ما الذي يمكن أن يفعله «مثلَّث فايمار» لأوروبا؟
تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT
في خطاب بجامعة السوربون في أبريل ومرة أخرى أثناء زيارة الدولة التي قام بها إلى ألمانيا في أواخر مايو حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن أوروبا تواجه فناءها؛ فالأوروبيون المحاصرون بين روسيا فلاديمير بوتين وصين شي جين بينج وربما أيضا أمريكا دونالد ترامب في حاجة مُلِحَّة إلى إظهار التضامن. مع ذلك وبالضبط لأن الأوروبيين لا يشعرون بالأمان تبدو أوروبا متشظية.
التهديد الأكثر فورية في أوكرانيا. لفترة طويلة لم يكن واضحا ما يمكن أن يعنيه انتصار روسيا. لكن على ضوء استطلاعات أمريكية أجريت مؤخرا من الممكن الآن تخيل «خطة سلام» ترامبية أو نسخة من اتفاقية «مينسك 3» يتم بموجبها تجميد الأراضي التي خسرتها أوكرانيا وإغلاق الباب أمام انضمامها إلى الناتو والاتحاد الأوروبي ونزع سلاحها وإجبارها على الحياد الدائم.
هذا سيكون هزيمة ليس فقط لأوكرانيا ولكن لأوروبا. إذ ستشعر على الأقل ثلث الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بأنها مهددة في وجودها.
في هذا السيناريو قد يفقد قادة عديدون الإيمان بالمشروع الأوروبي. وبدلا عن ذلك ربما يحاولون التودُّد إلى ترامب كما سبق أن فعل ذلك رئيس الوزراء المجري فيكتور اوربان. وستتراجع الجهود الجماعية لتقوية الاتحاد الأوروبي لصالح العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة. وهذا ما سيجعل أوروبا أكثر انقساما وعجزا.
في الأجل الطويل ستنطبق نفس المعضلة على قضايا مثل الكيفية التي يتعامل بها الأوروبيون مع الصين والكيفية التي سيسعون بها وراء الازدهار الاقتصادي في وقت يشهد تنافسا تقنيّا محتدما وكيفية تعاملهم مع الحوكمة العالمية. في كل حالة من هذه الحالات يتطلب التحدي الوحدة. لكن البلدان الأعضاء ستجد من المغرى لها أن تتصرف بمفردها.
ربما قدمت زيارة ماكرون الأخيرة إلى ألمانيا بعض المداخل لكيفية منع التشظي ليس لأنه والمستشار الألماني أولاف شولتس قدما عروضا تتباهى بالصداقة والتضامن ولكن لأنهما أكدا دون قصد أن العلاقات الفرنسية الألمانية تقلصت إلى مجرد مهرجانات واستعراضات.
لم يعد بمقدور الحكومتين الفرنسية والألمانية رسم المسار الاستراتيجي لأوروبا بمفردهما. وحتى إذا تعاونتا لاقتراح أجندة ملموسة ليس من الواضح أن باقي الاتحاد الأوروبي سيتبعهما في ذلك.
لكن أحيانا يمكن إنقاذ علاقة ثنائية إذا أضيف إليها طرف ثالث. وفي السياق الأوروبي الحالي بولندا هي المرشح الواضح لذلك. فالماكينة الفرنسية الألمانية البولندية يمكنها إحياء صيغة مثلث فايمار الذي دُشِّن في عام 1991 لكن الحكومة البولندية غير الليبرالية السابقة طرحته جانبا لمدة ثماني سنوات. (مثلث فايمار تحالف إقليمي ثلاثي بين ألمانيا وفرنسا وبولندا تأسس بمدينة فايمار الألمانية بعد نهاية الحرب الباردة ويهدف إلى تعاون أضلاعه الثلاثة في المجالات الاقتصادية والأمنية والثقافية - المترجم.)
والآن مع وجود إدارة جديدة لبولندا تزخر بأفكار حول كيفية تقوية أوروبا يمكن أن يشكل مثلث فايمار وسيلة توحيد للأوروبيين عبر إحساس مشترك بالأمن والهدف الجيوسياسي.
كما ستساعد في ذلك التحولات الكبيرة لألمانيا في إنفاقها وموقفها الدفاعي وكذلك تبنّي ماكرون فكرة إضافة أعضاء جدد للاتحاد الأوروبي عبر التوسع شرقا.
يمكن لمثلث فايمار أن يقدم ثلاث مساهمات كبرى لأوروبا.
