من الأمور المهمة في مقالتنا تلك أن نؤكد أن التطبيع يستخدم كل الألاعيب في التعامل مع تلك القضية، فهو مسكون بعمليات تدليس وتلبيس، وأخرى كعمليات تزييف وتزوير، وأمامنا هنا مثلث غاية في الخطورة:
أول الأضلاع يتعلق بسرقة المفاهيم واغتصاب الكلمات، وهي عملية أساسية يقوم عليها أهل التطبيع وعرابينه لتمرير هذه العمليات التطبيعية في أوعية متنوعة وتعتمد أساليب التغرير والتغييم والتزوير.
أما الضلع الثاني؛ فيرتبط بسياسات شد الأطراف التي تعد أحد أهم الوسائل الكبرى التي يستغلها أصحاب السياسيات التطبيعية، لتسكين العدو الصهيوني ضمن الوسط الإقليمي، ونزع فتيل المقاومة ضده، سواء أكانت سياسات شد الأطراف تعنى بجغرافيا دول الطوق والتطبيع معها بشكل مباشر أو غير مباشر، أو ضمن علاقاتها بالأقليات في العالم العربي، واستخدامها كأدوات للتجزئة والتقسيم والتفتيت، وكذلك استخدام دول بعينها تشكل أطراف العالم العربي لتقوم بدور العرابين ضمن سياسات التطبيع، وعلى رأسها الإمارات والمغرب.
أخطر ما في هذا المسار هو استخدام الدين وتوظيفه في سبيل عمل وقصد مشين. ولعل النموذج الذي نتتبعه في هذا المقام ألا وهو ما يتعلق باتفاقات أبراهام، ودعوى الديانة الإبراهيمية، والبيت الإبراهيمي.. كلها وفي سياقاتها المتداخلة تمثل أخطر الاستراتيجيات والسياسات فيما يتعلق بالتوظيف البائس للدين بحيث ينطلي على ضعاف العقول والنفوس
أما الضلع الثالث؛ فإنما يتضافر مع هذين المسارين في عمليات تزييف الوعي وتمرير المفاهيم التطبيعية على مستوى العقول وعلى مستوى التأسيس، وباعتبار تلك مؤسسات الضرار التي تضر بالأمة وكيانها؛ وبالقضية الفلسطينية ومقاومتها وصمودها.
أخطر ما في هذا المسار هو استخدام الدين وتوظيفه في سبيل عمل وقصد مشين. ولعل النموذج الذي نتتبعه في هذا المقام ألا وهو ما يتعلق باتفاقات أبراهام، ودعوى الديانة الإبراهيمية، والبيت الإبراهيمي.. كلها وفي سياقاتها المتداخلة تمثل أخطر الاستراتيجيات والسياسات فيما يتعلق بالتوظيف البائس للدين بحيث ينطلي على ضعاف العقول والنفوس، ليترافق كل هذا مع الضلعين السابقين بما يجعل من التطبيع ليس حالات فردية أو ثنائية، إلى حالة جماعية تتم من خلال عمليات الخداع الجماعي باسم الدين وغطاءاته وتوظيفاته. يقع هذا ضمن حركتين تشيران إلى حالتين من الوعي التدافعي:
الأولى: ترتبط بوعي الأهداف والاستراتيجيات والسياسات التي تتعلق بمحاولة إقرار أمر واقع، وتشكيل واقع مستجد يقبل بالسرطان الصهيوني في الجسد العربي والإسلامي حتى يقوم ذلك الانتشار السرطاني بتوهين كيان الأمة وشل حركتها الفاعلة في المقاومة والمدافعة الحقة.
الثانية: تتمثل في الوعي الاستراتيجي بهذا الصراع وطبيعته بكونه صراعا "مصيريا وجوديا"، و"حضاريا ومعرفيا"، و"عقديا ومقدسا"، تشكل طاقته الرمزية أمرا لا يستهان به أو القفز عليه. وتبدو لنا عمليات التخفي في هذا التدافع الاستراتيجي، ومحاولة التسميم السياسي والحضاري، من أولويات الأمة في تأسيس وتأمين واحتضان موارد مقاومتها الحضارية الشاملة والمتكاملة والمتراكمة، لا ينال منها لص محترف أو غاصب مختل، أو سحرة إعلام يخترعون صنوفا في التسلل إلى قدرات الأمة، وإقصائها وإخصائها، فيستخدمون القوة الظاهرة والكامنة والصلبة والناعمة لخلية أمر واقع جديد وتمكين العمليات القطعية.
