محمد فودة يكتب: عمرو دياب.. ستظل فى الصورة "حدوتة أسطورة"
تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT
الهجوم يزيده قوة وصلابة ولا عزاء لأعداء النجاح
واقعة "صفعة الشاب" حدث عفوى وغير مقصود ولا يستحق كل هذا الجدل
آيادٍ خبيثة تتعمد تشويه أكبر رمز غنائى مصرى فى العالم العربى
"السوشيال ميديا" تحاكم المشاهير على تصرفاتهم التلقائية والزج بهم فى معارك وهمية
عمرو دياب 30 سنة نجومية وصاحب إنجاز تاريخى فى الأغنية العربية
"قاهر الزمن" سيظل نجما استثنائيا متربعا على عرش الأغنية العربية والصدارة فى ساحة الطرب
حملات تشويه الرموز مرفوضة.
تابعت عن قرب حالة الانفلات غير المسبوق فى مواقع السوشيال ميديا التى هاجمت بضراوة النجم الهضبة عمرو دياب، بعد انتشار مقطع فيديو يظهر به شاب يدعى سعد أسامة، وهو يحاول التقاط صورة مع الهضبة عمرو دياب، ولقد رأيت ما فعله الشاب، حيث أمسك بملابس النجم وهو يغنى، وضغط على خاصره بشكل مفاجئ، الأمر الذى أثار غضب الفنان الكبير، فاضطر لازاحة يده وصفعه بشكل عفوى ودون قصد وكأنه رد فعل طبيعى لما صنعه هذا الشاب وإقدامه على فعل شىء غير محمودة عواقبه، خاصة أن الفنان مندمج فى أغانيه، وما لبث حتى تحول الأمر إلى ثورة على الفيسبوك بين مؤيد ومعارض، وهو ما يؤكد أننا شعب طيب تحركه العواطف، ويتأثر بالمشاعر والأحاسيس التى تكون فى الغالب وليدة اللحظة.
ومع تقديرى الكامل للشاب المعجب ومحاولة التقاطه صورة مع نجم كبير يحبه، فإننا لابد أن نلتمس العذر لعمرو دياب، فهو لا يقصد بأى حال من الأحوال جرح مشاعر الشاب، أو تعنيفه أو صفعه، وإنما ما حدث هو لحظة عفوية تصرف فيها النجم بعفويته خاصة مع التزاحم الشديد من حوله أثناء غنائه، وهو يريد الانسجام مع ما يقدمه من فن، كما أن الفنان وأقصد هنا أى فنان يتحمل مسؤلية عمله كاملة ويحاول أن ينجح فيما يقدمه أمام الجمهور، بدون تعطيل من أحد، وينبغى علينا أن نحترم هذه الرغبة ونضعها فى عين الاعتبار قبل إصدار الأحكام الظالمة، وتنصيب المحاكم من رواد السوشيال ميديا.
والمفارقة العجيبة أن هذا الشاب، تبين أنه دائم الحضور فى الحفلات والأفراح والمناسبات العامة التى يتواجد فيها الفنانون كى يلتقط معهم صورا للذكرى، كما أن هذا الشاب لا تربطه أى علاقة بأصحاب الأفراح التى يتواجد بها، لكنه يريد أن يلتقط الصور فقط لإسعاد أقاربه وعائلته الذين يقطنون بالأقصر فقط لا غير، وللحق فإن الهجوم الشرس الذى يتعرض له قاهر الزمن عمرو دياب وهذا الانتقاد غير المسبوق الذى تعج به صفحات مواقع التواصل الاجتماعى شيء غريب حقاً ولا يمكن قبوله بأى حال من الأحوال، خاصة أن التصرفات الخاصة والجوانب الشخصية حق أصيل من حقوق الإنسان وليس معنى أن يكون الشخص مشهوراً أو نجماً كبيراً له جمهوره ومحبوه أن يتم استباحة حياته وأوقات عمله، الأمر الذى ليس له معنى سوى أنه نوع من محاولات ركوب الترند على حساب اسم نجم كبير.
وهنا أتساءل: هل فنان كبير بحجم ومكانة وقيمة وقامة عمرو دياب يستحق كل هذا التجاوز على السوشيال ميديا؟ كنت أتمنى أن ينتظر رواد مواقع التواصل الاجتماعى إلى أن يتحدث أحد بعين الحقيقة ويوضح حقيقة ما حدث، خاصة أن هذا التصرف خرج بشكل عفوى وتلقائى ليس أكثر.
