القدس المحتلة- استيقظ الإسرائيليون، صباح الثلاثاء، على عنوانين، أولهما المصادقة على قانون إعفاء الحريديم من التجنيد والخدمة العسكرية الإلزامية، وثانيهما مقتل ضابط و3 جنود من "لواء غفعاتي" في تفجير عمارة بمدينة رفح في قطاع غزة.

ويعكس العنوانان الصراعات حول هوية إسرائيل، ومسألة تقاسم العبء بين المتدينين وغيرهم، ويأججان الخلافات الداخلية التي تكرس التشرذم المجتمعي، وتوسع دائرة الانقسام والاستقطاب بالمشهد السياسي.

أما قانون التجنيد الذي صادق عليه الكنيست بالقراءة الأولى، وصوت لصالحه 63 نائبا بينما عارضه 57، فيستجيب في طياته لمساعي أحزاب اليمين المتطرف بتشكيل شبكة أمان لضمان بقاء الائتلاف في الحكم واستمراره.

رسائل

ويسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من وراء تمرير القانون، الذي عارضه وزير الأمن، يوآف غالانت، إلى إعفاء اليهود الحريديم من الخدمة العسكرية. ومن المقرر أن يحال إلى لجنة الخارجية والأمن لمزيد من المداولات والتصويت بالكنيست قبل طرحه للتصويت بالقراءتين الثانية والثالثة، حتى يصبح قانونا نافذا.

يقول محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس" يوسي فيرتر "بينما كان يتم تشييع الجنود والضباط القتلى في الخيام العسكرية، احتشد ائتلاف حكومة اليمين المتطرف في خيمة التوراة وصوّت مع هذا القانون، لضمان عدم تفكك الحكومة".

ولفت إلى أن المصادقة عليه تحمل رسائل سياسية عديدة، حيث تخاطب الأحزاب الحريدية المتشددة مختلف شرائح المجتمع الإسرائيلي، وتقول لها "موتوا ولن نتجند".

ووفق فيرتر، فإن الحريديم "لا يعرفون مصطلح معا"، ويصرون على تكريس الانفصال والعزلة، بحيث أن شعار "ننتصر معا" يعنيهم فقط في الطريق للتصويت على بقاء الائتلاف الحكومي (الذي هم جزء منه)، في حين شعارهم في الحروب هو "نموت منفصلين".

وبشأن الرسالة التي بعث بها 63 من أعضاء الكنيست ممن دعموا القانون، فهي تؤكد -برأيه- أنهم صوتوا من أجل تشكيل شبكة أمان تحمي الائتلاف الحكومي "في حين ترمز ابتسامة نتنياهو المتعجرفة إلى شخص أصبح إرثه الانفصال بين الشعب والمنتخبين"، حسب تعبيره.

وأمام هذا الواقع، لا يستبعد فيرتر اتساع ظاهرة التهرب من الخدمة العسكرية بصفوف الشبان اليهود، قائلا إنه سيكون من الصعب توجيه انتقادات إلى الأمهات والآباء الذين سيتوسلون لأبنائهم وبناتهم لرفض الخدمة في ظل هذه الحكومة.

نهج الاحتيال

ووجّه المحاضر في جامعة حيفا والمتخصص في دراسة الإدارة والحكم في إسرائيل، عيران فيغودا غادوت، انتقادات شديدة اللهجة إلى حكومة اليمين المتطرف ونهج نتنياهو بالمراوغة والتحايل من أجل المصادقة على قانون عدم تجنيد الحريديم.

وباعتقاده، فإن هذا القانون يشكل أكبر تهديد لنتنياهو ومستقبله السياسي، ولا يستبعد أن ينهار ما وصفه بـ"نهج الاحتيال" الهادف للترويج للقانون خلال المداولات في لجنة الخارجية والأمن البرلمانية وأثناء مناقشته بالكنيست قبيل التصويت عليه بالقراءتين الثانية والثالثة.

وعدّ غادوت المصادقة على القانون "شيئا سيئا جدا"، بفرض التجنيد على شرائح معينة من المجتمع، وإعفاء شرائح أخرى ومنحها غطاء للتهرب من الخدمة العسكرية. وقال "عندما يختار أولئك الذين يعتبرون أنفسهم جزءا من الدولة الإسرائيلية واليهودية، ويتمتعون بأفضل ثمارها، عدم المشاركة في تقاسم العبء، فإنهم يمزقون الشعب".

