يمانيون – متابعات
خلالَ الأشهر الماضية، اعترف مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون بأن الولاياتِ المتحدةَ تعاني من عَمَىً استخباراتيٍّ في اليمن وبأن الحُصُولَ على معلومات أصبح أكثرَ صعوبة منذ إخلاء السفارة الأمريكية في صنعاء عام 2015.

لكن ما لم يقله أُولئك المسؤولون هو أن الأجهزة الأمنية اليمنية هي من سببت ذلك العمى؛ من خلال جهود استثنائية هائلة، وأن المعلومات التي أصبحت واشنطن تفتقر إليها لا تتعلق فقط بالجانب العسكري الذي جاءت في إطاره اعترافات المسؤولين الأمريكيين، بل بمختلف جوانب حياة الشعب اليمني، وبالشكل الذي يضمن اختراقًا شاملًا يضمنُ عدمَ الحاجة إلى الاستهداف العسكري أصلًا، أَو تعويض أي قصور في هذا الاستهداف أَو غيره، وهي الصورة الكاملة التي كشفها الإنجاز الكبير وغير المسبوق الذي أعلنته أجهزة الأمن، الاثنين، وقدمت فيه تفاصيل ضبط أكبر شبكة جواسيس تتبع المخابرات الأمريكية والإسرائيلية عملت في اليمن على مدى عقود.

السفارات الأمريكية.. جبهات مفتوحة ضد الشعوب:

الجزء الأول الذي تم كشفه من تفاصيل الإنجاز الأمني الواسع، سلَّطَ الضوءَ على صَفٍّ متقدم من الجواسيس والذين يلاحظ أن جميعهم كانوا يعملون لدى السفارة الأمريكية في صنعاء، وهي فضيحة كبيرة للولايات المتحدة؛ فالتفاصيل الصادمة التي ذكرها الجواسيس تمثل شهادات تأريخية على أن سفارات الولايات المتحدة في البلدان هي عبارة عن جبهات استخباراتية مفتوحة لا حدود لنشاطها المعادي؛ فهي تمارس التجنيد والاستقطاب وجمع المعلومات وتصل إلى حَــدِّ مُبَاشَرَةِ وتنفيذ خطوات عملية تستهدف البلد في أكثر من مجال؛ وهو أمرٌ لم يسبق أن تم كشفُه بهذا المستوى التفصيلي من قبلُ؛ الأمر الذي يضع العالم بأكمله -شعوبًا وحكومات- أمام حقيقة خطر هذه الأوكار العدائية التي تمارس نفس النشاط في العديد من عواصم العالم.

ويمكن القول إن مشروع الدولة في صنعاء والذي يتميز برؤية واضحة لطبيعة التواجد الأمريكي العدائي في اليمن، كان هو الأرضية الصُّلبةَ للإنجاز الأمني الكبير؛ فمن الواضح أن الأجهزة الأمنية انطلقت في جهودها بناء على إدراكها لحقيقة ما تمثله سفارة واشنطن من خطر مباشر، وهو ما يوضح أهميّة الخروج عن “السردية” التي تفرضها الولايات المتحدة بشأن سياستها الخارجية بشكل عام، وتجاه البلدان العربية والإسلامية بشكل خاص، والمكاسب التي يمكن تحقيقها من خلال النظرة إلى نفوذ الولايات المتحدة على حقيقته كتهديد يجب تحجيمه والتخلص منه.

وبناء على ذلك، قد يكون من الضروري إعادة دراسة معايير وأطر عمل السفارات الأجنبية، والتوصل إلى المزيد من الإجراءات التي يمكنها أن تسد الثغرات المفتوحة أمام نشاطات الاستقطاب والتجنيد وصلاحيات الوصول، وهو أمر يرتبط أَيْـضاً بقابلية النظام السياسي للاختراق الخارجي من خلال الوصاية.

