رهانات الحظ العاثر في مقامرة على شرف الليدي ميتسي
تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT
تتميز رواية "مقامرة على شرف الليدي ميتسي" للكاتب المصري أحمد المرسي (وُلد في عام 1992)، والصادرة حديثاً عن دار دوّن، بعدّة ميزات جعلتها تصل إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية.
التشويقأولى هذه الميزات أن صاحب رواية "ما تبقى من الشمس" (2020) كتب روايته الجديدة بأسلوب سرديّ وسينمائيّ مشوّق، لدرجة أن القارئ لا يُريد أن يتركها قبل الانتهاء منها، وهي ميزة تُحسب لأي رواية.
يفتتح أحمد المرسي روايته عن عوالم سليم أفندي حقي وزوجته المريضة. وبيع ممتلكاتهما ورهنها. وذهابه إلى "القهاوي" ليشارك في الرهانات على قتال الديوك، بعد نصيحة من أحد أصحابه حول أرباح رهاناتها الوفيرة. وتقع في تلك القهاوي أحداث وحكايا تقطع الأنفاس بالفعل. وتُبيّن الاختلافات الطبقيّة بين ضابط متقاعد، متزوج من فتاة ذات أصول غنية، ذهب للمراهنة بسبب حاجته للمال، وليس لأنه يعشق هذا النوع من الرهانات، وبين أناس شعبييّن يعشقون ويعيشون هذه المراهنات، ولا يقبلون الخسارة فيها بسهولة، بل قد تجعلهم خسارة الرهان متوحّشين ضد الخصوم وضد ديوكهم؛ المشاركة في رهانات تعتبر دمويّة منذ البداية.
وهكذا تتابع فصول الشخصيات الأخرى، ليتمّ تفكيك الغموض في عتبة الرواية، ويتعرف القارئ، فصلاً بعد فصل، على شخصيّات مختلفة طبقياً وفكرياً ومكانياً وآمالاً، يجمعهم الأمل في تحقيق أمنياتهم.
سينما ومسرحالميزة الثانية، لهذه الرواية، هي أن أحمد المرسي بنى معمار روايته مثل كتابة فيلم سينمائي، لدرجة أنه يهتم بالضوء والعتمة ودرجاتهما في كل فصل وفي كل مقطع. وكذلك يهتم ببناء المشاهد التي تحدث في الخارج (المقهى – البار – الشارع – مضمار سباق الخيل) وكأنه تصوير خارجي، أو بمعنى آخر، ووفق المصطلحات السينمائية، نهاري خارجي، وليلي خارجي، وليلي خارجي وليلي داخلي. بينما ما يجري في البيوت تختلف مشاهده في البناء والتصوير، بل وحتى من خلال درجة السرعة في الحوارات والمشاعر، معتمداً في ذلك البناء، والتقدم في العمل والأحداث، على الحوارات بين الشخصيات، متمثلاً بذلك الأسلوبين السينمائي والمسرحي.
ونعتقد أن هذه الرواية، بغض النظر عن فوزها بجائزة البوكر أو عدم فوزها، سيتم تحويلها إلى فيلم سينمائي. كما حدث مع روايات بُنيت بهذه الطريقة التاريخيّة الكلاسيكيّة التشويقيّة، مثل رواية "عمارة يعقوبيان" للكاتب المصري علاء الأسواني على سبيل المثال.
الميزة الثالثة هي تخطيط الرواية زمنياً بشكل ذكي ومدروس، لدرجة أنها تبدو رواية كلاسيكيّة، في الدقة والتنظيم، من هذه الناحية، ولكنها لا تخلو من فانتازيا، خاصة من خلال شخصية "زينب" على سبيل المثال. فالرواية تبدأ من عام 1975، من جزيرة سعود، وذلك من "عتبة" الرواية، والتي لن تستغرق سوى 5 صفحات، من أصل 365 صفحة، ليعود الراوي، في فصلها الأول، بالزمن إلى عام 1920، وهو الزمن المكتوب على صورة وجدها "غالب الطحاوي" في منزل ابن عمه فوزان الطحاوب بعد موت الأخير.