ويذهب الباحث الإسرائيلي إلى أن محاولة كسب الوقت الثمين والحفاظ على بقاء الحكومة ونتنياهو، لن تنجح، حتى بعد صدمة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، "لأن الغالبية العظمى من الإسرائيليين تمنح ثقتها للأجهزة الأمنية والجيش، وسط تراجع الثقة بالسياسيين".

وتحت عنوان "مع استدعاء الآلاف من جنود الاحتياط للمرة الثالثة، الحكومة تكرس عدم المساواة"، كتب مراسل الشؤون السياسية في صحيفة "يسرائيل هيوم"، يهودا شليزنغر، مقالا استعرض فيه تداعيات تشريع هذا القانون على المشهد السياسي، وانعكاسه على المجتمع الإسرائيلي في ظل الحرب مع سقوط قتلى وجرحى في صفوف الجنود.

وشكك شليزنغر في تصريحات بعض أعضاء الكنيست من حزب الليكود الذين "يدّعون أنهم سيجرون تعديلات على القانون خلال المداولات لضمان تجنيد نحو 3500 من اليهود الحريديم". وقلل من رسالة حاخامات تيار "الصهيونية الدينية" التي ينتمي إليه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، التي طالبت بإجراء تعديلات على القانون وتجنب تقنين الإعفاء.

غير مناسب

وعزا مراسل الشؤون السياسية شليزنغر ذلك إلى أن تشريع القانون يهدف إلى توفير شبكة أمان لحكومة اليمين، وهو الاعتبار الذي يلتقي برأيه مع مصلحة نتنياهو للبقاء قدر الإمكان على كرسي رئاسة الوزراء وتجنب المحاكمة بتهم الفساد وخيانة الأمانة.

من جانبها، قالت محررة الشؤون السياسية في صحيفة هآرتس"، رفيت هيخت، إن القانون الذي ينوي نتنياهو تمريره لا يتناسب مع احتياجات الجيش الإسرائيلي بعد معركة "طوفان الأقصى"، ومع الواقع الاجتماعي والمدني بإسرائيل الذي أصبح قائما على "التشرذم والانقسام والصراع بين العلمانيين والمتدينين".

ولفتت إلى أن نصوص القانون تثير الجدل -حتى داخل الائتلاف الحكومي- بشأن أعداد الحريديم المهيئين للتجنيد، حيث سيسعى وزراء وأعضاء في الليكود إلى زيادة أعدادهم بالجيش، في حين تصر الأحزاب الحريدية على تكريس الإعفاء الشامل من الخدمة العسكرية.

وأوضحت أن نتنياهو -عبر الترويج لهذا القانون- يمارس خدعة كبيرة وبطريقة نموذجية من أجل تشريعه بما يتماشى مع مصالح شركائه في الحكومة من الأحزاب الحريدية، وترحيل الشروع في تطبيقه، بغض النظر عن الصياغة والبنود، إلى المستقبل، وتحديدا إلى ما بعد انتهاء ولاية هذه الحكومة، "وهو ما يبقي على القضية مشتعلة".

وعدّت هيخت أن المصادقة على القانون بالقراءة الأولى قد تشكل طوق نجاة مؤقت لحكومة نتنياهو، وذلك بعد استقالة رئيس "المعسكر الوطني"، بيني غانتس من حكومة الطوارئ. بيد أن حكومة اليمين المتطرف -برأيها- ومع استمرار تشريع القانون، ستفقد المزيد من الشرعية العامة، ليبحث نتنياهو عن طوق نجاة آخر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات من الخدمة العسکریة الیمین المتطرف حکومة الیمین المصادقة على هذا القانون على القانون شبکة أمان إلى أن

إقرأ أيضاً:

سوريا على شفا حرب أهلية.. هل تأخرت الحكومة في اتخاذ تدابير وقائية؟

يعتبر السلم الأهلي هو حالة التعايش السلمي بين مكونات المجتمع، حيث تسود سيادة القانون، ويتم احترام التعددية، ويغيب العنف كوسيلة لحل النزاعات.

كما يُعتبر هذا المفهوم جزءًا أساسيًا من الاستقرار الوطني، خاصة في الدول التي تمر بفترات انتقالية حساسة كالوضع السوري.

