عربي21:
2024-09-20@22:47:10 GMT

مقدمات عظام حول وعد أبراهام

تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT

من الأمور المهمة في مقالتنا تلك أن نؤكد أن التطبيع يستخدم كل الألاعيب في التعامل مع تلك القضية، فهو مسكون بعمليات تدليس وتلبيس، وأخرى كعمليات تزييف وتزوير، وأمامنا هنا مثلث غاية في الخطورة:

أول الأضلاع يتعلق بسرقة المفاهيم واغتصاب الكلمات، وهي عملية أساسية يقوم عليها أهل التطبيع وعرابينه لتمرير هذه العمليات التطبيعية في أوعية متنوعة وتعتمد أساليب التغرير والتغييم والتزوير.

المفاهيم من أخطر المجالات والمناطق التي يتلاعب بها العدو وأزلامه، وهي عمليات تجري من مثل التسميم السياسي والغزو المعنوي، مستخدمة كافة الأساليب الفردية والجماعية لتحقيق أهدافها والوصول إلى مقاصدها الدنيئة بالعمل ضد الأمة ومصالحها التأسيسية وشأن هذا الصراع المصيري، الذي تحاول أن تنفي عنه أية صبغة عقدية ترتبط بالمقدسات "القدس" و"الأقصى"، في محاولة لتجاهل طبيعة الصراع العقدي وأهمية رؤية طبيعته الجوهرية وخصائصه الأساسية.

أما الضلع الثاني؛ فيرتبط بسياسات شد الأطراف التي تعد أحد أهم الوسائل الكبرى التي يستغلها أصحاب السياسيات التطبيعية، لتسكين العدو الصهيوني ضمن الوسط الإقليمي، ونزع فتيل المقاومة ضده، سواء أكانت سياسات شد الأطراف تعنى بجغرافيا دول الطوق والتطبيع معها بشكل مباشر أو غير مباشر، أو ضمن علاقاتها بالأقليات في العالم العربي، واستخدامها كأدوات للتجزئة والتقسيم والتفتيت، وكذلك استخدام دول بعينها تشكل أطراف العالم العربي لتقوم بدور العرابين ضمن سياسات التطبيع، وعلى رأسها الإمارات والمغرب.

أخطر ما في هذا المسار هو استخدام الدين وتوظيفه في سبيل عمل وقصد مشين. ولعل النموذج الذي نتتبعه في هذا المقام ألا وهو ما يتعلق باتفاقات أبراهام، ودعوى الديانة الإبراهيمية، والبيت الإبراهيمي.. كلها وفي سياقاتها المتداخلة تمثل أخطر الاستراتيجيات والسياسات فيما يتعلق بالتوظيف البائس للدين بحيث ينطلي على ضعاف العقول والنفوس
أما الضلع الثالث؛ فإنما يتضافر مع هذين المسارين في عمليات تزييف الوعي وتمرير المفاهيم التطبيعية على مستوى العقول وعلى مستوى التأسيس، وباعتبار تلك مؤسسات الضرار التي تضر بالأمة وكيانها؛ وبالقضية الفلسطينية ومقاومتها وصمودها.

أخطر ما في هذا المسار هو استخدام الدين وتوظيفه في سبيل عمل وقصد مشين. ولعل النموذج الذي نتتبعه في هذا المقام ألا وهو ما يتعلق باتفاقات أبراهام، ودعوى الديانة الإبراهيمية، والبيت الإبراهيمي.. كلها وفي سياقاتها المتداخلة تمثل أخطر الاستراتيجيات والسياسات فيما يتعلق بالتوظيف البائس للدين بحيث ينطلي على ضعاف العقول والنفوس، ليترافق كل هذا مع الضلعين السابقين بما يجعل من التطبيع ليس حالات فردية أو ثنائية، إلى حالة جماعية تتم من خلال عمليات الخداع الجماعي باسم الدين وغطاءاته وتوظيفاته. يقع هذا ضمن حركتين تشيران إلى حالتين من الوعي التدافعي:

الأولى: ترتبط بوعي الأهداف والاستراتيجيات والسياسات التي تتعلق بمحاولة إقرار أمر واقع، وتشكيل واقع مستجد يقبل بالسرطان الصهيوني في الجسد العربي والإسلامي حتى يقوم ذلك الانتشار السرطاني بتوهين كيان الأمة وشل حركتها الفاعلة في المقاومة والمدافعة الحقة.