وحسنا ما فعله النجم الأسطورى عمرو دياب فقد قام بتحرير محضر ضد هذا الشخص، وقد حرر محاميه محضراً فى قسم شرطة التجمع الأول، ضد شخص لقيامه بقرصه ومضايقته، فى حفل زفاف ابنة المنتج محمد السعدى، خصوصا أن الشاب صاحب الواقعة لم تتم دعوته من جانب أىٍ من أهل العروسين، فضلا عن أنه لا يعمل بالفندق الذى أقيم فيه الحفل، وأيضا هذا الشاب التقط نحو 5 فيديوهات وصور "سليفى" مع الفنان عمرو دياب، بدون أى مشكلات أو اعتراضات، بل قوبل بترحيب كبير من الهضبة الذى التقط عدد كبير من المعجبين العديد من الصور معه.
وإحقاقا للحق فأنا أكتب مدافعاً عن عمرو دياب، لأنه نجم كبير بحق، هو الذى تصدى بمفرده للحملات الممنهجة التى كانت تستهدف فى المقام الأول تهميش الأغنية المصرية وسرقة ريادتنا فى هذا المجال، فيكفى أن الهضبة استطاع وعن جدارة أن يكون حائط الصد المنيع لتهميش الأغنية، وبفضل موهبته وذكائه الفطرى استطاع أن يرسخ أقدامه أكثر وأكثر وأن يظل فى الصدارة، وعمرو دياب ومنذ بداياته الأولى اعتمد فى مشواره على عدة أمور، منها أنه لا يخضع لقالب معين، قبل كل ألبوم غنائى يقوم بإعداده يعتزل الناس من أجل دراسة ما يحدث فى العالم الخارجى من تطور الموسيقى خاصة فى التوزيع الموسيقى وما يترتب عليه من استخدام آلات موسيقية تواكب هذا التطور لكى يتفاعل مع الأحداث، لذلك فهو لا يعتمد على ملحن أو مؤلف معين مهما كانت شهرته، بل إنه قد يعتمد على مجموعة من الشباب الهاوى طالما أنهم لديهم الجديد، وما ساعد عمرو على ذلك هو انفتاحه الخارجى ونشأته فى بورسعيد تلك المدينة المفتوحة على العالم بحكم أنها أحد أكبر الموانى المصرية لذلك فهى تتعامل مع ثقافات مختلفة، فمن يستمع إلى عمرو دياب لا يستطيع أن يتمالك نفسه ويتحكم فى مشاعره دون أن يذوب عشقاً مع نغماته وأن يستعيد ذكريات غالية مرت به أو أن يعيش حالة خاصة من الحب والمشاعر والأحاسيس، بما يؤكد للجميع أنه فنان موهوب بمعنى الكلمة كما أنه يمتلك بالفعل مقومات العالمية التى استطاع أن يترك فيها بصمة واضحة وضوح الشمس ضارباً بذلك القدوة والمثل للفنان الملتزم المخلص لفنه، هذا من ناحية ومؤكداً من ناحية أخرى أنه فنان كبير يستحق كل التقدير، فهو صاحب الأغانى الراقية التى كانت ولاتزال وستظل تمثل خط الدفاع الأول فى مواجهة هذه الموجة الشاذة من الإسفاف والانحطاط الفنى الذى أفسد الذوق العام وألقى بساحة الغناء خلال السنوات الأخيرة فى الوحل، وهى الموجة الغنائية المعروفة إعلاميا بأغانى المهرجانات التى تمثل خطراً حقيقياً على الغناء والطرب الأصيل.
