دعوت الهيئات التي شاركت في الحكومة الانتقالية في قحت (والتي عارضتها) أن تقرأ نص إخفاقها في الحكم بقوة وذكاء حتى لا تتخلص من تبعة هذه القراءة ب”اصطناع” شيطان هو الكيزان ترميه بالجمرات وكانت يا عرب. وهذه هي الخطة التي أطلقت عليها “اللوثة” بالكيزان. فالملوث بها جبان الخاطرة بخيل النفس لا يريد أن يرى عوسه في محنته.

وأعيد هنا نشر كلمة من أيام الحكومة الانتقالية ليرى الملتاثون بالكيزان اليوم ليس كيف وادوهم و”حاننوهم” في يومهم فحسب، بل كيف فعلوا ذلك بإملاء ثقافة معارضة جاءت للحكم بعاهاتها كلها. وأقول لناس التقدم كلما رأيت انفراطهم حيال الكيزان “ألم يكونوا في براثنكم؟ هل أحسنتم ضبطهم؟”.

أقمت بيني وبين المعارضة للنظم العسكرية سداً منذ خرجت على الحزب الشيوعي في ١٩٧٨. وكتبت عن استقلالي عنها ككاتب “نقد الذهن المعارض” مقدمة لكتابي “عبير الأمكنة” (١٩٨٨). أخذت في كلمتي تلك على المعارضة حتى على عهد نميري نهجها التأجيجي تكتفي فيه بتسجيل معارضتها كمآخذ سياسية في غاية العمومية لا تتعلم هي نفسها منها شيئاً. واستلهمت في الموقف النقد الذي صوبه أستاذنا عبد الخالق محجوب لمعارضة حزبه لنظام الفريق عبود، فوصفها، على استماتها وكلفتها ونبلها، ب”الإثارية” في كتاب “الماركسية وقضايا الثورة السودانية” (١٩٦٧). فصارع الحزب النظام كديكتاتورية عسكرية قاتل لتفكيكها وعودتها للثكنات. وكان عليهم كشيوعيين، في قوله، مقاومة النظام كواقعة طبقية أداتها العسكرية. وهذا مختلف جداً.

أردت في “نقد الذهن المعارض” للمعارضة أن تنمي حساً بالملاحظة، والنفاذ للدقائق، بالكشف المحيط للظاهرة موضع نقدها للوقوف على جدلها كله. ومن شأن هذا النقد أن ينزل بالمعارض من خفوق الشعار (والشعر) إلى رؤوس التفاصيل الشائكة المهمة، وأن ينقلها من التباكي إلى الفعل. وهي المعارضة الحق التي تثمر ما نحمله معنا للدولة كعزيمة وبصيرة وتقليد بعد زوال الطغيان، ولبناء الوطن الجديد. وبدا لي في أداء معارضة الإنقاذ في الحكم مصداقاً لعاهة “الذهن المعارض” كما طرأت لي في ١٩٨٨.

وصدق عندي نقدي للذهن المعارض في قراءة لي لردود الأفعال من دوائر عارضت الإنقاذ لمنعطفات حرجة للثورة أخيراً. فاستنكر إبراهيم الشيخ، رئيس المجلس المركزي لقحت ووزير الصناعة، “إطلاق البمبان على شباب الكيزان وهم صائمون قبل دقائق من موعد الإفطار”. وقال إنه كان بالوسع التعامل معهم بما يتسق مع “قيم الشعب وسماحته، ومراعاة موعد إفطارهم”. وقال إن تجمعاً مثله لن يؤثر على ثورة سقاها الشهداء بدمائهم. (وهسع إفطارت الفلول هي البينة التي لا غيرها في إشعالهم للحرب)

ولا غضاضة في قول إبراهيم إلا أنه لم يخرج من عادة المعارضة في التعجيل بالنبأ السيء. ولكن فات عليه أنه الآن حكومة بل وزعيم حاضنتها السياسية. وهي وظائف رجل الدولة. ويقع تحت سلطانه لا شباب الإسلاميين وحدهم، بل والجهة الأمنية التي فضت إفطارهم بتعاقد المخدم والشخص المستخدم. واقتضى منه ذلك أن يجلس إلى كل هيئات حكومته الأطراف في واقعة فض فطور الإخوان. يستمع إليهم ويناقش معهم تقديراتهم التي رجحت عندهم ذلك الإجراء دون غيره. وأن يخرج بيان وثيق معبر عن الحكومة. فالحكم “تقله” وأخذ لآلياته وكادره بقوة ودماثة. فالانتقالية وريثة نظم أمنية وشرطية نشأت خلال عهود للديكتاتورية طالت واستطالت موسوسه تجاه أي تجمع زاد عن خمسة أشخاص. ولم ترحم حتى شباب الثورة في تظاهرات مشهودة. ولن نغادر محطة المعارض إن ظللنا ننقد الحكومة من خارجها في حين صار بوسعنا نقدها من داخلها.

