طاهر النور صحفي وروائي من تشاد، نال جائزة توفيق بكار للرواية العربية في تونس في نسختها الرابعة 2022 عن مخطوط روايته "قودالا"، تتناول رواياته "رماد الجذور" و"مزرعة الأسلاك الشائكة" و"سيمفونية الجنوب" التاريخ الاجتماعي والسياسي لدولة تشاد.

رواياته لا تقدم أجوبة ولا تفسيرات لكل ما مر به الإنسان في بلده من مجاعات وتهجير وفترات عصيبة، وإنما تحاول أن تلقي الضوء على حياة المهمشين الذين لن تذكرهم كتب التاريخ، وتدور أحداثها في بلد يعتز بعروبته ولهجاته وعاداته، لكنه ليس عضوا في جامعة الدول العربية.

في هذا الحوار يتحدث الروائي طاهر النور عن صعوبة النشر لمن يكتبون باللغة العربية في بلده، وهذا ما دفعه لنشر روايته "مزرعة الأسلاك الشائكة" في الجزائر، مشيرا إلى أن "دور النشر الموجودة حاليا لا تمتلك مشروعا معرفيا وفكريا جادا"، إضافة إلى عدم الاهتمام بمسألة الترجمة بالنسبة لأدباء تشاد الذين يكتبون باللغة الفرنسية.

اللغة العربية دستوريا مثل الفرنسية، ووجودها في تشاد يعود إلى حوالي القرن الثاني الهجري، وهي علاوة على ذلك لغة الشارع بدون منازع، هذه كلها بديهيات، غير أن ما يغلب على المبدع التشادي هو الشعر وليس النثر.

لماذا تضاءل عدد كتّاب الرواية باللغة العربية في تشاد؟

اللغة العربية دستوريا مثل الفرنسية، ووجودها في تشاد يعود إلى حوالي القرن الثاني الهجري، وهي علاوة على ذلك لغة الشارع بدون منازع، هذه كلها بديهيات، غير أن ما يغلب على المبدع التشادي هو الشعر وليس النثر.

حقب طويلة ظل الشعر خلالها متربعا على عرش الإبداع، لذلك حين شاع السرد الروائي بقيت الساحة الأدبية وفية لشعرها ولأسلوبها القديم في قرض الشعر نفسه.

ولم ينشر أول نص سردي بالعربية إلا قبل عقدين فقط، فيما سبقه النص الفرنسي بـ3 أو 4 عقود، وترجع الأسباب إلى مسألة شعرية المنطقة الصحراوية وندرة الوعي السردي خلال تلك الفترة، كما أن هناك أسبابا أخرى سياسية وأخلاقية وتعليمية حالت دون ظهور هذا الوعي بشكل مبكر.

ما أبرز التحديات التي تواجه الكاتب التشادي؟

أي كاتب ينتمي إلى منطقة الهامش يجد معاناة كبيرة في إيصال صوته، إنه يعوي ويجهد نفسه كي يخرج صوته من أضابير أعماقه حتى يسمعه المركز ويلتفت إليه.

ولكنه يستشعر إهمالا ولا مبالاة وتقزيما، ورغم كل هذا الصراخ وذلك العواء يعاني هذا الكاتب أكثر حين يحمل هوية مزدوجة، فهو شرقي الهوى باعتباره ناطقا بالعربية ودرس وكتب بها، وغربي الهوية بسبب التوجه السياسي والإقليمي لبلاده.

إذن، كيف ينجح في اختراق هذين المعسكرين القويين؟ وإذا ما نجح في هذا المسعى كيف يُسكت الأصوات الحادة التي تشير إلى كونه قادما من الهامش، من العدم.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يحصل على المرجع الذي يستعين به في الكتابة وعلى المكتبة التي يمكن أن يستند عليها في تكوين مساره، ولا على دار النشر التي يمكن أن تتبنى عمله وتخرجه إلى القراء.

