المحلل هال براندز: هكذا سيقودنا الذكاء الاصطناعي إلى الحرب العالمية الثالثة
تاريخ النشر: 11th, June 2024 GMT
فرضت تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته نفسها بشدة على العالم خلال العامين الأخيرين، في ظل التطورات المتلاحقة التي حققتها هذه التكنولوجيا وفتحت الباب أمام تغييرات لا تعد ولا تحصى في حياتنا اليومية.
فالذكاء الاصطناعي سيغير طريقة خدمة الحكومات لمواطنيها وطريقة قيادتنا للسيارات أو قيادة السيارات بنا، وطريقة أحلامنا وطريقة تشخيص الأطباء للأمراض وعلاجها وحتى طريقة إعداد الطلبة للأبحاث وكتابة المقالات الدراسية.
في مواجهة كل هذه التغيرات المرتقبة يطرح المحلل الإستراتيجي الأميركي هال براندز في تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ للأنباء عددا من الأسئلة الجوهرية منها هل سيكون الذكاء الاصطناعي ثوريا؟ وهل سيغير ميزان القوة العالمي؟ وهل سيسمح للأنظمة المستبدة بحكم العالم؟ وهل سيجعل الحرب أسرع وأشد ضراوة وخارجة عن السيطرة؟ باختصار هل سيغير الذكاء الاصطناعي إيقاع تطورات الشؤون العالمية؟
بالطبع من السابق لأوانه تقديم إجابة قاطعة على هذه الأسئلة. فتأثيرات الذكاء الاصطناعي ستتوقف في النهاية على قرارات القادة والدول، وأحيانا ما تأخذ التكنولوجيا مسارا معاكسا بشكل مفاجئ.
الصراعات أشد أم أقل مع الذكاء الاصطناعيعلينا التفكير في هذا الاحتمال المفاجئ وهو أنه ربما لا يغير الذكاء الاصطناعي العالم بالقدر نفسه الذي نتوقعه، لكن هل سيجعل الحرب خارجة عن السيطرة؟
يقول براندز -أستاذ كرسي هنري كيسنجر في مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأميركية في تقرير بلومبيرغ- إن الذكاء الاصطناعي سيجعل الصراعات أشد تدميرا وأصعب في الاحتواء.
ويطرح المحللون تصورا لمستقبل تستطيع فيه الآلة قيادة الطائرات المقاتلة أفضل من الإنسان، وتستطيع الهجمات الإلكترونية الآلية تدمير شبكات معلومات العدو، وتؤدي الخوارزميات المتقدمة القوية إلى تسريع عمليات اتخاذ القرار العسكري.
ويحذر البعض من أن عملية اتخاذ القرار بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي يمكن أن تؤدي إلى تصعيد سريع، منها التصعيد النووي بصورة تجعل صناع القرار أنفسهم مندهشين مما حدث، بحسب التقرير.
باختصار إذا كانت خطط الحرب وجداول تسيير القطارات سببا في الحرب العالمية الأولى، فقد يصبح الذكاء الاصطناعي سببا في الحرب العالمية الثالثة.
الذكاء الاصطناعي سيغير الحرب بالطبع، بدءا من إتاحة الصيانة الاستباقية للمعدات وحتى زيادة دقة الاستهداف بصورة مذهلة.
وقد توصلت لجنة الأمن القومي المعنية بالذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة عام 2021، إلى أن العالم سيعيش "حقبة جديدة من الصراع" يهيمن عليها الجانب الذي يتقن "طرقا جديدة للحرب" بحسب بلومبيرغ.
ورغم ذلك فإن تاريخ الحروب عبر العصور يقول إن الابتكارات تجعل الحروب أسرع وأشد ضراوة، لكنها لا تجعل التصعيد خارجا عن السيطرة.
وقد ناقشت الولايات المتحدة والصين ضرورة ألا تكون عمليات القيادة والسيطرة على الترسانة النووية لدى البلدين خاضعة للأنظمة الآلية، وهو التعهد الذي قطعته الولايات المتحدة على نفسها بشكل مستقل لسبب بسيط وهو أن الدول لا ترغب بالتأكيد في التخلي عن السيطرة على أسلحة يمكن أن يمثل خطرها تهديدا وجوديا للدولة نفسها في حال انطلاقها.
والحقيقة هي أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقلل مخاطر التصعيد العالمي من خلال مساعدة صناع القرار على تجاوز الغموض المحيط بأي أزمة أو صراع.
وبحسب التقرير، تعتقد وزارة الدفاع الأميركية أن الأدوات الاستخباراتية والتحليلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد البشر في تدقيق المعلومات المربكة أو المجزأة المتعلقة باستعدادات العدو للحرب، أو ما إذا كان هناك بالفعل هجوم صاروخي مخيف.
