حول مراجعة مهرجانات المسرح الخليجي
تاريخ النشر: 11th, June 2024 GMT
في المقال السابق أشرتُ إلى ما عَنوَنَته دورات مهرجان الفرق المسرحية الأهلية باللجنة الدائمة لدول مجلس التعاون الخليجي وما حملته من شِعارات منذ انطلاق الدورة التأسيسية الأولى (1988م) في دولة الكويت، إلى الدورة الثالثة عشرة (2013م) التي أقيمت في الشارقة.
إن ما يُشغلني في هذا التتبع، إضافة إلى الأسئلة التي طرحتها في المقال السابق، هو بعض التساؤلات المتكررة وبعض الشكاوى والتذمر في وسائط التواصل الافتراضي، أو في الجلسات التي تدور في هامش المهرجانات المسرحية، سواء عن العروض التي حصدت الجوائز المتقدمة، أو التي عُرضت على هامشها، أو التي لم تنل أيّ تقدير.
كما أحاول في هذا المقال المكمل والأخير قراءة عناوين دورات المهرجان ومدى تركيزها على العناصر الفنيّة لجماليات العرض المسرحي التي تُفعّل من سيرورة الحراك المسرحي في دول مجلس التعاون، وتبلورها في اشتغال الفرق المسرحية. توزعت الشِّعارات في محورين؛ عمودي وأفقي، أولا: عناصر التركيب الجمالي في العرض المسرحي، الجمهور والمسرح، تكوين الممثل، السينوغرافيا والمسرح، النص والتقنية إلى أين؟ المخرج الدراماتورج، الإنتاج المسرحي العربي وآليات، المكان في العرض المسرحي «إشكالياته وإمكانياته»، تجربة النص، والمؤلف المُخرج، وشهادات وتجارب في التمثيل والإخراج والسينوغرافيا.
ثانيا الثيمات والموضوعات، المسرح الخليجي في ضوء المتغيرات الراهنة، المرأة في المسرح الخليجي، المسرح في دول مجلس التعاون «التحديات، المعوقات، الحلول»، إشكالية الهوية والتراث، إشكالية التجريب، وإشكالية التأصيل.
يتضح للمتابع بصورة جلية هذا الجمع التفاعلي بين (المحورين الأفقي والعمودي) أن مهرجان الفرق المسرحية الأهلية باللجنة الدائمة لدول مجلس التعاون الخليجي اهتم اهتماما عموديا (وأعني به تركيز المؤسسين على عناصر الصناعة المسرحية - التكوين المسرحي)، بينما جاء التركيز في المحور الثاني على القراءة الأفقية والمتضمنة الثيمات والقضايا والأفكار.
وعطفا على ما تقدم، تعد السينوغرافيا من أبرز المكونات التي تثير جدلا كبيرا في مسرحنا الخليجي، لدرجة يشتبك حولها النقاش، لا سيما عندما يتعلق بتفصيل الجوائز تارة على عناصر الإضاءة والصوتيات والأزياء، وتارة يجري وضعها كلها في سلة واحدة. وكم تقع بعض لجان التحكيم في حيرة عندما لا تجد ما يسعفها في تحكيم العرض عندما لا تهتم الفرقة بتوضيح التصنيف المطلوب للمشتغلين في العرض (فهناك جائزة للسينوغرافيا، وجائزة للإضاءة المسرحية مثلا)، ما يدفع اللجنة في توصياتها أن تهتم الفرق المسرحية بهذا المكوّن الذي تفرّق دمه بين القبائل!