هل هناك دور نشر في تشاد مهتمة بنشر الآداب والفنون المكتوبة باللغة العربية؟

أنشأت مؤخرا بعض المؤسسات ما يمكن أن نطلق عليه دور نشر، ولكنها في حقيقة الأمر تبدو وكأنها مكاتب تابعة لدور نشر في العالم العربي أو الشرقي، ولا تملك القدرة على تسيير شؤونها بنفسها، وهي حتى الآن نشرت إصدارات تعد على الأصابع، ولا أعتقد أنها تمتلك مشروعا جادا ولا ميزانيات كبيرة، اللهم إلا محاولة مستميتة للخروج من نفق أزمة النشر.

خلال العقدين الأخيرين كانت هناك صحافة عربية جيدة، جرائد أنجمينا الجديدة، والأيام، والأضواء، على سبيل المثال، ولكن مع انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي انسحبت الجرائد الورقية عن الساحة الثقافية

 ما أوضاع الصحافة المكتوبة بالعربية هناك؟

خلال العقدين الأخيرين كانت هناك صحافة عربية جيدة، جرائد أنجمينا الجديدة، والأيام، والأضواء، على سبيل المثال، ولكن مع انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي انسحبت الجرائد الورقية عن الساحة الثقافية، وتوارت خلف المواقع الإلكترونية، ولم تعد تستطيع المقاومة ومواجهة المد الكاسح للإنترنت.

 هناك جيل جديد من الكتّاب بدأ الكتابة باللغة العربية، هل هناك مؤسسات ومبادرات لدعم الكتّاب الجدد؟

لا يوجد أي نوع من الدعم لمن يكتب بالعربية، خصوصا في مجال السرد.

القارئ العربي لا يعرف الكثير عن كتّاب وسط غرب أفريقيا باستثناء بعض الأسماء المعروفة مثل أحمدو كوروما، ووول تشوينكا، برأيك، ما هي الأسباب وراء عدم ترجمة الأجيال الجديدة من كتّاب هذه المنطقة؟

أظن أن دور النشر العربية لا تملك مشروعا واضحا لترجمة الأدب العالمي، ناهيك عن الأفريقي الذي قرأنا له نماذج قليلة أمثال واثينغو نغوغي، وشينو اشيبي، وول سوينكا، وتشيماماندا، ونادين فلاديمير، وجي أم كوتزي.

وكما ذكرت، هو أدب ثري وخصب لو ترجمته المؤسسات العربية بشكل مكثف لأحدث ثورة ثقافية جديرة بالاهتمام، ولربما قل الاهتمام الذي يبديه الناشر العربي للسرد في الغرب.

هنا في تشاد مثلا، لا توجد ترجمة واحدة لكاتب فرانكفوني، لا في الشعر ولا في السرد، وهذا الكلام ينطبق على كتّاب العديد من الدول الواقعة في جنوب الصحراء الكبرى.

الرواية باعتقادي هي محاولة جيدة لصياغة الحياة من جديد، هي لا تقدم تفسيرات ولا شروحات معقدة ولا تقدم أجوبة، إنما تكرس نفسها لتطرح أسئلة، وتقوم بتطويع الفن من أجل إيجاد سبل أفضل للحياة

روايتك "قودالا" تتخذ من الصراعات السياسية والاجتماعية والتاريخية التي شهدتها تشاد وما تخلفه من فوضى وخراب منطلقا لأحداث الرواية، هل ترى أن الرواية قادرة على كتابة حياة المجتمعات وتحولاتها وتطلعاتها نحو المستقبل؟

الرواية باعتقادي هي محاولة جيدة لصياغة الحياة من جديد، هي لا تقدم تفسيرات ولا شروحات معقدة ولا تقدم أجوبة، إنما تكرس نفسها لتطرح أسئلة، وتقوم بتطويع الفن من أجل إيجاد سبل أفضل للحياة، وهي بهذا قادرة على كتابة حياة موازية لحياة المجتمعات البشرية الحديثة.

رواية "رماد الجزور" للروائي طاهر النور (الجزيرة)

وعلاوة على ذلك، تلفت الأنظار إلى الهامش وإلى المهمشين وإلى الذين لا شأن لهم ولا قيمة عند الناس أو كتب التاريخ، أي أنها تمجد حياة المهمشين وتعيد لهم حقهم المسلوب باعتبارهم عماد المجتمع وأوتاده التي لا ينخرها الإهمال ولا يضعضعها الزمن الكئيب، وطبعا هذه الحياة الموازية لا يمكن إيجادها إلا في الرواية.

