صحيفة التغيير السودانية:
2024-12-28@17:03:58 GMT

أْواجهُ الرّصْاصَ بالشراب

تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT

أْواجهُ الرّصْاصَ بالشراب

الأصمعي باشري

1

هَكذا أنا

مْنذ حربِ أبريل

مْنذْ أكثرَ مِنْ عامٍ

لا ألوي على شيء

أجلسْ على عتبةِ الدّار

ولا أرى أحداً

 

مِثل رجلٍ أعمى

ومُقعدٍ ومُضام

أقضي اليوم كُلَّه

ابني بيدي جداراً صلباً

لغربتي

أتفرّسْ بِحُزنِي

وجوهَ الغائبين غداً

 

وبِشهوةِ العدم

أدعو العابرين

لمأدبةِ الموت اليومي

لوجه الله

 

لا أبكي حزمةً واحدة

لصمتِ الصباح حرقته

ولجُرحِ النهار دموعه

ولنحيب الليل.

.

 

تتساقط الجثثُ فوق صدري

جثةٌ لأحلام الصغار

جثةٌ لي

جثةُ جارٍ تدفن روحها بنفسها

وأخرى تحملها نعوش الظلام

2

أنت تكدُ وتعملُ بشرفٍ

أيّها الشّاعر

ولكنّك عاطلٌ

 

ترفدك نافذةُ بيتك

بالكثير من الأرق

أيٌّها الشاعر

لكن قصيدتَك واحدةُ

كتبتٌها في البنت

التي لم تلتقِ بها

 

يغمتٌك المعارفْ

والأهلٌ

بِكثرةِ السٌّؤال

والشِّجار

لكنِّك أيّْها الشاعر

تخوضٌ مَعركةَ الطّواحين

ضِدك

تعودّ كذاكرةٍ مخطوفة

لحقيبتك

المهترئة

 

3

لكنَّك أيُّها الشّاعر

مُجرداً من كل الشِّرور

ما تصنعهُ المرأة العارية

في لوحةِ مفاتيح نهركِ

تمحاهُ شجرة ظلٍ

بشرابك لليل كلهُ

 

4

مرةٌ واحدة

كنت أرغب في الذهاب إلى قبر أبي

لأخبرهُ بأنّ “الخرطوم”

المدينةُ التي لا يُحبها

قد احترقتْ

ولأنّ الشوارع مدججةٌ بالجنود

والنيران،

والكلاب المسعورة

ظللتُ بالبيت،

أّواجه الرّصاص بالشراب

والطائرات بمضادات النَّسيان،

واللصوص بالصمت،

والموت بالموت.

الوسومالأصمعي باشري

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

الغربة والزمان والموت: ثلاثية “هيهات تفلت من أيدي

بقلم : حسين عصام ..

ديوان “هيهات تفلت من أيدي” للشاعر أحمد الصافي النجفي هو لوحة شعرية تجمع بين مشاعر الألم الإنساني والتأملات الفلسفية العميقة. يعكس الديوان تجربة الشاعر التي كانت مزيجًا من الغربة والمرض، مما أضفى على نصوصه طابعًا فريدًا يتداخل فيه البعد النفسي مع البعد الفلسفي. من خلال هذا الديوان، يفتح الصافي النجفي نافذة على معاناة الإنسان وتحدياته في مواجهة الزمن والحياة والموت.

الغربة والعزلة

تُعدُّ الغربة واحدة من أكثر المواضيع النفسية التي تناولها الصافي النجفي في ديوانه. لم تكن غربته مجرد بعد مكاني عن الوطن، بل اغترابًا روحيًا عن العالم بأسره. يقول الشاعر:

“وحيدًا في الدُنا ما لي أنيسٌ / أُحادثه إذا اشتدت همومي”

في هذا البيت، نجد تعبيرًا مباشرًا عن الوحدة والعزلة التي عاشها الشاعر، حيث باتت همومه رفيقه الوحيد. الغربة لديه ليست تجربة عابرة بل شعور دائم يلازمه أينما ذهب.

الألم والمعاناة

لقد شكل المرض جزءًا كبيرًا من حياة الصافي النجفي، وانعكس ذلك في قصائده التي تُظهر الصراع مع الألم الجسدي والنفسي. يقول:

“أذوب كما الشمعة الحزينة / ولا أجد نورًا ولا يقينًا”

يشبّه الشاعر نفسه بشمعة تذوب بلا هدف، ليُبرز شعوره بالعجز وفقدان الأمل. الألم هنا ليس مجرد معاناة فردية، بل صدى لتجربة إنسانية عامة تعكس هشاشة الإنسان أمام الظروف القاسية.

