بين أجيالنا والمستقبل
تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT
فاطمة الحارثية
الأعمال النظرية كثيرة جدًا، وإن كانت أساساً للتنظيم في عمليات التنفيذ، تبقى التجارب خير برهان على فعاليتها، وبرهان جودتها في تشكيل النتائج المراد منها، ومرونتها تُمكن التطوير المستمر مما يعطيها جوهر الاستدامة؛ وهنا نحتاج العودة إلى بعض المعتقدات التي أغرتنا بها الدول المتقدمة وزينتها لنا، على أنها الطرق الصحيحة للتطور وإدارة الأعمال.
جميعنا نتفق على أنَّ ما نراه على أرض العمل يختلف تمامًا عمّا قد حفظناه في المنابر الأكاديمية؛ فالأول عملي والثاني نظري، بيد أننا نقر بأن المنابر وسعت مداركنا وأخرجتنا من ظلمات الجهل إلى عنان الحلم وإدراك إمكانياتنا العقلية، وقدراتنا في الأداء ومهارات التنفيذ، واستطعنا أن نصقل مواهب لم نكن لنعلم عنها لولا دور العلم؛ وربما القتامة بسبب سوء استخدام النعم وعدم الصبر الذي نراه في مسألة نيل الثمار، أو تضخيم الأمور والتوقعات، وهذا يقودنا إلى الحلول التي اتبعتها بعض الدول، مثل التجنيد الإلزامي وبعض المُقررات التعليمية الواقعية والسلوكية، التي تُحفز جوانب القيم والمبادئ وتعزز من الأخلاق والولاء والالتزام، وتقلل من الآثار السلبية والدخيلة عبر المنصات الهادمة.
منظومة الأسرة تحتاج إلى اهتمام وتنظيم ومُتابعة، فأهميتها الزمنية لا تنتهي والحلول المتبعة لم تعد كافية، بحسب ما نعاصره من مخرجات، مُقارنة بما نتوقعه ونرجوه، الخسائر ستكون عظيمة إن لم نتخذ حلولا حاسمة ولم يحصل تدخل سريع في هذا الشأن، فبالإضافة إلى الألم الاجتماعي الذي نراه من خلال منصات الهدم الاجتماعي، الخافي أعظم وأكبر. إنني أتوجه إلى المعنيين لتشكيل لجنة تعنى بالمنظومة الأسرية، لتسن صنوف التدريب والبرامج المكثفة ويكون لها سلطة القرار، على أن تصوغ السياسات التي تعنى بالأسرة ككل، وتحافظ على دورها العائلي والاجتماعي والوطني، وأتحدث هنا عن التفشي السريع للسلوكيات الهادمة والمخرجات غير القادرة على المسؤوليات، وإن كانت قلة لكنها جزء من هذا المجتمع، قوامه من قوام المجتمع والوطن، خاصة ونحن على مشارف استقبال أجيال مختلفة تصارع من أجل تلبية الوجود المؤسسي على أرض هذا الوطن الغالي، كلٌ بطريقته ومعتقده وفكره، مما يوجب تقليل الفروقات بين الأجيال، وصياغة لغة التعاضد بينها وردم الفجوات ليصب الاختلاف وداً ونفعاً لا كُرهًا وتنمرًا وسوءًا وعنفًا.
مما نحتاج إليه، إعادة مناهج بعض المواد التي تمَّ حذفها مثل التربية الأسرية، وإضافة مناهج مثل التربية الوطنية والتربية العسكرية والتربية البيئية والتربية الاجتماعية والقائد الصغير، وتعزيز البيئة التعليمية إلى نظرية وعملية وتفاعلية، وأن يتم إيقاف التعليم المسائي للطلاب، وأيضاً التأهيل المستمر للهيئة التعليمية وهي التي عليها أن تستهلك الحصص المسائية، بدل تأخر المناهج بسبب حضور المدرسين للورش والتدريبات، ويتم إضافة وتوحيد الكتب الإلكترونية حتى يعادل الصرف، ليتركز الصرف على المواد التعليمية بدل الكتب المطبوعة، والنظر في مسألة وجود محلات مضافة خارج أسوار المدارس لتغطي تكاليف صيانة المدارس، والتطوير الأكاديمي للمدارس، وأيضاً الورش المنتجة من الطلاب (منتجات التربية الأسرية والفنية) وبيعها للاستفادة من العوائد في مصروفات المدارس، وتكوين بعض المحاضرات، والبرامج التوعوية لأولياء الأمور بالحضور أو بثها من خلال منصات المدارس المرئية وهذا كله تحت منظومة الرقابة والمتابعة والتقييم المُستمر.