ولا تقتصر الحيرة على لجنة التحكيم وحدها؛ بل تمر الفرقة المسرحية المشاركة في المسابقة نفسها بالأمر نفسه عند طباعة كُتيّب العرض، فيتساءلون عن الخبر العظيم: هل السينوغرافيا مصطلح أم مفهوم أم منظور؟ هل هي الصورة الكُلية للعرض أم ماذا تكون؟ هل هي الإضاءة وحدها؟ أم الصورة وحدها؟ وكيف سيجري تقسيم الجائزة إذا كانت هناك جائزة واحدة مخصصة للسينوغرافيا وأخرى للإضاءة؟ ومع شعور بعض الفرق المسرحية بالتشتت المتكرر تجاه السينوغرافيا بات من الأحرى أن نسأل أنفسنا عَمَّا خلقه تراكم ندوات (دورات المهرجان الثلاث؛ في البحرين 1995م، وعُمان 2012م، والشارقة 2013م) التي أقيمت حول السينوغرافيا؟ هل خضعت التجربة للتقويم والمتابعة؟ ومن طرف آخر، فإن الفرق المسرحية المعنية في الأساس بجوهر المهرجان المسرحي، لا يَلتفت أعضاؤها إلى حضور تلك الندوات، ولا يكترثون لها! فهل يُمكن لرئاسة الأمانة إيلاء الاهتمام في مهرجانات قادمة برصد تجارب بعض الفرق المسرحية وعقد جلسات أو مختبرات مع أعضائها لمناقشة مفهومهم للسينوغرافيا، والكيفية التي يفكرون بها فيها، وخصائصها ومميزاتها، وتكيّفها مع النصوص التراثية المحليّة، والرؤى المستقبلية للنصوص نفسها ومشاريع إطلاقها نحو العالمية؟
(2)
قفزتُ إلى قطب السينوغرافيا؛ لأنه الأبرز في الساحة، بينما يُعدّ عنصر الممثل المسرحي وما يتعرض له من تحديات وعوائق مع لغات التمثيل والأداء من أعقد هذه الظواهر. ظهرت الكثير من المؤلفات الأصلية في لغاتها عن تجارب التمثيل والورش وغيرها لدراسة سؤال: مَن هو الممثل المسرحي؟ لا شك في أن مهرجانات الخليج قد أفرزت لنا العديد من الممثلين البارزين، كما أبرزت أسماء بعض السينوغرافيين، لكن اختلاط المفاهيم وإيلاء عنصر العلاقات المعمول به في نظام (الشللية) قدم الكثير من أنصاف الموهوبين والوجوه والأجساد التي لا علاقة لها بفن التمثيل إلا الاسم، ويُمكن مع ارتشاف فنجان قهوة حصر العديد من الأسماء. علينا الاعتراف أن نظام (الشللية والمحسوبيات) أضر بالمسرح وصناعته. وفي هذا السياق يمكن الإشارة أيضا إلى بعض القضايا المتعلقة بتوجه بعض الممثلين المسرحيين المتميزين إلى شاشة الفضائيات ومنصاتها التي تنتشر أصابعها كالأخطبوط! ويقول قائل إن النظرة التي ينطلق منها بعض هؤلاء، ربما تكون مادية، ويقول آخر المشكلة في قلة الوقت عند تصوير العمل؛ فالعرض المسرحي لا يتكرر عرضه إلا في المناسبات والمواسم، بينما يختلف الحال مع وضعيات المسلسلات، وهناك بعض الممثلين الذين أسألهم أين أنتم من المسرح؟ تكون إجابتهم المتكررة الشللية وقلة النصوص المحفزة على الاستبصار، ويشمل ذلك الأنماط المسرحية المختلفة على خشبة المسرح.
يرى بعض القائمين على المهرجانات المحلية والجامعية في دول المجلس استطاعة مهرجاناتها في فترات زمنية تارة متصلة وأخرى منقطعة من سحب البساط من مهرجانات الأمانة، وهو رأي له وجاهته، فظهر في تلك المهرجانات مؤلفون ومخرجون وممثلون وسينوغرافيون قدروا على إثبات وجودهم من واقع الاحتكاك واكتساب الخبرات، وتمظهر ذلك في تركيز بعضهم على لغة الاحتراف مستثمرين الجماليات المعاصرة في صناعة عرض مسرحي متعدد المستويات الإخراجية والأدائية، الأمر الذي أتاح لعروض المهرجانات المحلية الانفتاح على تعدد الأساليب الفنية والتجريب والفضاء المسرحي.
في محور القراءة الأفقية للثيمات والقضايا والأفكار، ما ينقلنا مباشرة إلى دور المسرح في تنمية الثقافة المسرحية بالمجتمع، وليس العكس كما يجري الاعتقاد بأن وظيفة المسرح تنمية المجتمعات وبناء القيم وإصلاح الفساد الإداري والسياسي والتاريخي. يتصل بهذه القضية وجود قصر نظر في إجراءات الصناعة المسرحية لدى وزارات الثقافة والهيئات والمؤسسات الخيرية التي على سبيل المثال عندما تريد معالجة مشكلة المخدرات في مجتمع ما، تهرع إلى المؤلف المسرحي تطلب منه نصا مسرحيا يناقش الإدمان، وينشّط جرعات العلاج، ويبعث رسائل الوعظ للأسرة المتضررة وإرشادها كيف تتعامل مع المدمن وكيف تعالجه، كما على النص أن يحذر المجتمع من الوقوع في غوايات الشيطان!
ينبغي النظر حول هذه الجزئية أن التطلعات نحو مهرجان مسرح خليجي متطلّع إلى العالمية جهد لا تقوم به الوزارات وحدها؛ فالمتغيرات الراهنة (سياسيا وثقافيا واجتماعيا) متغيرة وليست ثابتة. ثباتها الجليّ هو انطلاقها من المجتمع المحلي المسكون بالأسئلة والطموحات العالية، المجتمع الناهض اقتصاديا المُنتج لصناعاته وحاجياته، سيقدر قيمة معنى صناعة الثقافة المسرحية، وإلا سنظل ندور في المكان نفسه، نكرر مع ممثل شكسبير المسكين الكلام، ثم لا نفعل شيئا.