تأملات في الحياة والموت

يظهر الموت في ديوان “هيهات تفلت من أيدي” ليس كعدو يجب الهروب منه، بل كحقيقة وجودية يقبلها الشاعر. يقول:
َ
“إذا ما جاءني الموتُ انحنيتُ / لهُ كملكٍ عظيمٍ بالتحية”

هذا البيت يُظهر فلسفة الشاعر تجاه الموت، حيث يعبر عن احترامه له كجزء لا يتجزأ من دورة الحياة. من خلال هذه النظرة، يقدم الصافي النجفي رسالة فلسفية عن تقبّل الحتميات بدلًا من مقاومتها.

عبثية الزمن

الزمن، في رؤية الصافي النجفي، قوة مدمرة تهدم كل شيء وتُبقي الإنسان في مواجهة دائمة مع الفناء. يقول:

“غدًا أكون أثرًا على وجه الثرى / فأين مني ما بنيتُ وما جمعتُ؟”

تُبرز هذه الأبيات عبثية السعي الإنساني في مواجهة الزمن، حيث يتساءل الشاعر عن جدوى كل ما جمعه وبناه بعد رحيله. هذا التساؤل يضع القارئ أمام حقيقة مؤلمة لكنها ضرورية لفهم وجودنا.

تحليل أبيات مختارة: تداخل الرمزية والدلالات النفسية والفلسفية

الصراع الداخلي

يقول الصافي النجفي:

“لعمري، إنني صارعُ نفسي / وعند الصبح أخشى أن تغلبني”

هنا، يُبرز الشاعر الصراع النفسي الذي يخوضه مع ذاته، حيث تتجلى النفس كخصم عنيد يصعب التغلب عليه. الكلمة “أخشى” تعبر عن شعور بالضعف وعدم اليقين، مما يعكس قلقًا دائمًا حيال التحكم في الذات.

الغربة الوجودية

وفي وصف اغترابه، يقول:
“وإن كنتُ في أرضي، فإني غريبٌ / كأنني نجمٌ أضاع مداره”

يستخدم الشاعر صورة النجم الذي أضاع مداره ليُبرز اغترابه النفسي حتى في وطنه. الرمز هنا يعكس الشعور بالضياع، حيث النجم الذي كان يُفترض به أن يكون مرشدًا أصبح نفسه بحاجة إلى من يرشده.

التكامل بين البعدين النفسي والفلسفي

يجمع الصافي النجفي في ديوانه بين الألم النفسي الذي ينبع من معاناته الفردية، والتأمل الفلسفي الذي يجعل من هذه المعاناة وسيلة لفهم قضايا وجودية كبرى. التداخل بين البعدين يجعل قصائده صادقة وعميقة، حيث تصبح تجربة الشاعر الشخصية انعكاسًا لتجربة الإنسان بشكل عام.

ديوان “هيهات تفلت من أيدي” ليس مجرد مجموعة من القصائد، بل هو رحلة فكرية ونفسية تتناول قضايا كبرى تتجاوز زمانها ومكانها. من خلال هذا الديوان، يقدّم أحمد الصافي النجفي رؤيته للحياة والموت والزمن بطريقة تمس القارئ وتدعوه للتأمل. قراءة هذا الديوان ليست فقط استكشافًا لتجربة شاعر، بل رحلة لفهم عمق التجربة الإنسانية.

حسين عصام

مقالات مشابهة

  • جميل عياد الوحيدي.. الشاعر الفلسطيني ابن العشيرة المحافظ على تقاليدها
  • افتتاح المؤتمر الأدبى بالفيوم لتكريم الشاعر أشرف أبو جليل
  • بعد تصريحات المالية بشأن الهواتف.. كيف واجه القانون التهريب الجمركي
  • «الإحصاء» يتوقع زيادة سكانية كبيرة حتى عام 2072.. خبراء: الزيادة تعد واحدة من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات.. تؤدي لأزمة الإسكان وتؤثر على الصحة والتعليم
  • بعد واقعة الفيوم .. كيف واجه القانون جرائم تصنيع الألعاب النارية؟
  • كتابٌ يبحث في تعالق التراث والحداثة لدى الشاعر أدونيس
  • مغربي ولبنانية يتأهلان في الحلقة الرابعة من "أمير الشعراء"
  • الغربة والزمان والموت: ثلاثية “هيهات تفلت من أيدي
  • بعد تحرك البرلمان.. كيف واجه القانون ظاهرة انتشار الشائعات على مواقع التواصل
  • ” الهُدهُد ” .. قصيدة من الشاعر محمد المجالي مُهداة لِلسجين الحُرّ الكاتب أحمد حسن الزّعبي