ذكاء آبل الاصطناعي.. هل يمكنه إنقاذ مبيعات آيفون المتراجعة؟
تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT
قد يرى كثير من المحللين والمتابعين أن آبل تأخرت في دخول سباق الذكاء الاصطناعي، لكنها قررت أخيرا الإعلان عن بداية دخولها السباق في الكلمة الافتتاحية لمؤتمر المطورين السنوي، وأعلنت عن مجموعة من الميزات الجديدة القادمة لأجهزتها التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
ووصف تيم كوك نهج آبل في هذا المجال بأنه ذكاء اصطناعي "خاص بك ويفهم احتياجاتك"، وأطلقت عليه الشركة -كعادتها- مصطلحا خاصا بها وهو "ذكاء آبل" (Apple Intelligence).
كما ذكرت الشركة أن عمليات معالجة الذكاء الاصطناعي ستحدث داخل الجهاز نفسه لضمان الحفاظ على خصوصية المستخدم، مما يتطلب شريحة معالجة "إيه 17 برو" أو شريحة من سلسلة معالجات "إم". وعند الحاجة إلى الوصول إلى الحوسبة السحابية، ستنتقل البيانات إلى "سحابة خاصة"، مما يضمن عدم تخزينها على خوادم الشركة وستحدث عمليات تحقق مستقلة من خبراء للتأكد من ادعاءات الشركة المتعلقة بخصوصية البيانات.
وكذلك أكدت آبل صفقتها مع شركة أوبن إيه آي، إذ سيتوفر روبوت المحادثة "شات جي بي تي"، المعتمد على نموذج "جي بي تي 4 أو"، بأنظمة التشغيل "آي أو إس" و"ماك أو إس" و"آيباد أو إس" لاحقا هذا العام، إذ يمكن للمساعد الرقمي "سيري" اللجوء إليه عندما لا يتمكن من تنفيذ ما يطلبه المستخدم.
وعندما يفعل هذا، تذكر آبل أنه سيطلب إذن المستخدم أولا. كما أكدت الشركة أنها ستبدأ بأفضل روبوت محادثة الآن، لكنها ستدعم نماذج أخرى من الذكاء الاصطناعي في المستقبل.
لكن الهدف بالنسبة لآبل من وراء تلك التقنيات الجديدة ليس مجرد دخول هذا السباق، لكنه طموح أكبر لبيع مزيد من هواتف آيفون، كما أشار بعض الخبراء والمحللين في تقرير نشرته رويترز.
تواجه شركة آبل إنفاقا استهلاكيا مضطربا ومنافسين صاعدين بقوة في مجال التقنية، لذا تطلعت الشركة إلى الذكاء الاصطناعي لتنشيط قاعدة عملائها المخلصين الذين يزيد عددهم عن مليار عميل ولتتدارك تراجع مبيعات منتجها الأكثر مبيعا، وهو هاتف الآيفون، كما أشار تقرير رويترز.
وأظهر أحدث تقرير سنوي للشركة أن عائدات آبل من هواتف آيفون للسنة المالية المنتهية في سبتمبر/أيلول 2023 بلغت 200.6 مليار دولار، بانخفاض عن العام السابق الذي بلغت فيه العائدات 205.5 مليارات دولار، وفقا لرويترز.
تشغيل تلك التقنيات الجديدة على الأجهزة مباشرة يعني أنها ستعمل على هواتف "آيفون 15 برو" و"برو ماكس"، وقد يشجع هذا الأمر محبي هواتف آبل على موجة جديدة من ترقية هواتفهم، وفقا لآراء عدد من المحللين في المجال.
وتوقع بعضهم أن تكون أكبر دورة لترقية الهواتف في الخريف القادم منذ إصدار آبل لهاتف "آيفون 12" عام 2020، الذي جذب العملاء جزئيا بفضل تقنية الاتصال بشبكة الجيل الخامس. وقال المحلل جيل لوريا من شركة دي إيه ديفيدسون -في تصريح نشرته رويترز- "ما رأيناه في فعالية آبل كان مقنعا أكثر من أي شيء رأيناه منذ ذلك الحين".
ومن وجهة نظر دان آيفز، المحلل في شركة ويدبوش للأوراق المالية، فإن ذلك يمثل بالنسبة لآبل فرصة هائلة، إذ قدّر أن نحو 270 مليون جهاز آيفون لم تحصل على ترقية منذ 4 سنوات.
وصرح آيفز لرويترز "نقدر أن أكثر من 15% من قاعدة مستخدمي آبل الثابتة سيرقون هواتفهم إلى آيفون 16، لأن ذكاء آبل هو التطبيق القاتل الذي ينتظره كثيرون". ومن المتوقع أن تصدر سلسلة هواتف "آيفون 16" الخريف القادم.
كما ذكر جين مونستر، الشريك الإداري في شركة ديب ووتر لإدارة الأصول، أن ثمة ميزة أخرى في ما تقدمه آبل وهي سهولة التكامل مع "شات جي بي تي"، وذكر: "إنهم يتخلصون فعلا من العقبات التي تحول دون استخدام الذكاء الاصطناعي".
لكن على الجهة المقابلة، أعرب بعض المحللين عن تشكّكهم في هذا الأمر، وتوقعوا ألا يتسابق العملاء إلى متاجر آبل لاقتناء أجهزة تعمل بالذكاء الاصطناعي. وذكر المحلل ديبانجان تشاترجي من شركة فورستر: "ربما يوجد ما يكفي في أجهزة أبل الجديدة والمحسّنة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لإيقاف نزيف بعض إيرادات الأجهزة الذي كان يحدث مؤخرا، ولكن لا يوجد ما يكفي لتشكيل فئة جديدة من العملاء".
وكان سهم الشركة قد تراجع بنسبة 2% عقب إعلان آبل عن التقنيات الجديدة وفقا لتقرير رويترز، ليذكر المحلل تيجاس ديساي من شركة غلوبال إكس: "من الواضح أن المستثمرين يرغبون في إستراتيجية أكثر شمولا وطموحا من آبل حين يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي".
كما تروج آبل لفكرة الحفاظ على الخصوصية ضمن حزمة تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، إذ ذكرت أن ذكاء آبل "مدمج في صميم جهازك الآيفون والآيباد والماك عبر المعالجة داخل الجهاز نفسه". لكن في الحالات التي يتعذر فيها على هاتف آيفون معالجة أنشطة المستخدم أو استفساراته على هاتفه، فإن ذكاء آبل سيرسل بيانات المستخدم إلى أحد خوادم الشركة، الذي سيحافظ على البيانات الشخصية لهذا المستخدم.
وهو ما يطرح السؤال: إن كانت آبل تخطط فعلا لنقل بعض عمليات المعالجة إلى السحابة الخاصة بها، ألا يمكن لهاتف آيفون الأقدم قليلا، مثل آيفون 14 برو الذي يعمل بشريحة معالجة أقدم، أن يحظى أيضا بميزات الذكاء الاصطناعي؟
وفي هذا السياق، يذكر مايكل غارتنبرغ، محلل تكنولوجيا المستهلكين في شركة فلاش للاستشارات والأبحاث الذي عمل سابقا في شركة آبل، لموقع وايرد: "لا أعرف تقنيا في هذه المرحلة إذا ما كانت شركة آبل مخادعة بشأن الأجهزة التي يمكنها تشغيل تلك التقنيات. ولكني أعرف أن أجهزة آيفون بإمكانها تشغيل شات جي بي تي وكثير من ميزات الذكاء الاصطناعي من غوغل، لذا أشك أن تكون تلك هي الفرصة التي تنتظرها آبل لتخبرك أن آيفون 13 لم يعد جيدا بما فيه الكفاية".
كما يذكر غارتنبرغ أن السؤال الآخر الذي يطرحه تقديم ذكاء آبل، والمتعلق بمبيعات آيفون، هو: "هل يمنح هذا للمستهلكين سببا لعدم شراء آيفون قبل الخريف القادم، مما يوقف دورة شراء آيفون الحالية؟".
وذلك على افتراض أن العملاء يرغبون في ميزات الذكاء الاصطناعي التوليدي من الأساس، إذ تشير نتائج استطلاع مركز "بيو" (Pew) إلى أن المستهلكين الأميركيين يشعرون بالقلق أكثر من تحمسهم للذكاء الاصطناعي التوليدي، وفقا لموقع وايرد.
ونظرا لأن ذكاء آبل سيتوفر باللغة الإنجليزية الأميركية فقط في البداية، من المستبعد أن يعزز مبيعات آيفون في دول أخرى على الفور، مثل الصين وهي من أهم أسواق آبل في مبيعات آيفون، إلا إذا أجرت آبل بعض "التحسينات المستقبلية" المهمة، كما تشير كارولينا ميلانيسي، مؤسسة شركة الأبحاث "هارت أوف تيك"، وفقا لموقع وايرد.
لكن على كل الأحوال، سننتظر إلى الخريف القادم، عندما تصدر سلسلة هواتف آيفون 16، حتى نرى كيف ستؤثر تقنيات الذكاء الاصطناعي على مبيعات هواتف آيفون.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الذکاء الاصطناعی التقنیات الجدیدة الخریف القادم مبیعات آیفون هواتف آیفون شات جی بی تی ذکاء آبل فی شرکة
إقرأ أيضاً:
كيف تمكنت ديب سيك من بناء الذكاء الاصطناعي الخاص بها بأموال أقل؟
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرًا يسلط الضوء على كيفية نجاح شركة "ديب سيك" الصينية الناشئة في بناء أحد أقوى أنظمة الذكاء الاصطناعي في العالم باستخدام عدد أقل بكثير من الرقائق الحاسوبية مقارنة بالشركات الكبرى.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن شركات الذكاء الاصطناعي عادة ما تقوم بتدريب روبوتات الدردشة الآلية الخاصة بها باستخدام أجهزة كمبيوتر عملاقة مزودة بـ16,000 شريحة متخصصة أو أكثر، لكن شركة "ديب سيك" قالت إنها تحتاج إلى حوالي 2,000 شريحة فقط.
وأوضح مهندسو الشركة بالتفصيل في ورقة بحثية؛ فقد استخدمت الشركة الناشئة العديد من الحيل التكنولوجية لتقليل تكلفة بناء نظامها؛ حيث احتاج مهندسوها إلى حوالي 6 ملايين دولار فقط من قوة الحوسبة الخام، أي ما يعادل عُشر ما أنفقته شركة ميتا في بناء أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي.
كيف يتم بناء تقنيات الذكاء الاصطناعي؟
وأوضحت الصحيفة أن تقنيات الذكاء الاصطناعي الرائدة تعتمد على ما يسمى بالشبكات العصبية، وهي أنظمة رياضية تتعلم مهاراتها من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات.
وتقضي أقوى الأنظمة شهورًا في تحليل جميع النصوص الإنجليزية على الإنترنت، بالإضافة إلى العديد من الصور والأصوات والوسائط المتعددة الأخرى، مما يتطلب كميات هائلة من القدرة الحاسوبية.
وقد أدرك باحثو الذكاء الاصطناعي منذ حوالي 15 سنة أن رقائق الكمبيوتر المتخصصة التي تسمى وحدات معالجة الرسومات تعد وسيلة فعالة للقيام بهذا النوع من تحليل البيانات، وقد صممت شركات مثل شركة إنفيديا هذه الرقائق لعرض رسومات ألعاب الفيديو على الكمبيوتر في الأصل، ولكن وحدات معالجة الرسومات كانت لديها القدرة أيضًا على تشغيل العمليات الحسابية التي تدعم الشبكات العصبية.
ومع قيام الشركات بتعبئة المزيد من وحدات معالجة الرسومات في مراكز بيانات الحواسيب الخاصة بها، أصبح بإمكان أنظمة الذكاء الاصطناعي تحليل المزيد من البيانات.
ولكن أفضل وحدات معالجة الرسومات تكلف حوالي 40,000 دولار، وتحتاج إلى كميات هائلة من الكهرباء.
كيف تمكنت "ديب سيك" من خفض التكاليف؟
أشارت الصحيفة إلى أن أبرز ما فعلته الشركة هو اعتمادها على طريقة تسمى "خليط الخبراء".
وقد كانت الشركات سابقًا تنشئ شبكة عصبية واحدة تتعلم جميع الأنماط في جميع البيانات الموجودة على الإنترنت، وكان ذلك مكلفا لأنه يتطلب كميات هائلة من البيانات للتنقل بين رقاقات وحدة معالجة الرسومات.
ومن خلال طريقة "خليط الخبراء"، حاول الباحثون حل هذه المشكلة عن طريق تقسيم النظام إلى العديد من الشبكات العصبية، وهكذا يكون هناك 100 من هذه الأنظمة "الخبيرة" الأصغر حجمًا، ويمكن لكل منها التركيز على مجاله الخاص.
لقد عانت العديد من الشركات لتنفيذ هذه الطريقة، لكن شركة "ديب سيك" تمكنت من القيام بذلك بشكل جيد؛ حيث قامت بإقران تلك الأنظمة "الخبيرة" الأصغر حجمًا مع نظام "عام".
فقد كانت الأنظمة الخبيرة لا تزال بحاجة إلى تبادل بعض المعلومات مع بعضها البعض، وكان بإمكان النظام "العام" المساعدة في تنسيق هذه التفاعلات بينها.
وأضافت الصحيفة أن هذا ليس الشيء الوحيد الذي قامت به "ديب سيك"؛ حيث أتقنت أيضًا خدعة بسيطة تتضمن الكسور العشرية التي يمكن لأي شخص يتذكر درس الرياضيات في المدرسة الابتدائية أن يفهمها.
واستخدمت الشركة طريقة تبسيط الأرقام التي يستخدمها دارسو الرياضيات عند التعامل مع الأرقام التي لا تنتهي مثل رمز باي، والذي يُشار إليه أيضًا بـ π، وهو عدد لا ينتهي أبدًا: 3.14159265358979…
يمكن استخدام باي لإجراء عمليات حسابية مفيدة، ولكن عند إجراء هذه الحسابات، يمكنك اختصار باي إلى بضعة أعداد عشرية فقط: 3.14.
وقد قامت "ديب سيك" بشيء مماثل - ولكن على نطاق أوسع بكثير - في تدريب تقنية الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.
وبيّنت الصحيفة أن العمليات الحسابية التي تسمح للشبكة العصبية بتحديد الأنماط في النص هي في الحقيقة مجرد عمليات ضرب، الكثير والكثير من عمليات الضرب.
وعادة ما تقوم الرقائق بضرب الأرقام التي تتناسب مع 16 بت من الذاكرة، لكن "ديب سيك" ضغطت كل رقم في 8 بتات فقط من الذاكرة، أي أنها اقتطعت عدة كسور عشرية من كل رقم.
وهذا يعني أن كل عملية حسابية كانت أقل دقة، لكن ذلك لم يكن مهمًا لأن العمليات الحسابية كانت دقيقة بما فيه الكفاية لإنتاج شبكة عصبية قوية جدًا.
وتابعت الصحيفة بأن الشركة أضافت خدعة أخرى؛ حيث اتخذ مهندسوها مسارًا مختلفًا عند ضرب الأرقام معًا بعد ضغطها، فعند تحديد إجابة كل مسألة ضرب، كانوا يقومون بتمديد الإجابة عبر 32 بت من الذاكرة، أي أنهم احتفظوا بالعديد من الكسور العشرية، مما جعل الإجابة أكثر دقة.
لقد أظهر مهندسو "ديب سيك" في ورقتهم البحثية أنهم كانوا بارعين جدًا في كتابة التعليمات البرمجية الحاسوبية المعقدة للغاية التي تخبر وحدات معالجة الرسومات بما يجب القيام به، وكانوا على مقدرة من جعل هذه الرقائق المزيدة أكثر كفاءة.
ورغم أن قليلًا من الناس يملكون هذا النوع من المهارة، لكن مختبرات الذكاء الاصطناعي الجادة لديها المهندسين الموهوبين اللازمين لمضاهاة ما قامت به "ديب سيك"، وربما يستخدم بعضهم الحيل نفسها بالفعل.
لكن من الواضح أن الكثيرين فوجئوا بعمل "ديب سيك"، وهذا لأن ما قامت به الشركة الناشئة ليس بالأمر السهل؛ فالتجارب اللازمة للتوصل إلى إنجاز كهذا تكلف ملايين الدولارات - إن لم يكن المليارات - من الطاقة الكهربائية.
وقد أشار العديد من النقاد إلى أن مبلغ الـ 6 ملايين دولار الذي أنفقته الشركة لم يغط سوى تدريب النسخة النهائية من النظام، وقال مهندسو "ديب سيك" في ورقتهم البحثية إنهم أنفقوا أموالاً إضافية على الأبحاث والتجارب قبل إجراء التدريب النهائي، ولكن الأمر نفسه ينطبق على أي مشروع متطور للذكاء الاصطناعي.
وختمت الصحيفة بأن شركة "ديب سيك" خاطرت مخاطرة أتت بثمارها، ومع مشاركة الشركة الصينية الناشئة لأساليبها مع باحثين آخرين في مجال الذكاء الاصطناعي، فإن حيلها التكنولوجية ستقلل تكلفة بناء الذكاء الاصطناعي بشكل كبير.