المنطقة بين “المنطق” و”اللامنطق”
تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT
منطق اللامنطق قد يُفرض بالحروب وإما بالسياسة، وحين تصل إلى منطق اللامنطق فذلك هو العجز والفشل معاً..
لنسوق مثلين لذلك من أهم الأحداث في المنطقة..
الأول:عندما تصل أمريكا وإسرائيل إلى حاجية التفاوض مع “حماس” أو المقاومة الفلسطينية فهناك أساس تفاوضي وسقف تفاوضي لكل طرف..
منطق اللامنطق الأمريكي الإسرائيلي أن يكون التفاوض لإخراج الأسرى “الصهاينة”، وذلك يعني ضمناً ومباشرة أن “المقاومة” توقع على اتفاق يقضي بحق الكيان الصهيوني في قتل المقاومين والمقاومة، فهل من عاقل أو صاحب عقل يقبل بهذا؟.
ما لم يتحقق مثل هذا بالعمل العسكري كانهزام أو استسلام فيستحيل القبول به من خلال التفاوض..
ومع ذلك ستظل أمريكا في هذيان وتردد هذيانها كأن تقول وتكرر” الكرة في ملعب حماس “أو حماس فقط هي من يعطل وقف إطلاق النار بل وتوصف ما شرحناه بأن إسرائيل قدمت عرضاً سخياً..
أنت كطرف تطلب مني أن أطلق أسراك وبعد ذلك تأتي لتقتلني فأي عرض هذا وأي سخاء تتحدث عنه أمريكا وأي منطق وأي تفكير كهذا؟!..
الثاني: في ظل ما يمارسه الكيان الصهيوني من حرب وحصار ودمار وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة فقد فتحت جبهات إسناد للمقاومة وكل ما يطلبه هؤلاء هو إيقاف هذه الحرب ووقف الإبادة الجماعية وإدخال الدواء والغذاء للشعب الفلسطيني وعند تحقيق ذلك ستتوقف كل جبهات المساندة..
هذا مطلب واقعي في مطلبه وفي سقفه، ومعظم شعوب العالم تؤيده ومع تكرار وتأكيد محور المقاومة التمسك بهذا الشرط إلا أن أمريكا وفي أي مسألة تتصل بالكيان تفقد الحد الأدنى من منطق السياسة بل وحتى من اللياقة الدبلوماسية، ولذلك فرسلها من الغرب لتهديد لبنان لمنع حزب الله من هذه الشراكة أو المشاركة والانسحاب إلى ما وراء نهر الطلياني وطرح قضايا وملفات أخرى فليست هي قضية الواقع ولا قضية الساعة..
مثل هذا مورس ويمارس تجاه اليمن وآخره استصدار قرار من خلال المرتزقة في عدن حول البنوك، وذلك يمثل “حرب تجويع” ضد الشعب اليمني تقودها أمريكا وعملاؤها كأنظمة في المنطقة أو مرتزقة في واقع اليمن يحسبون على أنهم أطراف سياسية..
آخر التصريحات الأمريكية أنه لا سلام في اليمن إلا إذا أوقف “الحوثيون” الهجمات في البحر الأحمر..
أين هذا السلام في اليمن قبل طوفان الأقصى، ربطاً بهذه الهجمات وخلال قرابة عقد من الزمن؟..
الإجابة أنه أوقفوا الحرب والتدمير والإبادة الجماعية والتجويع للشعب الفلسطيني في غزة وحينها سنتوقف تلقائياً عن تنفيذ الحصار البحري ضد الكيان الصهيوني..
أمريكا في كل هذه الحالات ترفض “المنطق” وتصر على أن تفرض “اللامنطق” وكأنها لم تعد تفهم ولم تعد تفرق بين الحرب والسياسة أو بين العمل العسكري والعمل السياسي، ولم يعد لدينا ما نقوله لأمريكا في هذا السياق غير المثل العربي القديم “ما هكذا يا سعد تورد الإبل”..
من هذا التعامل الأمريكي منذ طوفان الأقصى وقبله فإني ألاحظ أن الإعلام العربي المؤمرك بطبعه والمتواطئ تطبيعاً كأنما بات يتسلل إلى إعلام المقاومة ومحورها في التعاطي مع ما يسمى “مقترح إسرائيلي” وما تسمى كذلك “ورقة بايدن” ولا أرى إلا أن هذا المقترح أو الورقة هي مجرد “فخ”، وهي التفخيخ وأياً ما حملته من بنود أو عبارات فالمراد هو إخراج الأسرى “الصهاينة” ومن ثم استئناف الحرب والإبادة للشعب الفلسطيني..