وهذا ليس ضربا من الخيال العلمي، لأن الولايات المتحدة استفادت من الذكاء الاصطناعي في اكتشاف نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحرب أوكرانيا عام 2022، معنى هذا أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يخفف حدة التصعيد بالقدر نفسه الذي يمكن أن يساهم فيه في زيادتها.
من يتحكم بالذكاء يتحكم بالصراعوهذا الأمر ينقلنا إلى السؤال الثاني المتعلق بمدى استفادة الدول المستبدة من الذكاء الاصطناعي لفرض هيمنتها على الشؤون الدولية.
يحذر محللون مثل يوفال نواه هراري في التقرير من أن الذكاء الاصطناعي سيقلل تكلفة الاستبداد، ويزيد من عائده.
فأجهزة الاستخبارات في الدول المستبدة التي تمتلك أجهزة ذكاء اصطناعي قوية لن تحتاج إلى قوة بشرية كبيرة لجمع وتحليل كميات ضخمة من البيانات عن شعوبها بما يتيح لها على سبيل المثال رسم خرائط دقيقة لشبكات الاحتجاجات وتفكيكها.
كما يمكنها استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعرف على ملامح الوجه في مراقبة مواطنيها والسيطرة عليهم.
وكذلك يمكنها استخدام التكنولوجيا في اختلاق مواد مزيفة ونشرها بهدف تشويه سمعة معارضيها.
في الوقت نفسه، فإن بعض التكنولوجيات تضيق الفجوة بين المجتمعات الأكثر تقدما والأشد تخلفا. على سبيل المثال سمحت لدولة متخلفة نسبيا مثل كوريا الجنوبية بتعويض التفوق الاقتصادي والعسكري الذي تمتلكه قوة عظمى مثل الولايات المتحدة وحلفائها، بحسب التقرير.
ولذلك يشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق من استخدام الجماعات الإرهابية لأنظمة الذكاء الاصطناعي من أجل تطوير أسلحة بيولوجية. كما يمكن لدول مثل إيران استخدام الذكاء الاصطناعي لتنسيق هجوم متزامن بالطائرات المسيرة ضد السفن الأميركية في الخليج العربي.
ومع ذلك يقول التقرير إن الذكاء الاصطناعي سيظل لعبة الدول الغنية. فتطوير تقنيات ذكاء اصطناعي بالغة التقدم عملية باهظة التكلفة. فتدريب نماذج اللغة (وهي المكون الأساسي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي) الضخمة يحتاج إلى استثمارات هائلة وأعداد كبيرة من العلماء والمهندسين البارعين، وكميات مهولة من الكهرباء.
وتشير بعض التقديرات إلى أن تكلفة البنية التحتية التي تدعم منصة المحادثة الآلية "بنج إيه آي" التابعة لإمبراطورية البرمجيات والتكنولوجيا الأميركية مايكروسوفت تبلغ 4 مليارات دولار.
معنى هذا أنه يمكن لأي شخص تقريبا أن يكون من مستخدمي الذكاء الاصطناعي، لكن لكي يكون منتجا له فهو يحتاج موارد وفيرة.
ولهذا فإن الدول متوسطة القوة الغنية تستطيع أن تحقق تقدما كبيرا في هذا المجال. كما أن الولايات المتحدة بما لديها من شركات تكنولوجيا عملاقة ما زالت هي الرائدة فيه.
وعن مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على توازن القوى في العالم، يقول المحللون في مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة في جامعة جورج تاون الأميركية إن الولايات المتحدة وحلفاءها تستطيع التفوق على الصين في مجال التكنولوجيا إذا وحدت جهودها، لذلك فإن أمل الصين هو أن ينقسم العالم المتقدم فيما يتعلق بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
والحقيقة أن الخلافات بين الولايات المتحدة وأوروبا في هذا المجال لا تدعو للتفاؤل.
كما أن هناك دولا ديمقراطية أخرى مثل الهند تفضل التحرك المستقل في مجال التكنولوجيا وخاصة الذكاء الاصطناعي.
ورغم ذلك يرى هال براندز أنه من السابق لأوانه القول إن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى تفكك تحالفات الولايات المتحدة الدولية.
وفي النهاية يقول هال براندز -الباحث الزميل في معهد أميركان إنتربرايز المؤلف المشارك لكتاب "منطقة الخطر: الصراع القادم مع الصين" وعضو مجلس الشؤون الخارجية التابع لوزارة الخارجية الأميركية- إننا لا نستطيع التنبؤ بالمستقبل، وقد يصل الذكاء الاصطناعي إلى طريق مسدود، أو يتسارع تطوره بما يتجاوز توقعات أي شخص.
