غزّة مِنّا .. ونحن مِنها
تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT
د. سلطان بن خميس الخروصي **
sultankamis@gmail.com
لا تزال المواقف العُمانية النبيلة تُترجم ما يتحلى به شعبنا من ثوابت عربية خالدة، فمنابرها تصدح بالنصر والتمكين والدعاء لغزة أرضًا وإنسانًا، ولا تزال مواقفها السياسية سامية عالية تدافع بكل شجاعة وبأعلى صوت عن المظلومين والمقهورين، ولا يزال شعبها مُعلنًا جهارًا نهارًا- بأغلب أطيافه ومكوناته الفكرية والمذهبية والعرقية والاجتماعية- المُقاطعة لكل ما يدعم الصهاينة؛ بما استطاع إليه سبيلًا، ولا تزال الكلمة الحُرَّة الأبيِّة لحق الإنسان بالحياة تُسمع في مساجدنا ومدارسنا ومجالسنا ومؤسساتنا الرسمية والأهلية وفي المحافل الدولية، وتُقرأ في صُحفنا: الرؤية وعُمان والوطن والشبيبة وغيرها، في وقت لا تجرؤ غالبية دول المنطقة على قول الحق أو الدفاع عنه.
هذا شرف لعُمان الطَّاهرة النقية أرضاً وشعباً وسلطاناً، وهنا تبرز خبرات التاريخ وشعور الأمم المكافحة لأجل الحرية والكرامة فمن يده في الماء ليس كمن يده في الرمضاء، ومن يتتبع المواقف السياسية والاجتماعية العُمانية يجدها تنطلق من خبرات آلاف السنين حينما ناضل العُمانيون في ملحمة الكفاح وسطَّروا بالحكمة والشكيمة مسيرة التحرُّر من براثن الاحتلال الغاشم وتحقيق أمن واستقرار المنطقة بدمائهم الزكية، وما أشبه اليوم بالبارحة؛ فإسراف حصاد الأرواح في غزة استحضر لدى العُمانيين البربرية التي طحنت رحاها كل حياة هانئة وسعيدة بتكالب أشباه الدول وبراثن الشعوب ليُهلَكوا الحرث والنَّسل في سبيل اغتيال الحياة الكريمة، وإن ما يحدث في غزة من إبادة دولية فاضحة ما هو إلا تعرٍّ لهُلامية حقوق الإنسان، وذرِّ الرَّماد في العيون لتحقيق أهداف استراتيجية سمجة تُغذِّيها دول عربية وإسلامية ستدفع ثمن ذلك يوما ما، وسيذكرها التاريخ بما أجرمت به تجاه الإبادة الإنسانية الفاضحة.
لقد علمتنا غزة معنى الكفاح والنضال والتضحية أمام كل التحالفات الدولية وأشرس وأقذر أدوات القتل والتدمير والموت، لقد أخجلتنا بعقول مهندسيها في بناء امبراطورية التحرر تحت الرماد وعلى أنقاض ركام الموت والحصار والمخابرات البلهاء لتتجاوز ما قام به الفيتناميون في مرحلة التحرر من الاحتلال الأمريكي والذين كانوا يملكون بلدا كاملا طولا وعرضا يمكنهم فيه بناء الأنفاق على اختلاف تضاريسها وكثافة غاباتها، بينما لا تملك غزة سوى بضعة كيلومترات وهي محاصرة بأقوى الجيوش العالمية برًا وجوًا وبحرًا بأعداد كبيرة من المنافقين والخونة والمتآمرين لكنها مرَّغت أنوفهم في ترابها الطاهرة.
علمتنا غزة أن ما أُخذ بالقوَّة لا يُسترد إلا بالقوة، مع فارق الإمكانات والتحالفات، علمتنا معنى فلترة أشباه الرجال وأصحاب الترندات الهزيلة من المثقفين والسياسيين والعلماء والمفتين والكتاب والمستقلين الذين أزعجونا لسنوات طويلة عن الكفاح والعروبة والجهاد والتحرر، وحينما جاءت إبادة الإنسان في غزة أخفوا رؤوسهم في الرمال وأصبحوا مهرِّجين.
رسالة أخيرة نوجهها لمن يتاجر بدماء الأبرياء الطاهرة ونحن في هذا الشهر الحرام بأن يتقوا الله في أنفسهم فإنَّ غدًا لناظره قريب، لا تأخذكم العزة بالإثم لمن يدعم قضية المظلومين المقهورين في جهادهم بما استطاعوا بالتشكيك في اليمن ولبنان وإيران والعراق وغيرهم، ولا تغالوا في حقدكم على قرار عُمان الحكيم الشكيم بأن تقف في الزاوية المُشرقة من التاريخ في نضال الشعب الفلسطيني نحو الحُرية والحياة، فقد سبقتكم بآلاف السنين وعانت من قبل، لتقف بعد حين شامخة ترتكز على إرث نضالي وملحمي بطولي. لذا فإنَّ حناجر عُمان كلها تعلنها جهارًا نهارًا أن غزَّة مِنَّا ونحنُ مِنْهَا.
كاتب وباحث في شؤون المجتمع والتربية رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
علاقة حوادث الكون بحقائق التاريخ!
