الأمن اليمني يهزم الاستخبارات الأمريكية: واشنطن بلا عيونٍ وبلا غطاء
تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT
يمانيون – متابعات
خلالَ الأشهر الماضية، اعترف مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون بأن الولاياتِ المتحدةَ تعاني من عَمَىً استخباراتيٍّ في اليمن وبأن الحُصُولَ على معلومات أصبح أكثرَ صعوبة منذ إخلاء السفارة الأمريكية في صنعاء عام 2015.
لكن ما لم يقله أُولئك المسؤولون هو أن الأجهزة الأمنية اليمنية هي من سببت ذلك العمى؛ من خلال جهود استثنائية هائلة، وأن المعلومات التي أصبحت واشنطن تفتقر إليها لا تتعلق فقط بالجانب العسكري الذي جاءت في إطاره اعترافات المسؤولين الأمريكيين، بل بمختلف جوانب حياة الشعب اليمني، وبالشكل الذي يضمن اختراقًا شاملًا يضمنُ عدمَ الحاجة إلى الاستهداف العسكري أصلًا، أَو تعويض أي قصور في هذا الاستهداف أَو غيره، وهي الصورة الكاملة التي كشفها الإنجاز الكبير وغير المسبوق الذي أعلنته أجهزة الأمن، الاثنين، وقدمت فيه تفاصيل ضبط أكبر شبكة جواسيس تتبع المخابرات الأمريكية والإسرائيلية عملت في اليمن على مدى عقود.
السفارات الأمريكية.. جبهات مفتوحة ضد الشعوب:
الجزء الأول الذي تم كشفه من تفاصيل الإنجاز الأمني الواسع، سلَّطَ الضوءَ على صَفٍّ متقدم من الجواسيس والذين يلاحظ أن جميعهم كانوا يعملون لدى السفارة الأمريكية في صنعاء، وهي فضيحة كبيرة للولايات المتحدة؛ فالتفاصيل الصادمة التي ذكرها الجواسيس تمثل شهادات تأريخية على أن سفارات الولايات المتحدة في البلدان هي عبارة عن جبهات استخباراتية مفتوحة لا حدود لنشاطها المعادي؛ فهي تمارس التجنيد والاستقطاب وجمع المعلومات وتصل إلى حَــدِّ مُبَاشَرَةِ وتنفيذ خطوات عملية تستهدف البلد في أكثر من مجال؛ وهو أمرٌ لم يسبق أن تم كشفُه بهذا المستوى التفصيلي من قبلُ؛ الأمر الذي يضع العالم بأكمله -شعوبًا وحكومات- أمام حقيقة خطر هذه الأوكار العدائية التي تمارس نفس النشاط في العديد من عواصم العالم.
ويمكن القول إن مشروع الدولة في صنعاء والذي يتميز برؤية واضحة لطبيعة التواجد الأمريكي العدائي في اليمن، كان هو الأرضية الصُّلبةَ للإنجاز الأمني الكبير؛ فمن الواضح أن الأجهزة الأمنية انطلقت في جهودها بناء على إدراكها لحقيقة ما تمثله سفارة واشنطن من خطر مباشر، وهو ما يوضح أهميّة الخروج عن “السردية” التي تفرضها الولايات المتحدة بشأن سياستها الخارجية بشكل عام، وتجاه البلدان العربية والإسلامية بشكل خاص، والمكاسب التي يمكن تحقيقها من خلال النظرة إلى نفوذ الولايات المتحدة على حقيقته كتهديد يجب تحجيمه والتخلص منه.
وبناء على ذلك، قد يكون من الضروري إعادة دراسة معايير وأطر عمل السفارات الأجنبية، والتوصل إلى المزيد من الإجراءات التي يمكنها أن تسد الثغرات المفتوحة أمام نشاطات الاستقطاب والتجنيد وصلاحيات الوصول، وهو أمر يرتبط أَيْـضاً بقابلية النظام السياسي للاختراق الخارجي من خلال الوصاية.
حربُ المعلومات:
من خلال اعترافات جواسيس الشبكة الأمريكية الإسرائيلية، يُلاحَظُ أن من أبرز مهامهم المشتركة كان إعداد الدراسات والتحليلات عن مختلف القضايا في اليمن؛ وهو أمر يختلف عن رفع المعلومات بصورتها الأولية؛ فهذا النوع من المعلومات سيحتاج لاحقًا إلى خبراءَ لتحليلها ووضعها في سياق واضح، وهي في العادة مهمة مراكز الدراسات المرتبطة بالمخابرات الأمريكية والتي تقوم في النهاية باقتراح التوصيات بناءً على المعلومات، لكن يبدو أن نشاط السفارة الأمريكية في صنعاء كان قد وصل إلى حَــدِّ رفع “رؤىً استخباراتيةٍ” وليس فقط مُجَـرّد معلومات، حَيثُ عملت السفارة كما يبدو على انتقاء وتأهيل جواسيسَ قادرين على إعداد دراسات متكاملة قد تعوض الكثير مما يمكن أن يغيب عن مراكز الدراسات الأمريكية؛ نتيجة افتقار هذه المراكز إلى التواجد المباشر في الميدان.