رواية "أنجمينا مدينة لكل الناس" للروائي آدم يوسف أول رواية تشادية نشرت بالعربية عام 2004، مما يعني أن ظهورها جاء متأخرا مقارنة بالرواية المكتوبة باللغة الفرنسية، فوفق هذه المعطيات هل يمكننا القول إن هناك أدبا تشاديا عربيا؟

عندما نود طرح سؤال عن الأدب التشادي ينبغي أن نضع نصب أعيننا التقسيمات التقليدية المعروفة، لأن الأدب يشمل العديد من ضروب الفن، وحتى نتجنب الحديث عن الشعر باعتباره جزءا من هذا الأدب وباعتبار أقدميته وعدم جدوى الحديث عن وجود شيء قديم فإننا سنقوم بتنحيته على الفور ونذهب إلى القول بوجود أدب تشادي بشقيه الشعري والنثري، لكن الأخير حديث الظهور إلى حد ما كما سبق أن أسلفنا الكلام عنه.

الحقيقة تختبئ في القرية، ولا يمكن العثور عليها في أسوار المدينة وإن وجدت فإنها ستكون مشوهة أو شبه مشوهة

ما نوع الكتب التي تحب قراءتها؟ ومن هم قراء طاهر النور؟

منذ وقت مبكر من حياتي وأنا مولع بالشعر وبقراءة الروايات وأدب الرحلات، فضلا عن الفلسفة والتاريخ والتراث والفنون والآداب الأخرى، أما قرائي فهم ينتمون إلى فئات عمرية مختلفة لأني أستهدف القراء على عمومهم دون التركيز على فئة معينة.

ومع أني حين بدأت كتابة "سيمفونية الجنوب" وكذلك "قودالا" كنت أود سبر عالم الفتيان ولكني عرفت أن النصوص التي أعالجها لا تستهدفهم تماما، بل أكثر من ذلك تبدو نخبوبة، ولا سيما رواية "قودالا".

 كانت "تشاد" مسرحا لأعمالك الروائية، إلى أي مدى يشغلك سؤال المدينة؟

في الحقيقة لا يشغلني سؤال المدينة بقدر ما يشغلني سؤال القرية، ودائما كنت أرى أن الحقيقة تختبئ في القرية، ولا يمكن العثور عليها في أسوار المدينة وإن وجدت فإنها ستكون مشوهة أو شبه مشوهة.

بدأت "رماد الجذور" في القرية وانتهت في المدينة، فيما بدأت "سيمفونية الجنوب" في المدينة وانتهت في القرية، وعلى النقيض، بدأت "مزرعة الأسلاك الشائكة" في المدينة ثم حامت في القرى قبل أن تنتهي في المدينة.

رواية "مزرعة الأسلاك الشائكة" لطاهر النور (الجزيرة)

أما "قودالا" فبدأت في القرية وانتهت فيها، وحتى الشرور التي أدخلت القرية في دوامة الجوع والنزوح واللاطمأنينة كانت بسبب المدينة أو رجال السياسة الذين أرسلوا من المدينة.

فالشر في رواياتي مدني حداثوي، والخير ريفي بدائي، إذن -كما ترين- لا أنشغل كثيرا بسؤال المدينة، فحتى التاريخ كأحداث تقع في المدينة أجد له مساحة أفضل للنظر من بعيد، ومن وجهة نظر الهامش لا المركز.

الحياة لا تعيش بدون شعر، ولكن الآية انقلبت وأصبحت الحياة لا تعاش بدون رواية، ربما لقدرة السرد الروائي على نحت الروح البشرية

برأيك، هل الرواية اليوم الأكثر مقروئية بين كل الأجناس الأدبية وحظا في الجوائز؟

في الأصل، الحياة لا تعيش بدون شعر، ولكن الآية انقلبت وأصبحت الحياة لا تعاش بدون رواية، ربما لقدرة السرد الروائي على نحت الروح البشرية، وأكثرها اهتماما بأسئلته الوجودية، وقلقه وتفكيره وهواجسه.

