تغيرات وتحركات في المعترك السياسي التركي
تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT
قام رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، أمس الثلاثاء، بزيارة للمقر الرئيسي لحزب الشعب الجمهوري المعارض في العاصمة التركية أنقرة. وجاءت هذه الزيارة ضمن محاولات تخفيف التوتر في المعترك السياسي التركي، وتطبيع العلاقات بين الأحزاب المؤيدة للحكومة والمعارضة لها، وردا على الزيارة التي قام بها رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزل، لحزب العدالة والتنمية في ذات الإطار.
وذكر المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر تشليك، أن الزعيمين تحدثا خلال الزيارة التي استمرت حوالي ساعة ونصف الساعة، حول الحاجة إلى صياغة دستور جديد، والوضع الاقتصادي في البلاد، بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب، وتبني موقف مشترك في البرلمان من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أجريت العام الماضي، هزت أحزاب المعارضة، وبدأت رياح التغيير تهب في صفوفها. وكان مرشح تحالف "الطاولة السداسية" للانتخابات الرئاسية، كمال كليتشدار أوغلو، هو أول ضحية للهزيمة الانتخابية. وبعد إسقاطه من رئاسة حزب الشعب الجمهوري لم يفقد كليتشدار أوغلو آماله في العودة إلى منصبه، إلا أن نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة التي حل فيها الحزب بقيادته الجديدة في المرتبة الأولى، وجّهت لتلك الآمال ضربة قوية، ليصبح احتمال عودة كليتشدار أوغلو إلى رئاسة حزب الشعب الجمهوري ضئيلا للغاية.
نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أجريت العام الماضي، هزت أحزاب المعارضة، وبدأت رياح التغيير تهب في صفوفها. وكان مرشح تحالف "الطاولة السداسية" للانتخابات الرئاسية، كمال كليتشدار أوغلو، هو أول ضحية للهزيمة الانتخابية
أوزغور أوزل يتبنى سياسة خفض التوتر في العلاقات بين الحكومة والمعارضة، بخلاف سلفه كمال كليتشدار أوغلو الذي كان يفضل التصعيد. وبفضل هذه السياسة، قد يترك أوزل بصماته في الساحة السياسية التركية، وتكون مدة رئاسته لحزب الشعب الجمهوري أطول مما يتوقع، إن نجح في إدارة ملف علاقاته مع رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو.
الحزب الجيد برئاسة ميرال أكشينار هو الآخر اهتزّ في الانتخابات البرلمانية والرئاسية. بالإضافة إلى ذلك، لم يستطع أن يستعيد ثقة الناخبين في الانتخابات المحلية التي خاضها دون التحالف مع أي حزب آخر، بل تلقى ضربة قاسية وتراجعت شعبيته إلى 3,7 في المائة بعد أن كانت 9,96 في المائة في أول انتخابات برلمانية خاضها عام 2018، الأمر الذي دفع أكشينار إلى ترك رئاسة الحزب.
أردوغان استقبل أكشينار قبل أيام في المجمع الرئاسي، بناء على طلب الأخيرة. وفاجأت الزيارة الرأي العام والحزب الجيد الذي أكد أنه لم يكن على علم بها، كما انزعج المدافعون عن سياسة التصعيد ضد رئيس الجمهورية، من اللقاء الذي جمع رئيسة الحزب الجيد السابقة مع أردوغان، في ظل أنباء تشير إلى استعداد أكشينار لفتح مكتب في أنقرة لمواصلة جهودها السياسية.
المقربون من أكشينار يؤكدون أنها تركت رئاسة الحزب الجيد، ولكنها لم تترك ممارسة السياسة، ومن المتوقع أن تلعب أكشينار دورا في صياغة دستور جديد، وإجراء حوار بين الحكومة والمعارضة، نظرا لخبراتها في السياسة، كما أن كلمتها ما زالت مسموعة في الحزب الجيد الذي أسسته، وتولت رئاسته حتى أواخر نيسان/ أبريل الماضي.