أما الحزب الشيوعي فردة فعله، إذا صدقنا كمال كرار، فكانت “أفرش وتخين”. فهو لم يبارح منصة المعارضة إذا عاد إليها بعد فترة مشوشة في دهاليز الحكم. وبلغ من المعارضة أنه قد طرح سقوط الانتقالية كواجب مقدم وعاجل. فتأسف كرار باسم الحزب على رحيل المرحوم الزبير أحمد الحسن بعد مرضه في سجن كوبر. وطالب بالتحقيق “الفوري” في “عمليات” وفاة الإسلاميين داخل السجون. وانتقد تأخر محاكمتهم بلا مبرر خاصة وأن القضايا التي يحاكمون بها “تافهة” في حين أن مئات من جرائمهم التي ارتكبوها لم يتم البت فيها حتى الآن.

وكلام كرار هو صفحة من أدب المعارضة بحذافيرها. فلغة المعارضة بينة في “عمليات” و”تحقيق فوري” واحتكار سلم الأسبقيات دون الحكومة في تعيين المهم من المسائل وغير المهم. والمراد من هذا الاحتكار ألا تكسب مع المعارض مطلقاً. فما هي مثلاً الجرائم الكبرى التي ارتكبها الإخوان التي تفوق خرقهم للدستور؟ وهو الخرق الذي كان بوابتهم لكل جريمة أخرى. وخرق الدستور كان المادة التي كان يحاكم بها المرحوم مع إخوانه علاوة على التصرف الفاسد ببيع خط هيثرو.

ولم يطرأ لكرار، طالما عارض الحكومة، أن يأخذ بالشدة فريق الدفاع عن المرحوم وأصحابه الذين حولوا المحكمة إلى سيرك على قول المثل: “شد واتباطا يا شراً فاتا يا خيراً آتا”. إنهم في انتظار جودو، أي تغيير في الوضع السياسي يُنهي المحكمة بالضربة القاضية. وبلغ من تجاحد المحامين من أمثال أبو بكر عبد الرازق والعشرة الكرام أن ثلاثة منهم تنتظرهم المحاكمة لإساءة المحكمة. بل ورفض أكثر المتهمين الإدلاء بأقوالهم للجرجرة للحد الذي صمت أحمد هارون عن أقواله قبل أن يُعرض على لاهاي (بتاعتكم دي). لقد اختطفوا المحكمة بتجاحد قانوني معيب ومهين. فالتباطؤ في محاكمة الإخوان ليس خيار المحكمة كما يعتقد كمال كرار بل هو نكدها الذي تعانيه وقد اعتزلتها المهنة القانونية الثورية وفرت منها كما يفر المرء من الأجرب. فهذه الجرجرة في محكمة المتهمين بتدبير انقلاب 1989 إنما هي مكر الدفاع. ولا يعتبر كرار المعارض هذا المكر في حيثياته لأنه خرج ل”يردم” الحكومة الانتقالية كيفما اتفق كخصم لها مصاب ب”الذهن المعارض”

وقلت إن الإنقاذين يحاكمون بتهم “تافهة” يا كرار! قطع لسانك الشيوعي يا كرار.
والحال على ما وصفنا ربما صدق علي عثمان محمد طه حين قال إن معارضتهم خلو من الرؤية.

عبد الله علي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

بعد الخروج القاري.. موناكو يحارب لإنقاذ موسمه

بعد بداية واعدة وجد موناكو نفسه خارج دوري أبطال أوروبا في منتصف الأسبوع، وبات رابع ترتيب الدوري الفرنسي بعد 22 مرحلة يحارب لإنقاذ موسمه من خلال تأمين التأهل للموسم المقبل من البطولة القارية.

من دون خسارة في أول ثماني مباريات، تساوى موناكو مع باريس سان جرمان حامل اللقب في صدارة الدوري بـ20 نقطة.