وأنا أستبعد أن يكون الأمر بسبب الجوائز، فليس جميع الكتاب يحصلون على الجوائز أو تهتم بهم لجان التحكيم نظرا لبعض الاعتبارات، ولكن لأن الرواية تطرح الهم الإنساني بشكل أدق وأكثر وضوحا.

حين كتبت عن تجربة الحرب والمجاعة وأزمة الهوية وتفكك المجتمع وأثر كل ذلك على الإنسان، وهنا أشير إلى روايتك "سيمفونية الجنوب"، هل تريد للرواية أن تذهب إلى أصغر الأشياء من أجل إيصال صوت المعاناة إلى العالم؟

الهم الإنساني واحد في كل مكان، وكذلك المعاناة بدرجات متفاوتة، "سيمفونية الجنوب" أكثر نصوصي اهتماما بسؤال الهوية الذي يؤرقني أنا شخصيا، فهي تحاول تقريب المسافات بين الجنوبي المسيحي والشمالي المسلم، بين دارس العربية ودارس الفرنسية.

وقد حاولت التركيز على الهوية الدينية والعرقية بشكل أساسي، ولم أهتم كثيرا بالهوية اللغوية، وذلك عبر العيش المشترك والزيجات المختلطة، مثل زواج شمالي بجنوبية أو حتى شمالي بأخرى من اثنية مختلفة.

إنها أمور تحدث في الحياة الواقعية في بعض الأحيان، لكن الإشكال هو أن هذا التسامح لا يحدث دائما وعلى نطاق واسع، وبالتالي لا يُحدث فارقا ملموسا، ودائما ما نكتشف أننا نضع أقدامنا إلى الخلف بقدر ما نتقدم خطوة واحدة، وهذا واحد من الإشكالات التي حاولت معالجتها في السيمفونية.

تغلب على الأدب التشادي الحروب والنزاعات والهجرة والنزوح وقضايا العنصرية، ما السبب في رأيك؟

إذا حوّرنا المقولة الخالدة لابن خلدون "الإنسان ابن بيئته" يمكننا أن نزعم أيضا أن الكاتب ابن بيئته، ومن هذا المنطلق فهو يكتب عما يراه ويعيشه ويعاني منه هو شخصيا أو يعاني منه شعبه.

وميزة الأدب هو أنه يهتم بقضايا الإنسان الراهنة، ومهما غالى في تخيلاته وتهويماته يبقى الواقع صاحب اليد الطولى، ولن يكون بمستطاع الكاتب أن يمحو أثره في نفسه أو نصوصه.

 ما طموحاتك في الكتابة؟

لا أدري إن كانت طموحاتي في الكتابة لها حدود، فهي مشروع حياة بالنسبة لي أقدم فيه بإخلاص شديد بأفضل الأدوات والتقنيات التي لدي، والتي يمكن أن تؤهلني لكتابة المزيد من التجارب الروائية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: باللغة العربیة فی المدینة فی القریة الحیاة لا لا تقدم یمکن أن فی تشاد

إقرأ أيضاً:

المؤتمر الدولي للتأريخ الشفوي يختتم أعماله بتوصيات مهمة لتعزيز توثيق «الرواية» في العالم العربي

