شراكة اقتصادية وتوافق سياسي.. أردوغان يزور إسبانيا لأول مرة بعد اعترافها بفلسطين
تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT
تركيا- يزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بداية من اليوم الأربعاء العاصمة الإسبانية مدريد، في إطار زيارة رسمية تمتد ليومين، قبل التوجه إلى إيطاليا لحضور قمة مجموعة السبع.
وسيلتقي أردوغان بملك إسبانيا فيليب السادس ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، ومن المقرر أن يبحث الجانبان التطورات الدولية وسبل تعزيز العلاقات الثنائية وتطويرها.
وتأتي زيارة الرئيس التركي إلى مدريد بعد إعلان الحكومة الإسبانية اعترافها رسميا بالدولة الفلسطينية في 28 مايو/أيار الماضي.
وخلال اتصال هاتفي سابق مع رئيس الوزراء الإسباني ثمّن أردوغان قرار إسبانيا الاعتراف بدولة فلسطين، وأعرب عن اعتقاده بأن هذه الخطوة ستعزز إرساء السلام والعدالة في المنطقة، مع التأكيد على أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق سلام ينهي العنف في الشرق الأوسط، والتوصل إلى حل الدولتين.
ووفقا لمصادر دبلوماسية، يعقد أردوغان محادثات في إسبانيا بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتعتبر مسألة وقف الهجمات الإسرائيلية وتحقيق سلام دائم في المنطقة من أبرز أولويات هذه المباحثات.
وأشار الباحث في الشأن التركي أحمد أوزغور في حديثه للجزيرة نت إلى أن الموقف السياسي الذي اتخذته إسبانيا تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يعكس تقاربا واضحا في وجهات النظر بين البلدين.
ويرى أوزغور أن المناقشات التي ستُجرى خلال الزيارة بشأن الحرب على غزة قد تشكل أساسا لتحركات دبلوماسية جادة.
وأضاف أن هذه التحركات قد تستقطب بعض الدول التي تبحث عن تحالف قوي لدعم القضية الفلسطينية والوقوف إلى جانبها بشجاعة.
القمة الحكومية الثامنةومن المقرر أن يترأس الرئيس التركي القمة الحكومية التركية الإسبانية الثامنة في مدريد غدا الخميس.
ووفقا لما نقلته وسائل إعلام تركية، تسعى القمة الثامنة إلى "تطوير العلاقات السياسية الممتازة بين البلدين لتشمل موقفا إقليميا ودوليا مشتركا، بالإضافة إلى تعزيز الفرص الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والمضي قدما نحو الشراكة الشاملة".
وبحسب مصادر دبلوماسية، من المنتظر توقيع نحو 15 اتفاقية ثنائية بين الوزارات والمؤسسات الحكومية في مجالات متعددة تشمل التجارة والمالية والثقافة والرياضة.
من جانب آخر، يحضر الرئيس أردوغان افتتاح منتدى الأعمال الذي سيحضره رجال الأعمال الأتراك والإسبان، لبحث فرص التعاون والاستثمار في 11 قطاعا، في مقدمتها النسيج والسيارات والصلب والتجارة والصحة والبيئة والطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية.
وتعد إسبانيا الوجهة السادسة الأكبر للصادرات التركية عالميا والثالثة في دول الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا وإيطاليا بحسب أرقام عام 2022.
الصادرات التركية إلى إسبانيا سجلت رقما تاريخيا في 2023 (الأناضول)وفي عام 2023 سجلت تركيا أعلى صادرات لها إلى إسبانيا، حيث بلغت قيمتها 9.2 مليارات دولار، وفقا لبيانات جمعية المصدرين الأتراك.
من جانبها، شددت رئيسة مجلس الأعمال التركي الإسباني في مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية إيبرو أوزدمير على أهمية تعزيز التعاون في البلدين، خاصة في مجالات التحول الرقمي والتحول الأخضر، مؤكدة أن هذه القضايا ستكون في صلب منتدى الأعمال التركي الإسباني.
ولفتت إلى أن تركيا حققت أعلى صادرات لها إلى إسبانيا في التاريخ بقيمة 9.3 مليارات دولار في العام الماضي، مما جعل إسبانيا ثامن أكبر دولة مستوردة من تركيا في عام 2023، مستحوذة على 3.6% من إجمالي صادرات تركيا.
من جانبه، قال المحلل السياسي والباحث في مركز تركيا للأبحاث مراد تورال في حديثه للجزيرة نت إن الزيارة تأتي في إطار تعزيز العلاقات الثنائية على جميع الأصعدة، موضحا أن إسبانيا تحتل مكانة بارزة بين دول الاتحاد الأوروبي في مجال الاستثمارات المباشرة بتركيا.
وأضاف تورال أن إسبانيا تدعم تركيا في العديد من القضايا، بما في ذلك عضوية الاتحاد الأوروبي، وهو موقف يختلف عن مواقف العديد من دول الاتحاد الأخرى.