ولكن، وقبل كل شيء فإن التكنولوجيا ليست قوة مستقلة. وشكل تطور هذه التكنولوجيا وغيرها، وكذلك تأثيراتها يتحدد من خلال القرارات التي ستتخذ في واشنطن وفي جميع أنحاء العالم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الذکاء الاصطناعی یمکن الولایات المتحدة عن السیطرة یمکن أن
إقرأ أيضاً:
بين الابتكار والسيطرة.. هيمنة الذكاء الاصطناعي الصيني
ترجمة: نهى مصطفى -
خلال شهرين من إصدار شركة صينية غير معروفة تدعى DeepSeek نموذجًا جديدًا قويًا للذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، بدأ هذا الاختراق بالفعل في تحويل سوق الذكاء الاصطناعي العالمي.
يتميز DeepSeek-V3، كما يُطلق على نموذج اللغة الكبير المفتوح (LLM) الخاص بالشركة، بأداء ينافس أداء النماذج من أفضل المختبرات الأمريكية، مثل ChatGPT من OpenAI و Claude من Anthropic و Llama من Meta ، ولكن بجزء صغير من التكلفة. وقد أتاح هذا للمطورين والمستخدمين في جميع أنحاء العالم الوصول إلى الذكاء الاصطناعي المتطور بأقل تكلفة.
في يناير، أصدرت الشركة نموذجًا ثانيًا، DeepSeek-R1، يُظهر قدرات مماثلة لنموذج o1 المتقدم من OpenAI مقابل خمسة بالمائة فقط من السعر. ونتيجة لذلك، يشكلDeepSeek تهديدًا لقيادة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يمهد الطريق للصين للحصول على مكانة عالمية مهيمنة على الرغم من جهود واشنطن للحد من وصول بكين إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
يُبرز الصعود السريع لشركةDeepSeek حجم التحديات والمخاطر في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي. فإلى جانب الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية الهائلة لهذه التقنية، ستتمتع الدولة التي تطوّر نماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية، التي تشكّل العمود الفقري لتطبيقات وخدمات المستقبل، بنفوذ واسع النطاق. ولا يقتصر هذا النفوذ على المعايير والقيم المضمّنة في هذه النماذج فحسب، بل يمتد أيضًا إلى منظومة أشباه الموصلات، التي تعد الركيزة الأساسية والبنية التحتية التقنية والمعالجة الحسابية اللازمة لتشغيل وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وتشمل الأجهزة والبرمجيات التي تمكّن الذكاء الاصطناعي من تنفيذ العمليات المعقدة بكفاءة. وتعكس القناعة الراسخة لدى كل من الصين والولايات المتحدة بأن هذه التقنيات قادرة على تحقيق تفوّق عسكري، الأهمية الاستراتيجية للريادة في هذا المجال وضرورة الحفاظ عليها على المدى الطويل.
ومع ذلك، فإن التركيز على أداء نموذج DeepSeek-V3 وتكاليف تشغيله المنخفضة قد يُغفل نقطة أكثر أهمية. فإحدى العوامل الرئيسة التي ساهمت في سرعة انتشار نماذج DeepSeek هي أنها مفتوحة المصدر، مما يتيح لأي شخص تنزيلها وتشغيلها ودراستها وتعديلها والبناء عليها، مع تحمّل تكلفة الطاقة الحاسوبية فقط. في المقابل، تكاد جميع نماذج الذكاء الاصطناعي الأمريكية المماثلة أن تكون ملكية خاصة، مما يحدّ من استخدامها ويزيد من تكاليف تبنيها من قِبل المستخدمين.
بدأت شخصيات بارزة في مجتمع الذكاء الاصطناعي الأمريكي يدركون بشكل متزايد المشكلات الناجمة عن التركيز على النماذج المغلقة المصدر. ففي أواخر يناير، أقرّ سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، بأن الشركة ربما «أخطأت في قراءة التاريخ» بعدم تبنيها نهج الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر. وفي فبراير، توقّع إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة Google، مستقبلًا يُهيمن فيه مزيج من النماذج المفتوحة والمغلقة على التطبيقات اليومية. من الواضح أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الاعتماد كليًا على نماذج الذكاء الاصطناعي المغلقة التي تطورها الشركات الكبرى لمنافسة الصين، مما يستدعي من الحكومة الأمريكية تكثيف دعمها للنماذج مفتوحة المصدر، حتى مع استمرار جهودها في تقييد وصول الصين إلى التقنيات المتقدمة، مثل أشباه الموصلات وبيانات التدريب.