أوصى المؤتمر الدولي للتأريخ الشفوي «المفهوم والتجربة عربيًا»، الذي استضافته سلطنة عمان بالتعاون مع هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ومؤسسة وثيقة وطن بالجمهورية العربية السورية، في بيان ألقاه الدكتور محمد سعيد الطاغوس، عضو اللجنة الرئيسية للمؤتمر، في ختام أعمال المؤتمر اليوم في فندق ميلينيوم مسقط، بعدة توصيات حيث دعا المؤتمر إلى دعم إجراء المزيد من الأبحاث والدراسات المعمقة في المنهجيات والتقنيات اللازمة لتوثيق الرواية الشفوية، مع التأكيد على أهمية استمرار إقامة المؤتمرات الدولية لتعزيز هذا المجال، كما أوصى المشاركون باستثمار موضوعات ومنهجيات التاريخ الشفوي في تمكين ثقافة التاريخ الشفوي من خلال إدخاله في الدراسات الجامعية المخصصة في الإنسانيات والمناهج الدراسية في التعليم العام، ومن التوصيات الأخرى، إنشاء مركز متخصص في التاريخ الشفوي يتضمن برامج تدريبية لرفد هذا المجال بالكوادر المؤهلة وتطوير المهارات والقدرات، كما تم التأكيد على تعزيز جهود هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بالتعاون مع مؤسسة وثيقة وطن، لتشمل جهات عربية أخرى. إضافة إلى ذلك، أوصى المؤتمر بإصدار دليل علمي للتقنيات والمهارات اللازمة للتاريخ الشفوي، وإقامة فعاليات وأنشطة ثقافية وعلمية تُعنى بالتأريخ الشفوي لتعريف الجمهور بأهمية توثيق الرواية الشفوية، كما تم التأكيد على تعزيز برامج التبادل الأكاديمي والتعاون، ونقل الخبرات والمعرفة، وإنشاء شراكات بين المؤسسات البحثية في العالم العربي. بالإضافة إلى ذلك، تم اقتراح إصدار مجلة سنوية تعنى بالدراسات والأبحاث والترجمة في مجال التاريخ الشفوي، واستثمار الوثائق الشفوية في دعم الصناعات الإبداعية ونشر الأفلام الوثائقية المتعلقة بالتاريخ الشفوي.

كما دعا المشاركون إلى الانفتاح على التكنولوجيا الرقمية في التاريخ الشفوي، وتطوير المنصات الرقمية، واستخدام أدوات التحليل الرقمي في جميع مراحل التاريخ الشفوي.

وفي ختام أعمال المؤتمر، أوصى المشاركون بنشر البحوث والتجارب العلمية التي قُدمت في المؤتمر الدولي في سلسلة البحوث والدراسات التي تصدرها الهيئة بالتعاون مع مؤسسة وثيقة وطن.

وقد ألقى الأستاذ الدكتور مأمون وجيه كلمة نيابة عن المشاركين أشار فيها إلى أهمية المشاركات العلمية التي شهدها المؤتمر، حيث أبدى المشاركون من مختلف أنحاء العالم إسهاماتهم القيمة من خلال دراساتهم وأبحاثهم، ولفت إلى أن هذه البحوث كانت بمثابة مراجعة للتاريخ، تستدرك ما سقط من أحداث وتلتقط ما دفن من مرويات، مما يعكس التزام الباحثين بإبراز الحقائق والوقائع.

وأكد «وجيه» على دور الباحثين فـي إثراء الحوار الأكاديمي، مشيرًا إلى أهمية العلم كمنارة تهدي الناس فـي مسيرتهم نحو المعرفة، كما أشار إلى الفخر الذي يشعر به الجميع بوجود مثل هذه الكوكبة من الباحثين، الذين يسهمون فـي تعزيز الفهم التاريخي والثقافـي. وفـي ختام كلمته، دعا للاستمرار فـي البحث والنقاش العلمي، معبرًا عن أمله فـي أن تظل مثل هذه المؤتمرات منصة للتبادل الفكري والمعرفـي.

تكريم المشاركين

شهد ختام الحفل بحضور سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني، رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، ومعالي الأستاذة الدكتورة بثينة شعبان، المستشارة الخاصة فـي رئاسة الجمهورية العربية السورية ومؤسسة ورئيس مجلس أمناء مؤسسة وثيقة وطن، تكريم مديري جلسات المؤتمر والمشاركين فيه تقديرًا لإسهاماتهم القيمة فـي إنجاح المؤتمر الدولي للتأريخ الشفوي والذي أنعقد لثلاثة أيام فـي مسقط.