في ملف المرأة في المسرح الخليجي، الذي أقيم في (الدورة الثامنة في الإمارات 2003م) قدمت شهادات لفنانات قديرات، وتطرق الأمر إلى كاتبات مسرحيات (لم أكن على أيّ حال مشاركة في المهرجان وغير مدعوة، لكن الشغف بالمسرح ما دعاني إلى السفر ومتابعة الدورة)، منذ تلك الفعالية ظهرت في الساحة العديد من الممثلات والمؤلفات، ولم تَظهر مخرجة مسرحية تلفتُ الانتباه! فما العوائق والتحديات التي تقف حتى اليوم وراء هذا الغياب؟ وأغلق ملف الدورة حول المرأة، ونحن نشاهد اليوم كاتبات يتجهن إلى المهرجانات المحلية، وأخريات يقفزن إلى منصات الشاشات، كما ظهرت ممثلات جيدات في انتظار النصوص والمخرج، وغيرهن يبحثن في نظام العلاقات.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی العرض المسرحی الفرق المسرحیة المسرح الخلیجی مجلس التعاون
إقرأ أيضاً:
ديسمبر المقبل.. استضافة النسخة الـ 18من منتدى الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات
تستضيف سلطنة عُمان ممثلة في مجموعة أوكيو مطلع الشهر المقبل منتدى الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات "جيبكا" السنوي في نسخته الـ18 ابتداءً من 2 وحتى 5 ديسمبر 2024، ويناقش أهم التحديات والفرص الاستثمارية في القطاع، كما يسلط الضوء حول قيادة التقدم المستدام على الصعيد العالمي في صناعة البتروكيماويات والكيماويات، ويشارك فيه نحو 4000 آلاف مشارك من كبار الرؤساء التنفيذيين الإقليميين والعالميين ومختصين في قطاع الطاقة والبتروكيماويات من 80 دولة.
وأكد أشرف بن حمد المعمري، الرئيس التنفيذي لمجموعة أوكيو أن استضافة المنتدى يعد حدثا استثنائيا لأول مرة في سلطنة عمان يجمع وزراء الطاقة والرؤساء التنفيذيين وخبراء عالميين لمناقشة فرص النمو والتكامل واستدامة القطاع، كما أن أوكيو تسعى إلى التركيز على الدور الحيوي لسلطنة عُمان في السوق العالمي للشق السفلي بقطاع الطاقة وإمكاناتها الكبيرة، ويعد المنتدى منصة مهمة لتبادل الفرص وتعزيز التعاون وقيادة الابتكار والاستدامة في القطاع.
من جهتها قالت ديما الحوراني، مديرة الاتصال والشؤون العامة بالاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات: يعد منتدى جيبكا السنوي الذي تستضيفها سلطنة عمان من أهم المنتديات العالمية في مجال قطاع البتروكيماويات والكيماويات، وأوضحت أن المنتدى في نسخته الثامنة عشرة سيتطرق إلى مواضيع مهمة منها دور الصناعة العمانية التي تطورت بشكل ملحوظ في صناعة البتروكيماويات والكيماويات، بالإضافة إلى موضوع التغير المناخي وكيفية الانتقال إلى الطاقة النظيفة والاقتصاد الدائري، وأهمية دور الشباب وتمكينهم في قيادة هذا النوع من الصناعات، كما سيتناول المنتدى أهمية تعزيز دور الشراكة بين الشركاء الأعضاء والشركات العالمية.
وأوضح مصطفي البلوشي، نائب رئيس الاتصالات والثقافة لمجموعة أوكيو قائلا: تأتي استضافة سلطنة عمان للمنتدى انعكاسا لجهود مجموعة أوكيو في دفع عجلة النمو والتطور في قطاع البتروكيماويات والكيماويات مع شركائها بالمنطقة، متوقعا أن المنتدى سيحظى بمشاركة واسعة من الرؤساء التنفيذيين وصناع القرار والخبراء والعاملين في هذا المجال لمناقشة أهم التحديات والفرص بالقطاع، كما سيناقش المنتدى موضوع الاستدامة والابتكار وتعزيز دور الذكاء الاصطناعي في مجال البتروكيماويات والكيماويات.
جدير بالذكر أن مجموعة أوكيو تمتلك العديد من مشاريع الصناعات التحويليّة بسلطنة عُمان، إذ تتبع النهج المتكامل في نموذج أعمالها التشغيلي بدءًا من عمليات الاستكشاف والإنتاج إلى المصافي والبتروكيماويات والبولمير والطاقة البديلة، لتعزيز حضورها العالمي ورفع تنافسيتها، بما يعزّز إسهامها في تطوير القطاع الصناعي، وتعزيز الصناعات القائمة على البتروكيماويّات، إذ إن للصناعات البتروكيماوية دورًا محوريًّا في التنويع الاقتصادي للسلطنة.