لا علاقة لمثلي البتة بما يحمله هذا المقترح أو الورقة ببنودها ومحتواها ولكني ببساطة فاقد الثقة كلياً ونهائياً بأمريكا والكيان، وبالمقابل أثق بحنكة وقدرات قيادات المقاومة الفلسطينية وأطلب منها المزيد من الاحتراز والتدقيق حتى لا يمرر عليها ما لا يقبل ونصل إلى رفض المنطق وفرض اللا منطق كأمر واقع، واللهم إني بلغت.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
من “غالاكسي ليدر” إلى “لينكولن”: اليمن يثبت قدرته على تغيير معادلات القوة البحرية
البداية مع “غالاكسي ليدر”: خطوة نحو استراتيجية بحرية جديدة.
على مدار عام كامل، فرضت القوات البحرية اليمنية واقعاً جديداً في البحر الأحمر والمناطق المحيطة به، من خلال سلسلة من العمليات البحرية الدقيقة والنوعية التي أثبتت تطوراً لافتاً في قدراتها العسكرية والاستخبارية. من الاستيلاء على السفينة “غالاكسي ليدر”، إلى استهداف حاملة الطائرات الأميركية “إبراهام لينكولن”، شكلت هذه العمليات محوراً رئيساً في الصراع، وأدت إلى تغييرات جوهرية في معادلات القوة البحرية في المنطقة.
البداية مع “غالاكسي ليدر”
بدأت التحولات الاستراتيجية في العمليات البحرية اليمنية بعملية الاستيلاء على السفينة الإسرائيلية “غالاكسي ليدر” في البحر الأحمر (قبل عام تماماً).
لم تكن هذه العملية متوقَّعة كما لم تكن مجرد رد فعل، بل كانت خطوة استباقية من جانب القوات اليمنية، تهدف إلى إسناد غزة وتعطيل حركة السفن المتورطة في دعم العدو الإسرائيلي.
نجحت القوات اليمنية في تنفيذ هذه العملية بدقة متناهية، الأمر الذي كشف تطوراً كبيراً في القدرات الاستخبارية والبحرية، وأدى إلى إرباك حسابات العدو، وأثار قلقاً في أوساط القوى الغربية، وعلى رأسها أميركا التي حاولت، عبر إرسال قطع بحرية، مواجهة هذه العمليات وردعها ومنعها، لكن الرد اليمني كان مفاجئاً ومتسارعاً ومتصاعداً وفعالاً.
التصعيد التدريجي:
لم تتوقف العمليات اليمنية عند هذا الحد، بل تصاعدت بالتدريج، لتشمل سفناً أميركية وبريطانية. ومع مرور الوقت، بدأ النشاط العسكري اليمني يتوسع ليشمل استهداف قطع بحرية من التحالف الغربي في البحر الأحمر، خليج عدن، البحر العربي، والمحيط الهندي. وعلى رغم المحاولات الغربية لاحتواء هذا التصعيد عبر إرسال حاملات طائرات وفرقاطات، فإن القوى الغربية لم تتمكن من وقف هذا الزخم العملياتي المساند لغزة.
في المقابل، أظهر التحالف الغربي عجزاً في مواجهة هذه الهجمات، فبدلاً من الحد من العمليات البحرية اليمنية ضد السفن الإسرائيلية والمرتبطة بها، بدأ سحب قطع بحرية أميركية وبريطانية وأوروبية، كانت أبرزها حاملتا الطائرات “آيزنهاور” و”روزفلت”، وقد تلحق بهما “لينكولن”، التي تعرضت مؤخراً لضربات غير مسبوقة الأسبوع الماضي.
وعلى رغم تدخل القوى الغربية في حشد عسكري غير مسبوق، وعدوانها الجوي والبحري على اليمن بأكثر من 800 ضربة جوية وبحرية، فإنها لم تتمكن من كسر الحظر البحري المفروض على العدو الإسرائيلي من جانب اليمن، بل أُجبرت تلك القطع على الانسحاب التدريجي والعودة أدراجها، وأُجبرت السفن الإسرائيلية والمرتبطة بها على تغيير مساراتها وتفادي مناطق الصراع.
