أفاد مقال نُشر في مجلة فورين بوليسي الأميركية أن التاريخ العسكري يوحي بأن الهجوم المضاد الذي تشنه أوكرانيا حاليا ضد الجيش الروسي يعد أكثر صعوبة مما يدركه عامة الناس.

ولكي يتسنى للجيش الأوكراني تحقيق هدفه على النحو المرسوم في السياسة المعلنة لكييف، والمتمثل في استعادة كل الأراضي التي استولت عليها روسيا منذ عام 2014 -بما في ذلك شبه جزيرة القرم- فسيتعين عليه إنجاز واحدة من أصعب المهام العسكرية وهو اختراق مواقع القوات الروسية الحصينة والمجهزة جيدا، كما يشير المقال.

ثم ينبغي على الأوكرانيين بعد ذلك العمل على إيجاد مساحة للمناورة، إما بالتحرك سريعا نحو رقعة جغرافية مهمة مثل بحر آزوف، أملا في الكشف عن موقع وجود فلول الجيش الروسي على طول الطريق، أو محاولة تطويق أعداد كبيرة من القوات الروسية بغية "إبادتها"، وفق باري بوسن أستاذ العلوم السياسية في برنامج الدراسات الأمنية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في مقاله بالمجلة.

الخوف من حرب استنزاف طويلة

ويحذر الكاتب من أن إخفاق حملة عسكرية من هذا القبيل سيعني أن أوكرانيا ربما تتجه لخوض غمار حرب استنزاف طويلة "مشؤومة" تضعها في مواجهة دولة ذات تعداد سكاني أكبر.

وترغب أوكرانيا، بطبيعة الحال، في تجنب حرب استنزاف وذلك من خلال إحداث اختراق ناجح في حملتها العسكرية الراهنة، وفق ما يشير إليه بوسن، قبل أن يستدرك قائلا إن التاريخ العسكري يؤكد أن التحديات التي تنطوي عليها مثل هذه الحملات تكتنفها مشقة أكثر مما ظل فهمه شائعا، على الأقل وسط عامة الناس في الغرب.

وقد برزت مشكلة الاختراقات العسكرية إبان الحرب العالمية الأولى، عندما أصبحت الدول الأوروبية مكتظة بالسكان بما يكفي للدفاع عن جبهات ممتدة على طول حدودها بأكملها في بعض الحالات. وساعدتها في مجهودها الحربي التحسيناتُ الهائلة التي طرأت على قوتها لإطلاق النيران من حيث مداها، ودقتها وقدرتها الفتاكة.

وفي بواكير الحرب العالمية الثانية، أتاح الأداء المتقن للدبابات والطائرات المقاتلة وأجهزة اللاسلكي للمهاجمين المهرة التغلب على دفاعات العدو، إلا أن المدافعين توصلوا -بمرور الوقت- إلى طرق لاستغلال نفس الأدوات المتاحة.

ويعتقد بوسن أن من الدروس المستقاة من الحربين العالميتين أن القتال ما لبث أن تحول إلى معارك استنزاف وحشية ودموية.

منظومة دفاعية روسية مكثفة

ولعلنا نلاحظ في نطاق الحد الذي يسمح به المقاتلون -يضيف الأكاديمي الأميركي في مقاله- أن محاولات أوكرانيا لمعالجة بعض الأمور الحربية -خاصة المشكلة التي تتعلق بأول اقتحام لدفاعات العدو، وكما هو معروف الآن للجميع- يمنعها ما يقوم به الروس الذين أعدوا منظومة دفاعية مكثفة وبمواصفات عالية، حيث تعمل حقول الألغام والخنادق العميقة المضادة للدبابات، والعوائق الخرسانية على إبطاء تقدم المهاجمين.


وعندما تعلق وحدة أوكرانية في عائق أو حقل ألغام، تطلق المروحيات الروسية صواريخ لتعزيز دفاعاتها. ونظرا لأن الطيارين الروس يتبعون تكتيكات التحليق على ارتفاعات منخفضة، وبسبب المدى الذي تبلغه أسلحتهم المضادة للدبابات، تصبح هذه المروحيات عصية على الدفاعات الجوية الأرضية الأوكرانية.

وهكذا -يقول بوسن- تعمل تلك العوائق والنيران على إبطاء تقدم المهاجمين الأوكرانيين، ومن ثم، تدميرهم.

ولا يبدو -بنظر كاتب المقال- أن ترسانة المدفعية وقاذفات الصواريخ والطائرات المسيرة الأوكرانية قادرة أصلا على تدمير الدفاعات الروسية، "غير أن الحملة الراهنة وحدها يمكنها الإجابة عن هذا السؤال".

الروس زادوا عدد قواتهم

وفي تقييم أولي، يبدو أن عدد القوات الروسية القليل على الأرض أشاع الأمل بشن هجمات ناجحة ضدها. ووفقا لحسابات بوسن في مقاله، فقد بدأ الروس الحرب ربما بنحو 40 لواءً عسكريا، تعرض بعضها للاستهداف، في حين عانى معظمها من استنزاف كبير. لكن استدعاء قوات الاحتياط الروس في خريف عام 2022 سمحت لهم بحشد قوتهم القتالية.