وبحسب الاعترافات، فقد تمكّنت الولايات المتحدة في هذا السياق أَيْـضاً من استخدام غطاء المنظمات الإنسانية ومراكز الدراسات والبحوث للقيام بجمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها بصورة توفر على وكالات المخابرات الكثير من الجهد.
هذه الآلية الاستخباراتية التي يبدو أنها أصبحت منتشرة بشكل كبير مع تعدد وتنوع الغطاءات (المدنية) لها، تضع جميع الحكومات أمام أهميّة إعادة النظر في طريقة مرور البيانات الحساسة في النظام الإداري، ووضع حدود لنشاطات وآليات عمل الجهات الخارجية وصلاحيات وصولها إلى مثل هذه البيانات، وهي ضرورة يوضحها الفرق بين ما كشفته اعترافات الجواسيس من سهولة في الاختراق والوصول في المراحل السابقة، وبين اعترافات المسؤولين والضباط الأمريكيين هذا العام بأن اليمن أصبح بمثابة “ثقب أسود” فيما يتعلق بالمعلومات الاستخباراتية في الجانب العسكري.
وفي الجانب الاقتصادي، تكشف اعترافات الجواسيس أن التقارير والدراسات التي كانوا يرفعونها حول مواضيع حساسة كـ”الميزانية” و”العملة” قد وفرت للأمريكيين بالفعل رؤية لاستهداف اليمن اقتصاديًّا ومحاولة تعويض الفشل العسكري؛ وهو أمر يجب أن ينال حقه من الدراسة والبحث لتحديد سبل سد مثل هذه الثغرات.
الاستهداف الاقتصادي:
بحسب اعترافات الجواسيس فقد كانت الاقتصاد أحد أبرز المجالات التي عملوا فيها على تقديم رؤى واضحة للولايات المتحدة؛ مِن أجلِ استهداف اليمن؛ فالتقارير والتحليلات التي قدَّموها حول الميزانية والعملة والبنك المركزي (الذي قاموا بنقل شَفرته أَيْـضاً بشكل شخصي)، قد ساعدت واشنطن بالفعل في هندسة الكارثة الإنسانية في اليمن بعد العدوان والأزمات التي لم تتوقف قبل العدوان.
هذه الجانب من الإنجاز الأمني الكبير يوفر للجميع في المنطقة والعالم مادة نادرة ووافية لفهم أساليب الولايات المتحدة وَأَيْـضاً لفهم العديد من المشاكل الاقتصادية التي تعيشها الكثير من البلدان التي تقع تحت النفوذ الأمريكي؛ فهو لا يؤكّـد فقط استخدام الولايات المتحدة الاقتصاد كسلاح وكورقة ضغط وكاستراتيجية استباقية؛ لضمان بقاء النفوذ والمصالح، بل يوضح كيفية إدارة الولايات المتحدة لهذه الجبهة ومسارات عملها التي تمتد من استهداف المؤسّسات السيادية للدولة إلى استهداف المواطن نفسه في نشاطه الاقتصادي، وليس من الخارج بواسطة العقوبات والحصار فقط، بل أَيْـضاً من الداخل.
لقد كُتِبَ الكثير عن استخدام الولايات المتحدة سلاح الاقتصاد ضد البلدان الأُخرى، لكن تلك الكتابات كانت تغفل عن الجوانب التي تعتمد فيها الولايات المتحدة على نشاطاتها الجاسوسية داخل البلدان في استخدام هذا السلاح تحت الغطاءات الدبلوماسية والإنسانية والتنموية وغيرها؛ إذ يبدو الآن وبوضوح أن العقوبات وفرض الحصار ليس كُـلّ شيء، فواشنطن تعتمدُ أَيْـضاً على عيونها داخل البلدان لرصد كُـلّ البيانات والمعلومات وتحليلها لتوجيهِ ضربات اقتصادية من الداخل للمؤسّسات وللمواطنين، سواء من خلال الاستهداف المباشر إن أمكن أَو حتى من خلال معرفة ما يمكن استغلاله إعلاميًّا لإثارة الرأي العام بالشكل الذي يسهِّلُ الاستهداف المباشر أَو يؤثر على القطاع الاقتصادي بشكل غير مباشر.
مرجعٌ مهمٌّ لفهم العمل الاستخباراتي الأمريكي:
إن كُـلّ نقطة من اعترافات جواسيس الشبكة الأمريكية الإسرائيلية التي ضبطها الأمن اليمني، تسلط الضوء على الكثير من الجوانب التي ينبغي دراستها والاستفادة من نتائجها.
