أكثر من 1700 عملية حتى نهاية أبريل.. وإنجاز الطرف في أسبوعين بدلاً من شهر

 سجلت الأسابيع الماضية ارتفاعاً في أعداد من فقدوا أحد أطرافهم بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بعد أن وصل عددهم في يناير الماضي، إلى عدة آلاف؛ كان أكثر من 1000 منهم من الأطفال، لكن هؤلاء أصبح بإمكانهم العودة للحياة الطبيعية بسبب مصنع الأطراف الصناعية في الإمارات.

وبفضل تقدم عمليات تصميم وإنتاج الأطراف الصناعية على نطاق واسع خلال السنوات القليلة الماضية، أصبح هناك أمل جديد لكل من يفقد أحد أطرافه، ويمكن لهذه الأطراف أن تعيد شيئاً من الاستقلالية وبعضاً من مسار الحياة الطبيعية إلى من يستخدمونها.

هذا الأمل هو عنوان لنشاط مصنع الأطراف الصناعية في مؤسسة زايد العليا، بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي، والذي يوظف أحدث التقنيات بما في ذلك التصميم بمساعدة الكمبيوتر، والروبوتات الصناعية، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والمواد المتقدمة الصلبة والمرنة كألياف الكربون لتصميم وإنتاج أطراف صناعية تغيّر حياة الكثيرين وتمكنهم من استعادة زمام أمورهم وتعزيز استقلاليتهم والاعتماد على أنفسهم من جديد.

المصنع يذهب إلى المصابين

ومن أهم ما يميز هذا المصنع هو أنه يذهب إلى المصابين بدلاً من أن يضطروا إلى التوجه إليه، بحسب زايد سالم الكثيري، رئيس وحدة التأهيل المهني في مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم؛ والتي يوجد فيها مصنع الأطراف.

وأكد الكثيري أن فريق عمل مصنع الأطراف الصناعية في المؤسسة يتوجه يومياً إلى مدينة الإمارات للخدمات الإنسانية حيث يتواجد الكثيرون من الجرحى القادمين من قطاع غزة وكذلك مرضى السرطان الذين تستضيفهم المدينة مع مرافقيهم، بعد استقبالها 17 طائرة إغاثية نقلت المصابين والمرضى إلى أبو ظبي عبر مصر، بعد خروجهم من قطاع غزة.

1704 عمليات جراحية

ونجحت كوادر مدينة الإمارات الإنسانية من مختلف التخصصات والخبرات الطبية، حتى 30 أبريل الماضي، في إجراء 1704 عمليات جراحية لحالات مختلفة؛ كثير منها حرجة، ويلتقي فريق متخصص من مصنع الأطراف الصناعية يومياً بعدد من مبتوري الأطراف من غزة، لدراسة احتياجات كل منهم.

مصابون من كل الأعمار

أصغر الحالات التي أجريت لها عملية تركيب طرف صناعي، طفل اسمه راكان يبلغ من العمر سنة واحدة، وهو يلعب مع كل فرد من أفراد فريق مدينة الإمارات الإنسانية بفرح طفولي عفوي، فهو لا يدرك أن الأطباء في غزة اضطروا لبتر ساقه منعاً لتمدد الالتهاب إلى بقية جسده الغض.

وبدأت مهمة فريق مصنع الأطراف عند راكان، حيث يجري الفحوص للمتبقي من الطرف المبتور، ويضاحكونه في مهده، يقبّلون كفيه اللتين لا تكفان عن لمس وجوههم أثناء الفحص. ثم ينتقلون إلى مالك.

مالك شاب يافع في المرحلة الإعدادية تعرض لبتر ذراعه بالكامل، لكنه لا يستطيع تقّبل الأمر بسهولة، ينزوي بعيداً، كلماته مقتضبة، وتقبّله لحالته أبطأ من غيره، خاصة أن طرفه الصناعي يحتاج في المرحلة الأولى إلى مشدات للتحكم به.

ويطّلع الفريق على التقرير الطبي التفصيلي الذي أعده كوادر مدينة الإمارات الإنسانية في أبو ظبي عن حاجته لمزيد من الإعداد المعنوي للتعامل مع وضعه الجديد والتغلب على التحدي الذي أصابه والتعود عليه.

ليان وشهد ولما، أتين من غزة أيضاً على متن طائرة إماراتية نقلت جرحى ومرضى من قطاع غزة، جميعهن يعانين من حالات بتر جزئي أو طرفي أو كلي في إحدى الساقين أو كليهما.

الطفلة شهد تنشد لفريق المصنع الذي يزورها للاطمئنان على كيفية تأقلمها مع الطرف الصناعي، أما لما فتريد التأكد أنها ستستطيع مستقبلاً ارتداء فردتي حذائها بشكل طبيعي كغيرها من البنات، بينما تأمل ليان التي عانت من بتر في الساقين فوق الركبة أن تستطيع المشي باستخدام القدمين الصناعيتين.