الثانية: تتمثل في الوعي الاستراتيجي بهذا الصراع وطبيعته بكونه صراعا "مصيريا وجوديا"، و"حضاريا ومعرفيا"، و"عقديا ومقدسا"، تشكل طاقته الرمزية أمرا لا يستهان به أو القفز عليه. وتبدو لنا عمليات التخفي في هذا التدافع الاستراتيجي، ومحاولة التسميم السياسي والحضاري، من أولويات الأمة في تأسيس وتأمين واحتضان موارد مقاومتها الحضارية الشاملة والمتكاملة والمتراكمة، لا ينال منها لص محترف أو غاصب مختل، أو سحرة إعلام يخترعون صنوفا في التسلل إلى قدرات الأمة، وإقصائها وإخصائها، فيستخدمون القوة الظاهرة والكامنة والصلبة والناعمة لخلية أمر واقع جديد وتمكين العمليات القطعية.

"يعتبر الوعي بالأبعاد الفكرية والحضارية وامتلاك المعرفة التاريخية والاستراتيجية في تقاطعاتها الاجتماعية والنفسية والدينية والسياسية، الوقود الوحيد الضامن لاستمرار النضال من أجل القضية الفلسطينية وجعلها البوصلة الوطنية والإنسانية والأخلاقية للأمة الإسلامية ولكل أحرار العالم"، هكذا يؤكد الباحث القدير سلمان أبو نعمان.

"فالباحث العلمي والمناضل السياسي والناشط المدني في زماننا لا يستطيع أن يكون وطنيا حقا ولا عروبيا حقا ولا إسلاميا حقا، إذا تخلى عن قضية فلسطين وانحاز إلى تبرير التصهين والاحتلال والتطبيع وتجريم خيار المقاومة؛ ذلك أن افتقاد هذا الوعي الاستراتيجي المركب يؤدي إلى حالة من الشيخوخة الروحية والاستسلام النفسي والمعرفي لتصورات الغالب وقيمه ومنطقه، والممزوج بنمط من "الخيانة الحضارية"، آخر ثماره البروز الجلي لتيار ثقافي وسياسي عربي متصهين الوجهة والمسار والتكوين والاستراتيجيات، يتبنى الأطروحة الصهيونية في المنطقة ومقولاتها التضليلية، محاولا إسقاط مفاهيم المقاومة والحق والتحرير من المعجم العربي والفلسطيني والإسلامي، والهجوم الشرس على أي خطاب يستند عليها في بناء رؤيته لتحرير فلسطين. إذا كان "وعد بلفور" مثّل تمهيدا لإنشاء كيان مرَضي سرطاني مصطنع في الأمة استهدافا لها؛ فإن "وعد أبراهام" إنما يعني استمرارية وتوطين هذا الكيان السرطاني المصطنع، هذا الكيان القاتل العدواني الغاصب الاحتلالي والاستيطاني الفاجر؛ الأول أصدرته بريطانيا؛ والثاني تحاول تمريره الولايات المتحدة الأمريكية وريثتها ضمن صفقة القرن المزعومةإن تغييب البعد المعرفي والرؤية الحضارية لا يمكننا من فهم طبيعة الصراع القائم في المنطقة ووعي خطورة المشروع الصهيوني وأبعاده وسياقاته ومقولاته وأساطيره وجذور الفكر الصهيوني الفلسفية والدينية وأصوله التاريخية، ولا يجعلنا نمتلك القدرة على تقييم مسار الحركة الوطنية الفلسطينية وخياراتها وأعطابها، والاعتبار من مسار حركات التحرر الوطني وتجاربها".

إن مفهوم "وعد أبراهام" الذي صدرنا به هذا المقال كان أمرا مقصودا لينبه الى تعلقه بالذاكرة الحضارية التي حملت لنا مفاهيم آلت الى النكبة الأولى؛ مثل ما أطلق عليه "وعد بلفور" المشئوم والملعون. فإذا كان "وعد بلفور" مثّل تمهيدا لإنشاء كيان مرَضي سرطاني مصطنع في الأمة استهدافا لها؛ فإن "وعد أبراهام" إنما يعني استمرارية وتوطين هذا الكيان السرطاني المصطنع، هذا الكيان القاتل العدواني الغاصب الاحتلالي والاستيطاني الفاجر؛ الأول أصدرته بريطانيا؛ والثاني تحاول تمريره الولايات المتحدة الأمريكية وريثتها ضمن صفقة القرن المزعومة.