"يعتبر الوعي بالأبعاد الفكرية والحضارية وامتلاك المعرفة التاريخية والاستراتيجية في تقاطعاتها الاجتماعية والنفسية والدينية والسياسية، الوقود الوحيد الضامن لاستمرار النضال من أجل القضية الفلسطينية وجعلها البوصلة الوطنية والإنسانية والأخلاقية للأمة الإسلامية ولكل أحرار العالم"، هكذا يؤكد الباحث القدير سلمان أبو نعمان.
"فالباحث العلمي والمناضل السياسي والناشط المدني في زماننا لا يستطيع أن يكون وطنيا حقا ولا عروبيا حقا ولا إسلاميا حقا، إذا تخلى عن قضية فلسطين وانحاز إلى تبرير التصهين والاحتلال والتطبيع وتجريم خيار المقاومة؛ ذلك أن افتقاد هذا الوعي الاستراتيجي المركب يؤدي إلى حالة من الشيخوخة الروحية والاستسلام النفسي والمعرفي لتصورات الغالب وقيمه ومنطقه، والممزوج بنمط من "الخيانة الحضارية"، آخر ثماره البروز الجلي لتيار ثقافي وسياسي عربي متصهين الوجهة والمسار والتكوين والاستراتيجيات، يتبنى الأطروحة الصهيونية في المنطقة ومقولاتها التضليلية، محاولا إسقاط مفاهيم المقاومة والحق والتحرير من المعجم العربي والفلسطيني والإسلامي، والهجوم الشرس على أي خطاب يستند عليها في بناء رؤيته لتحرير فلسطين. إذا كان "وعد بلفور" مثّل تمهيدا لإنشاء كيان مرَضي سرطاني مصطنع في الأمة استهدافا لها؛ فإن "وعد أبراهام" إنما يعني استمرارية وتوطين هذا الكيان السرطاني المصطنع، هذا الكيان القاتل العدواني الغاصب الاحتلالي والاستيطاني الفاجر؛ الأول أصدرته بريطانيا؛ والثاني تحاول تمريره الولايات المتحدة الأمريكية وريثتها ضمن صفقة القرن المزعومةإن تغييب البعد المعرفي والرؤية الحضارية لا يمكننا من فهم طبيعة الصراع القائم في المنطقة ووعي خطورة المشروع الصهيوني وأبعاده وسياقاته ومقولاته وأساطيره وجذور الفكر الصهيوني الفلسفية والدينية وأصوله التاريخية، ولا يجعلنا نمتلك القدرة على تقييم مسار الحركة الوطنية الفلسطينية وخياراتها وأعطابها، والاعتبار من مسار حركات التحرر الوطني وتجاربها".
إن مفهوم "وعد أبراهام" الذي صدرنا به هذا المقال كان أمرا مقصودا لينبه الى تعلقه بالذاكرة الحضارية التي حملت لنا مفاهيم آلت الى النكبة الأولى؛ مثل ما أطلق عليه "وعد بلفور" المشئوم والملعون. فإذا كان "وعد بلفور" مثّل تمهيدا لإنشاء كيان مرَضي سرطاني مصطنع في الأمة استهدافا لها؛ فإن "وعد أبراهام" إنما يعني استمرارية وتوطين هذا الكيان السرطاني المصطنع، هذا الكيان القاتل العدواني الغاصب الاحتلالي والاستيطاني الفاجر؛ الأول أصدرته بريطانيا؛ والثاني تحاول تمريره الولايات المتحدة الأمريكية وريثتها ضمن صفقة القرن المزعومة.