وبالنسبة لسوريا، فهي تمر بمرحلة انتقالية معقدة، تتسم بتحديات سياسية، اقتصادية، وأمنية. وفي هذا السياق، يبدو أن الحكومة لم تتخذ إجراءات تنفيذية احترازية كافية لمنع تصاعد التوترات في الساحل السوري، مما أدى إلى اندلاع الاشتباكات المسلحة الدموية الأخيرة. 

وأوضح الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي، إنه وفقًا للقانون الدولي، فإن الدولة مسؤولة عن حماية السلم الأهلي من خلال ضمان حقوق الأفراد، منع التمييز، واتخاذ تدابير استباقية ضد أي تهديد أمني أو اجتماعي قد يزعزع الاستقرار.  

هل تأخرت الحكومة السورية في حماية السلم الأهلي؟ 

وأضاف إنه كان من الضروري أن تضع الدولة استراتيجية شاملة تشمل:  

1. *إجراءات استباقية لمنع تفجر العنف*: 

مثل نشر قوات حفظ النظام في المناطق الأكثر حساسية، وتعزيز الرقابة الاستخباراتية على المجموعات المسلحة.  

2. *الحوار المجتمعي*: 

كان من الممكن تقليل التوترات عبر آليات المصالحة الوطنية وبرامج الوساطة بين الأطراف المختلفة.  

3. *تحقيق العدالة الانتقالية*: التأخير في محاسبة المتورطين في انتهاكات الماضي أو تقديم تعويضات للضحايا ساهم في خلق بيئة من عدم الثقة، دفعت البعض إلى اللجوء للعنف.  

4. *ضبط الخطاب الإعلامي*: غياب الرقابة على خطابات التحريض الطائفي والانقسامات السياسية في وسائل الإعلام والمنصات الإلكترونية عزز من حالة الاستقطاب المجتمعي.  

ما المطلوب لاستعادة السلم الأهلي؟  

وأشار إلى أنه لترميم السلم الأهلي، يتوجب على السلطات السورية اتخاذ خطوات قانونية وتنفيذية واضحة:  

1. *تعزيز سيادة القانون*: 

يجب أن تكون هناك محاسبة قانونية عادلة لكل من تورط في أعمال عنف، بغض النظر عن انتمائه السياسي أو الطائفي.  

2. *إطلاق مبادرة مصالحة وطنية*: 

عبر تشكيل لجان مختصة تضم ممثلين عن كافة المكونات المجتمعية، بهدف تعزيز المصالحة وإعادة بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة.  

3. *إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية*: لضمان حياديتها وتوجيهها لحفظ الأمن بدلاً من قمع الحريات.  

4. *دعم التنمية الاقتصادية*: فالتدهور الاقتصادي يعد أحد المحركات الأساسية للصراعات، ويجب العمل على تحسين الأوضاع المعيشية عبر خلق فرص عمل وتنفيذ مشاريع تنموية.  

واختتم: إذا لم تتخذ الحكومة السورية تدابير جادة وعاجلة، فإن خطر انهيار السلم الأهلي سيظل قائمًا، مما يهدد مستقبل سوريا كدولة موحدة.

مقالات مشابهة

  • القناة ١٣ الإسرائيلية عن مسؤولين: إذا توصل ترامب لاتفاق مع حماس فسيصعب على نتنياهو الرفض
  • سوريا على شفا حرب أهلية.. هل تأخرت الحكومة في اتخاذ تدابير وقائية؟
  • بن صهيون.. والد نتنياهو الذي غرس فيه كره العرب
  • مجلس النواب يوافق على إعفاء رسوم التقاضي بمواد قانون العمل الجديد
  • يسرائيل هيوم: نسبة تجنيد الحريديم لا تتجاوز 1.77%
  • أين هو موقف الحكومة من الخروقات الإسرائيلية بكل أشكالها؟
  • هآرتس: القانون ضد الأونروا هو جزء من الحرب الإسرائيلية ضد إقامة دولة فلسطينية
  • خطة الجحيمفي غزة.. ما الذي تخطط له حكومة نتنياهو ؟
  • الدستورية توضح حيثيات تمكين الموظف الذي تنتهي خدمته للانقطاع غير المتصل عن العمل بعذر
  • برلمانية: حزمة الحماية الاجتماعية توفر شبكة أمان حقيقية للفئات الأكثر احتياجا