وسيظل عمرو دياب دائماً فى "القمة" وسيظل دائما وأبداً فناناً كبيراً صاحب تاريخ طويل ومشوار جدير بالاحترام مع الأغنية وهو ما يجعله فى تقديرى يستحق وعن جدارة أن يصبح أيقونة وأسطورة الغناء وأن يظل أيضاً النجم الأوحد الجدير بالتقدير والحب والاحترام، فعمرو دياب من المطربين القلائل الذين يحترمون أذواق جمهورهم المتفاوتة بل يسعى جاهداً لإرضاء هذا الجمهور الذى هو فى حقيقة الأمر يمثل مختلف الأجيال وهو ما دفعه إلى الحرص على تقديم ألوان وأشكال مختلفة من الأغنيات فحقق شهرة كبيرة ليس فى مصر فقط بل فى العالم أيضاً.فأصبح وعن جدارة يمثل حالة خاصة جداً نسجها لنفسه بنفسه فحينما قدم منذ عدة سنوات أغنيته الشهيرة «أنا مهما كبرت صغير» كأنه كان يعبر من خلالها عن شخصيته الحقيقية وعن حرصه على أن يظل كبيراً فى ساحة الغناء ولكن بروح شبابية فتلك الأغنية تتناسب بالفعل مع شخصيته وملامح وجهه فحينما تراه وجها لوجه وتتحدث إليه فإنه يبدو كأنه ما زال شابًا صغيرًا فى قمة تألقه وحيويته بابتسامته الصافية النقية وأعتقد أن لياقته البدنية كانت أحد أهم أسباب هذا التألق ، فهو منذ بداياته ظل حريصًا -كل الحرص- على التغيير المستمر فى الأغنيات التى يقدمها لجمهوره مع التركيز على إضافة كل ما هو جديد إلى الموسيقى والأغانى والكليبات التى يقدمها مما كان له عظيم الأثر فى أن تسهم هذه الصفات وبشكل كبير فى تأهيله للحصول على جوائز عالمية من قبل منها على سبيل المثال «ميوزيك أوورد» المصنفة فى مقدمة الجوائز العالمية التى لا يحصل عليها إلا المطرب المجدد أو صاحب البصمة المتميزة فى مجال الموسيقى والغناء.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: السوشیال میدیا عمرو دیاب هذا الشاب
إقرأ أيضاً:
سامح قاسم يكتب: «روضة المحبين».. الحب بين الفقه والأدب.. ابن القيم يجمع قصص وأخبار العشاق وأشعارهم وحكمهم مع الحب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
اجتماعيًا، عانت المجتمعات الإسلامية من الانقسامات الطبقية وتفشى بعض المظاهر السلبية مثل الغلو فى التصوف والانحرافات الأخلاقية. هذه القضايا كانت من أبرز ما تصدى له ابن القيم فى مؤلفاته. فقد حاول عبر كتاباته أن يعيد الربط بين الجوانب الروحية والأخلاقية من جهة، وبين النصوص الشرعية والعقلية من جهة أخرى.
انعكس هذا السياق المضطرب على إنتاج ابن القيم الأدبى والفكري. فمن خلال كتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين"، يتضح حرصه على تقديم معالجة فكرية وأدبية لقضية الحب، متناولًا إياها من جوانب متعددة: شرعية، نفسية، واجتماعية. ويبدو أن الدافع وراء هذا الكتاب كان رغبته فى وضع تصور إسلامى أصيل لمفهوم الحب، فى مواجهة التصورات المتأثرة بالفكر الفلسفى أو تلك التى تُشوه الحب بتقديمه كشهوة محضة.
كتاب "روضة المحبين" هو أحد الأعمال البارزة فى مسيرة ابن القيم، وينتمى إلى جانب من كتاباته التى تجمع بين الأدب والفقه، مثل "الداء والدواء". يتميز الكتاب بأسلوب أدبى رفيع، جمع فيه المؤلف بين الاقتباسات الشعرية والنصوص الشرعية والحكم الأخلاقية. وقد ركز فيه على مفهوم الحب الإنسانى والإلهي، ما يجعل الكتاب ليس فقط دليلًا فقهيًا بل تحفة أدبية وفكرية.
يقول ابن القيم فى مقدمة الكتاب: "هذا كتاب جمع فيه مصنفه أخبار العشاق، وأشعارهم، وحكمهم، مع بيان الحب وأقسامه، وأسبابه ودواعيه، وعلله وآفاته". يظهر من هذا أن المؤلف كان يهدف إلى تقديم موسوعة شاملة للحب تجمع بين الجانبين النظرى والعملي.
لا يمكن فهم كتاب "روضة المحبين" إلا بوضعه فى سياقه الزمنى والفكري. فقد كان ابن القيم يعالج قضايا عصره، محاولًا تقديم حلول عملية ونظرية للمشكلات التى تواجه المسلمين. ومن خلال هذا الكتاب، نجح فى المزاوجة بين الفقه والأدب، مقدمًا رؤية متكاملة لمفهوم الحب، تأخذ بعين الاعتبار البعدين الإنسانى والروحى لهذه الظاهرة العالمية.