عملية “لينكولن”:
تُعَد عملية استهداف حاملة الطائرات الأميركية، “إبراهام لينكولن”، في أقصى البحر العربي (بعد قرابة نصف عام من التهرب والتخفي) إحدى أبرز محطات هذا التصعيد، ذلك بأن العملية البحرية اليمنية كانت خطوة استباقية معقدة نجحت في تعطيل هجوم جوي كان يخططه التحالف الأميركي. هذا الهجوم جاء في وقت حساس جداً، بحيث كانت حاملة الطائرات “لينكولن” تمثل إحدى أذرع القوة البحرية الأميركية في المنطقة.
نجحت القوات البحرية اليمنية في الوصول إلى الحاملة، واستخدمت أسلحة متطورة استطاعت اختراق الدفاعات الأميركية. هذه الضربة، التي تم تنفيذها في أقصى البحر العربي، كانت بمثابة رسالة قوية من اليمن، تؤكد تطور قدراته العسكرية والاستخبارية، وتؤكد عجز التحالف الغربي عن ردع هذا التصعيد. الحاملة “لينكولن”، التي تعرضت لضربة قوية اضطرت إلى الانسحاب، كما فعلت “آيزنهاور” و”روزفلت” في وقت سابق.
سحب القطع البحرية الغربية: هزيمة استراتيجية
على رغم محاولات القوى الغربية تعزيز وجودها العسكري في البحر الأحمر عبر إرسال قطع بحرية متعددة، بما في ذلك الفرقاطات وحاملات الطائرات، فإن نتائج العمليات البحرية اليمنية أثبتت فشل هذه الاستراتيجيات.
على العكس، فإن الرد اليمني ساهم في سحب عدد من هذه القطع، بما في ذلك الفرقاطة الإيطالية و”لينكولن”، وهو ما يعكس فشل محاولات الغرب كسر الحظر البحري المفروض.
في هذا السياق، لم تقتصر الضغوط على القوات البحرية الأميركية والبريطانية، بل شملت أيضاً الشركات التجارية التي كانت تدير السفن المتورطة في نقل البضائع المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي. هذه العمليات البحرية لم تكن مجرد تحركات عسكرية، بل استراتيجية شاملة تهدف إلى تغيير المعادلات الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
الأفق والخيارات: مستقبل العمليات البحرية اليمنية
مع استمرار تصعيد العدوان الأميركي والإسرائيلي في المنطقة، تظل الأفق مفتوحة أمام اليمن لتوسيع نطاق عملياته البحرية. القوات المسلحة اليمنية أثبتت قدرتها على تحدي القوى الكبرى في بحر مفتوح، وأظهرت تطوراً عسكرياً واستخبارياً من شأنه تغيير موازين القوى في المنطقة.
من جهة أخرى، يواجه التحالف الغربي تحديات متزايدة في ردع العمليات اليمنية. فكلما تصاعدت الاعتداءات، تصاعدت العمليات اليمنية وتزايدت في المقابل الخسائر الغربية، وازدادت الصعوبة في فرض الهيمنة على الممرات البحرية. مع ذلك، يبقى الخيار مفتوحاً أمام الطرفين: اليمن ماضٍ في تعزيز وجوده البحري وتوسيع نطاق عملياته الإسنادية، بينما قد يلجأ الغرب إلى مزيد من التصعيد العسكري في محاولة لردع اليمن، لكن مع العلم بأن هذا الخيار سيفشل مجدداً وسيصطدم بقدرة اليمن المتزايدة على تنفيذ عمليات بحرية معقدة.
من “غالاكسي ليدر” إلى “لينكولن”، أثبتت القوات البحرية اليمنية قدرتها على تغيير معادلات القوة البحرية في المنطقة. العمليات البحرية الاستباقية والتطور الكبير في القدرات العسكرية والاستخبارية جعلت اليمن قوة بحرية مؤثرة، قادرة على تحدي القوى الكبرى. وعلى رغم محاولات الغرب وقف التصعيد، فإن الواقع الجديد، الذي فرضه اليمن، يثبت أن معادلات الحرب البحرية تغيرت إلى الأبد، الأمر الذي يفتح الباب أمام مزيد من التصعيد والفرص الاستراتيجية في المدى البعيد.