المساهمة الأولى سياسية. ففي حين كثيرا ما أثارت الصيغة الفرنسية الألمانية استياء وسط أعضاء الاتحاد الآخرين وجعلت أولئك الموجودين في البلدان التي كانت سابقا جزءا من الكتلة السوفييتية يتساءلون عما إذا كانوا سيباعون للكرملين إلا أن الترتيب الجديد من شأنه أن يضم بلدا كبيرا كان شيوعيا في السابق. ذلك لوحده يمكن أن يشكل عامل توحيد حتى إذا فاز ترامب شريطة أن يضع القادةُ الثلاثة البلدانَ الأخرى في اعتبارهم ولا يتصرفون كعُصبة.
إلى ذلك يمكن للحكومات الثلاث (بل يجب عليها) اقتراح طرق لإعادة ضبط العلاقة مع بريطانيا والتي ستشهد حكومة جديدة قريبا. وسيكون ذلك أمرا بالغ الأهمية لطمأنة الأوروبيين حول نطاق واسع من القضايا بما في ذلك الدفاع والمخاطر النووية والأمن الاقتصادي والتنافس التقني والطاقة.
لقد قضيت الكثير من الوقت في العواصم الأوروبية (من الدنمارك إلى البرتغال) في الأسابيع الأخيرة وسمعت أثناء ذلك العديد من القادة والدبلوماسيين وهم يتحدثون عن مثلث فاينمار كمصدر للأمل.
المساهمة الثانية التي يمكن أن يقدمها مثلث فاينمار عسكرية بما أن بلدانه تشكل في مجموعها أكثر 30% من الإنفاق الدفاعي لأوروبا. في الأجل القصير على هذه البلدان تقديم خطة لتوحيد مختلف المبادرات لمساعدة أوكرانيا في الحصول على الذخيرة والدفاعات الجوية التي تحتاج إليها. وفي الأجل الطويل يمكن أن يحقق الأوروبيون المزيد في مجال الدفاع عن بلدانهم ببساطة من خلال العمل معا على نحو أفضل.
يمكن لمثلث فايمار، بالإضافة إلى إجراء حوار نووي ثلاثي، توسيع دور الفيلق الأوروبي (يوركوربس) وهو قيادة عسكرية متعددة القوميات أوجدتها فرنسا وألمانيا في تسعينيات القرن الماضي. وبعكس مجموعات القتال التابعة للاتحاد الأوروبي والتي هي قوة حملة عسكرية وبالتالي غير مناسبة تماما للأوضاع الحالية يمكن نشر الفيلق الأوروبي في الخطوط الأمامية بأعداد كافية لطمأنة الدول الأعضاء هناك في حال سحبت الولايات المتحدة قواتها من أوروبا.
أخيرا، يمكن أن يساعد مثلث فايمار إذا تم إحياؤه في تحويل أوروبا «من مصنع للإجراءات التنظيمية إلى مجتمع مصير مشترك» حسبما ذكر لي مسؤول بولندي.
في الوقت الحاضر أوروبا محاصرة بين الضرورة الجيوسياسية التي تستوجب ربط أوكرانيا ومولدوفا بالغرب والاستحالة السياسية والمؤسسية للتحرك إلى الأمام بعملية توسع تقليدي للاتحاد.
يجب أن يبتدع مثلث فايمار خطة طويلة الأمد لدمج أوكرانيا في كل من الناتو والاتحاد الأوروبي. ويلزم توجيه هذه الاستراتيجية الجديدة نحو بناء اقتصاداتِ حرب وتوفير الأمن والسعي لمواءمة الإجراءات التنظيمية.
الخطوة الأولى الجيدة تتمثل في تشكيل مجموعة رفيعة المستوى لدراسة المكونات الأمنية والدفاعية لعملية توسيع معدَّلة للاتحاد الأوروبي. هنالك بعض الزخم الذي يدفع نحو تبنّي صيغة جديدة لمثلث فايمار. ففي مارس عقد كل من شولتس وماكرون ورئيس الوزراء البولندي دونالد توسك قمة قصيرة في برلين ولاحقا اجتمع وزراء خارجية بلدانهم واتفقوا على إصدار بيان محفِّز.
لكن وكما حاجج مؤخرا زملائي بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في هذه البلدان الثلاثة يجب أن يتحول الكلام المثالي إلى فعل حاسم. فإذا تشكل مثلث فايمار يمكن أن يبعث حياة جديدة في المشروع الأوروبي.