للحفاظ على هيمنتها، تحتاج الولايات المتحدة إلى وضع برنامج شامل لتطوير ونشر أفضل النماذج مفتوحة المصدر. لكن في الوقت ذاته، يجب عليها ضمان أن تظل الشركات الأمريكية الرائدة هي التي تبني أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر كفاءة، والتي يُشار إليها أحيانًا باسم «أنظمة الحدود»، والتي غالبًا ما يتم تطويرها ضمن شركات خاصة ذات تمويل ضخم.
إلى جانب ذلك، ينبغي على واشنطن تبنّي أجندة سياسية أوسع تعزز مكانة الذكاء الاصطناعي الأمريكي مفتوح المصدر على الساحة الدولية، وتدعم بناء البنية التحتية الأساسية اللازمة للحفاظ على ريادتها في هذا المجال. ولا يقتصر ذلك على تحفيز تطوير النماذج مفتوحة المصدر داخل الولايات المتحدة، بل يشمل أيضًا تسهيل وصولها إلى المساهمين والمستخدمين في المجال الصناعي والأكاديمي والقطاع العام في الدول المتحالفة معها.
بدون هذه الخطوات الاستراتيجية، يُشير مشروع DeepSeek إلى مستقبل محتمل قد تستخدم فيه الصين نماذج مفتوحة المصدر قوية ومنخفضة التكلفة لتجاوز الولايات المتحدة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية.
لطالما كان الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر عاملًا رئيسيًا في التقدم التقني، رغم قلة الاهتمام السياسي به مقارنة بالأنظمة المغلقة. منذ ظهور ChatGPT عام 2022، بدأ يُنظر إلى نماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية على أنها بمثابة «نظام تشغيل» جديد، حيث تعمل كجسر بين اللغة البشرية والبيانات التي تعالجها الآلات. وكما استمر نظام Linux مفتوح المصدر بجانب أنظمة احتكارية مثل Windows، برزت نماذج مفتوحة مثل Llama إلى جانب ChatGPT، مما يمهّد لانتشار أوسع للذكاء الاصطناعي. هذا التطور دفع بعض الباحثين لوصف المرحلة الحالية بأنها «لحظة لينكس» في مجال الذكاء الاصطناعي.
على مرّ العقود، ازدهرت مشاريع البرمجيات مفتوحة المصدر، مثل لينكس، بفضل مساهمات المطورين حول العالم، وهو ما أدى إلى تطويرها بسرعة وتحسين أمنها، حيث يمكن لأفضل المهندسين اختبارها وتحسينها بشكل متواصل. كما أن كونها خاضعة لإدارة أمريكية وأوروبية جعلها أحد عوامل تفوّق الغرب في مجالات عدة، مثل: أنظمة التشغيل، متصفحات الويب، قواعد البيانات، التشفير، وحتى لغات البرمجة.
تُهيمن Nvidia على صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي بفضل وحدات معالجة الرسومات (GPUs) وبرنامجها الحصري CUDA، مما يمنحها موقعًا متقدمًا في هذا المجال. ورغم القيود الأمريكية، استخدمت الصين رقائق Nvidia في تدريب نماذج DeepSeek، لكنها تسعى حاليًا للاعتماد على رقائق Ascend من هواوي، مما قد يُقلص الحاجة إلى الرقائق الأمريكية. إذا حققت النماذج الصينية انتشارًا واسعًا بدعم حكومي، فقد يُجبر المستخدمون عالميًا على التحول إلى شرائح هواوي، مما سيُضعف شركات مثل Nvidia و TSMC ويمنح الصين نفوذًا أكبر في صناعة الرقائق. هذا السيناريو يُشبه استحواذ الصين على سوق بطاريات الليثيوم، حيث قد تؤدي استراتيجيتها إلى إعادة تشكيل سلسلة التوريد العالمية، مُهددة الهيمنة الغربية في هذا القطاع. كيفية مواجهة هذا التهديد
لمواجهة النفوذ الصيني في الذكاء الاصطناعي، تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز تطوير ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، مع التركيز على دعم الجامعات والشركات والمختبرات الوطنية. رغم ارتفاع الاستثمارات في هذا المجال، لا تزال متواضعةً مقارنةً بالتمويل الإجمالي للذكاء الاصطناعي. لذا، يجب تقديم حوافز حكومية لدعم المشاريع المتوافقة مع الشرائح الغربية، وتوسيع البرامج البحثية الوطنية، والاستفادة من موارد وزارتي الطاقة والدفاع. كما ينبغي تعزيز التعاون مع مبادرات كبرى مثل Stargate، التي تخطط لاستثمار 500 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي الأمريكي خلال السنوات القادمة.