ومن الناحية المنهجية حول مسألة الإبراهيمية التي طفحت على السطح ضمن حركة تطبيعية شاملة على طريق التصهين والهرولة لعقد اتفاقات؛ وربما تحالفات مشبوهة ومفضوحة وضمن عملية ترويج تُضخ فيها الأعمال والإعلام والمال؛ يعبر شريعتي بفطنة واقتدار عن مفهوم يجب تدبر معانيه ومغازيه، والذي عبر عنه بجغرافية الكلمة أنه "يمكن معرفة صحة قضية فلسفية أو علمية أو أدبية أو بطلانها بمعايير المنطق والاستدلال والتجربة. لكن بالنسبة للقضية الاجتماعية والحضارية ينبغي أن تكون لدينا معلومات عن زمانها ومكانها ثم نقرّر في شأنها، لأنه في العلوم تكون القضايا إما صحيحة أو غير صحيحة، لكن في المجتمع والسياسة ليس الأمر بهذه البساطة، لأن كل القضايا الاجتماعية ذات ارتباط وثيق بالمعايير الخارجية، والقضايا الالتزامية ينبغي أن تتدخل مباشرة في الحكم عليها لأنه أحيانا تكون قضية ما صحيحة في حدِّ ذاتها، ومنطقية ومعقولة وذات قيمة، ويكون طرحها في أرضية معينة وفي زمان معين مرضا، وانحرافا، وفسادا، وكارثة".
إن غفلتنا عمّا أسمّاه شريعتي بـ"جغرافية الكلمة"؛ تركَ ميدان المجتمع خاليا ودون عقبات أمام (الاستعمار؟!) المحتال الخبير في الغرب، لكي يستطيع بطرح ما هو قابل للرد من الناحية الفلسفية والعلمية والأدبية والفنية أن يحول دون ما ينبغي طرحه بالفعل. وبسبب أننا فقط لم نكن واعين بالقضية القائلة لكل مقامٍ مَقال ولكل موضوعٍ مَقام، يؤكد شريعتي، على أنه لا ينبغي أن تخدعنا الكلمات والألفاظ؛ كالحرية، الشعب، حكم الجماهير،تبدو لنا "اتفاقات أبراهام"، والديانة الإبراهيمية والبيت الإبراهيمي أبعد من أن تكون شكلا من أشكال التطبيع المتعارف عليها، إنها تشكل مع اعتمادها خيوط السياسة المعقدة تحالفات تحاول تغيير، بل وانقلاب الصورة الذهنية حول العدو والعدوان، وحول جدوى المقاومة والمواجهة، فتبادر إلى طرح سؤال استقرت إجابته من قديم: من العدو؟ أصوات كل أفراد الأمة.. الخ، ونضيف إلى ذلك في مقامنا هذا الإبراهيمية التي فطن كثيرون فأسموها ضلالة القرن لإطلاق كل غدد التنبه والاستشعار بخطورة ما وراء الكلمات من ضرر بالغ وخطورة فادحة، وكأن هؤلاء أرادوا بذلك أن يلفتوا بتعبير ضلالة القرن إلى أنها من ذراري صفقة القرن التي استهدفت تصفية القضية الفلسطينية.
وكلمات من هذا القبيل ينبغي فقط أن تُعطى معاني في ظرفها الزماني والمكاني، لأن هذه الكلمات في ظروف أخرى لا يمكن أن تُعطي أي معنى، وهذه الكلمات تأخذ الشكل والإحساس والاتجاه في المجتمع من خلال الظروف العينية والواقعية لذلك المجتمع، وهي في كل جغرافيا سياسية واجتماعية ذات معان خاصة وتأثير خاص. ومن هنا فإن ما يثمر نتائج عظيمة جدا وراقية في مجتمع ما، قد لا يحمل في ثناياه بالنسبة لمجتمع آخر إلا الخراب والضعف، وتكون نتيجته شؤما وضررا على هذا المجتمع.