كتاب "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" ليس مجرد نص أدبى حول الحب، بل هو دراسة شاملة تهدف إلى تقويم مفهوم الحب وإعادته إلى مساره الصحيح ضمن إطار الشريعة الإسلامية. فى زمن كثرت فيه التأويلات الفلسفية للحب والانحرافات الأخلاقية المرتبطة به، رأى ابن القيم أن الحب بحاجة إلى معالجة جذرية تجمع بين الحكمة الشرعية والوعيين النفسى والاجتماعي.
أراد ابن القيم تصحيح المفاهيم المغلوطة حول الحب، سواء تلك التى روج لها الفلاسفة والمتصوفة، أو تلك التى اختزلت الحب فى بعده الشهواني. فهو يعرض الحب كقوة روحانية ترفع من قيمة الإنسان عندما تُضبط بضوابط الشريعة.
الكتاب يتجاوز كونه مجرد وصف للحب، ليصبح دليلًا شاملًا يتناول أسبابه، علاماته، أنواعه، ومآلاته. كما يناقش ابن القيم الحب من زوايا متعددة: دينية، نفسية، اجتماعية، وأدبية.
يحتوى الكتاب على العديد من القصص والحكايات التى تهدف إلى تعليم القارئ دروسًا عملية. فهو لا يكتفى بوصف الحب بل يبين عواقب الإفراط فيه أو انحرافه عن مساره الصحيح.
يهدف الكتاب توجيه القارئ نحو الحب الإلهي. فابن القيم يرى أن الحب الحقيقى هو الذى يقرب الإنسان إلى الله ويجعله أكثر طاعة وخشوعًا.
يقول ابن القيم: "أصل المحبة هو انجذاب القلب إلى المحبوب بسبب كمال يدركه فيه. وأعظم المحبوبات هو الله، لكماله المطلق الذى لا نقص فيه بوجه من الوجوه".
استخدم ابن القيم مزيجًا من الأساليب منها: الاقتباس من القرآن والسنة: لتقديم الحجج الشرعية. الاستشهاد بالشعر العربي: لإبراز جمال الحب كما صوره الأدب العربي. القصص والحكايات: لإضفاء الطابع التعليمى والتوجيهي. التحليل النفسى والاجتماعي: لفهم تأثير الحب على الفرد والمجتمع.
يمكن مقارنة هذا الكتاب بكتاب "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي. لكن بينما ركز ابن حزم على الجانبين الأدبى والفلسفى للحب، جمع ابن القيم بين الأدب والفقه، مما يجعل كتابه أقرب إلى معالجة شاملة تجمع بين الروح والعقل.
كتاب "روضة المحبين" هو محاولة جادة لإعادة صياغة مفهوم الحب فى الإسلام. فهو ليس مجرد كتاب عن المشاعر، بل هو نص تربوى يهدف إلى تهذيب النفس وتقويم السلوك. وقد نجح ابن القيم فى تقديم رؤية متوازنة للحب تجمع بين الجمال الروحى والالتزام الشرعي.
تعد قضية تعريف الحب وأقسامه من أبرز القضايا التى تناولها ابن القيم فى كتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين". ومن خلال هذا الفصل، يسعى المؤلف إلى توضيح مفهوم الحب من زوايا متعددة، تجمع بين اللغة والشرع والنفس الإنسانية.
يبدأ ابن القيم بطرح التعريف اللغوى والاصطلاحى للحب. فيذكر أن الحب فى اللغة يتفرع إلى عدة معانٍ، منها الصفاء والعلو والشدة. أما من الناحية الاصطلاحية، فيعرف الحب بأنه انجذاب القلب وانعطافه تجاه المحبوب.
يقول ابن القيم: "الحب هو ميل الطبع إلى شيء يوافقه، سواء كان ذلك الشيء حسيًا أو معنويًا، والقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها".
قسم ابن القيم الحب إلى عدة أقسام رئيسية: الحب الإلهي: وهو أرقى أنواع الحب وأعلاها، حيث يتعلق القلب بالله عز وجل. يصف ابن القيم هذا الحب بأنه حب كمال وجلال وجمال. ويؤكد أن هذا النوع من الحب هو أساس العبودية الحقة.
الحب الطبيعي: وهو الحب الذى ينشأ بين الناس بفعل القرابة أو الصداقة أو غيرها من الروابط الاجتماعية.
الحب الشهواني: وهو الحب المرتبط بالشهوة والرغبة الجسدية، وقد ذمه ابن القيم إذا تجاوز حدوده الشرعية.
الحب المرضي: وهو الحب الذى يؤدى إلى الفساد والهلاك، كالتعلق المفرط الذى يبعد الإنسان عن طاعة الله.