يجب على واشنطن تعزيز النظام البيئي التكنولوجي الأمريكي لدعم الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر عبر تطوير نظام حوسبة متكامل يتيح للمطورين الاستفادة من أفضل الشرائح الغربية، مما يعزز الطلب عليها ويحد من المنافسة الصينية. وينبغي ترسيخ تفوق التقنيات الغربية، إلى جانب قيادة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. ورغم هيمنة بنية Transformer، فإن مناهج جديدة مثل Structured State Space Models ونماذج Inception diffusion تُظهر إمكانات مستقبلية واعدة، مما يستدعي دعمها لضمان الريادة الأمريكية في هذا المجال.
ينبغي على واشنطن تجنب فرض قيود واسعة على تصدير نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، وبدلًا من ذلك، تقديم حوافز لضمان توافقها مع الشرائح الغربية. كما يجب على لجنة التجارة الفيدرالية مراعاة دور شركات التكنولوجيا الكبرى في تعزيز الريادة الأمريكية عند النظر في قضايا مكافحة الاحتكار. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي التصدي لمحاولات الشركات الصينية خفض أسعار نماذج الذكاء الاصطناعي لإضعاف المنافسة، عبر دراسة فرض تدابير مكافحة الإغراق إذا تبيّن أن هذه الممارسات تهدف إلى إقصاء الشركات الأمريكية.
يجب على الولايات المتحدة تعزيز تنافسها مع الصين في الأسواق العالمية، حيث قد تستخدم بكين نماذج الذكاء الاصطناعي كأداة للنفوذ الاقتصادي. كما ينبغي لواشنطن التحقيق في إمكانية استخدام DeepSeek بيانات من GPT-4 دون تصريح، ودراسة تطبيق قاعدة «المنتج الأجنبي المباشر» على مخرجات الذكاء الاصطناعي، لمنع الشركات الصينية من الاستفادة من النماذج الأمريكية الرائدة، كما فعلت مع معدات تصنيع أشباه الموصلات.
ستكون هذه الإجراءات أكثر فاعلية إذا تبنتها دول أخرى. لذا، تحتاج واشنطن إلى تنسيق سياساتها مع شركائها في آسيا وأوروبا ومناطق أخرى لإنشاء كتلة دولية قادرة على إبطاء انتشار النماذج الصينية. ورغم ضخامة السوق الصينية، فإنها تظل صغيرة مقارنة بالسوق العالمية، وهو المجال الأكثر أهمية الذي يجب أن تركز عليه الولايات المتحدة لضمان هيمنة النظام البيئي الغربي للحوسبة والذكاء الاصطناعي في المستقبل.
ورغم أن القيود الأمريكية على تصدير الشرائح المتقدمة حدّت من قدرة الصين على الوصول إليها، فإن بكين ترى في الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، المبني على تقنيات أقل تقدمًا، مسارًا استراتيجيًا لاكتساب حصة سوقية أكبر. ومن المرجح أن تستمر النماذج الصينية في التحسن عبر الابتكار الخوارزمي، والتحسينات الهندسية، والتصنيع المحلي للرقائق، بالإضافة إلى أساليب غير مشروعة، مثل التدريب غير المصرح به على مخرجات النماذج الأمريكية، والتحايل على ضوابط التصدير. ومع استمرار الصين في تحسين أداء نماذجها وأسعارها، فإن الحاجة إلى استراتيجية أمريكية متماسكة تصبح أكثر إلحاحًا.
يجب على واشنطن أن تتبنى استراتيجية استباقية تضمن توفير بدائل أمريكية متفوقة فور إصدار الصين لنماذجها الجديدة، ما يعزز الريادة الأمريكية في الذكاء الاصطناعي. يتطلب ذلك تحسين الإطار التنظيمي، مثل ذلك الذي وضعته إدارة بايدن لضبط انتشار التكنولوجيا، إلى جانب تسخير الموارد الحكومية لدعم النماذج المتقدمة قبل إتاحتها للعامة. تقف إدارة ترامب المقبلة أمام «لحظة لينكس» حاسمة، حيث يمكنها إما ترسيخ الهيمنة الأمريكية على الذكاء الاصطناعي المفتوح المصدر، أو المخاطرة بفقدان النفوذ لصالح الصين، التي قد تعيد توجيه السوق نحو تقنياتها الخاصة.
جاريد دانمون هو المستشار الأول للمبادرات الاستراتيجية في وحدة الابتكار الدفاعي (DIU)
نشر المقال في Foreign Affairs