كما أن إسبانيا لم توقع على بيان "كافالا" الذي وقعه سفراء 10 دول في أنقرة، والذي طالب بإطلاق سراح رجل أعمال محبوس على ذمة تحقيقات تتعلق بتورطه في محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز 2016.
وأشار تورال إلى أن هذه المواقف الإيجابية عززت شكل العلاقة بين البلدين، وساهمت في اكتساب العلاقات الثنائية زخما وتسارعا في السنوات الأخيرة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
القاهرة وواشنطن بعد الانتخابات.. شراكة استراتيجية وتباين تحت السيطرة
تحظى الانتخابات الأميركية، التي تجري منافساتها خلال الساعات القليلة المقبلة باهتمام واسع، وترقب كبير في أرجاء العالم، في ظل المنافسة الشرسة بين المرشحين كامالا هاريس ودونالد ترامب وما بينهما من اختلافات جذرية يرى مراقبون أنها ستؤثر على سياسة واشنطن تجاه العديد من الملفات الإقليمية والدولية.
وعلى غرار أغلب دول العالم يتابع ملايين المصريين المنافسة بين المرشحين نظرا لأهميتها على العلاقات بين القاهرة وواشنطن، التي اتسمت خلال عقود مضت بكثير من التوافق الذي بلغ حد الشراكة الاستراتيجية كما وصفها مسئولي البلدين، ولم تخل كذلك من تباين أو اختلاف يحرص الجانبين على بقائه قيد السيطرة، حتى في ظل تعاقب الإدارات الأميركية بين الديمقراطيين والجمهوريين.
ورغم الاختلاف الكبير بين شخصيتي المرشحين الرئاسيين الأميركيين، يؤكد الدكتور بهجت قرني أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي بالجامعة الأميركية بالقاهرة أن "هذا الاختلاف بين هاريس وترامب قد يظهر قليلا في السياسات، لكنه لن يكون له تأثير كبير على مستوى المضمون سواء في العلاقات المصرية الأميركية أو الملفات الإقليمية والدولية في المنطقة مثل الملف الفلسطيني، وملفات النزاع في الشرق الأوسط".
ووصف "قرني" في حديثه لموقع "الحرة" المرشحة هاريس بأنها "أكثر توازنا عكس دونالد ترامب الذي لا يمكن التنبؤ بسياساته وفقا لشخصيته التي تعتمد على مبدأ الصفقات، والفائدة الشخصية المباشرة، لكن التغير الذي سينتج عن التباين بين المرشحين في حالة فوز أي منهما لن يكون له أثر على علاقة القاهرة وواشنطن على عكس ما يمكن أن يحدث بين الإدارة الأميركية وأوروبا مثلا في حالة فوز ترامب، نتيجة رؤيته وموقفه المعلن من حلف الناتو".
مساعدات.. واتفاقيات.. وشراكةوأعلنت واشنطن قبل أسابيع إقرار المساعدات العسكرية لمصر كاملة، التي تبلغ 1.3 مليار دولار، دون أي استقطاعات، كما حدث من قبل بربط جزء من قيمة المساعدات بإحراز تقدم في ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية، وهو ما يشير وفقا لقرني إلى أن "الشراكة الاستراتيجية في العلاقة بين مصر والولايات المتحدة تتعدى النظر للمساعدات والأمور الاقتصادية والتعاون في الملفات الإقليمية التي تلعب فيها مصر دورا كبيرا بحكم مكانتها في المنطقة".
ووفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، فإن العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وواشنطن تحقق مؤشرات كبيرة، إذ تعد الولايات المتحدة ثاني أكثر بلدان مجموعة الدول السبع الكبار استيرادا من مصر خلال عام 2023 بقيمة بلغت 1.9 مليار دولار، في حين تصدرت الولايات المتحدة قائمة أكثر دول المجموعة تصديرا لمصر خلال عام 2023 بقيمة 5.4 مليار دولار.
وتشير بيانات الجهاز إلى استثمارات أميركية في مصر خلال ذات العام بقيمة 2.3 مليار دولار، وبلغت استثمارات المصريين في الولايات المتحدة 1.61 مليار دولار، كما احتلت تحويلات المصريين من الولايات المتحدة المرتبة الأولى عام 2023، بقيمة 1.6 مليار دولار يليها المملكة المتحدة 560 مليون دولار، ثم ألمانيا 129.8 مليون دولار.
وأكد قرني أنه بالرغم من علاقة الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة فإن القاهرة تعمل على توازن في علاقاتها بين القوى الإقليمية والدولية الأخرى مثل موسكو وبكين، وهي سياسة منطقية تسعى لها أغلب الدول منذ انتهاء حقبة الحرب الباردة، والتحول من سياسة القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب.