الأكبر سناً بين من تمكّن فريق مصنع الأطراف الصناعية في مؤسسة زايد العليا من مساعدتهم رجل ستيني مسنّ، وبعضهم مصابون بأمراض كالسرطان.

الفريق أنجز حتى الآن عمليات تقييم شاملة وعمليات متكاملة لتركيب الأطراف الصناعية، وصمم كراسي متحركة متطورة تتلاءم مع احتياجات كل حالة سواء على مستوى الأطراف السفلية أو العلوية أو على مستوى النخاع الشوكي والظهر.

ويعود فريق العمل يومياً بعد أخذ كل المعطيات المطلوبة إلى المصنع في مؤسسة زايد العليا، لتبدأ عملية تصنيع الأطراف الصناعية لكل حالة حسب احتياجاتها.

تكنولوجيا متقدمة

ويعمل فريق العمل في المصنع على تصميم الطرف الصناعي باستخدام 3 برمجيات متطورة تحقق أعلى مستويات الدقة، بعدها يتم إرسال المعطيات إلى محطة الإنتاج حيث تتولى ذراع روبوتية صناعية عملاقة نحت قالب الطرف الصناعي في غرفة معزولة حرارياً حيث يمكن للمختصين مراقبة العملية من الخارج عبر النوافذ الزجاجية المحكمة.

وأكد زايد الكثيري أن هناك أولوية لضيوف الدولة من الفلسطينيين من الجرحى والمرضى القادمين من غزة، مشدداً على أن تقديم العلاج لهم بنفس مستوى الخدمات العلاجية المقدمة للمواطنين، مشيراً إلى مضاعفة سرعة إنجاز الطرف الصناعي وتسليمه خلال أسبوعين فقط بدلاً من شهر، باستخدام التصميم الهندسي بمساعدة الكمبيوتر وتطبيقات الطباعة ثلاثية الأبعاد.

وأوضح الكثيري أن التقييم الطبي الشامل الذي يجريه فريق مدينة الإمارات الإنسانية يسهّل عمل مصنع الأطراف الصناعية، لما فيه تقديم الدعم الكامل لهم؛ من علاج طبيعي ووظيفي قبل وخلال وبعد تركيب الطرف الصناعي.

دقة حتى 2 مليميتر

وقال دانيال مارتن، إخصائي الأطراف الصناعية وتقويم العظام، إن عملية نحت قالب الطرف الصناعي يمكن إنجازها من خلال الروبوت بدقة تصل حتى 2 مليميتر.

وأوضح أن هناك أنواعاً مختلفة من الأطراف التي تستخدم مواد متطورة متينة وخفيفة الوزن؛ بما في ذلك السيليكون وألياف الكربون والبوليمرات المختلفة التي تعطي مرونة لبعض أجزاء الأطراف بالإضافة إلى مكونات اسفنجية الملمس تمنح راحة وسهولة أكبر عند ارتداء الطرف.

وأكد مارتن أن المصنع يصمم قالباً خاصاً لكل طرف يتم تصنيعه بما يتناسب مع احتياجات كل حالة، لافتاً إلى أن الأطراف التي يتم تصنيعها للأطفال تكون أكثر مرونة وجاهزية للتمديد والتوسيع نظراً لنموهم السريع.

وأشار مارتن إلى أن 98% من أجزاء الأطراف الصناعية المستخدمة يمكن تصنيعها داخل الإمارات بما يختصر الزمن والجهد ويوفرها لمستخدميها بأسرع وقت ممكن.

طباعة ثلاثية الأبعاد

وهناك حالات أخرى تتطلب استخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد التي يضمها مصنع الأطراف الصناعية بمؤسسة زايد العليا في أبو ظبي، لطباعة أجزاء من الطرف الصناعي والجبائر المتطورة، بحسب عمر محمد الحوسني، مدرب التأهيل المهني في المؤسسة، والذي يشرف على فريق متكامل من أصحاب الهمم الذين يعملون على طباعة أجزاء من الأطراف الصناعية والجبائر التعويضية باستخدام تقنيات الطباعة المتقدمة.

وأضاف الحوسني أن أصحاب الهمم الإماراتيون، ومنهم سلطان وراشد ونورا، يساهمون في مختلف عمليات تصنيع الأطراف الصناعية المخصصة للأطفال والجرحى القادمين من قطاع غزة، ويشاركون في إدخال الفرح إلى نفوسهم وتمكينهم من استعادة بعض من الحياة الطبيعية التي كانت لديهم قبل أن يخسروا أطرافهم.