مارك ليونارد مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية
الترجمة خاصة لـ $
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی یمکن أن
إقرأ أيضاً:
هل يمكن “نزع سلاح المقاومة” بغزة؟.. محللون يجيبون
#سواليف
أثار المقترح الذي نقلته الوسطاء المصريون إلى حركة #حماس – والذي تضمّن نصا صريحا بشأن “نزع #سلاح_المقاومة” – ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية والفكرية الفلسطينية والعربية، وسط تساؤلات حول جدوى التفاوض على هذا الشرط الذي وصفه مراقبون بأنه “دعوة للاستسلام تحت غطاء الوساطة”، وليس خطوة نحو #التهدئة.
ففي حين أكدت “حماس” رفضها المطلق لأي نقاش حول سلاح المقاومة، اعتبر سياسيون ومحللون أن إدراج هذا البند يمثل انحرافًا خطيرًا في مسار الوساطة، بل ومساهمة في شرعنة الحرب المستمرة على #غزة، واستهدافًا مباشرًا لأحد أركان الهوية الوطنية الفلسطينية.
المحلل السياسي محمد الأخرس علّق بالقول: “من المخزي أن يتبنى أي فلسطيني أو عربي مطالب الاحتلال بشأن سلاح المقاومة”، مشيرا إلى أن الاحتلال نفسه كان قد عرّف هذا السلاح – منذ بداية الحرب – بأنه يشمل الأنفاق الهجومية، وصواريخ الكورنيت المضادة للدروع، والصواريخ التي تستهدف العمق الإسرائيلي.
مقالات ذات صلةوأضاف في منشور على حسابه بـ”فيسبوك” أن ” #الاحتلال زعم في منتصف عام 2024 أنه حيد هذا السلاح ودمّر كتائب المقاومة، لا سيما عندما أعلن في 12 سبتمبر القضاء على “لواء رفح”، متسائلًا: “إذا كانت #إسرائيل تعتبر أنها أنجزت هذه المهمة، فلماذا يصرّ البعض على مطلب نزع السلاح؟!”.
واعتبر الأخرس أن “الحديث عن نزع سلاح المقاومة هو تبنٍّ واضح للرؤية الإسرائيلية، وشرعنة لاستمرار العدوان”، مؤكدًا أن “السلاح ليس قرارا تنظيميًا، بل حق لشعب يقاوم الاحتلال”.
ما تريده إسرائيل فعلًا
الباحث العراقي لقاء مكي ذهب أبعد من ذلك، واعتبر أن “مطلب نزع السلاح ليس هدفًا حقيقيًا لإسرائيل، بل وسيلة لإطالة أمد الحرب”.
وقال في تغريدة على منصة “إكس” (تويتر سابقاً): “مشكلة إسرائيل ليست في المقاومة، بل في غزة ذاتها. ولأن البحر لن يغرقها كما تمنى رابين، فلماذا لا يتم إفراغها من سكانها؟”.
وأضاف مكي: “إسرائيل تعرف أن نزع السلاح غير قابل للتطبيق، بل وتدرك أنه سيقود إلى مقاومة أشدّ. ما تريده فعلًا هو تشتيت الشعب الذي صنع المقاومة واحتضنها، وخلق واقع جديد في غزة”.
وعبر المحلل السياسي ياسر الزعاترة عن استغرابه من تضمين البند المتعلق بالسلاح في المقترح المصري، رغم غيابه عن وثيقة “ويتكوف” الأمريكية، متسائلًا: “هل يُعقل أن يضغط كل قادة الكيان على نتنياهو لوقف الحرب دون التطرق لسلاح المقاومة، ثم يأتي الشقيق ليُهديهم هذا الشرط على طبق من ذهب؟!”.
وأضاف في تغريدة على منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، أن “نتنياهو لا يزال يتحدث عن سلاح الجيش المصري نفسه، ويتوسع في عدوانه على الضفة وسوريا ولبنان، ثم يُطلب من حماس أن تُسلّم سلاحها، كأنها تملك قنابل نووية!”.
من جانبه، شدد الباحث في الشأن السياسي والاستراتيجي سعيد زياد في تغريدة على منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، على أن سلاح المقاومة “قضية تحظى بإجماع وطني، ومبدأ لا يقل قدسية عن حق العودة والقدس”، معتبرًا أن غزة تمثّل حاجزًا استراتيجيًا يحمي الأمن القومي المصري، وأن سلاح المقاومة هو “السدّ الأخير في وجه التهجير”.
