صناعة الـ «قُرم» الخشبية بالإسكندرية: رمز تقليدي ينبض بالحياة قبل حلول عيد الأضحى المبارك
تاريخ النشر: 11th, June 2024 GMT
مع اقتراب نفحات عيد الأضحى المبارك، تُعَبقُ شوارع الإسكندرية بعبق التقاليد العريقة، وتزخرُ أسواقها بأصوات الجزارين وهم يُحضّرون أدواتهم استعداداً لموسم الذبح وفي مقدمة هذه الأدوات، تبرز "القُرم" الخشبية التي يستخدمها الجزارون ليتم تقطيع اللحوم عليها، ذلك الرمز الأصيل الذي يحمل عبق التاريخ ويُجسّد مهارة الحرفيين المصريين، في أحد الأزقة بمنطقة اللبان بوسط الإسكندرية و بجوار بيت ريا وسكينة عند مرورك هناك تجد ورشة صغير تملأها الأخشاب و جذوع الأشجار و التي يصنع منها القُرم بكل أشكالها و أنواعها.
ويقول محمد الشندويلي أحد أبناء صاحب الورشة، "إن صناعة تعدّ من الحرف اليدوية العريقة التي تُزينُ تراث الإسكندرية العريق فمنذ مئات السنين، توارثت الأجيال تقنية صناعة هذه الأداة الأساسية، التي تُستخدم لذبح الأضاحي في عيد الأضحى المبارك. في الماضي، لافتا "القُرم" كانت تصنع من خشب الجوز أو البلوط، تلك الأخشاب القوية التي تُعرف بمتانتها وقدرتها على تحمل الاستخدام المتكرر. أما الآن، فقد تم الاتجه إلى إستخدام خشب الزان أو السنديان، لكونه أكثر صلابة ومتانة، ويُساهم في صنع القُرم ذي جودة عالية يدوم لسنوات طويلة.
وأضاف، إن صناعة القُرم تُعدّ رحلة إبداعية تتطلب مهارة ودقة فائقة، حيث تبدأ هذه الرحلة باختيار خشب الزان أو السنديان بعناية فائقة، لضمان جودته وعلوّ مستواه، ثمّ تأتي مرحلة القطع والتشكيل، حيث يُستخدم أدوات النجارة اليدوية بعناية ودقة لِصنع "قُرم" بمواصفات محددة تناسب احتياجات الجزارين يلي ذلك مرحلة التجويف، حيث يتمّ حفر الجزء العلوي ليكون ملائماً لرقبة الأضحية، مما يُسهل عملية الذبح ويضمن دقة القطع وأخيراً، تأتي مرحلة الصقل والدهن، حيث يتمّ صقله بعناية لِإزالة أي خشونة أو شوائب، ثمّ يتمّ دهنه بمواد طبيعية للحفاظ عليه من الرطوبة والتآكل، وضمان مظهره الجمالي لسنوات طويلة.
وأكد أن تلك المهنة من المهن اليدوية التي تواجه الاندثار، فهي مهنة صعبة تحتاج لصبر وقوة احتمال ولا أحد يوافق على العمل فيها، لكنها إرث عائلتهم جيل بعد جيل لافتا أن أهمية القُرم لا تقتصر على كونه أداة تقليدية لذبح الأضاحي عليه، بل يتعدّى ذلك لِيكون رمزاً ففي عيد الأضحى المبارك، يتم ذبح الأضاحي التي يتمّ توزيعها على الفقراء والمحتاجين، تجسيداً لمعاني العطاء والتراحم التي تُميز هذا العيد المبارك.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الإسكندرية القرم عيد الاضحى المبارك المهن القديمة عید الأضحى المبارک التی ت
إقرأ أيضاً:
فضل ليلة النصف من شعبان.. نفحات كثيرة في هذا الشهر المبارك
ورد في فضل ليلة النصف من شعبان، مجموعة من الأحاديث ، بعضها مقبول وبعضها ضعيف, غير أن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال, ولذلك يحرص الصالحون على قيام ليلها وصيام نهارها.
ليلة النصف من شعبانوفي شهر شعبان، ليلة عظيمة هى ليلة النصف من شعبان , عظَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- شأنها فقال: "إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن " [ابن ماجه وابن حبان].
وفي شعبان تم تحويل القبلة, وهو حدث عظيم في تاريخ الأمة الإسلامية, كان تحويل القبلة في البداية من الكعبة إلى المسجد الأقصى لحكمة تربوية ، وهي تقوية إيمان المؤمنين وتنقية نفوسهم من شوائب الجاهلية ، كما قال تعالى : (وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ).
فقد كان العرب قبل الإسلام يعظمون البيت الحرام ويمجدونه، ولأن هدف الإسلام هو تعبيد الناس لله وتنقية قلوبهم من التعلق بغير الله , فقد اختار لهم التوجه إلى المسجد الأقصى ليخلص نفوسهم ويطهر قلوبهم من رواسب الجاهلية, وليظهر من يتبع الرسول اتباعًا صادقًا عن اقتناع وتسليم, ممن ينقلب على عقبيه ويتعلق قلبه بدعاوى الجاهلية.
وبعد أن استتب الأمر لدولة الإسلام في المدينة, صدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام, وهذا التحويل ليس تقليلاً من شأن المسجد الأقصى , بل هو ربط لقلوب المسلمين بحقيقة الإسلام, فقد رفع سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل قواعد هذا البيت العتيق ليكون خالصًا لله, وليكون قبلة للإسلام والمسلمين, وليؤكد أن دين الأنبياء جميعا هو الإسلام. قال تعالى : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ).
تحويل القبلةوقد أكد تحويل القبلة الرابطة الوثيقة بين المسجدين، فإذا كانت رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى قد قطع فيها مسافة زمانية، فإن تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام رحلة تعبدية, الغرض منها التوجه إلى الله تعالى دون قطع مسافات, إذ لا مسافة بين الخالق والمخلوق. قال تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ).
وعندما يتجه الإنسان من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، فهو يعود إلى أصل القبلة، كما قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ). فهي دائرة بدأت بآدم مرورًا بإبراهيم حتى عيسى عليهم السلام, ولكنها اكتملت بالرسول الخاتم، فقد أخره الله ليقدمه، فهو وإن تأخر في الزمان فقد تحقق على يديه الكمال.
وقد كرم الله نبيه في ليلة النصف من شعبان بأن طيب خاطره بتحويل القبلة، والاستجابة لهوى رسول الله، قال تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).
وجاء تحويل القبلة أيضًا لتقر عين الرسول، فقلبه معلقًا بمكة, يمتلئ شوقًا وحنينًا إليها, إذ هي أحب البلاد إليه. وقد أخرجه قومه واضطروه إلى الهجرة إلى المدينة المنورة التي شرفت بمقامه الشريف. فخرج من بين ظهرانيهم ووقف على مشارف مكة المكرمة قائلا: "والله إنك لخير أرض الله وأحب الأرض إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" (رواه الترمذي).
وبعد أن استقر بالمدينة المنورة, ظل متعلقًا بمكة المكرمة ، فأرضاه الله عز وجل بأن جعل القبلة إلى البيت الحرام.، فكانت الإقامة بالمدينة والتوجه إلى مكة في كل صلاة, ليرتبط عميق الإيمان بحب الأوطان.