التراث الشفوي بصفته مصدرا

وكان قد شهدت جلسات اليوم الختامي اليوم تناول «المحور المستقبلي: آفاق التجربة العربية فـي التأريخ الشفوي» حيث شهدت الجلسة الأولى التي ترأسها الدكتور عبدالعزيز بن هلال الخروصي تقديم ورقة أولى بعنوان «التاريخ الشفوي كمصدر معلومات فـي الدراسات التاريخية مع وضع نموذج لاستحداث برنامج ماجستير تأهيل وتخصص فـي جامعة دمشق» للأستاذ الدكتور عيسى العسافين وهو أستاذ دكتور علم المكتبات والمعلومات ورئيس جمعية المكتبات والوثائق السورية، جامعة دمشق، بالجمهورية العربية السورية، تطرقت الورقة إلى مدى استخدام التاريخ الشفوي مصدر معلومات فـي قسم التاريخ بجامعة دمشق، من وجهة نظر أساتذة القسم. وهدف الباحث إلى التعرف على الصعوبات والمعوقات التي تعرقل استخدام التاريخ الشفوي، حيث قدم صورة واقعية للمسؤولين فـي الجامعة حول مدى تفاعل هذا التاريخ فـي العملية التعليمية. تناولت الدراسة أربعة محاور رئيسية: الأول، العلاقة بين التاريخ الشفوي والهوية الثقافية وتأصيلها؛ الثاني، مدى استخدام التاريخ الشفوي كمصدر معلومات أثناء إلقاء المحاضرات؛ الثالث، معايير وضوابط المقابلة الشخصية فـي الرواية الشفوية؛ وأخيرًا، وضع نموذج لاستحداث برنامج ماجستير فـي التاريخ الشفوي بجامعة دمشق، كما اعتمدت الدراسة على استبانة تتكون من حوالي ستين سؤالًا، حيث تم تحليل البيانات باستخدام أسلوب الإحصاء الوصفي. وأظهرت النتائج الحاجة الملحة إلى إدماج التاريخ الشفوي فـي المناهج التعليمية وتعزيز برامج تأهيلية متخصصة فـي هذا المجال.

التراث الشعبي فـي التخصص

بعدها تحدثت الأستاذة الدكتورة أمل دكاك، أستاذة بقسم علم الاجتماع فـي جامعة دمشق، عن «تجربة درجة الماجستير فـي التأهيل والتخصص فـي التراث الشعبي»، وهدفت ورقة العمل إلى مناقشة تجربة القسم فـي رصد ماجستير التأهيل والتخصص فـي التراث الشعبي، من خلال استخدام اللقاءات الشفهية كأداة أساسية لجمع وتحليل المعلومات، تناولت الورقة رسائل التخرج التي يقدمها الطلاب بإشراف متخصصين فـي علم التراث الشعبي، حيث سلطت الضوء على ملامح التغيير الاجتماعي فـي المجتمع السوري، خصوصًا فيما يتعلق بالعادات والتقاليد والقيم الاجتماعية والثقافية.

قدمت ورقة العمل تحليلاً لمشاريع التخرج المعتمدة على المقابلات الشفهية، مما جعل هذه المقابلات أساسًا لإنتاج بحث علمي يتعلق بالتراث الشعبي وعادات الأسر، بالإضافة إلى السلوك الاجتماعي المعاصر فـي سوريا.

تناولت الورقة ثلاثة موضوعات أساسية مرتبطة بالتراث الشعبي: الأول، قضايا الأسرة بما يتضمنه من عادات وتقاليد تتعلق بالزواج والطلاق والاحتفالات؛ الثاني، المهن اليدوية والتسويق والإنتاج؛ والثالث، القضايا الشعبية والثقافية وارتباطها بالأدب والشعر والفن الشعبي. واختتمت الورقة بملخص شامل للنتائج ذات الصلة، مما يعكس أهمية هذا المجال فـي فهم التغيرات الاجتماعية والثقافية فـي المجتمع السوري.