ومن الناحية المنهجية حول مسألة الإبراهيمية التي طفحت على السطح ضمن حركة تطبيعية شاملة على طريق التصهين والهرولة لعقد اتفاقات؛ وربما تحالفات مشبوهة ومفضوحة وضمن عملية ترويج تُضخ فيها الأعمال والإعلام والمال؛ يعبر شريعتي بفطنة واقتدار عن مفهوم يجب تدبر معانيه ومغازيه، والذي عبر عنه بجغرافية الكلمة أنه "يمكن معرفة صحة قضية فلسفية أو علمية أو أدبية أو بطلانها بمعايير المنطق والاستدلال والتجربة. لكن بالنسبة للقضية الاجتماعية والحضارية ينبغي أن تكون لدينا معلومات عن زمانها ومكانها ثم نقرّر في شأنها، لأنه في العلوم تكون القضايا إما صحيحة أو غير صحيحة، لكن في المجتمع والسياسة ليس الأمر بهذه البساطة، لأن كل القضايا الاجتماعية ذات ارتباط وثيق بالمعايير الخارجية، والقضايا الالتزامية ينبغي أن تتدخل مباشرة في الحكم عليها لأنه أحيانا تكون قضية ما صحيحة في حدِّ ذاتها، ومنطقية ومعقولة وذات قيمة، ويكون طرحها في أرضية معينة وفي زمان معين مرضا، وانحرافا، وفسادا، وكارثة".

إن غفلتنا عمّا أسمّاه شريعتي بـ"جغرافية الكلمة"؛ تركَ ميدان المجتمع خاليا ودون عقبات أمام (الاستعمار؟!) المحتال الخبير في الغرب، لكي يستطيع بطرح ما هو قابل للرد من الناحية الفلسفية والعلمية والأدبية والفنية أن يحول دون ما ينبغي طرحه بالفعل. وبسبب أننا فقط لم نكن واعين بالقضية القائلة لكل مقامٍ مَقال ولكل موضوعٍ مَقام، يؤكد شريعتي، على أنه لا ينبغي أن تخدعنا الكلمات والألفاظ؛ كالحرية، الشعب، حكم الجماهير،تبدو لنا "اتفاقات أبراهام"، والديانة الإبراهيمية والبيت الإبراهيمي أبعد من أن تكون شكلا من أشكال التطبيع المتعارف عليها، إنها تشكل مع اعتمادها خيوط السياسة المعقدة تحالفات تحاول تغيير، بل وانقلاب الصورة الذهنية حول العدو والعدوان، وحول جدوى المقاومة والمواجهة، فتبادر إلى طرح سؤال استقرت إجابته من قديم: من العدو؟ أصوات كل أفراد الأمة.. الخ، ونضيف إلى ذلك في مقامنا هذا الإبراهيمية التي فطن كثيرون فأسموها ضلالة القرن لإطلاق كل غدد التنبه والاستشعار بخطورة ما وراء الكلمات من ضرر بالغ وخطورة فادحة، وكأن هؤلاء أرادوا بذلك أن يلفتوا بتعبير ضلالة القرن إلى أنها من ذراري صفقة القرن التي استهدفت تصفية القضية الفلسطينية.

وكلمات من هذا القبيل ينبغي فقط أن تُعطى معاني في ظرفها الزماني والمكاني، لأن هذه الكلمات في ظروف أخرى لا يمكن أن تُعطي أي معنى، وهذه الكلمات تأخذ الشكل والإحساس والاتجاه في المجتمع من خلال الظروف العينية والواقعية لذلك المجتمع، وهي في كل جغرافيا سياسية واجتماعية ذات معان خاصة وتأثير خاص. ومن هنا فإن ما يثمر نتائج عظيمة جدا وراقية في مجتمع ما، قد لا يحمل في ثناياه بالنسبة لمجتمع آخر إلا الخراب والضعف، وتكون نتيجته شؤما وضررا على هذا المجتمع.

ومن هنا تبدو لنا "اتفاقات أبراهام"، والديانة الإبراهيمية والبيت الإبراهيمي أبعد من أن تكون شكلا من أشكال التطبيع المتعارف عليها، إنها تشكل مع اعتمادها خيوط السياسة المعقدة تحالفات تحاول تغيير، بل وانقلاب الصورة الذهنية حول العدو والعدوان، وحول جدوى المقاومة والمواجهة، فتبادر إلى طرح سؤال استقرت إجابته من قديم: من العدو؟ لكنها تعيد طرحه هذه المرة ضمن إزاحة فكرية من جراء "ترويج للإبراهيمية" المستجدة، وتحاول أن تصنع عدوا بديلا؛ وتصنّع له من قابليات وأدوات لهذا الإعلان الجديد وذلك العمل المريب، وتحدث خطابا متصهينا وعملا تطبيعيا سرطانيا يروج بدوره لخيانات متعددة ومتعدية في الأمة؛ واستهداف مراكز قوتها ونهوضها وتشل قدرتها التغييرية الفاعلة. فهل نعي درس جغرافية الكلمة للتعامل مع "وعد أبراهام"؟

