الصدمات ليست شيئًا جيدًا في الحياة، فكل واحد منا تعرض لها في مرحلة أو أخرى وهذه حقيقة، فمعظمنا يعيش ما لا يقل عن خمسة أو ستة أحداث مؤلمة في حياته كفقدان شخص، أو طلاق، أو فقدان وظيفة، أو تشخيص من طبيب، أو الاعتداء، وفي كثير من الأحيان بعد هذه الأحداث ، نجد أننا نخرج أقوى قليلاً وأكثر حكمة وأفضل ممّا سبق.
حتى وقت قريب ، كان مجال علم النفس يدرس في الغالب الطرق التي تدمّرنا بها الصدمات ومن المنطقي أن يعتقد علماء النفس هذا، ونتيجة لذلك فإن أول 50 عامًا من الممارسات النفسية أو الطب النفسي ، تعاملت مع الحالات الصعبة كمرضى الفصام، والهوس الاكتئابي، والأشخاص الانتحاريون، وهذا خلق نوع من التحيز في الاختيار نظرًا لأن علماء النفس كانوا يدرسون فقط حالات الصحة العقلية الأكثر تطرفًا، وكانت جميع هذه الحالات تقريبًا تتعلق بالمريض الذي يعاني من بعض الصدمات في مرحلة من الحياة. توصل علماء النفس الأوائل لإستنتاج مفاده أن الصدمة تؤدي لمشاكل تتعلق بالصحة العقلية، ولكن تبين أن هذا خطأ، فالصدمة في حياتنا مهما كان شكلها، ليست في الواقع الشيء الذي يجعلنا أقوى، لأنه مجرد فكرة تحمل شكل من أشكال المشقة لتحصين نفسك ضد المصاعب المستقبلية ،ولكن هذا ليس صحيحاً فما يأتي بعد الصدمة هو المهم، ليس البقاء على قيد الحياة بعد الصدمة هو ما يجعلك أقوى، بل العمل الذي تقوم به نتيجة للصدمة هو الذي يجعلك أقوى، فالتجارب المؤلمة تهزنا وتجعلنا نتساءل عن معتقداتنا الأساسية حول العالم ومكاننا فيه، وتجعلنا نتساءل عن مدى الخير والشر والناس من حولنا، تخلق الصدمة مرحلة مميزة قبل وبعد في حياتنا ولحظات من المحتمل ألا ننساها أبدًا، فمدى قدرتنا على تجربة النمو الشخصي بعد الصدمة ، يعتمد كثيرًا على السرد الذي نبنيه حول هذا الأمر قبل وبعد الصدمة، فمن الطبيعي أن تفكر في ألمك، وأن تتساءل عن معنى ذلك، وأن تشعر بمزيج من الذنب والخوف والوحدة، لذا فإن السرد الذي تنشئه سيساعدك على الخروج من الزوايا المظلمة لعقلك وإلى مكان أفضل، كبشر نحن بحاجة إلى فهم العالم حولنا، فنادرًا ما تكون الصدمة منطقية عندما تحدث لنا، أهم خطوة في تشكيل معنى ألمنا هو فهم أن الأمر لا يتعلق بالاستحقاق وهذا ينطبق على أنفسنا، ولكنه ينطبق أيضًا على الآخرين الأمر، فإذا آذانا شخص ما، فإن إيذاءه بالمقابل لا يجعل الأمر أفضل، كذلك الألم الشديد لديه قدرة خارقة على توضيح ما يهم حقًا بحياتنا، ويزيل أي تثبيط أو شك حول ما إذا كان ينبغي علينا الاستفادة منه أم لا، كذلك مشاركة آلامك تسمح لك بتجاوزها، لأنه بمجرد أن نشارك الألم وننقله للعالم حولنا، يصبح ألمنا شيئًا خارجنا، ولأنه أصبح خارجنا، فإننا أخيرًا قادرون على العيش بدونه.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: بعد الصدمة
إقرأ أيضاً:
سيكلوجية السماح
تعدّ المفاهيم أساسية للوصول إلى السلام الداخلي والراحة النفسية هي مفاهيم تحتاج إلى صبر و تكرار حتى تصبح عادة، وتعدّ المسامحة أحد أهم مفاهيم السلامة النفسية التي تسمح لنا بالتحرر من الألم والغضب الناتجين عن أخطاء الآخرين، ومسامحة الآخرين لا يعني نسيان الأخطاء أو التخلي عن الحقوق، بل يعني التحرر من الوزن الثقيل الذي يخلفه الغضب، ومن ثم يتحول إلى كراهية.
تعدّ المسامحة عملية داخلية تتطلب الكثير من الشجاعة والإرادة والتمرن حيث أن المسامحة تنشأ بتقبل الواقع وتسليمه دون محاولة لتغيير الماضي، ولا يعني أننا نقبل السلوك الخاطئ، بل نرفض الاستمرار في تعذيب أنفسنا بسبب أخطاء الآخرين في حقنا، ودون أن نضع الألم الذي خلّفه أخطاء الآخرين نصب أعيننا حتى لا ندخل في دوامة من اللوم والحقد.
وممّا لا شك فيه أن مسامحة الآخرين، تمنح الأفراد فرصة للتخلص من الألم و من التساؤلات ومن إنكار الجرح.
لذلك، تعتمد سيكولوجية المسامحة على الارادة القوية في تخّليص الذات من عبء مخلفات المواقف المؤلمة و الجارحة، كما أن المسامحة هي رمز القوة و الشجاعة و النُبُل في نفس الفرد.
إن مسامحة الآخرين ضرورة من ضروريات الحياة السليمة و السلامة النفسية من كل ما يؤثر سلباً على الذات. ويكمن السر الأكبر في التخلص من الضغينة و الحقد اللذين يتكونان تباعًا مع تراكم المواقف و تكرارها، وحينما يتحرر الفرد من هذه المشاعر، فإنه يمنح لذاته القدرة الكاملة على تحقيق السلام.
وربما يعتقد البعض أنه قام بإهانة ذاته من خلال هذه المسامحة، حيث ينشأ لديه شعور بعدم رد حقه إليه وهذا من تأثير الذات السلبية والتي حينما تغضب تحقد تأبى إلا أن تأخذ حقها و هذه ليست طبيعة الأفراد في الأصل. فيجب على الفرد أن لا يسمح للضعف أن يحل محل القوة، ولا للضغينة أن تحل محل النقاء، وأن يسعى إلى تحقيق السلام من خلال المسامحة.
fatimah_nahar@