يشرح ابن القيم العلاقة بين هذه الأنواع، موضحًا أن الحب الإلهى يجب أن يكون فى قمة الأولويات، وأن الحب الطبيعى أو الشهوانى إذا خرج عن حدوده يصبح مفسدًا للنفس.
من خلال تعريف الحب وأقسامه، يقدم ابن القيم رؤية متوازنة تجعل من الحب قوة إيجابية تبنى الروح والمجتمع. ويظهر الكتاب كيف يمكن توجيه هذه القوة لتكون عامل بناء لا هدم.
يقول ابن القيم: "من أحب الله بصدق، كان حبه لكل شيء تابعًا لحبه لله، فصار حبه نورًا وهداية".
فى الفصل الرابع من كتاب "روضة المحبين ونزهة المشتاقين"، يتناول ابن القيم الأسباب التى تؤدى إلى نشوء الحب والدوافع التى تقود الإنسان إلى التعلق بمحبوبه. يقدم المؤلف تحليلًا عميقًا لهذه الأسباب، مستندًا إلى ملاحظاته الدقيقة للطبيعة البشرية والشرع الإسلامي.
يشرح ابن القيم أن أسباب الحب متعددة، ويمكن تصنيفها كما يلي:
الإحسان والمعروف:
يرى ابن القيم أن القلب البشرى مجبول على حب من يحسن إليه. فالإحسان يخلق شعورًا بالامتنان، وهذا الامتنان يتحول تدريجيًا إلى حب.
اقتباس: "القلوب فطرت على حب من أحسن إليها، فكيف بمن إحسانه لا ينقطع أبدًا؟".
الجمال والكمال:
يُعد الجمال أحد أبرز أسباب الحب. والجمال هنا لا يقتصر على الشكل الخارجى فقط، بل يشمل الجمال الأخلاقى والروحي. ويؤكد ابن القيم أن الكمال هو سبب رئيسى لانجذاب القلوب.
يقول ابن القيم: "المحبوب يُحب لجماله الذى يبهر العيون، أو كماله الذى يأسر العقول".
التوافق والتشابه:
يشير ابن القيم إلى أن التوافق فى الصفات والطباع والأهداف من أهم ما يجعل الحب يدوم. فالأرواح تتآلف مع من يشابهها.
يقول ابن القيم: "النفوس تجتمع مع ما يشابهها فى الخُلُق والخَلق، وكلُّ شيء يحنُّ إلى جنسه".
المعرفة والتقدير:
يرى ابن القيم أن معرفة صفات المحبوب والتقدير العميق لها يؤديان إلى الحب. فكلما ازدادت المعرفة زاد الحب.
يقول ابن القيم: "المعرفة باب المحبة، فمن جهل شيئًا لم يحبه".
دوافع الحب
الاحتياج النفسي:
الإنسان بطبيعته يحتاج إلى شريك يُكمل نقصه ويشاركه مشاعره. هذا الاحتياج يولد دافعًا قويًا للبحث عن الحب.
الرغبة فى الأنس:
الوحدة والغربة تدفع الإنسان للبحث عن الأنس فى محبة شخص آخر، يكون له عونًا وسندًا.
الطبيعة البشرية:
الحب مغروس فى فطرة الإنسان. فالقلب يبحث دائمًا عما يملأه بالفرح والسعادة. يمزج ابن القيم فى حديثه عن أسباب الحب بين التحليل النفسى العميق والرؤية الشرعية المتزنة. فهو لا يكتفى بتفسير الحب من منظور عاطفي، بل يربط هذه الأسباب بمعانٍ أعمق ترتبط بفطرة الإنسان وغاية وجوده.
يقول ابن القيم: "الحب قوة تسرى فى الكائنات، تحملها إلى البحث عن الكمال والأنس".
علامات الحب ودلائله
فى هذا الفصل، يستعرض ابن القيم العلامات التى تظهر على المحب وتدل على وجود الحب فى قلبه. يقدم المؤلف تحليلًا عميقًا للسلوكيات والتصرفات التى تصاحب حالة الحب، مستندًا إلى الملاحظات النفسية والنصوص الشرعية.
العلامات النفسية والسلوكية للحب
التعلق الدائم بالمحبوب:
يشير ابن القيم إلى أن من أبرز علامات الحب هو تعلق القلب بالمحبوب. حيث يصبح التفكير فيه ملازمًا للمحب فى كل وقت.