ومن هنا تبدو لنا "اتفاقات أبراهام"، والديانة الإبراهيمية والبيت الإبراهيمي أبعد من أن تكون شكلا من أشكال التطبيع المتعارف عليها، إنها تشكل مع اعتمادها خيوط السياسة المعقدة تحالفات تحاول تغيير، بل وانقلاب الصورة الذهنية حول العدو والعدوان، وحول جدوى المقاومة والمواجهة، فتبادر إلى طرح سؤال استقرت إجابته من قديم: من العدو؟ لكنها تعيد طرحه هذه المرة ضمن إزاحة فكرية من جراء "ترويج للإبراهيمية" المستجدة، وتحاول أن تصنع عدوا بديلا؛ وتصنّع له من قابليات وأدوات لهذا الإعلان الجديد وذلك العمل المريب، وتحدث خطابا متصهينا وعملا تطبيعيا سرطانيا يروج بدوره لخيانات متعددة ومتعدية في الأمة؛ واستهداف مراكز قوتها ونهوضها وتشل قدرتها التغييرية الفاعلة. فهل نعي درس جغرافية الكلمة للتعامل مع "وعد أبراهام"؟
وللحديث بقية حول المسألة الإبراهيمية الخادعة ومخاطرها التطبيعية الفادحة.
x.com/Saif_abdelfatah
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التطبيع الصهيونية التطبيع الصهيونية الابراهيمية مقالات مقالات مقالات صحافة مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذا الکیان ما یتعلق فی هذا
إقرأ أيضاً:
ثمار الشهادة في سبيل الله
الثورة /متابعات
الشهادة كقيمة أخلاقية وإنسانية
الشهادة هي في جوهرها قيمة أخلاقية وإنسانية عظيمة، تمثل أسمى درجات الإيمان والشجاعة في سبيل الله. هذه القيمة تعبر عن استعداد المؤمن للتضحية بنفسه من أجل قضية عادلة، وتجعل الشهداء مثالًا يُحتذى به في قمة الأخلاق والتفاني. ومن خلال الشهادة، يضع الشهيد نفسه في أعلى مراتب العطاء، فالشهادة لا تُعطي فقط للمؤمن حياة خالدة، بل تجعل من تضحياته إرثًا خالدًا يساهم في بناء مجتمع قوي قائم على القيم الإيمانية والإنسانية.
التصدي للعدو وحماية الأمة.. يأتي على يد الشهداء وتضحياتهم
الشهادة في سبيل الله تمثل الدرع الذي يحمي الأمة ويعزز مكانتها أمام أعدائها. المؤمنون الذين يضحون بأنفسهم من أجل حماية أمتهم وتحريرها من الظلم ينالون بذلك أعلى درجات الإخلاص والتضحية. وقد ورد في القرآن الكريم تشجيع على مقاومة الأعداء والوقوف ضد الظلم، كما في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” فالآية تحث المؤمنين على الثبات وتذكر الله في مواجهة العدو، مما يعكس عظمة الصمود والشجاعة في سبيل الله.
اليوم المعركة هي معركة الأمة كلُّ الأمة، والاستهداف ليس جديدًا في واقع هذه الأمة؛ وإنما هو وفق مراحل مستمرة، ونحن في مرحلة مهمة وحساسة، ووجدنا أن ثمرة مفهوم الشهادة في سبيل الله وفق المفهوم الصحيح، التقديم الصحيح، أثمر نصرًا في واقع هذه الأمة، وأصبحت نماذجه قائمة في الساحة وحاضرة في الساحة بكل نجاحٍ ملموسٍ وواضح. التجربة في فلسطين تجربة الجهاد والاستشهاد أثمرت نصرًا، حريةً، عزةً، كرامةً، ما نراه في قطاع غزة هو نموذج حي، يشهد لصحة وإيجابية وأهمية وضرورة هذا المفهوم، عندما يقدَّم بشكل صحيح كيف يصنع في واقع الأمة متغيرات مهمة وإيجابية، يصنع الحرية بإرادة الله “سبحانه وتعالى”، والكرامة والعزة والاستقلال، يصنع النصر.