ولكن الزمن لا يبدأ من عام 1920 ويتقدم باتجاه عام 1975 فقط، بل يضطر الراوي، كلما تناول شخصية أو حدثاً، أن يعود بالزمن سنوات وعقوداً إلى الوراء، ثم يعود إلى ذلك التقدم البطيء من جديد. وكأن الرواية مكتوبة بالألوان، ثم تعود إلى الأبيض والأسود.
شخصيات متضادةيقوم صاحب رواية "مكتوب" (2021) بتقديم شخصيّاته في فصول متلاحقة وكأنه يٌشرّحها الواحدة تلو الأخرى، وكما الروايات البوليسيّة يضعها في طرقات لا بدّ أن تلتقي، في النهاية، في طريق واحد، فنجد أن الشخصيات الأربع، التي لديها حيوات مستقلّة قبل هذا اللقاء -ولكن سيكون هذا اللقاء سبباً لبوح تلك الشخصيات بتلك الحيوات الخاصة بها- لا يجمعها سوى القليل جداً. بيْدَ أنها تتحالف مع بعضها للفوز في رهان سباق الخيل. ويكتشف القارئ بأن الْـ4 فقدوا السبب الحقيقي للفوز بالرهان، ومع ذلك يُكملون هذا الجري وراء الفوز به، ليكتشف كل واحد منهم بأن "الآمال إذا تحققت تفقد معناها". بل تفقد لذة تحقيقها.
كل ذلك باندفاع من الماضي الذي لا يموت. فالليدي ميتسي تُخلص للرهانات بسبب ماضيها الخاص المتعلّق بابنها "ديفيز". وسليم يجذبه الرهان للتخلّص من الماضي الذي صارت تُثقله الديون ومكابدات صلات القربى والحب. بينما مرعي يهرب من ذلك الماضي الذي يخرج له في كل زاوية وشارع، ويُحاسبه باستمرار على ما ذهب وزال، وكان هو سبباً في ضياعه إل الأبد. وحده فوزان يندفع من الحاضر نحو المستقبل، وحتى ماضيه، مع والده وأمه وعمه، يدفعه أكثر للإندفاع حتى العزلة والخلود في صورة فوتوغرافيّة تشرح حياته واللحظات الأخيرة من موته.
نجح المرسي في جمع هذه الشخصيات المتضادة، والتي حاولت، قدر الإمكان، التقرّب من بعضها البعض، من أجل الفوز في رهانات الخيل، وتحقيق آمالها الممكنة أو المستحيلة، التي لن يكون لها أي معنى في النهاية، لأنها كانت شخصيّات "ميّتة وهي على قيد الحياة".
صراعات جانبيّةليس فضاء الرهانات فقط هو فضاء الرواية الوحيد؛ بل هناك فضاء آخر يُضاف لهذه الرواية، من خلال العسكر والضباط الإنجليز، وحياة الطبقات المخملية. ومن خلال الصراعات والمؤامرات التي تجري لجعل فرس تكسب على حساب الخيول الأخرى، بغض النظر عن أي ميزات خاصة. صراعات رئيسية وجانبية، صراع الديوك وصراعات المُرابين وصراع السلطات وصراع الرهانات وصراع الرغبات والوحدة والآمال التي لا تتحقّق إلا بعد فوات الأوان.
ضمن هذا الفضاء نعثر على الكثير من القاع الشعبي، وكذلك على الكثير من القاع الثريّ البورجوازي أو العسكريّ. نعثر كذلك، ولو على شكل ومضات خفيفة، على مشاهد تخصّ الثورة والتخلّص من العسكر الإنجليز. على شخصية الثري الذي بنى مدينة كاملة لإرضاء حبيبته التي لن ترضى.
صراعات وصراعات تجري باستعمال الخناجر والقتل والربا والدموع وكذلك تجري من خلال حفلات الطبقة المخمليّة التي تحمل أفكاراً أبديّة تخصّها عن الوطن والحريات ومفهوم الشعب.