يقول ابن القيم: "القلب إذا أحب شيئًا، تعلق به واشتاق إليه فى غيابه، واستأنس به فى حضوره".
الخجل والارتباك:
يعد الخجل عند رؤية المحبوب علامة واضحة على الحب، حيث يعكس ذلك تأثر القلب بوجوده.
يقول ابن القيم: "الخجل نور الحب الذى يفضحه عند اللقاء، وهو الدليل على صدقه".
السعى لإرضاء المحبوب:
المحب يسعى دائمًا لإرضاء محبوبه، حتى لو كان ذلك على حساب نفسه.
يقول ابن القيم: "المحب يجعل رضا محبوبه غايته، ويتحمل فى سبيل ذلك المشاق والمتاعب".
الشوق والحنين:
إذا ابتعد المحبوب، يشعر المحب بشوق شديد وحنين يدفعه للبحث عنه أو التمنى للقائه.
يقول ابن القيم: "الشوق هو الدليل الأكبر على أن القلب قد سُلب".
العلامات الروحية للحب
ذكر المحبوب فى كل وقت:
يرى ابن القيم أن المحب لا يستطيع التوقف عن ذكر محبوبه، سواء فى كلامه أو أفكاره.
الغيرة:
الغيرة على المحبوب وحمايته من أى شيء قد يزعجه أو يؤذيه تعد من دلائل الحب الصادق.
يقول ابن القيم: "الغيرة سياج المحبة الذى يحفظها من الفساد".
التضحية:
المحب يضحى بكل ما يملك من أجل سعادة محبوبه.
يقول ابن القيم: "المحب يعطى ولا ينتظر المقابل، فالعطاء فى الحب غاية فى حد ذاته".
علامات الحب كما يصفها ابن القيم تتجاوز الجوانب الظاهرية إلى العمق الروحى والنفسي. فهو يقدم رؤية شاملة لهذه العلامات، موضحًا أن الحب الحقيقى ينعكس فى أفعال المحب وأقواله وحتى فى طريقة تفكيره.
يقول ابن القيم: "الحب الصادق تظهر علاماته فى كل صغيرة وكبيرة، فهو شعور يفيض على الجوارح والروح".
الحب فى الشعر والأدب
يُعد الأدب والشعر جزءًا أساسيًا من البناء السردى فى كتاب "روضة المحبين ونزهة المشتاقين"، حيث استخدم ابن القيم النصوص الشعرية لشرح مفاهيم الحب وإثراء النقاش حولها. فى هذا الفصل، نستعرض كيف وظّف المؤلف الشعر والأدب لتوضيح معانى الحب، وكيف كان لهذه النصوص دورٌ مهم فى جذب القارئ وتوضيح الفكرة.
الشعر كأداة توضيحية
اعتمد ابن القيم على الشعر العربى القديم والمعاصر له كوسيلة للتعبير عن أعمق المشاعر التى تكتنف الحب. لم يكن الهدف من إدراج الأشعار مجرد التزيين البلاغي، بل كانت جزءًا من التحليل النفسى والاجتماعى لمفهوم الحب.
يقول ابن القيم: "الشعر ديوان العرب، ومنه تُستلهم الحكمة، وفيه تُقرأ القلوب التى نطقت بها الأفواه".
موضوعات الحب فى الشعر
الشوق والحنين:
الشعراء عبروا عن مشاعر الشوق بطرق مؤثرة للغاية، حيث صوّروا كيف يكون الفراق وقعه على المحب.
مثال: "إذا غبت عنى صار كل شيء ظلامًا، وكأن الشمس لا تشرق إلا بوجهك".
الغيرة والمعاناة:
كانت الغيرة والمعاناة من أبرز الموضوعات التى تناولتها الأشعار المتعلقة بالحب، حيث يصور الشعراء كيف تكون الغيرة دليلًا على الحب الصادق.
مثال: "أحسد النسيم الذى يداعب خديك، وأغار من عينٍ تراها قبلي".
اللقاء والفراق:
الفراق كان مصدر إلهام للعديد من الشعراء، الذين وجدوا فيه مادة خصبة للتعبير عن الألم واللوعة.
مثال: "الفراق نارٌ تأكل القلب، واللقاء جنّة لا يدركها إلا المحب الصادق".
الأدب كمرآة للحب
إلى جانب الشعر، استخدم ابن القيم الحكايات كوسيلة لنقل العبر والدروس. فقد أورد قصصًا وحكايات عن العشاق، كانت تحمل فى طياتها الحكمة والأدب الرفيع.