,جمع فريق الإمارة 10 نقاط من 12 ممكنة في دوري الأبطال، محققاً الفوز على برشلونة الإسباني، ما وضعه في طريق التأهل المباشر إلى ثمن النهائي.

في مباراة مجنونة.. بنفيكا يخطف بطاقة دور الـ16 من موناكو - موقع 24انتهت قمة بنفيكا وموناكو في إياب ملحق دور الستة عشر من دوري أبطال أوروبا، بالتعادل الإيجابي 3-3.

لكن البداية الرائعة سرعان ما تحوّلت إلى سلسلة طويلة من النتائج المتذبذبة، إذ خسر فريق المدرب النمسوي آدي هوتر ست مباريات من آخر 14 في الدوري وأصبح في المركز الرابع بـ40 نقطة، بفارق 16 عن سان جdرمان، ست عن مرسيليا الثاني، والأهداف عن نيس الثالث.

وفي الوقت الذي تبدو فيه حظوظ موناكو موجودة في التأهل المباشر إلى دوري الأبطال الموسم المقبل في حال انتفض وحقق مجموعة من النتائج الإيجابية، فإنه يخسر المشاركة في التصفيات أيضاً، إذ يتفوق على ليل مضيفه السبت في الجولة 23، بفارق نقطتين فقط.

ويتأهل أول ثلاثة فرق في الدوري الفرنسي مباشرة إلى دوري الأبطال، بينما يشارك الرابع في التصفيات، في حين يكتفي صاحب المركز الخامس بالتأهل إلى الدوري الأوروبي.

وكان الفوز الساحق على نانت المتعثر 7-1 في المباراة الأخيرة على أرضه، وسجل اللاعب الجديد الدنماركي ميكا بييريث ثاني "هاتريك" له في ثلاث مباريات متتالية ضمن الدوري، بمثابة إشارة مشجعة، لكن دفاع موناكو تعرض للانكشاف بشكل متكرر أمام الفرق الكبرى، وهو ما حصل الثلاثاء حين انتهت مباراته مع بنفيكا البرتغالي بالتعادل 3-3 في مباراة إياب الملحق المؤهل إلى ثمن النهائي، ما أنهى حملة فريق الإمارة في البطولة إثر خسارته بهدف نظيف ذهابا على أرضه.

واضطر موناكو إلى خوض الملحق بعدما خسر ثلاث من آخر أربع مباريات في دور المجموعة الموحدة، كما ودّع كأس فرنسا، ما يعني أن انتظاره للحصول على أول لقب منذ التتويج بلقب الدوري الفرنسي في 2017 سيطول.

ومن الممكن أن يكون موناكو قد دفع ضريبة الاعتماد على العديد من اللاعبين الشباب، مثل مغنيس أكليوش، السنغالي لامين كامارا، المغربي إلياس بن صغير وبيريث أخيرا، وهم جميعهم دون سن الـ22، في حين يبتعد القائد السويسري دينيس زكريا بسبب الإصابات.

وقد لا يكون الوصول إلى مراحل متقدمة في دوري الأبطال، بالإضافة إلى البقاء في سباق اللقب مع سان جقرمان أمراً واقعياً، لكن الغياب عن المسابقة الأوروبية الأعرق في الموسم المقبل أمر لا يمكن تصوره بالنسبة إلى النادي المملوك للملياردير الروسي ديمتري ريبولوفليف.

مقالات مشابهة

  • وهبي: أوساط محافظة في الحكومة لا تدعمني في تعديل مدونة الأسرة وحداثيو المعارضة ينتقدونني
  • بعد الخروج القاري.. موناكو يحارب لإنقاذ موسمه
  • البعض يذهب للمحكمة مرتين.. كيف تتصرف حال صدور حكم غيابي ضدك؟
  • القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار يُصرح بشأن الحكومة الموازية ويفتح النار على الحلو وتقدم
  • لقد أعادت 56 حميدتي لصاً كما بدأ حياته
  • الشيطان ولا الكيزان
  • بولسونارو يصف الحكومة البرازيلية بالمستبدة
  • السودان... تعثّر مخطط الحكومة «الموازية»
  • الحكومة: انتهينا من تأهيل 934 مركزا صحيا أوليا
  • تأجيل توقيع ميثاق الحكومة الموالية لـ«الدعم السريع» إلى الجمعة بحضور شقيق «حميدتي» والحلو… واتفاق على تكوين حكومة «تأسيسية» وإعلانها من داخل السودان