ويمكن القول إن تم كشفه يشكل أحد أهم المراجع التفصيلية الدقيقة لدراسة طبيعة العمل الاستخباراتي الأمريكي في البلدان، وخُصُوصاً تلك التي تخضع جزئيًّا أَو كليًّا لنفوذ الولايات المتحدة، وهي دراسة لا غنى عنها لأي بلد في الظروف الحالية التي تندفع فيها واشنطن بشكل غير مسبوق تاريخيًّا لاستخدام كُـلّ أوراقها ضد الحكومات والشعوب، وبالمقابل تبرز توجّـهات كثيرة مناهضة للهيمنة الأمريكية.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الیمن فی صنعاء من خلال وهو أمر أ ی ـضا
إقرأ أيضاً:
إدارة نُظم المعلومات الصحية.. ورشة عمل للجمعية الطبية السورية الأمريكية “سامز” في جامعة دمشق
دمشق-سانا
“إدارة المعلومات الصحية، وواقع نظم المعلومات الصحية في سوريا، وكيفية جمع البيانات الخاصة بالمريض بشكل منظم وكيفية استخدامها”، شكلت أبرز محاور ورشة العمل التي نظمتها الجمعية الطبية السورية الأمريكية “سامز” اليوم، بالتعاون مع جامعة دمشق.
وخلال الورشة التي أقيمت في مركز رضا سعيد للمؤتمرات بدمشق، تحت عنوان “إدارة نُظم المعلومات الصحية”، قدّم الطبيب المتخصص بالأمراض الداخلية والصدرية والخبير في إدارة الأنظمة الصحية والسياسات الصحية، عضو جمعة ”سامز” الدكتور إبراهيم المصري، محاضرة حول نظم المعلومات الصحية وإدارة المعلومات الصحية، وكيفية جمع البيانات الخاصة بالمريض بشكل منظم، مثل (الاسم والعمر وتفاصيل الحالة المرضية)، وحماية هذه البيانات وتحليلها بما يتلاءم مع القوانين الناظمة لهذه المعلومات، حيث يصبح لكل مريض سجل طبي متكامل تكون المعلومات الخاصة به متصلة في المشافي والمستوصف والعيادات ما يوفر الكثير من الفحوص الطبية.
وفي تصريحات للصحفيين أوضح الدكتور المصري، أن الهدف من الورشة تسليط الضوء على واقع نظم المعلومات الصحية والمعلومات الصحية الموجودة في سوريا، ومناقشة الواقع الحالي وكيفية التطور في هذا المجال، واستعراض الخبرات التي تم التوصل إليها خلال الـ 13 عاماً الماضية، للخروج بتوصيات يمكن البدء بها كخطوة أساسية لبدء نظام معلومات صحية في سوريا، لافتاً إلى أهمية تدريب الكوادر والاستفادة من الكوادر السورية التي عادت إلى سوريا، وتجارب الآخرين وضرورة توفر البنية التحتية، والاستفادة من هذه البيانات لتغذي المديريات في وزارة الصحة والتعليم العالي، ولتتمكن من اتخاذ القرارات والتخطيط للمستقبل.
من جانبه رئيس الجمعية الطبية السورية الأمريكية “سامز” الدكتور محمد مُفضل حمادة نوه بدعم وزارة التعليم العالي لفعاليات الجمعية التعليمية، مشيراً إلى أن الورشة جزء من فعاليات المهمة الطبية التي بدأتها الجمعية منذ أسبوع، لافتاً إلى أهمية إدارة المعلومات الطبية في بناء الهيكل الطبي السليم، وأن تكون المعلومات الطبية ميسّرة لجميع العاملين في المجال الطبي، كما أنها فرصة لسماع آراء المشاركين، وننشد الخطوات الأولى لتحسين البنية التحتية للطب في سوريا.
رئيس قسمي الأطراف الصناعية وإدارة المعلومات الصحية في كلية العلوم الصحية بجامعة دمشق الدكتور زهير مرمر، أشار إلى أهمية الورشة لطلاب كلية العلوم الصحية، وخاصة قسم إدارة المعلومات الصحية الذي تم افتتاحه منذ سنتين، للإحاطة بجميع المعلومات الطبية سواء الخاصة بالتشخيص أو المعالجة، إضافة للمساهمة بالنهوض بالقسم على مستوى التعاون مع المدرسين والتعاون من أجل الطلاب.
ومن المشاركين في الورشة رأى الدكتور وائل أمين أن أهمية الورشة تكمن في تشكيل نظام استقبال المريض، وخدمته وأتمتته لمعرفة الخدمة التي يمكن تقديمها له بشكل مؤتمت، ومعرفة التوصيات التي خرج بها، بحيث لا نعتمد على المعلومات من المريض لاحقاً، ومعرفة الخدمات الصحية والتوصيات التي تم تقديمها له أينما ذهب.
بدوره الطالب في كلية الطب البشري بجامعة دمشق آلان العثمان بيّن أن موضوع الورشة حيوي ويتيح سهولة الوصول إلى المعلومات، ويغني عن الأرشيف الورقي حيث المعلومات محدودة حول المريض، ما يسهم في توفير الجهد، وتحسين الرعاية الصحية المقدمة، وتصدير البيانات بشكل أفضل.
حضر الورشة الدكتور بشير أبو اللبن، والدكتور عبد الرحمن العمر من جمعة ”سامز”، وعدد من مديري المشافي وأطباء وطلاب ومهندسي المعلوماتية.