حزب السعادة، برئاسة تمل كارا موللا أوغلو، سيختار رئيسه الجديد في مؤتمره العام في 30 حزيران/ يونيو. وحصل الحزب على 10 مقاعد في البرلمان التركي بفضل تحالفه مع حزب الشعب الجمهوري، إلا أن شعبيته تراجعت في الانتخابات المحلية إلى 1,09 في المائة. وأعلن كارا موللا أوغلو البالغ من العمر 84 عاما، أنه لن يترشح لرئاسة الحزب مرة أخرى. وهناك مرشحون محتملون، إلا أن المتوقع أن يفوز المرشح الذي سيشير إليه رئيس الحزب بعد العيد.
الأحزاب الثلاثة الأخرى في تحالف الطاولة السداسية، وهي حزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو، وحزب الديمقراطية والتقدم برئاسة علي باباجان، والحزب الديمقراطي برئاسة غولتكين أويصال، لا يتوقع فيها أي تغيير يذكر، لأنها أحزاب مبنية بالدرجة الأولى على شخصية رؤسائها.
وحصل حزب المستقبل على 0,07 في المائة من أصوات الناخبين في الانتخابات المحلية، إلا أن داود أوغلو يرى أن الحزب هو المسؤول عن نتائج الانتخابات، وأن شعبيته هو أكبر من تلك النسبة المتدنية التي حصل عليها الحزب في 31 آذار/ مارس، وأنه سيترشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة.
الزيارات واللقاءات الأخيرة التي تشهدها الساحة السياسية التركية، تشير إلى أن أردوغان يفضل الحوار والتفاوض مع الأحزاب الكبيرة، بدلا من تقديم الأحزاب الصغيرة تنازلات لا تستحقها
الأحزاب الصغيرة في السياسة التركية بحاجة إلى تحالف مع الأحزاب الكبيرة لتحقيق مكاسب في الانتخابات. وبهدف تعزيز علاقات حزب المستقبل مع الأحزاب الأخرى، قام داود أوغلو بزيارة إمام أوغلو في بلدية إسطنبول، وفاتح أربكان، في المقر الرئيسي لحزب الرفاه الجديد. ويسعى داود أوغلو إلى ضمان استمرار تحالفه مع حزب الشعب الجمهوري من جهة، ويبحث عن تحالفات بديلة من جهة أخرى.
الزيارات واللقاءات الأخيرة التي تشهدها الساحة السياسية التركية، تشير إلى أن أردوغان يفضل الحوار والتفاوض مع الأحزاب الكبيرة، بدلا من تقديم الأحزاب الصغيرة تنازلات لا تستحقها. ويقول رئيس حزب الرفاه الجديد فاتح أربكان، إنه مستعد للقاء مع الأحزاب الأخرى، سواء كانت مؤيدة للحكومة أو معارضة لها، لإبداء آرائه، إلا أنه يُستبعد أن يلتفت إليه أردوغان بعد انشقاق حزب الرفاه الجديد عن تحالف الجمهور وضمه كل منشق عن حزب العدالة والتنمية إلى صفوفه.
هناك محاولات لتشكيل تحالف يضم حزب السعادة وحزب المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم، بالإضافة إلى حزب الرفاه الجديد، إلا أن هذا النوع من التحالف شبه مستحيل في الظروف الراهنة، نظرا لتضارب طموحات قادة تلك الأحزاب. كما أن حزب الرفاه الجديد الذي حصل في الانتخابات المحلية على 6,19في المائة، يرى أن شعبيته اقتربت الآن من الحاجز الانتخابي (7 في المائة)، وبالتالي، ليس بحاجة إلى التحالف مع أي حزب آخر، وأن فاتح أربكان هو مرشحه لرئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة.
x.com/ismail_yasa
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه أردوغان الشعب الجمهوري الأحزاب العدالة والتنمية تركيا أردوغان العدالة والتنمية أحزاب الشعب الجمهوري مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الانتخابات المحلیة حزب الشعب الجمهوری حزب الرفاه الجدید نتائج الانتخابات کلیتشدار أوغلو حزب المستقبل الحزب الجید داود أوغلو مع الأحزاب فی المائة إلا أن
إقرأ أيضاً:
ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
ما دمنا لم نفارق بعد نظام القطب الواحد المهيمن على العالم تظل النظرية القديمة التي نقول إن الشعب الأمريكي عندما يختار رئيسه فهو يختار أيضا رئيسا للعالم نظرية صحيحة. ويصبح لتوجه هذا الرئيس في فترة حكمه تأثير حاسم على نظام العلاقات الدولية وحالة الحرب والسلم في العالم كله.