حربُ المعلومات:

من خلال اعترافات جواسيس الشبكة الأمريكية الإسرائيلية، يُلاحَظُ أن من أبرز مهامهم المشتركة كان إعداد الدراسات والتحليلات عن مختلف القضايا في اليمن؛ وهو أمر يختلف عن رفع المعلومات بصورتها الأولية؛ فهذا النوع من المعلومات سيحتاج لاحقًا إلى خبراءَ لتحليلها ووضعها في سياق واضح، وهي في العادة مهمة مراكز الدراسات المرتبطة بالمخابرات الأمريكية والتي تقوم في النهاية باقتراح التوصيات بناءً على المعلومات، لكن يبدو أن نشاط السفارة الأمريكية في صنعاء كان قد وصل إلى حَــدِّ رفع “رؤىً استخباراتيةٍ” وليس فقط مُجَـرّد معلومات، حَيثُ عملت السفارة كما يبدو على انتقاء وتأهيل جواسيسَ قادرين على إعداد دراسات متكاملة قد تعوض الكثير مما يمكن أن يغيب عن مراكز الدراسات الأمريكية؛ نتيجة افتقار هذه المراكز إلى التواجد المباشر في الميدان.

وبحسب الاعترافات، فقد تمكّنت الولايات المتحدة في هذا السياق أَيْـضاً من استخدام غطاء المنظمات الإنسانية ومراكز الدراسات والبحوث للقيام بجمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها بصورة توفر على وكالات المخابرات الكثير من الجهد.

هذه الآلية الاستخباراتية التي يبدو أنها أصبحت منتشرة بشكل كبير مع تعدد وتنوع الغطاءات (المدنية) لها، تضع جميع الحكومات أمام أهميّة إعادة النظر في طريقة مرور البيانات الحساسة في النظام الإداري، ووضع حدود لنشاطات وآليات عمل الجهات الخارجية وصلاحيات وصولها إلى مثل هذه البيانات، وهي ضرورة يوضحها الفرق بين ما كشفته اعترافات الجواسيس من سهولة في الاختراق والوصول في المراحل السابقة، وبين اعترافات المسؤولين والضباط الأمريكيين هذا العام بأن اليمن أصبح بمثابة “ثقب أسود” فيما يتعلق بالمعلومات الاستخباراتية في الجانب العسكري.

وفي الجانب الاقتصادي، تكشف اعترافات الجواسيس أن التقارير والدراسات التي كانوا يرفعونها حول مواضيع حساسة كـ”الميزانية” و”العملة” قد وفرت للأمريكيين بالفعل رؤية لاستهداف اليمن اقتصاديًّا ومحاولة تعويض الفشل العسكري؛ وهو أمر يجب أن ينال حقه من الدراسة والبحث لتحديد سبل سد مثل هذه الثغرات.

الاستهداف الاقتصادي:

بحسب اعترافات الجواسيس فقد كانت الاقتصاد أحد أبرز المجالات التي عملوا فيها على تقديم رؤى واضحة للولايات المتحدة؛ مِن أجلِ استهداف اليمن؛ فالتقارير والتحليلات التي قدَّموها حول الميزانية والعملة والبنك المركزي (الذي قاموا بنقل شَفرته أَيْـضاً بشكل شخصي)، قد ساعدت واشنطن بالفعل في هندسة الكارثة الإنسانية في اليمن بعد العدوان والأزمات التي لم تتوقف قبل العدوان.

هذه الجانب من الإنجاز الأمني الكبير يوفر للجميع في المنطقة والعالم مادة نادرة ووافية لفهم أساليب الولايات المتحدة وَأَيْـضاً لفهم العديد من المشاكل الاقتصادية التي تعيشها الكثير من البلدان التي تقع تحت النفوذ الأمريكي؛ فهو لا يؤكّـد فقط استخدام الولايات المتحدة الاقتصاد كسلاح وكورقة ضغط وكاستراتيجية استباقية؛ لضمان بقاء النفوذ والمصالح، بل يوضح كيفية إدارة الولايات المتحدة لهذه الجبهة ومسارات عملها التي تمتد من استهداف المؤسّسات السيادية للدولة إلى استهداف المواطن نفسه في نشاطه الاقتصادي، وليس من الخارج بواسطة العقوبات والحصار فقط، بل أَيْـضاً من الداخل.