ولعل الروس قد أضافوا وحدات قتالية إلى قواتهم في أوكرانيا، وفق الكاتب، الذي استشهد بتصريح القائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا الجنرال الأميركي كريستوفر كافولي في أبريل/نيسان، جاء فيه أن القوات الروسية في أوكرانيا باتت أقوى مما كانت عليه في بداية الحرب.

وقال بوسن إن كافولي لم يقدم أرقاما، "لكنني سمعت أن أعدادهم تصل إلى 300 ألف جندي مقارنة بـ200 ألف في بداية الحرب".

هجومان على آزوف وباخموت

ولا يزال الهجوم الصيفي للقوات الأوكرانية في بواكير أيامه، ويعتقد الكاتب أنه حتى كتابة سطور مقاله هذا فإن الأوكرانيين يتقدمون فيما يبدو أنه هجوم كبير يستهدف بحر آزوف، إلى جانب هجوم آخر مساند حول مدينة باخموت.

وحتى إذا بدأت هذه العملية في اكتساب زخم، فإنه ما يزال هناك مشكلتان رئيسيتان يتعين على الأوكرانيين مواجهتهما، وفق مقال فورين بوليسي؛ وهما قوات الاحتياط التكتيكية الروسية المنتشرة في طريقهم، وقوات الاحتياط العملياتية الروسية التي قد تتجمع لشن هجمات مضادة على امتداد الجبهات الأوكرانية.

وفي ختام المقال، يستدرك الكاتب قائلا إن التاريخ يشي بأن هذه العمليات تتطلب الكثير من العتاد والتخطيط والمهارات العسكرية، "لكن لا ينبغي أن يتفاجأ المراقبون إذا تمخض هذا الهجوم الأوكراني عن نجاح جزئي في أحسن الأحوال".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: القوات الروسیة

إقرأ أيضاً:

الروسية التي أصبحت سلطانة مصر

لا تزال معركة حطين -السبت 25 ربيع الآخر 583 هـ - 4 يوليو 1187 م-التى انتصر فيها صلاح الدين الأيوبى على الصليبيين، واحدة من أهم المعارك الفاصلة والحاسمة عبر التاريخ، خاصة فى تأثيراتها العسكرية والاستراتيجية والسياسية، ومنها تحرير القدس ومعظم الأراضى التى احتلها من رفعوا الصليب كذبا وبهتانا ليستعمروا الآخرين، وهى عادة متأصلة فى الأوربيين، الذين ما زالوا يطورون فى طرق الاستعمار، حتى تعدوا فكرة الاستعمار بالوكالة، والاستعمار من الداخل.

وأظن أن تأثيرات معركة حطين، باقية حتى اليوم، خاصة فى درسها الأكبر وهو أن هذه المنطقة من العالم، التى تسمت حديثا بالشرق الأوسط، قادرة على لفظ أى جسم دخيل عليها، مهما طال بقاؤه الغريب بها ولو لعشرات أو مئات السنين، وعلى سبيل المثال، فقد طرد المماليك الصليبين نهائيا من الشام بعد بقاؤهم لأكثر من قرنين ما بين 1096 و1291م.

وهكذا فإن كانت الدولة الأيوبية، قد انتصرت فى "معركة" أو "معارك" ضد الصليبيين، فإن دولة المماليك قد انتصرت فى الحرب، حيث واصل الظاهر بيبرس ومن بعده قلاوون وأبناؤه المعارك ضدهم، حتى جاء الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون/ 1290- 1293م)، وقضى عليهم نهائيا بتحريره آخر معاقلهم فى عكا فى مايو 1291م.- وانظروا لدلالة شهر مايو-ثم انظروا إلى دلالة قبرص، فبعد هذا الطرد الذى تحقق على يد الأشرف خليل، زاد عليه الأشرف برسباى بغزو قبرص فى صيف 1426م، لتأمين المنطقة نهائيا من هجمات الصليبيين الذين تحولوا لقراصنة يهاجمون الموانئ الإسلامية و السفن التجارية الخارجة منها أو العائدة إليها.

هكذا بوضوح كامل يسجل التاريخ أن المماليك هم الذين انتصروا فى الحرب الصليبية، وهم الذين غزوا أوروبا، لتأمين هذه المنطقة، ومن أجل هذا نفهم لماذا يلصق المؤرخون الفرنجة واتباعهم من المؤرخين كل قبيح وكل شر بالمماليك، فى محاولة للثأر تاريخيا مممن قضوا على واحدة من أكبر المظاهر الاستعمارية الأوربيية، بل يصل الأمر بالبعض منهم، بالتقليل من انجاز تاريخى لا يقل أهمية، وهو أن المماليك قضوا أيضا على الخطر المغولى الذى كان سيمتد إلى أوربا ويدمرها تدميرا.