ربما يتبين للقارئ أننا نُعاني قصورًا في المنظومة الأسرية والتربوية، لكن في الحقيقة نحن بخير، وما نعانيه لا يختلف عن معظم الدول نتيجة الانفتاح الإلكتروني الذي حضر وطغى على حين غرة، ولعب دورًا كبيرًا في التغيير، والنظرة الشاملة توحي أننا بين مرحلة التأثر والإدراك لوقع وسطوة التغيير الكبير، وأننا في سباق مع عامل الوقت للتوازن مع المتغيرات السريعة، والتردد بيّن في تطبيق البرامج للتفاعل مع مراحل مواكبة هذا التغيير المتسارع، أي صياغة وصناعة القرارات الآمنة، لم تنل الكثير من الدول الوقت الكاف للاستعداد للطفرة التكنولوجية، ونحن اليوم في وعي ونعمل على تنفيذ الكثير من المشاريع للوصول إلى القبول والتحكم المطلوب. إن كل تغيير يحتاج إلى تكثيف للجهود وهذا يكون بالتعاضد والتآزر، فأنا كأم لدي مسؤولية مشتركة في بناء الأسرة التي تصب اثرها على المجتمع، مثلي مثل بقية الآباء والأمهات وأولياء الأمور، وأدرك ذلك وأتحمل مسؤوليتي. وعلى الأبوين أن يزرعا المفاهيم والقيم الصحيحة في نفوس أبنائهم، مثلا: لا أقبل بمفهوم الأنا بين الأطفال، وسؤالي أثناء تربية أطفالي وتفاعلي من الأطفال الآخرين لم يكن "ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟" بل "كيف ستنفع الناس ونفسك في المستقبل؟ وماذا ستُعطي الوطن؟" أما الشباب فسؤالي "ما هي البصمة التي ستتركها؟"
وأحث الجميع على أن يطرحوا الأسئلة الصحيحة والملهمة، فالسؤال سلاح ذو حدين وموجه فعال وعميق؛ ورحلة البحث في الأجوبة تخلق أسئلة أخرى ولا بأس في مشاركتها وطرحها، وعلى الأطفال والشباب أن يؤمنوا أن ليس ثمة عيب في طرح السؤال وليس ثمة قصور ولا يُعيب السائل في شيء، وأيضا المشاركة في كل ما يثير قلقهم أو حيرتهم والمقارنة بين الأجوبة المختلفة التي يحصلون عليها؛ فمع هذا الانفتاح أصبحت منظومة الصواب والخطأ في بؤرة التشكيك، مثلها مثل مفاهيم الخير والشر لدى النشأة.
وإن طال...
إننا نُدرك الجهد المبذول من الهيئات الحكومية المختلفة وخاصة التربية والتعليم، للنهوض بأبنائنا وبناتنا وشبابنا ومجتمعنا لنيل العُلا، ولهم منِّا جزيل التقدير، وتذكروا أن الجهد بالتكامل يأتي بالثمار المطلوبة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
"قضاء أبوظبي" تنهي 61% من النزاعات الأسرية ودياً في 2024
تمكنت دائرة القضاء في أبوظبي، من التسوية الودية لنحو 61% من النزاعات الأسرية المعروضة على لجان التوجيه الأسري خلال 2024، والتي بلغ عددها 15 ألفاً و891 نزاعاً أسرياً، بينما أحالت 36% من النزاعات إلى المحاكم المختصة، منها 17% تعذر الصلح فيها.
جاء ذلك خلال الملتقى الإعلامي لدائرة القضاء، الذي عقد اليوم الأربعاء، عن بعد عبر تقنيات الاتصال المرئي، تحت عنوان "التسويات الودية للنزاعات.. حلول فعالة لترسيخ التسامح وتعزيز العدالة"، لتسليط الضوء على الجهود المبذولة لترسيخ ثقافة التسامح وتشجيع التسوية الودية للخلافات، لضمان الحفاظ على تماسك الأسرة واستقرارها.
التلاحم المجتمعيوقالت فتحية العبيدلي، رئيس قسم التوجيه الأسري: "يكتسب هذا الملتقى أهمية خاصة في "عام المجتمع 2025"، الذي يرسخ قيم التلاحم المجتمعي، ويؤكد على أهمية تعزيز دور الأفراد والمؤسسات في بناء مجتمع مستدام ومتماسك"، موضحة أن تحقيق العدالة وتعزيز التسامح هما ركيزتان أساسيتان في بناء مجتمع قوي ومتماسك، إذ يؤدي كل فرد ومؤسسة دوراً محورياً في ترسيخ هذه القيم.
وأشارت العبيدلي، خلال الملتقى، إلى الجهود المبذولة والتي أثمرت عن المحافظة على نسب طلاق منخفضة بلغت نحو 3% للعام الثاني على التوالي، حيث سجلت حالات النزاعات الأسرية التي انتهت بالطلاق في التوجيه الأسري دون الإحالة للمحكمة 494 حالة فقط من إجمالي النزاعات، وهو ما يعد إنجازاً نوعياً مقارنة بـ2021 والذي وصلت نسبة الطلاق خلاله إلى 9%.
ولفتت العبيدلي، إلى نجاح التسوية الودية في إنهاء 61% من النزاعات الأسرية يرجع إلى البرامج والمبادرات التوعوية المختلفة التي تنفذها الدائرة، لاسيما برنامج "الصلح خير"، والذي نفذ خلال العام الماضي 2024 نحو 40 ورشة توعوية أسرية، استفاد منها نحو 3908 أشخاص، وذلك بهدف رفع مستوى الوعي لدى الأسرة في ظل المتغيرات المتسارعة، مع توصيل الرسائل التوعوية باستخدام أساليب متطورة وتنفيذ ورش تدريبية غنية بالوسائط المتعددة والتمارين التفاعلية لإكساب مهارات تحد من الشقاق بين الزوجين وتساعدهم على تجاوز الصعوبات التي قد تفضي إلى التفكك الأسري.
وأشار أحمد الأحبابي، موفق في قسم الوساطة والتوفيق، إلى أن "عدد النزاعات المعروضة على مراكز الوساطة والتوفيق خلال 2024، بلغ 11 ألفاً و129 نزاعاً تجارياً وعقارياً ومدنياً ومنازعات متعلقة بشكاوى المستهلكين، فيما تمكنت المراكز من إنهاء ألفين و324 نزاعاً بالصلح، وأحالت 7 آلاف و502 نزاع إلى المحكمة المختصة".