لقد كُتِبَ الكثير عن استخدام الولايات المتحدة سلاح الاقتصاد ضد البلدان الأُخرى، لكن تلك الكتابات كانت تغفل عن الجوانب التي تعتمد فيها الولايات المتحدة على نشاطاتها الجاسوسية داخل البلدان في استخدام هذا السلاح تحت الغطاءات الدبلوماسية والإنسانية والتنموية وغيرها؛ إذ يبدو الآن وبوضوح أن العقوبات وفرض الحصار ليس كُـلّ شيء، فواشنطن تعتمدُ أَيْـضاً على عيونها داخل البلدان لرصد كُـلّ البيانات والمعلومات وتحليلها لتوجيهِ ضربات اقتصادية من الداخل للمؤسّسات وللمواطنين، سواء من خلال الاستهداف المباشر إن أمكن أَو حتى من خلال معرفة ما يمكن استغلاله إعلاميًّا لإثارة الرأي العام بالشكل الذي يسهِّلُ الاستهداف المباشر أَو يؤثر على القطاع الاقتصادي بشكل غير مباشر.

مرجعٌ مهمٌّ لفهم العمل الاستخباراتي الأمريكي:

إن كُـلّ نقطة من اعترافات جواسيس الشبكة الأمريكية الإسرائيلية التي ضبطها الأمن اليمني، تسلط الضوء على الكثير من الجوانب التي ينبغي دراستها والاستفادة من نتائجها.

ويمكن القول إن تم كشفه يشكل أحد أهم المراجع التفصيلية الدقيقة لدراسة طبيعة العمل الاستخباراتي الأمريكي في البلدان، وخُصُوصاً تلك التي تخضع جزئيًّا أَو كليًّا لنفوذ الولايات المتحدة، وهي دراسة لا غنى عنها لأي بلد في الظروف الحالية التي تندفع فيها واشنطن بشكل غير مسبوق تاريخيًّا لاستخدام كُـلّ أوراقها ضد الحكومات والشعوب، وبالمقابل تبرز توجّـهات كثيرة مناهضة للهيمنة الأمريكية.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الیمن فی صنعاء من خلال وهو أمر أ ی ـضا

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تتقدم بدعوى لمجلس الأمن الدولي لشن هجوم شامل على الحوثيين في اليمن

طرحت إسرائيل قضيتها أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لشن هجوم كامل على قوات الحوثيين في اليمن، مدعية أن المجموعة المدعومة من إيران تمثل الآن جيشًا إرهابيًا مسلحًا جيدًا يهدد ليس فقط الاقتصاد الإقليمي ولكن النظام العالمي بأكمله.

 

كما دعا وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إلى تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، وهي الخطوة التي قد تجعل من الصعب على إيران تقديم الدعم المادي دون مواجهة المزيد من العقوبات الاقتصادية.

 

قال داني دانون، السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة - الذي دعا إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمناقشة التصعيد الأخير في هجمات الحوثيين على إسرائيل - إن الحوثيين "لم يكونوا أكثر من جزء من حرب إيران ضد السلام". وأضاف أن الجماعة لديها ميزانية سنوية قدرها 1.2 مليار دولار (0.95 مليار جنيه إسترليني)، واقتربت بشكل خطير من خنق قناة السويس بسبب هجماتها على الشحن التجاري في البحر الأحمر قبالة سواحل اليمن.

 

وأضاف أن "ملايين الإسرائيليين يستيقظون كل ليلة على صوت صفارات الإنذار في جميع أنحاء البلاد"، متهماً الحوثيين بشن 300 هجوم على إسرائيل هذا العام.

 

وقال: "دعوني أوضح شيئاً واحداً بشكل قاطع؛ لقد سئمنا. لن تقف إسرائيل مكتوفة الأيدي وتنتظر رد فعل العالم. سندافع عن مواطنينا". وقال إن الحوثيين لم يعودوا يشكلون تهديداً إقليمياً بل يشكلون تهديداً للنظام العالمي.

 

بينما أدان جميع أعضاء مجلس الأمن تقريباً في اجتماع يوم الاثنين الهجمات الحوثية على إسرائيل التي شنت قبل أسبوع، أدان العديد منهم أيضاً التهديد الإسرائيلي للمدنيين اليمنيين المتمثل في الغارات الجوية على محطات الطاقة الرئيسية وبرج مراقبة الحركة الجوية في مطار العاصمة صنعاء والموانئ التي تعتبر بالغة الأهمية لتوصيل المساعدات. قُتل تسعة مدنيين يمنيين في الهجمات التي قالت إسرائيل إنها جاءت ردًا على ما وصفه دانون بـ "القصف الحوثي المستمر للمراكز السكانية الإسرائيلية".

 

أكدت باربرا وودوارد، مبعوثة المملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة، حق إسرائيل في الدفاع عن النفس لكنها حذرت: "يجب أن يكون عمل إسرائيل متسقًا مع التزاماتها بموجب القانون الدولي بما في ذلك حماية المدنيين".