ويبدو أن حكام المماليك، كحكام غرباء على بلاد غريبون عنها فى أصولهم، فطنوا لذلك، فازدهرت فى عهدهم فكرة التأريخ لحكمهم، فظهر فى عهدهم مؤرخون عظام مثل المقريزى وابن تغرى بردى وابن العميد وابن إياس وغيرهم من الذين اعتنى بهم المماليك وشجعوا كتاباتهم، لعلمهم انها ستحفظ لهم تاريخهم بعد رحيلهم.

لكن المماليك لم يكتفوا بالتأريخ، فأقاموا الشواهد العظمى مثل الخانقات والمستشفيات والمدارس وبالطبع المساجد، وكلها تشهد على نهضة ما، معرفية وعلمية وثقافية شاعت فى عصرهم، كما تشهد على الحكام بأسمائهم، لدرجة أن المساجد العامرة حتى اللحظة، خلدت من لا ذكر أو أهمية لهم فى التاريخ، فمسجد السلطان حسن هو أعظم أثر إسلامى على الأرض، حتى يقال إنه الهرم الرابع، ومع ذلك لا أهمية تاريخية تذكر للسلطان نفسه.

قلت ما سبق، مع ملاحظة أنه رغم ذلك فإن عصر المماليك بمآسيه ومساخره خاصة فى الصراع على الحكم، أورث شعوب المنطقة فقرا بعد فقر، كما كان مقدمة لأبشع احتلال عرفته المنطقة وهو الاحتلال العثمانى.

وقلت ما سبق، كمقدمة لأذكر بملحوظة قد تبدو مفاجأة رغم أنها أمام أعيننا طيلة القراءة فى التاريخ، وهى أن معظم قادة المماليك كانوا من منطقة القوقاز، فكما كان منهم أتراك، كان منهم شركس وأبخاز وكرج ومغول وتتر وصقالبة، والصقالبة هم أكثر من نشروا الإسلام فى آسيا، وقد ذكرت فى الحلقة السابقة، أن ألمش بن يلطوار، كان أول الحكام الصقالبة المسلمون لمملكة الصقالبة التي تعرف بالمراجع الحديثة باسم دولة فولغا بلغاريا ومؤسس مدينة الأبوغا في تتارستان في روسيا الآن.

وقلت كل ما سبق، لأتحدث عن مسجد المرأة البيضاء، أو مسجد فاطمة الشقراء، وهو المسجد البديع القائم حتى الآن فى شارع تحت الربع.وقد شُيد عام 873 هـ/ 1468م فى فترة حكم السلطان المملوكي (قايتباي)، حيث أسسه شخص يُدعى (رشيد الدين البهائي)، وتم تجديده على يد (فاطمة شقراء) التي سُمي المسجد باسمها.

أما عن فاطمة الشقراء نفسها فهناك دراسة تاريخية تؤكد، أنها كانت إحدى الجاريات الروسيات المُعتقات، وهي شركسية أو تترية الأصل، تم أسرها فى إحدى الحروب، واتخذها السلطان قايتباى زوجة له، فأنجبت له ولى العهد السلطان محمد فأصبحت الزوجة الرسمية ووالدة ولى العهد.

وربما كانت فاطمة الشقراء أول امرأة حذت حذو الرجال في تخليد اسمها، أنشأت ورعت العديد من المساجد والمدارس والأسبلة العامة، حيث كانتتخشى أن يضيع أثرها واسمها بعد وفاتها.

وكان حدسها صحيحا، فهي حتى الآن ما تزال تذكر في التاريخ، ولا يزال المصريون يرددون اسمها، لسبب واحد، وهو مسجدها مسجد فاطمة الشقراء، مع ملاحظة أنها ربما كانت أول سيدة من خارج البيت النبوى، يطلق اسمها على مسجد، تلك السيدة التى كانت من مسلمى روسيا.

[email protected]

وأهل مكة كانوا يحتفلون

ركن الغباء في التاريخ

مقالات مشابهة

  • محلل إسرائيلي: نتنياهو خسر الحرب أمام حماس ويهرب لحرب استنزاف
  • الدفاعات الأوكرانية تسقط صاروخًا و42 طائرة مسيرة روسية
  • الولايات المتحدة: الروس يخططون لتسليح الحوثيين لأننا ازعجناهم في أوكرانيا
  • الدفاعات الروسية تسقط 54 مسيرة أوكرانية جنوب غربي البلاد
  • الروسية التي أصبحت سلطانة مصر
  • خالد مشعل: حماس غير مستعجلة لوقف إطلاق النار
  • خالد مشعل: الجيش الإسرائيلي في حالة استنزاف
  • الحرب الروسية الأوكرانية: مليون قتيل وجريح في حصيلة مروعة
  • الدفاع الروسية تطهر قرية حدودية من القوات الأوكرانية
  • السنوار يؤكد جاهزية حماس لـ"معركة استنزاف طويلة" مع إسرائيل في غزة