رواية "مقامرة على شرف الليدي ميتسي"، للمصري أحمد المرسي، لها ميزات عديدة تجذب كل قارئ. لا يمكن تصنيفها في مدرسة واحدة، فهي تبدو تاريخيّة وتشويقية وكلاسيكية، وتجعلها تلك اللغة المنسابة والأسلوب السردي، تذهب براحة إلى قائمة الروايات الأكثر مبيعاً.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات اللیدی میتسی أحمد المرسی من خلال
إقرأ أيضاً:
سجال ودي مع نقاد رواية “إعدام جوزيف”3-4
الدكتور ضيو مطوك ديينق وول
يقول المفكر والكاتب والأديب الفلسطيني عزمي بشارة، "القومية العربية ليست رابطة دم ولا عرق، بل هي جماعة متحلية بأدوات اللغة ووسائل الاتصال الحديثة....". فاذا أخذنا هذا التعريف نجد ان الكاتب الذي يتلقن اللغة العربية ويكتبها يمكن أن يصنف بأديب عربي طالما لغة روايته هي عربية مثله ومثل عمالقة الادب العربي الذين ذكرناهم.
أشك في إن المهندس بدرالدين قرأ رواية "إعدام جوزيف" حتي يحكم عليها، ربما أخذه انطباع بان كاتبها لا يمكن ان يكتب الرواية باللغة العربية وهو نفس المنطق الذي استخدمه الدكتور ابو قاسم قور في مراسلاته للأستاذ الصادق علي حسن.
قلت هذا الكلام وقد طالعت أحد المقابلات الصحفية للمهندس بدر الدين حيث قال؛ في تقديري الشخصي تقوم الرواية أو يقوم اي عمل فني ادبي علي بعض النقاط منها: الوحدة الموضوعية، شخوص الرواية المحورييين، الشخوص غير المحورية، عنصر المفاجاة، هيكل النص، جوهر القضية النصية، اللغة المكتوب بها النص، ويمكنك مراجعة التفاصيل السابقة، بهذه النقاط اطمئن لتسميتها رواية، بغض الطرف عن جودتها او رداءتها....." هذا هو رأي بدر الدين في كتابة رواية. و اتفق معه وأضف أهمية عنصري الزمان والمكان في السرد الروائي.
اذن اين رواية "إعدام جوزيف" من هذه النقاط التي اثارها بدرالدين في الحوار الصحفي مع الاستاذة اماني محمد صالح، منشور في سوداني بوست بتاريخ 09/01/2022؟. هذا السؤال الهام ساحيله للنقاد- الذين قرؤوا رواية "إعدام جوزيف" والذين سيقرؤونها- للاجابة عليه. اتمنيت من أستاذ الأجيال البروفسور ابوالقاسم قور حامد، أستاذ النقد والفلسفة وثقافة السلام بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا الذي زاملته في التدريس بمركز ثقافة السلام بالجامعة قبل انفصال جنوب السودان وكان يحاول جاهدا ادخال المسرح والفن والادب في مناهج ثقافة السلام، بجد أتمنيت منه تقديم رويته النقدية لرواية "إعدام جوزيف" بدلا عن التركيز علي شخصية كاتبها الذي يعرفه و تفارق معه قبل عقدين من الزمان ولم يلتق به حتي هذه اللحظة. ابوقاسم قور يستغرب من اين تأتى لضيو مطوك كتابة الرواية ولم يكن معروفًا في هذا المجال ولماذا يسعي الصادق علي حسن إلى إحالته الي روائي، ويذهب الي الأبعد باتهامه باستلام أجر نظيرا لكتاباته. لكن يتناسي بان الكتابة ليس بالفطرة، يمكن اكتسابها بالتدريس في القاعات او الممارسة من خلال المواظبة علي القراءة. فالعشرون عاماً كافية ليتخصص الشخص في اي علوم يريدها, اخشي ان يذهب زميلي قور في الاتجاه الذي حذرني استاذي المشرف علي دراسة الدكتوراة وكنت في اتم الاستعداد لاستقبال الإجازة، بان اكون دائما مع الحقيقة و جاهزاً لتقديم الغالي والنفيس من اجل إحقاقها وهذا المبدا أساسي لمنح الدكتوراة حسب رايه ووصي بان اكون ايضا منصفا للآخرين، خاصة طلاب العلم في مجال التخصص. وذكر وجود الغيرة غير المبررة في هرم العلم بحيث يتعمد بعض العلماء في عدم اشتهار الاخرين من بعدهم، يحاولون ابقاء طلابهم في مستوي ادني حتي لا ينافسونهم في مجالاتهم، ولذلك يحذرني بعدم الاقبال علي هذا الاتجاه. قال هذه الكلمات وكنت اتاهب لنيل الدكتوراة ومن ذلك الوقت بقيت انظر للاشياء بمنظور مختلف، لم انخذل في قول الحق رغم تداعياته الجسيمة في عالمنا المعاصر واعترف بان رواية "إعدام جوزيف" كتبت بهذا الفهم رغم عملي في حكومة المؤتمر الوطني، وهو موضوع آخر سناتي اليه بسلبياته وإيجاباته خاصة قبوله لمبدا تقرير المصير لشعب جنوب السودان.