عندما نجد النموذج في لبنان أمامنا متجسدًا ومنذ سنوات عديدة، منذ بداية انطلاقة المقاومة الإسلامية في لبنان، ثم ما صنعته من انتصارات كبيرة في عام 2000م وفي عام 2006م، وما منَّ الله به -أيضًا- من انتصارات لاحقة في لبنان وسوريا وغيرها، وكذلك ما تقدمه المقاومة الإسلامية في لبنان اليوم من ثبات وتضحيات عظيمة رغم استشهاد قادتها و في المقدمة أمين الأمة وشهيدها السيد حسن نصر الله وكذلك الثبات الأسطوري للمقاومة الفلسطينية رغم همجية العدو وحجم التضحيات و الدمار في قطاع غزة ما تزال ثابته منذ أكثر من عام, كما نجد ما قبل ذلك نموذجًا عظيمًا وكبيرًا متمثلًا بالثورة الإسلامية في إيران، حررت إيران الإسلام من هيمنة أمريكا، ومن نفوذ إسرائيل، ومن الأداة التي كان يعتمد عليها الأمريكيون والإسرائيليون في السيطرة على الشعب الإيراني المسلم، متمثلةً بالنظام الملكي و(الشاه) آنذاك، ثم فتحت المجال أمام الجمهورية الإسلامية لتكون نموذجًا ورائدًا كبيرًا في الساحة الإسلامية، في الحرية والاستقلال، والتصدي للهيمنة الأمريكية، والتصدي للعدو الإسرائيلي.
النموذج القائم في سوريا والعراق، والنموذج القائم والمتجسد في التضحيات الكبيرة وفي العزم الذي لا يلين الذي يقدمه شعب البحرين، نماذج تاريخية كثيرة في مختلف الأقطار العربية والإسلامية، وفي مختلف المراحل لأمتنا.
إن كل ذكرى من العزة، وإن كل ذكرى للنصر هي مرتبطة بهذا المفهوم العظيم، وهذا كافٍ في أن ندرك مدى أهميته، ومدى قيمته، ومدى ما يترتب عليه في واقع هذه الحياة الدنيا والآخرة.
واجب الأمة تعزيز روح التضحية بين الأجيال
واجب الأمة تجاه شهدائها لا يتوقف عند إحياء ذكراهم، بل يتعدى ذلك إلى تعزيز روح التضحية في نفوس الأجيال المقبلة، يجب أن يُزرع في نفوس الشباب حب التضحية لأجل الله واستعدادهم لبذل أرواحهم في سبيل القيم والمبادئ النبيلة. فالحفاظ على إرث الشهداء يتمثل في إحياء هذا العطاء الخالد في قلوب المسلمين، ليصبحوا على أتم الاستعداد للذود عن حياض الأمة وقيمها.
ويأتي ذلك في إطار قوله تعالى: “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ” (الأنفال: 60)، فالآية تحث المسلمين على الاستعداد الدائم وتربية النفوس على الجهاد والصبر.
الاعتناء بأسر الشهداء
تقتضي مسؤولية الأمة نحو الشهداء الاعتناء بأسرهم، ومواساتهم والوقوف إلى جانبهم، لأنهم فقدوا أحب الناس إليهم من أجل رفعة الأمة، وهذا الوفاء لا يقل أهمية عن التضحية ذاتها، إذ يجسد تقدير المجتمع لذوي الشهداء ولتضحياتهم. ينبغي أن يكون لكل أسرة شهيد مكانة خاصة في المجتمع، وأن يكون هناك نظام كامل من الدعم والرعاية لهم، تعبيرًا عن تقدير الأمة لعطاء ذويهم وتكريمًا لما قدموه في سبيل الله.
ختامًا، يتبين لنا أن الشهادة ليست مجرد تضحيات عابرة، بل هي قمة العطاء في سبيل الله، هذا العطاء الخالد يزرع في الأمة الثبات، والعزيمة، والقوة لمواجهة كل الصعاب، ويحصنها من هيمنة الأعداء، من الطواغيت والمنافقين، كما أن عطاء الشهداء يخلق إرثًا من الإيمان والشجاعة يحافظ على بقاء الأمة، ويدفع بها نحو النصر.
أن واجبنا تجاه الشهداء في إحياء ذكراهم، وتعزيز روح التضحية في نفوس الأجيال، وتكريم أسرهم تقديرًا لما قدموه.
في كل شهادة نبض جديد لقلب الأمة، وفي كل تضحية تفتح أبواب العزة والكرامة، تحقيقًا لوعود الله لعباده المؤمنين بالنصر والثبات.