وفيما يتعلق برؤية الولايات المتحدة لملف حقوق الإنسان في مصر، يرى الدكتور عمرو الشوبكي، مستشار "مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية" أن "هاريس في حال فوزها ستتبنى هذا الملف لكن بصوت خافت رغم أن الديمقراطيين مهتمون دوما به، لكن مستوى الاهتمام متعلق أكثر بالحقبة الزمنية، فمثلا لن يكون مدى الاهتمام بملف حقوق الإنسان في مصر مثل فترة إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، بدليل أن إدارة بايدن وافقت مؤخرا على مبلغ المساعدات العسكرية لمصر كاملا، في حين أن ترامب لا يعنيه ملف حقوق الإنسان بالأساس أو الديمقراطية في العالم كله وليس في مصر، ليس لأنه يحظى بدعم اليمينيين فقط ولكن لأنه مرشح غير تقليدي ينظر لمصلحته فقط".
لا تأثير على علاقة القاهرة وواشنطنويشير مستشار مركز الأهرام في حديثه لموقع "الحرة" إلى أن " العلاقة بين القاهرة وواشنطن اتخذت شكل التحالف منذ توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 وتطورت بعد ذلك إلى شراكة سياسية واقتصادية وأمنية، تمر أحيانا بمنحنيات وتباين في وجهات النظر، لكن تبقى قاعدتها الأساسية قائمة على التحالف والشراكة بغض النظر عن تعاقب الإدارات، وهو ما يفسر التعاون بينهما في محاولة التوصل لوقف إطلاق النار في غزة واهتمام الإدارة الأميركية بضرورة وجود استقرار في الشرق الأوسط وعدم تفاقم الأوضاع به وكذلك الاستقرار في مصر".
وعن الانفتاح في العلاقات بين القاهرة وبكين وموسكو قال إن "توازن القاهرة في علاقاتها قائم منذ عقود، وازداد خلال الآونة الأخيرة، لكنه يبقى انفتاحا محدود وجميع الأطراف تتعامل معه على هذا الأساس ولا يمكن غض الطرف عنه، كما أن الشراكة بين القاهرة وواشنطن لا يمكن أن تشهد اضطرابا إلا في حالة حدوث تغيرات سياسية أو إقليمية كبيرة غير مألوفة تتغير معها جميع الحسابات، وباستثناء ذلك لن يقدم أي منهما على اتخاذ خطوات تذهب بعيدا عن شكل العلاقة الحالية حتى لو فاز مرشح غير تقليدي مثل ترامب له رؤية خاصة في السياسة والاقتصاد".
واتخذت العلاقات المصرية الأميركية شكلا تحالفيا منذ ما يزيد على نصف قرن كما يقول الدكتور بهجت قرني الذي أشار إلى أنه "قبل منتصف سبعينيات القرن الماضي اتسمت العلاقة بين البلدين بالحذر والتوتر وقتا طويلا في الخمسينات وبعد حرب 1967 بين مصر وإسرائيل وأثناء فترة حرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر 1973، حين بدأت تأخذ منعطفا آخر نحو الاستقرار والشراكة، وكان الرئيس الأمريكي الذي أحدث الفارق حينها ديمقراطيا وهو جيمي كارتر، ولم تصل منذ ذلك الحين إلى مرحلة التوتر الكبير أو القطيعة، وحتى في ظل حدوث تباين أو اختلاف تبقى في إطارها الطبيعي وفي حالة ترجمة هذا التباين إلى استقطاع مبلغ من قيمة المعونة الأميركية سرعان ما تعود الأمور إلى طبيعتها".
ويمثل البعد الاقتصادي جانباً هاماً في العلاقات بين مصر والولايات المتحدة، وتأخذ العلاقات في هذا الصدد أشكال عدة مثل المعونات الاقتصادية الأميركية للقاهرة واتفاقيات الشراكة، وتعتبر واشنطن من أكبر شركاء مصر في المجال الاقتصادي منذ أواخر السبعينيات.
وتمتد جذور العلاقات الاقتصادية المصرية - الأميركية منذ القرن التاسع عشر، بحسب ما تشير الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، بتوقيع المعاهدة الأميركية التركية التجارية في 7 مايو 1830، وتطورت العلاقات الاقتصادية بشكل كبير بعد ذلك باستثناء فترة ما بعد حرب 1967 وحتى حرب أكتوبر 1973.
وقبل حرب يونيو 1967 كانت مصر ضمن الدول المستفيدة من المساعدات الأميركية بخاصة في مجال الغذاء، وبعد حرب أكتوبر 1973 كانت المساعدات الأميركية أبرز صور التعاون الاقتصادي بين البلدين، وبلغت ذروتها في عقد الثمانينيات، إلا أنها مع مطلع الألفية الثالثة تقلصت بشكل كبير خاصة ما يخصص للمجالات الاقتصادية والاجتماعية مع استمرار المساعدات المخصصة للتعاون العسكري.