وللحديث بقية حول المسألة الإبراهيمية الخادعة ومخاطرها التطبيعية الفادحة.

x.com/Saif_abdelfatah

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التطبيع الصهيونية التطبيع الصهيونية الابراهيمية مقالات مقالات مقالات صحافة مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذا الکیان ما یتعلق فی هذا

إقرأ أيضاً:

إسمنت مستوحى من عظام الإنسان أقوى 5 مرات من الخرسانة

طور باحثون في جامعة برينستون الأمريكية نوعاً جديداً من العجينة الأسمنتية التي تتفوق قوتها على المواد التقليدية مثل الخرسانة بأكثر من 5 مرات، مما يساهم في تعزيز متانة البناء بشكل كبير، والمثير للانتباه هو أن هذه العجينة مستوحاة من عظم الإنسان.

وتم تصميم هذا الأسمنت لمقاومة التشقق وتعزيز المتانة الهيكلية بشكل مستوحى من البنية الأنبوبية للعظم القشري البشري، وهي الطبقة الخارجية لعظم الفخذ، بحسب الدراسة التي نُشرت في مجلة Advanced Materials.

وأوضح الباحث الرئيسي شاشانك جوبتا، المرشح لنيل درجة الدكتوراه من جامعة برينستون، أن المواد الهشة مثل الأسمنت غالباً ما تفشل فجأة وبطريقة كارثية، فعندما تتشكل الشقوق في هذه المواد، يمكن أن يؤدي نقص المتانة إلى انهيارات مفاجئة، مما يشكل خطراً كبيراً على المباني والأرواح.

وأكد جوبتا على ضرورة تطوير مواد بناء قادرة على مقاومة انتشار الشقوق وتوزيع تأثير الضرر بشكل آمن.

الطبيعة مصدر الإلهام

لمعالجة هذه المشكلة، استعان الباحثون بالطبيعة كمصدر إلهام، ودرسوا العظام القشرية التي تدعم وزن الجسم وتقاوم الكسور.

وتتميز العظام القشرية بوجود أنابيب بيضاوية تعرف باسم وحدات العظم، والتي تساعد في صد الشقوق ومنع الفشل السريع.

خصائص العظام البشرية

مستلهماً من خصائص العظام البشرية، ابتكر الفريق عجينة أسمنتية تتضمن أنابيب أسطوانية وبيضاوية مماثلة، مما يحسن بشكل كبير مقاومة الشقوق. عندما يتشكل شق، تعمل هذه الأنابيب كعائق يؤخر انتشاره ويبدد الطاقة التي قد تسهم في تسريع الضرر، مما يمنح الهيكل مزيداً من الوقت لتحمل الإجهاد ومنع التصدّع المفاجئ.

وشرح جوبتا أن ما يجعل هذه الآلية فريدة هو التحكم في انتشار الشقوق، مما يمنع التصدع الكارثي ويجعل المادة أكثر صلابة بفضل تحملها للضرر التدريجي.
وبخلاف الطرق التقليدية التي تعزز الأسمنت بالبلاستيك أو الألياف، يركز هذا النهج على استخدام الهندسة – تحديداً شكل الأنابيب وأحجامها واتجاهاتها – لتعزيز المتانة.

مادة قابلة للتطوير 

كما طوّر الفريق إطاراً لتقييم درجة الاضطراب في بنية عجينة الأسمنت، مما قد يسهم في جعل هذه المادة الجديدة قابلة للتطوير وعملية للاستخدام على نطاق واسع.

ويعتقد فريق البحث أن هذا التقدم الهندسي يمكن أن يؤدي إلى صنع مواد بناء أكثر مرونة، كما يمكن تطبيق هذه التقنية على مواد هشة أخرى.

مقالات مشابهة

  • مقدمات نشرات الأخبار المسائية
  • ثورة 21 سبتمبر تتوج نجاح أهدافها بنصرة قضايا الأمة ومواجهة العدو التاريخي
  • غرق شخص في ترعة الإبراهيمية في ظروف غامضة بالمنيا
  • مقدمات نشرات الاخبار المسائية
  • مقدمات نشرات الأخبار المسائية ليوم الأربعاء
  • إسمنت مستوحى من عظام الإنسان أقوى 5 مرات من الخرسانة
  • وقفة في جامعة الحديدة تبارك عملية ” يافا” وتندد بمجازر كيان العدو الصهيوني
  • الكشف على 814 مريض ضمن قافلة مبادرة"بداية "بالحاكمية في الدقهلية
  • فحص 814 مريضا في أول قافلة طبية ضمن مبادرة «بداية» بالدقهلية
  • مقدمات في الدعاية والدعوة بين المقاومة والعدو.. قاموس المقاومة (44)