لا اعتقد ان البروفسور ابو القاسم قور يندرج ضمن هذه الفئة التي ذكرها استاذي، لكن تعليقه علي مقالات الاستاذ الصادق بهذه الطريقة يدعو للحيرة. كان من الاجدر للبروفسور قور من موقع تخصصه العلمي "النقد الادبي وثقافة السلام" و ايضا مراقب ومشارك في حكومة الانقاذ، بحيث كان مسؤولا في مفوضية حقوق الانسان، كان من الأجدر ان يبدي برايه، لان رواية "إعدام جوزيف" مصممة علي قالب قور العلمي، فهي تثير قضايا الادب و حقوق الانسان والسلام والوحدة، وكل هذه القضايا محل اهتمام علمي لابي القاسم قور حامد فهو يكتب و ينشر بحوث بصورة راتبة في هذه المجالات. فبدل أن يضيع وقته في التشكك من قدرات الكاتب- الذي يعرفه وفارقه لاكثر من عقدين- في كتابة الرواية كان من الافضل تقديم نقد ادبي للرواية. الأستاذ الصادق علي حسن واجهته معاناة كبيرة في سبيل تقديمه نقدًا أدبيًّا للرواية،البعض اساءه بمقاضاة أجر وبعضٌ يرون انه يشغل الناس بقضايا دولة اخري، دون إدراك بان العلم ليس له حدود. افضل مورخ لتاريخ السودان الحديث هو لبناني نعوم شقير و رواية إعدام جوزيف تثير احداثًا حصلت في السودان لكن لها تداعيات سالبة علي الانسانية وتناولها مهم حتي نتفادي تكرارها وهذا هو السبب وراء مقالات الاستاذ الصادق المحامي. هو لا يريد ان يتكرر هذا المشهد في السودان والبلاد تواجه انقسامًا عميقًا، ربما يتكرر ما حدث لجنوب السودان في الاقاليم السودانية الاخري. الاستاذ أشرف ابو شمرة يذهب الي هذا الاتجاه ايضا بحيث كتب نقدًا موضوعيًّا ملئيًّا بالمخاوف بان ما حدث في جنوب السودان يمكن أن يتكرر في غرب او شرق السودان، حيث قال "وهل الرواية هي الاجابة تقول اننا نحن كلنا ضحايا ونلقي مصير إعدام جوزيف الجنوبي الذي عبد طريق الانفصال المبرر بالكراهية والمتوج بنضال الفشل ... وهل جوزيف الشرق وجوزيف الغرب سوف يقع في نفس المصير؟وسوف تخرج الاقاليم الباقية لترفع أعلام دول هشة وضعيفة لصالح مشروع يستغل شروخنا الفكرية والنفسية والاجتماعية؟ تلك اسئلة حرجة عالجتها تلك الرواية بشجاعة وادب شكرا د. ضيو مطوك ديينق وول رسالتك قد وصلت... ونبرقك السلام من قلوبنا" انتهي الاقتباس. . الاستاذ اشرف ابو شمرة فهم مضمون رسالة رواية" إ عدام جوزيف" ولخصها في كلمات مختصرة لكن عميقة مثلما تطرق إليها الاستاذ الصادق علي حسن بالتفصيل. وفعلا إعدام جوزيف لم تكتب للسودان وحده، لكن لكل البلدان التي تنتهك القوانيين، لا تحترم حقوق الانسان، تمارس التمييز ضد مواطنيينها.
aromjok@gmail.com