تجارب نزع السلاح
الكاتب القطري جابر الحرمي حذّر من الوقوع في “فخ نزع السلاح”، مستشهدًا بتجربتين قريبتين: الأولى، حين أقنعت واشنطن وأوروبا أوكرانيا بالتخلي عن سلاحها النووي، لتُترك لاحقًا فريسة لروسيا، والثانية، عندما رفضت طالبان نزع سلاحها رغم الضغوط، لتُجبر أمريكا لاحقًا على التفاوض معها.
وأضاف الحرمي في تغريدة على منصة “إكس”: “حماس أو غيرها لن تقع في هذا الفخ، لأن التجارب تُثبت أن السلاح هو الضامن الوحيد للكرامة والسيادة”.
الناشط الفلسطيني بلال ريان وصف مطلب نزع السلاح بأنه “وصفة لإبادة جماعية تُمرر بغطاء عربي”، مشيرًا إلى أن التخلي عن السلاح سيفتح الباب لمطالب أكثر خطورة، كإجبار المقاتلين على تسليم أنفسهم، ومحاكمة قيادات المقاومة، وتفكيك البنية التنظيمية، وفرض رقابة أمنية شاملة على السكان.
واستحضر ريان عبر حسابه على منصة “إكس”، نماذج تاريخية مشابهة، مثل مجزرة صبرا وشاتيلا بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت، ومذبحة سربرنيتسا في البوسنة عام 1995، مؤكدًا أن “تسليم السلاح لم يؤدِّ يومًا إلى الأمان، بل مهّد للمجازر”.
ونقلت قناة /الجزيرة/ الفضائية، الإثنين، عن قيادي بحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، قوله إن “مصر أبلغتنا أنه لا اتفاق لوقف الحرب دون التفاوض على نزع سلاح المقاومة، وأبلغناها أن نقاش مسألة سلاح المقاومة مرفوض جملة وتفصيلا”.
وأضاف في تصريح، أن “المقترح الذي نقلته مصر لنا يشمل إطلاق سراح نصف أسرى الاحتلال بالأسبوع الأول من الاتفاق، ويشمل تهدئة مؤقتة لـ45 يوما مقابل إدخال الطعام والإيواء”.
وأشار إلى أن “وفدنا المفاوض فوجئ بأن المقترح الذي نقلته مصر يتضمن نصا صريحا بشأن نزع سلاح المقاومة، وأن الحركة أبلغت مصر أن المدخل لأي اتفاق هو وقف الحرب والانسحاب وليس السلاح”.
وكان القيادي في “حماس”، طاهر النونو، قد صرّح أن “استعداد الحركة لإطلاق سراح جميع الأسرى المحتجزين في قطاع غزة، في إطار صفقة تبادل شاملة، مشروطة بوقف إطلاق نار جاد وانسحاب كامل لقوات الاحتلال الإسرائيلي من القطاع”.
واتهم النونو الاحتلال الإسرائيلي بـ”تعطيل” التوصل إلى اتفاق، مشيراً إلى أن العقبة الأساسية لا تكمن في أعداد الأسرى، بل في “تنصّل الاحتلال من التزاماته، وتعطيله تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، واستمراره في شن العدوان”.
وأوضح أن “حماس” أبدت “مرونة كبيرة وتعاملت بإيجابية” مع مختلف المقترحات التي طُرحت خلال جولات التفاوض الأخيرة، مشدداً على أن الحركة أبلغت الوسطاء بـ”ضرورة وجود ضمانات تُلزم الاحتلال بتنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه”.
وأشار النونو إلى أن الاحتلال يسعى إلى “إطلاق سراح أسراه دون التطرق إلى قضايا المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تشمل وقفاً دائماً لإطلاق النار، وانسحاباً كاملاً من قطاع غزة”.
وفي ما يتعلق بالموقف من سلاح المقاومة، شدّد النونو على أنه “خط أحمر، وليس مطروحاً للتفاوض”، موضحاً أن “بقاء هذا السلاح مرتبط باستمرار وجود الاحتلال”.
وكان الوفد المفاوض التابع لحركة “حماس”، برئاسة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية، قد أجرى أمس سلسلة لقاءات في العاصمة المصرية القاهرة، مع مسؤولين مصريين، وبمشاركة مسؤولين قطريين، ضمن المساعي المشتركة بين القاهرة والدوحة لتقريب وجهات النظر وتثبيت اتفاق الهدنة.
وتأتي هذه التحركات في أعقاب انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، واستمر لمدة 58 يوماً، قبل أن يتنصل الاحتلال من بنوده ويستأنف عدوانه فجر 18 آذار/مارس 2025، مع فرض حصار مشدد على القطاع.