ولهذا فإن فوز دونالد ترامب اليميني الإنجيلي القومي المتشدد يتجاوز مغزاه الساحة الداخلية الأمريكي وحصره في أنه يمثل هزيمة تاريخية للحزب الديمقراطي أمام الحزب الجمهوري تجعله عاجزا تقريبا لمدة ٤ أعوام قادمة عن منع ترامب من تمرير أي سياسة في كونجرس يسيطر تماما على مجلسيه.
هذا المقال يتفق بالتالي مع وجهة النظر التي تقول إن اختيار الشعب الأمريكي لدونالد ترامب رئيسا للمرة الثانية ـ رغم خطابه السياسي المتطرف ـ هو دليل على أن التيار الذي يعبر عنه هو تيار رئيسي متجذر متنامٍ في المجتمع الأمريكي وليس تيارا هامشيا.
فكرة الصدفة أو الخروج عن المألوف التي روج لها الديمقراطيون عن فوز ترامب في المرة الأولى ٢٠١٦ ثبت خطأها الفادح بعد أن حصل في ٢٠٢٤ على تفويض سلطة شبه مطلق واستثنائي في الانتخابات الأخيرة بعد فوزه بالتصويت الشعبي وتصويت المجمع الانتخابي وبفارق مخيف.
لكن الذي يطرح الأسئلة الكبرى عن أمريكا والعالم هو ليس بأي فارق من الأصوات فاز ترامب ولكن كيف فاز ترامب؟ بعبارة أوضح أن الأهم من الـ٧٥ مليون صوت الشعبية والـ٣١٢ التي حصل عليها في المجمع الانتخابي هو السياق الاجتماعي الثقافي الذي أعاد ترامب إلى البيت الأبيض في واقعة لم تتكرر كثيرا في التاريخ الأمريكي.
أهم شيء في هذا السياق هو أن ترامب لم يخض الانتخابات ضد هاريس والحزب الديمقراطي فقط بل خاضه ضد قوة أمريكا الناعمة بأكملها.. فلقد وقفت ضد ترامب أهم مؤسستين للقوة الناعمة في أمريكا بل وفي العالم كله وهما مؤسستا الإعلام ومؤسسة هوليوود لصناعة السينما. كل نجوم هوليوود الكبار، تقريبا، من الممثلين الحائزين على الأوسكار وكبار مخرجيها ومنتجيها العظام، وأساطير الغناء والحاصلين على جوائز جرامي وبروداوي وأغلبية الفائزين ببوليتزر ومعظم الأمريكيين الحائزين على نوبل كل هؤلاء كانوا ضده ومع منافسته هاريس... يمكن القول باختصار إن نحو ٩٠٪ من النخبة الأمريكية وقفت ضد ترامب واعتبرته خطرا على الديمقراطية وعنصريا وفاشيا ومستبدا سيعصف بمنجز النظام السياسي الأمريكي منذ جورج واشنطن. الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام الرئيسية التي شكلت عقل الأمريكيين من محطات التلفزة الكبرى إلي الصحف والمجلات والدوريات الرصينة كلها وقفت ضد ترامب وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم ينحز منها صراحة لترامب غير موقع إكس «تويتر سابقا». هذه القوة الناعمة ذات السحر الأسطوري عجزت عن أن تقنع الشعب الأمريكي بإسقاط ترامب. صحيح أن ترامب فاز ولكن من انهزم ليس هاريس. أتذكر إن أول تعبير قفز إلى ذهني بعد إعلان نتائج الانتخابات هو أن ترامب انتصر على هوليوود. من انهزم هم هوليوود والثقافة وصناعة الإعلام في الولايات المتحدة. لم يكن البروفيسور جوزيف ناي أحد أهم منظري القوة الناعمة في العلوم السياسية مخطئا منذ أن دق أجراس الخطر منذ ٢٠١٦ بأن نجاح ترامب في الولاية الأولى هو مؤشر خطير على تآكل حاد في القوة الناعمة الأمريكية. وعاد بعد فوزه هذا الشهر ليؤكد أنه تآكل مرشح للاستمرار بسرعة في ولايته الثانية التي تبدأ بعد سبعة أسابيع تقريبا وتستمر تقريبا حتى نهاية العقد الحالي.