 

وقالت إنها "قلقة بشأن الهجوم على مطار صنعاء الذي عرض تيدروس أدهانوم غيبريسوس للخطر". كان رئيس منظمة الصحة العالمية في مطار صنعاء عندما ضربت الطائرات الحربية الإسرائيلية يوم الخميس. أصيب أحد أفراد طاقم طائرة تيدروس في الضربة وقال تيدروس إنه وزملاؤه "نجوا من الموت بأعجوبة".

 

وقالت وودوارد: "يجب أن يتمكن العاملون في مجال المساعدات الإنسانية من القيام بعملهم المهم بأمان وأمان"، مضيفة أن المدير العام كان في اليمن للسعي إلى إطلاق سراح مجموعة من موظفي الأمم المتحدة المحتجزين كرهائن لدى الحوثيين.

 

يبدو أن التصريحات الإسرائيلية الأخيرة تشكل جزءًا من قرار استراتيجي بشن المزيد من الهجمات الحاسمة على الحوثيين، وهي الاستراتيجية التي تأمل أن تحظى بتأييد إدارة ترامب القادمة. وقد صور دانون الأمم المتحدة على أنها متهاونة أخلاقياً وغير راغبة في اتخاذ الخطوات اللازمة لفرض حظر الأسلحة على اليمن.

 

تريد إسرائيل من الأمم المتحدة أن تعترض السفن التي تحمل أسلحة إيرانية إلى الحوثيين عبر موانئ مثل الحديدة. وتعتقد حكومتا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن التفويض الضعيف الحالي لآلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة يحتاج إلى مراجعة.

 

وفي إشارة إلى الهروب الضيق للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية ووفده، قال دانون: "ليس لدينا سيطرة على من هو وأين. ليس لدينا نية للقصف لإيذاء المنظمات غير الحكومية أو الأمم المتحدة، بل على العكس من ذلك، ولكن إذا كانوا في مناطق يتواجد فيها الحوثيون، فيجب أن يكونوا حذرين لأننا لن نجلس مكتوفي الأيدي".

 

وذهب فاسيلي نيبينزيا، السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، إلى أبعد من ذلك في انتقاد إسرائيل، قائلاً إن الهجمات لم تكن دفاعًا عن النفس، بل "جزء من العدوان العسكري ضد دولة ذات سيادة من قبل الغرب الجماعي".

 

وقال إنه من غير المهم اعتبار الهجوم انتقامًا لأن نطاق الدمار كان تصعيدًا متعمدًا وغير متناسب. واتهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالتورط في الهجمات على البنية التحتية المدنية.

 

لقد أوضح زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، والمتحدث باسم الجماعة، يحيى قاسم سريع، أنه طالما استمرت الحرب في غزة، فإن الحوثيين سيواصلون مهاجمة الشحن وإسرائيل. وقال بعض نشطاء الحوثيين على وسائل التواصل الاجتماعي إن الهجمات الأخيرة على يافا هي مقدمة لهجوم على المواقع النووية الإسرائيلية.


مقالات مشابهة

  • “أقوى المسيّرات الأمريكية (MQ-9)” خارج الخدمة في اليمن
  • الولايات المتحدة تستهدف مواقع للحوثيين في اليمن
  • إسرائيل تتقدم بدعوى لمجلس الأمن الدولي لشن هجوم شامل على الحوثيين في اليمن
  • الحوثي يدعو الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى اتخاذ مواقف عملية ضد العدوان في اليمن وغزة
  • إسقاط الطائرة الأمريكية (إم كيو-9) الثالثة عشرة في اليمن يحرج واشنطن
  • روسيا في مجلس الأمن تدين الغارات الإسرائيلية الأخيرة وتعتبرها "عدوانا" على اليمن
  • القيادة تعزّي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في وفاة الرئيس الأمريكي الأسبق
  • شاهد | اليمن ينتزع الهيمنة من عيون الاستكبار العالمي .. كاريكاتير
  • أدت لتأخر وإلغاء آلاف الرحلات الجوية.. عواصف ثلجية وأعاصير تضرب أجزاء واسعة من الولايات الأمريكية
  • روسيا تتّهم واشنطن ولندن بالتخطيط لاستهداف قاعدتيها في سوريا