فكرة إصدار مجلة عربية

تلا ذلك ورقة عمل حول «إصدار مجلة عربية فـي التأريخ الشفوي، تأليفاً وترجمة» قدمها موسى الخوري مدير المشاريع مؤسسة وثيقة وطن، الجمهورية العربية السورية تركز على ثلاث نقاط أساسية: الأولى حول الدور الذي تملؤه مجلة مختصة بالتأريخ الشفوي عربيًا من حيث التعريف بالتأريخ الشفوي وتوطين المعارف ونقلها ونشر البحوث والترجمات ذات الصلة وإيجاد منبر للباحثين فـي هذا المجال، والثانية تتعلق بأهمية تبادل الخبرات والتجارب والإسهام فـي توحيد المنهجيات والمصطلحات، والثالثة تناقش المجالات والأبواب التي ستتناولها المجلة، خاصة أبواب الدراسات، والأبحاث المترجمة، والتعريف بمشاريع ومؤسسات التأريخ الشفوي فـي العالم العربي.

الرؤى المستقبلية

وفي الجلسة الثانية التي ترأستها المكرمة الدكتورة عائشة بنت حمد الدرمكية قدّم سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني، رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، ومعالي الأستاذة الدكتورة بثينة شعبان، المستشارة الخاصة فـي رئاسة الجمهورية العربية السورية ومؤسسة ورئيس مجلس أمناء مؤسسة وثيقة وطن، عددًا من الأطروحات والاستشرافات تحت عنوان «الرؤى المستقبلية فـي التجربة العربية». تناولت الأطروحات أهمية توثيق التجارب العربية فـي مختلف المجالات، بما فـي ذلك الثقافة والتراث والذاكرة التاريخية، مشيرين إلى الدور الحيوي الذي تلعبه المؤسسات المعنية فـي الحفاظ على الهوية العربية، كما ناقش المتحدثان مستقبل التعاون بين الدول العربية فـي مجال الوثائق والمحفوظات، مؤكدين على ضرورة تبادل المعرفة والخبرات لتعزيز الذاكرة الجماعية العربية. مؤكدين على أهمية تطوير استراتيجيات مستدامة تضمن الحفاظ على التاريخ العربي وتوثيقه للأجيال القادمة، داعين إلى المزيد من التعاون بين المؤسسات العربية لتحقيق هذه الأهداف.

تجدر الإشارة إلى أن تنظيم هذا المؤتمر يأتي تتويجًا لتلاقي الرؤى فـي حفظ الهوية والتراث الوطني بين هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بسلطنة عمان ومؤسسة وثيقة وطن بالجمهورية العربية السورية، وخلال الأيام الثلاثة للمؤتمر المنعقد فـي مسقط، تم تقديم إحدى وعشرين ورقة علمية تناولت تجارب عشر دول فـي مجال توثيق الرواية الشفوية. وقد توزعت الأوراق على ثلاثة محاور رئيسية: المحور النظري الذي تناول مفهوم التاريخ الشفوي عربيًا، المحور العلمي الذي استعرض التجارب العربية الإقليمية والعالمية (المنهج والمنتج)، والمحور المستقبلي الذي بحث آفاق التجربة العربية فـي التاريخ الشفوي. وشارك فـي المؤتمر مجموعة من الأكاديميين والباحثين من مختلف دول العالم.

مقالات مشابهة

  • غارات متجددة في الضاحية وصور، وحزب الله ينفي الرواية الاسرائيلية: لا أسلحة في المباني المستهدفة
  • غدًا.. 4 مواجهات في انطلاق الجولة الرابعة من ممتاز اليد
  • سورة الكهف: النور والسكينة في يوم الجمعة
  • نضال القاسم: الأيام سجال بين الأنواع الأدبية والشعر الأردني جزء من بانوراما الثقافة العربية
  • أطوار سطوع النور وبزوغ شمس الحرية
  • عاجل.. كولر يجهز 3 لاعبين مفاجأة في مباراة الزمالك
  • طاهر أبو ليلة وشاهيناز أول الحاضرين في عزاء شقيق إيساف
  • المؤتمر الدولي للتأريخ الشفوي يختتم أعماله بتوصيات مهمة لتعزيز توثيق «الرواية» في العالم العربي
  • كاد ماسترز تتعاون مع الجامعة الفرنسية لتأهيل الكوادر الشابة
  • بعد اعتقاله في ليبيا بتهمة التجسس.. تشاد تحتجز الروسي “مكسيم شوغالي”