وهذا هو مربط الفرس في السؤال الكبير الأول هل يدعم هذا المؤشر الخطير التيار المتزايد حتى داخل بعض دوائر الفكر والأكاديميا الأمريكية نفسها الذي يرى أن الإمبراطورية ومعها الغرب كله هو في حالة أفول تدريجي؟
في أي تقدير منصف فإن هذا التآكل في قوة أمريكا الناعمة يدعم التيار الذي يؤكد أن الامبراطورية الأمريكية وربما معها الحضارة الغربية المهيمنة منذ نحو٤ قرون على البشرية هي في حالة انحدار نحو الأفول. الإمبراطورية الأمريكية تختلف عن إمبراطوريات الاستعمار القديم الأوروبية فبينما كان نفوذ الأولى (خاصة الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية) على العالم يبدأ بالقوة الخشنة وبالتحديد الغزو والاحتلال العسكري وبعدها يأتي وعلى المدى الطويل تأثير قوتها الناعمة ولغتها وثقافتها ونظمها الإدارية والتعليمية على شعوب المستعمرات فإن أمريكا كاستعمار إمبريالي جديد بدأ وتسلل أولا بالقوة الناعمة عبر تقدم علمي وتكنولوجي انتزع من أوروبا سبق الاختراعات الكبرى التي أفادت البشرية ومن أفلام هوليوود عرف العالم أمريكا في البداية بحريات ويلسون الأربع الديمقراطية وأفلام هوليوود وجامعات هارفارد و برينستون ومؤسسات فولبرايت وفورد التي تطبع الكتب الرخيصة وتقدم المنح وعلى عكس صورة المستعمر القبيح الأوروبي في أفريقيا وآسيا ظلت نخب وشعوب العالم الثالث حتى أوائل الخمسينات تعتقد أن أمريكا بلد تقدمي يدعم التحرر والاستقلال وتبارى بعض نخبها في تسويق الحلم الأمريكي منذ الأربعينيات مثل كتاب مصطفى أمين الشهير «أمريكا الضاحكة». وهناك اتفاق شبه عام على أن نمط الحياة الأمريكي والصورة الذهنية عن أمريكا أرض الأحلام وما تقدمه من فنون في هوليوود وبروداوي وغيرها هي شاركت في سقوط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشيوعي بنفس القدر الذي ساهمت به القوة العسكرية الأمريكية. إذا وضعنا الانهيار الأخلاقي والمستوى المخجل من المعايير المزدوجة في دعم حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية للفلسطينيين واللبنانيين والاستخدام المفرط للقوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية كأدوات قوة خشنة للإمبراطورية الأمريكية فإن واشنطن تدمر القوة الناعمة وجاذبية الحياة والنظام الأمريكيين للشعوب الأخرى وهي واحدة من أهم القواعد الأساسية التي قامت عليها إمبراطورتيها.
إضافة إلى دعم مسار الأفول للإمبراطورية وبالتالي تأكيد أن العالم آجلا أو عاجلا متجه نحو نظام متعدد الأقطاب مهما بلغت وحشية القوة العسكرية الأمريكية الساعية لمنع حدوثه.. فإن تطورا دوليا خطيرا يحمله في ثناياه فوز ترامب وتياره. خاصة عندما تلقفه الغرب ودول غنية في المنطقة. يمكن معرفة حجم خطر انتشار اليمين المتطرف ذي الجذر الديني إذا كان المجتمع الذي يصدره هو المجتمع الذي تقود دولته العالم. المسألة ليست تقديرات وتخمينات يري الجميع بأم أعينهم كيف أدي وصول ترامب في ولايته الأولى إلى صعود اليمين المتطرف في أوروبا وتمكنه في الوقت الراهن من السيطرة على حكومات العديد من الدول الأوروبية بعضها دول كبيرة مثل إيطاليا.
لهذا الصعود المحتمل لتيارات اليمين المسيحي المرتبط بالصهيونية العالمية مخاطر على السلم الدولي منها عودة سيناريوهات صراع الحضارات وتذكية نيران الحروب والصراعات الثقافية وربما العسكرية بين الحضارة الغربية وحضارات أخرى مثل الحضارة الإسلامية والصينية والروسية.. إلخ كل أطرافها تقريبا يمتلكون الأسلحة النووية!!
حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري