٢٦ سبتمبر نت:
2025-04-23@21:35:23 GMT

في اليمن ..واشنطن بلا عيونٍ وبلا غطاء

تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT

في اليمن ..واشنطن بلا عيونٍ وبلا غطاء

لكن ما لم يقله أُولئك المسؤولون هو أن الأجهزة الأمنية اليمنية هي من سببت ذلك العمى؛ من خلال جهود استثنائية هائلة، وأن المعلومات التي أصبحت واشنطن تفتقر إليها لا تتعلق فقط بالجانب العسكري الذي جاءت في إطاره اعترافات المسؤولين الأمريكيين، بل بمختلف جوانب حياة الشعب اليمني، وبالشكل الذي يضمن اختراقًا شاملًا يضمنُ عدمَ الحاجة إلى الاستهداف العسكري أصلًا، أَو تعويض أي قصور في هذا الاستهداف أَو غيره، وهي الصورة الكاملة التي كشفها الإنجاز الكبير وغير المسبوق الذي أعلنته أجهزة الأمن، الاثنين، وقدمت فيه تفاصيل ضبط أكبر شبكة جواسيس تتبع المخابرات الأمريكية والإسرائيلية عملت في اليمن على مدى عقود.

 

السفارات الأمريكية.. جبهات مفتوحة ضد الشعوب:

 الجزء الأول الذي تم كشفه من تفاصيل الإنجاز الأمني الواسع، سلَّطَ الضوءَ على صَفٍّ متقدم من الجواسيس والذين يلاحظ أن جميعهم كانوا يعملون لدى السفارة الأمريكية في صنعاء، وهي فضيحة كبيرة للولايات المتحدة؛ فالتفاصيل الصادمة التي ذكرها الجواسيس تمثل شهادات تأريخية على أن سفارات الولايات المتحدة في البلدان هي عبارة عن جبهات استخباراتية مفتوحة لا حدود لنشاطها المعادي؛ فهي تمارس التجنيد والاستقطاب وجمع المعلومات وتصل إلى حَــدِّ مُبَاشَرَةِ وتنفيذ خطوات عملية تستهدف البلد في أكثر من مجال؛ وهو أمرٌ لم يسبق أن تم كشفُه بهذا المستوى التفصيلي من قبلُ؛ الأمر الذي يضع العالم بأكمله -شعوبًا وحكومات- أمام حقيقة خطر هذه الأوكار العدائية التي تمارس نفس النشاط في العديد من عواصم العالم.

 ويمكن القول إن مشروع الدولة في صنعاء والذي يتميز برؤية واضحة لطبيعة التواجد الأمريكي العدائي في اليمن، كان هو الأرضية الصُّلبةَ للإنجاز الأمني الكبير؛ فمن الواضح أن الأجهزة الأمنية انطلقت في جهودها بناء على إدراكها لحقيقة ما تمثله سفارة واشنطن من خطر مباشر، وهو ما يوضح أهميّة الخروج عن "السردية" التي تفرضها الولايات المتحدة بشأن سياستها الخارجية بشكل عام، وتجاه البلدان العربية والإسلامية بشكل خاص، والمكاسب التي يمكن تحقيقها من خلال النظرة إلى نفوذ الولايات المتحدة على حقيقته كتهديد يجب تحجيمه والتخلص منه.

 وبناء على ذلك، قد يكون من الضروري إعادة دراسة معايير وأطر عمل السفارات الأجنبية، والتوصل إلى المزيد من الإجراءات التي يمكنها أن تسد الثغرات المفتوحة أمام نشاطات الاستقطاب والتجنيد وصلاحيات الوصول، وهو أمر يرتبط أَيْـضاً بقابلية النظام السياسي للاختراق الخارجي من خلال الوصاية.

 

حربُ المعلومات:

 من خلال اعترافات جواسيس الشبكة الأمريكية الإسرائيلية، يُلاحَظُ أن من أبرز مهامهم المشتركة كان إعداد الدراسات والتحليلات عن مختلف القضايا في اليمن؛ وهو أمر يختلف عن رفع المعلومات بصورتها الأولية؛ فهذا النوع من المعلومات سيحتاج لاحقًا إلى خبراءَ لتحليلها ووضعها في سياق واضح، وهي في العادة مهمة مراكز الدراسات المرتبطة بالمخابرات الأمريكية والتي تقوم في النهاية باقتراح التوصيات بناءً على المعلومات، لكن يبدو أن نشاط السفارة الأمريكية في صنعاء كان قد وصل إلى حَــدِّ رفع "رؤىً استخباراتيةٍ" وليس فقط مُجَـرّد معلومات، حَيثُ عملت السفارة كما يبدو على انتقاء وتأهيل جواسيسَ قادرين على إعداد دراسات متكاملة قد تعوض الكثير مما يمكن أن يغيب عن مراكز الدراسات الأمريكية؛ نتيجة افتقار هذه المراكز إلى التواجد المباشر في الميدان.

 

وبحسب الاعترافات، فقد تمكّنت الولايات المتحدة في هذا السياق أَيْـضاً من استخدام غطاء المنظمات الإنسانية ومراكز الدراسات والبحوث للقيام بجمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها بصورة توفر على وكالات المخابرات الكثير من الجهد.

 هذه الآلية الاستخباراتية التي يبدو أنها أصبحت منتشرة بشكل كبير مع تعدد وتنوع الغطاءات (المدنية) لها، تضع جميع الحكومات أمام أهميّة إعادة النظر في طريقة مرور البيانات الحساسة في النظام الإداري، ووضع حدود لنشاطات وآليات عمل الجهات الخارجية وصلاحيات وصولها إلى مثل هذه البيانات، وهي ضرورة يوضحها الفرق بين ما كشفته اعترافات الجواسيس من سهولة في الاختراق والوصول في المراحل السابقة، وبين اعترافات المسؤولين والضباط الأمريكيين هذا العام بأن اليمن أصبح بمثابة "ثقب أسود" فيما يتعلق بالمعلومات الاستخباراتية في الجانب العسكري.

 وفي الجانب الاقتصادي، تكشف اعترافات الجواسيس أن التقارير والدراسات التي كانوا يرفعونها حول مواضيع حساسة كـ"الميزانية" و"العملة" قد وفرت للأمريكيين بالفعل رؤية لاستهداف اليمن اقتصاديًّا ومحاولة تعويض الفشل العسكري؛ وهو أمر يجب أن ينال حقه من الدراسة والبحث لتحديد سبل سد مثل هذه الثغرات.

 

الاستهداف الاقتصادي:

 بحسب اعترافات الجواسيس فقد كانت الاقتصاد أحد أبرز المجالات التي عملوا فيها على تقديم رؤى واضحة للولايات المتحدة؛ مِن أجلِ استهداف اليمن؛ فالتقارير والتحليلات التي قدَّموها حول الميزانية والعملة والبنك المركزي (الذي قاموا بنقل شَفرته أَيْـضاً بشكل شخصي)، قد ساعدت واشنطن بالفعل في هندسة الكارثة الإنسانية في اليمن بعد العدوان والأزمات التي لم تتوقف قبل العدوان.

 هذه الجانب من الإنجاز الأمني الكبير يوفر للجميع في المنطقة والعالم مادة نادرة ووافية لفهم أساليب الولايات المتحدة وَأَيْـضاً لفهم العديد من المشاكل الاقتصادية التي تعيشها الكثير من البلدان التي تقع تحت النفوذ الأمريكي؛ فهو لا يؤكّـد فقط استخدام الولايات المتحدة الاقتصاد كسلاح وكورقة ضغط وكاستراتيجية استباقية؛ لضمان بقاء النفوذ والمصالح، بل يوضح كيفية إدارة الولايات المتحدة لهذه الجبهة ومسارات عملها التي تمتد من استهداف المؤسّسات السيادية للدولة إلى استهداف المواطن نفسه في نشاطه الاقتصادي، وليس من الخارج بواسطة العقوبات والحصار فقط، بل أَيْـضاً من الداخل.

لقد كُتِبَ الكثير عن استخدام الولايات المتحدة سلاح الاقتصاد ضد البلدان الأُخرى، لكن تلك الكتابات كانت تغفل عن الجوانب التي تعتمد فيها الولايات المتحدة على نشاطاتها الجاسوسية داخل البلدان في استخدام هذا السلاح تحت الغطاءات الدبلوماسية والإنسانية والتنموية وغيرها؛ إذ يبدو الآن وبوضوح أن العقوبات وفرض الحصار ليس كُـلّ شيء، فواشنطن تعتمدُ أَيْـضاً على عيونها داخل البلدان لرصد كُـلّ البيانات والمعلومات وتحليلها لتوجيهِ ضربات اقتصادية من الداخل للمؤسّسات وللمواطنين، سواء من خلال الاستهداف المباشر إن أمكن أَو حتى من خلال معرفة ما يمكن استغلاله إعلاميًّا لإثارة الرأي العام بالشكل الذي يسهِّلُ الاستهداف المباشر أَو يؤثر على القطاع الاقتصادي بشكل غير مباشر.

 

مرجعٌ مهمٌّ لفهم العمل الاستخباراتي الأمريكي:

 

إن كُـلّ نقطة من اعترافات جواسيس الشبكة الأمريكية الإسرائيلية التي ضبطها الأمن اليمني، تسلط الضوء على الكثير من الجوانب التي ينبغي دراستها والاستفادة من نتائجها.

 

ويمكن القول إن تم كشفه يشكل أحد أهم المراجع التفصيلية الدقيقة لدراسة طبيعة العمل الاستخباراتي الأمريكي في البلدان، وخُصُوصاً تلك التي تخضع جزئيًّا أَو كليًّا لنفوذ الولايات المتحدة، وهي دراسة لا غنى عنها لأي بلد في الظروف الحالية التي تندفع فيها واشنطن بشكل غير مسبوق تاريخيًّا لاستخدام كُـلّ أوراقها ضد الحكومات والشعوب، وبالمقابل تبرز توجّـهات كثيرة مناهضة للهيمنة الأمريكية.

المسيرة

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الیمن وهو أمر من خلال أ ی ـضا

إقرأ أيضاً:

تقرير: هجمات الحوثيين في اليمن تمثل تهديدا مباشرا للولايات المتحدة

حذر تقرير نشره موقع "معهد واشنطن" من أن تعطيل جماعة أنصار الله "الحوثي" في اليمن لحركة الشحن في البحر الأحمر يشكل تهديدا مباشرا لقدرة الولايات المتحدة على نشر قواتها بسرعة وإيصال الإمدادات العسكرية إلى مناطق النزاع.

وأشار التقرير الذي أعده العقيد في القوات الجوية الأمريكية جيمس إي. شيبرد، وهو زميل عسكري في "معهد واشنطن"، إلى أن الحل يكمن في "مزيج من الإجراءات اللوجستية والتدابير العسكرية والجهود الدبلوماسية المتكاملة".

ولفت التقرير إلى أن التصعيد الحوثي الأخير جاء بعد إطلاق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 15 آذار/مارس حملة عسكرية مستمرة ضد الجماعة اليمنية استهدفت كبار المسؤولين ومراكز القيادة ومستودعات الأسلحة والبنية التحتية في اليمن.

وأوضح أن الهدف من الحملة الأمريكية على الحوثيين هو "استعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب"، مشددا على أن "أهمية هذا الممر المائي لا تقتصر على كونه طريقا تجاريا لبضائع بقيمة تريليون دولار سنويا، بل هو أيضا مسار لوجستي رئيسي للقوات الأمريكية".


وشدد التقرير على أن الهجمات التي تنفذها جماعة أنصار الله في اليمن "تمثل تحديا مباشرا لما وصفته الولايات المتحدة بأنه مصلحة وطنية أساسية".

وأشار التقرير إلى أن الهجمات الحوثية جزء من استراتيجية إيرانية تهدف إلى "حرمان الخصوم من حرية المناورة في المنطقة"، مضيفا أن "طهران زودت الحوثيين بالتدريب والمعدات والتوجيه اللازم لتطوير قدراتهم في استهداف السفن بصواريخ كروز وباليستية وطائرات مسيرة".

وأوضح أن هذا التهديد دفع العديد من شركات الشحن إلى سلوك طريق أطول وأكثر كلفة حول رأس الرجاء الصالح، ما يبطئ وتيرة الدعم اللوجستي العسكري ويهدد بفعالية قدرة واشنطن على الاستجابة الطارئة في مناطق النزاع.

ولفت التقرير إلى أن الولايات المتحدة تعتمد على الشحن التجاري في نقل نحو 80 بالمئة من العتاد الدفاعي، موضحا أن خطورة الوضع تكمن في أن السفن غير المسلحة لا يمكن حمايتها جميعا بسبب محدودية الموارد البحرية الأمريكية.

وأكد التقرير أن تجاوز باب المندب عبر رأس الرجاء الصالح يضيف ما يصل إلى 15 يوما من وقت العبور ومليون دولار من تكاليف الوقود، محذرا من أن مثل هذه التأخيرات غير عملية في السيناريوهات العسكرية العاجلة.

واعتبر أن الحل يكمن في تنويع وسائل النقل، مشيرا إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية تعمل على مشروع شبكة النقل عبر البحر العربي (TAN)، التي تشمل 300 مركز لوجستي ومرافئ ومطارات ومحاور برية في المنطقة، لكنها لم تفعّل بالكامل بعد بسبب مشكلات تنظيمية وجمركية.

وأبرز التقرير كذلك إمكانية استخدام الممر البري بين الإمارات ودولة الاحتلال الإسرائيلي، الذي يُشغل حاليا بواسطة شركتي "تراك نت" و"بيور ترانس"، ويمكنه نقل حتى 350 شاحنة يوميا، ما يجعله منافسا للمسارات التقليدية، حسب التقرير.


وفي توصياته التي قدمها إلى الإدارة الأمريكية لمواجهة تهديد الحوثي، شدد معد التقرير على ضرورة "مواصلة الضغط على الحوثيين إلى أن يصبحوا غير قادرين أو غير راغبين في تهديد الملاحة".

كما دعا إلى "تصعيد الحملة الجوية الحالية مع دعم مجلس القيادة الرئاسي اليمني بقوات برية موثوقة"، مشددا على ضرورة "ردع إيران، الداعم الرئيسي للحوثيين، من خلال إبراز القدرات العسكرية الأمريكية في المنطقة".

وأضاف أن "توسيع التعاون الأمني مع شركاء إقليميين مثل مصر وإسرائيل والأردن والسعودية أمر حاسم"، إلى جانب "استكشاف طرق بديلة للنقل العسكري، من بينها الممر الإماراتي الإسرائيلي".

وختم التقرير بالقول إن "تنفيذ هذه التدابير مجتمعة كفيل بوضع استراتيجية شاملة للتصدي النهائي لتهديدات الحوثيين وإيران على الصعيدين العسكري والتجاري العالمي".

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة تضع شرطاً مقابل دعمها لتسوية سياسية في اليمن
  • (كير): الولايات المتحدة ترتكب ابشع جرائم حرب في اليمن
  • تقرير: هجمات الحوثيين في اليمن تمثل تهديدا مباشرا للولايات المتحدة
  • طائرات الشبح الأمريكية تُقابلها صواريخ قدس اليمنية: معادلة صنعاء التي أرعبت واشنطن
  • من وجهة نظر صينية: كيف زعزع اليمنيون مكانة الولايات المتحدة الأمريكية عالمياً؟
  • تقرير صيني يكشف الأمر الذي يُرعب أمريكا إن فكرت بحرب برية في اليمن
  • مدير الشؤون السياسية بإدلب يلتقي وفداً من الجالية السورية في الولايات المتحدة الأمريكية
  • الأمم المتحدة: الغارات الأمريكية على اليمن تفاقم الوضع الإنساني المتردي
  • اليمن.. قوة صاعدة تتحدى الغطرسة الأمريكية
  • الترهوني: زيارة البارجة الأمريكية تعكس تحولًا في طريقة تعامل واشنطن مع الملف الليبي