئات عديدة تضحي في مثل هذه الظروف حتى لا تنقطع عن الناس الكهرباء والماء والغذاء والاتصالات والصحة والنظافة، وحتى لا تجرفهم الأودية والبحر..
ترى ما هو وضع بيتي بالضبط؟ فلست مرتاحًا لبعض الأخبار المشوشة، ولم يظهر بعد الواتساب. هل انقضّ عليه البحر؟ هل دخله الوادي؟ هل سأجد السيارة الصغيرة التي تركتها مرفوعة قليلا أم ضحيت بها؟ هواجس كثيرة.. سأعرف كل شيء عندما أذهب غدا.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
380 ألف متضرر.. ارتفاع حصيلة الإعصار شيدو بموزمبيق إلى 76 قتيلًا
أعلنت السلطات في موزمبيق السبت، أن حصيلة ضحايا الإعصار شيدو ارتفعت إلى 76 قتيلًا على الأقل وأكثر من 500 جريح.
وقال المعهد الوطني لإدارة المخاطر والكوارث في الدولة الواقعة في إفريقيا الجنوبية إنّ الإعصار الذي تسبّب بدمار واسع في مايوت، الأرخبيل الفرنسي الصغير الواقع في المحيط الهندي، دمّر في الموزمبيق ما يقرب من 62 ألف مسكن مخلّفا، فضلا عن ضحاياه، أكثر من 380 ألف متضرّر.
أخبار متعلقة بعد تدميره مايوت.. ارتفاع حصيلة ضحايا الإعصار شيدو في موزمبيقبسبب الإعصار شيدو.. انقطاع الاتصال بمئات من المتطوعي في مايوت14 قتيلًا على الأقل جراء إعصار شيدو في أرخبيل مايوت الفرنسي .article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } الإعصار شيدو يضرب موزمبيق- أ ف ب الإعصار شيدووكانت حصيلة سابقة أفادت بسقوط 45 قتيلا من جراء هذا الإعصار الهائل الذي بلغت سرعة الرياح المرافقة له 260 كلم في الساعة وتسبّب بهطول أمطار بنسبة 250 ملم خلال 24 ساعة.
والموزمبيق، البلد الناطق بالبرتغالية والذي يعاني بانتظام من كوارث طبيعية هي واحدة من أفقر دول العالم.