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أربعة من أبرز المفكرين الكُتَّاب فى العصر الحديث كتبوا عن سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومازالت كتبهم حتى الآن تعتبر بحق إضافة هامة للفكر الإنسانى.
أولهم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين حيث ألف فى عام ١٩٣٣ كتاب "على هامش السيرة" وهو عبارة عن سرد مبسط للسيرة النبوية، مكتوب بأسلوب قصصى رائع
والكتاب الثانى هو "حياة محمد" للدكتور محمد حسين هيكل وقد صدر عام ١٩٣٥ وكتب تعريفًا فى مقدمته فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر آنذاك وقد أثنى فيه علي الكتاب وعلى مُؤلِّفه الذى تناول سيرة حياة النبي الكريم من مولده حتى وفاته وما رافق من ذلك من مراحل البعثة والهجرة وكافة التفصيلات الأخرى المتعلقة بحياته صلى الله عليه وسلم.
والكتاب الثالث صدر فى العام التالى ١٩٣٦ لأحد أهمِّ الأسماء اللامعة في جيل روَّاد الأدب العربي الحديث وهو الكاتب الكبير توفيق الحكيم وقد صدر الكتاب بعنوان " محمد صلى الله عليه وسلم: سيرة حوارية".
أما الذى يهمنا هنا فهو الكتاب الرابع لعملاق الفكر عباس محمود العقاد "عبقرية محمد" وقد صدر هذا الكتاب عام ١٩٤٢ وفيه رسم المفكر صورة شخصية للنبي الكريم بكل جوانبها موضحا تفرد عظمته صلى الله عليه وسلم الخلفية والعقلية والنفسية دون أن يلتزم بأى تواريخ لأنه لم يكتب سيرة عنه وإنما توقف عند جوانب العظمة فيه صلى الله عليه وسلم واليك سطورا مما كتبه:
"عريق النسب.. ليس بالوضيع الخامل، فيصغر قدره في أمة الأنساب والأحساب.. فقير وليس بالغني المترف فيطغيه بأس النبلاء والأغنياء، ويغلق قلبه ما يغلق القلوب من جشع القوة واليسار.. يتيم بين رحماء.. فليس هو بالمدلل الذي يقتل فيه التدليل ملكة الجد والارادة والاستقلال، وليس هو بالمهجور المنبوذ الذي تقتل فيه القسوة روح الامل وعزة النفس وسليقة الطموح، وفضيلة العطف على الآخرين.. خبير بكل ما يختبره العرب من ضروب العيش في البادية والحاضرة.. تربي في الصحراء وألف المدينة، ورعي القطعان واشتغل بالتجارة وشهد الحروب والاحلاف، واقترب من علية القوم وسادتهم ولم يبتعد من الفقراء..
فهو خلاصة الكفاية العربية في خير ما تكون عليه الكفاية العربية.. وهو على صلة بالدنيا التي أحاطت بقومه...فلا هو يجهلها فيغفل عنها، ولا هو يغامسها كل المغامسة فيفرق في لجتها.. أصلح رجل من أصلح بيت في أصلح زمان لرسالة النجاةالمرقوبة، على غير علم من الدنيا التي ترقبها.. ذلك محمد بن عبد الله عليه السلام..
قد ظهر والمدينة مهيأة لظهوره لأنها محتاجة اليه، والجزيرة مهيأة لظهوره لأنها محتاجة اليه، والدنيا مهيأة لظهوره لأنها محتاجة اليه، وماذا من علامات الرسالة أصدق من هذه العلامة؟ وماذا من تدبير المقادير أصدق من هذا التدبير؟ وماذا من أساطير المخترعين للأساطير أعجب من هذا الواقع ومن هذا التوفيق؟. علامات الرسالة الصادقة هي عقيدة تحتاج اليها الأمة، وهي أسباب تتمهد لظهورها، وهي رجل يضطلع بأمانتها في أوانها.. فإذا تجمعت هذه العلامات فماذا يلجئنا إلى علامة غيرها؟.. وإذا تعذر عليها أن تجتمع فأي علامة غيرها تنوب عنها أو تعوض ما نقص منها؟
خلق محمد بن عبد الله ليكون رسولا مبشرا بدين، وإلا فلأي شيء خلق؟ ولأي عمل من أعمال هذه الحياة ترشحه كل ها تيك المقدمات والتوفيقات، وكل ها تيك المناقب والصفات؟
وقبل أن ينتقل إلى الحديث عن عبقرية الداعي عنده صلى الله عليه وسلم أختتم ما بدأه بقوله: "يوم تأتي الدعوة بالآيات والبراهين غنية عن شهادة الشاهدين وانكار المنكرين.. أما العلاقة التي لا التباس فيها ولا سبيل إلى انكارها، فهي علامة الكون وعلامة التاريخ.. قالت حوادث الكون: لقد كانت الدنيا في حاجة إلى رسالة.. وقالت حقائق التاريخ: لقد كان محمد هو صاحب تلك الرسالة.. ولا كلمة لقائل بعد علامة الكون وعلامة التاريخ.
الأسبوع القادم بإذن الله أكمل القراءة فى كتاب "عبقرية محمد" للمفكر الكبير عباس محمود العقاد