وشرح آلية تفعيل نظام الطباعة ثلاثية الأبعاد باستخدام التحفيز الكهربائي لمعطيات الشكل الهندسي للطرف الصناعي المطلوب لتشكيله وبنائه نقطة نقطة من مسحوق البوليمايد الذي يتيح تشكيل منتجات متناهية الدقة خلال ساعات قليلة ومن ثم تبريدها بشكل طبيعي أو عاجل بحسب الحاجة وحجم كل قطعة.

وقال زايد الكثيري إن المصنع في مؤسسة زايد العليا يوفر الفرصة لأصحاب الهمم لتوظيف قدراتهم الخاصة في مثل هذه الأنشطة الإنسانية من خلال تدريبهم عبر "برنامج التأهيل المهني" الذي يمكّنهم بمهارات مهمة لهم من التدخل المبكر إلى سن 15 عاماً في مدارس أصحاب الهمم، أو الالتحاق ببرنامج المؤهل الأكاديمي المخصص للشباب من أصحاب الهمم لمدة سنتين أو 3 سنوات، ويمكن من خلاله تمكينهم من المساهمة في أنشطة مجتمعية وإنسانية تحدث أثراً إيجابياً مستداماً في حياة الآخرين.

أصحاب الهمم مشاركون فاعلون

وأكد الكثيري أن مصنع الأطراف الصناعية يتيح المجال لأصحاب الهمم للمشاركة في جهود توفير هذه الأطراف الضرورية للجرحى والمصابين القادمين من غزة إلى مدينة الإمارات الإنسانية لتسهيل حياتهم واستعادة الأمل بمستقبل أفضل.

وقال محمد شمو رئيس قسم التجهيزات الطبية المستدامة لأصحاب الهمم إن مبادرة الإمارات تمكّن مستخدمي الأطراف الصناعية من الاعتماد أكثر على أنفسهم وتحقيق استقلالية أكبر في نشاطهم اليومي، لافتاً إلى العمل على تقديم المشورة والنصح بشأن أحدث التقنيات التي يمكن الاستفادة منها في الأطراف الصناعية، وهو ما يحقق نتائج أفضل، مؤكداً أن إنتاج معظم الأجزاء المطلوبة للأطراف الصناعية داخل الدولة يسهم في تسريع وقت حصول المستفيدين على الأطراف، وتقليل أعباء الشحن والتخزين وتوفير المزيد بفضل الإنتاج.

وأشار شمو إلى أن مستوى النشاط والروح المعنوية المرتفعة في مدينة الإمارات الإنسانية ملهم، لافتاً إلى عزيمة وإرادة وهمّة عالية لدى معظم من يتم تركيب الأطراف الصناعية لهم، بما يساعدهم على التكيف السريع معها بدعم متواصل من الفريق الطبي وإخصائيي العلاج الطبيعي والوظيفي.

ترفيه ومسرح بعد العلاج

وأوضح زايد الكثيري أن العلاج له تكملة، فبالإضافة إلى البروتوكول الطبي والتقني والتأهيلي الشامل، هناك مكان للترفيه في الحياة اليومية لضيوف مدينة الإمارات الإنسانية، ممن يتم توفير الأطراف الصناعية لهم، في برامج تعزز استعادتهم الثقة بأنفسهم والأمل بمستقبل أفضل، يشمل أنشطة اجتماعية، وزيارات ميدانية في أنحاء الدولة، ومجموعة من الأعمال المسرحية الهادفة، ويوماً رياضياً خاصاً، وهي الأنشطة التي تعزز التأقلم والتكيف والاندماج لهذه الفئة، وتوفير الدعم عبر أنشطة جماعية ترسخ روابط أفرادها كأسرة واحدة ومجتمع واحد، وهي تعزز في الوقت نفسه الدعم المباشر الذي يقدمه مرافقو الجرحى والمرضى الذين تستضيفهم المدينة الإنسانية من أبناء غزة.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأطراف الصناعية ألياف الكربون الطب مدینة الإمارات الإنسانیة فی مؤسسة زاید العلیا ثلاثیة الأبعاد لأصحاب الهمم القادمین من أصحاب الهمم من قطاع غزة أبو ظبی من غزة

إقرأ أيضاً:

عاجل - الإمارات تدعو إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في السودان

دعت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى اتخاذ خطوات عاجلة لإنهاء الصراع المستمر في السودان، مع التأكيد على أهمية حماية المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. جاء ذلك خلال إحاطة قدمها السفير محمد أبو شهاب، المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، في مجلس الأمن الدولي.

دعوة للالتزام بوقف إطلاق النار ومحاسبة المنتهكين

أكد السفير محمد أبو شهاب أن تحقيق وقف إطلاق نار فوري ودائم هو الخطوة الأولى والضرورية لحماية المدنيين في السودان، داعيًا الأطراف المتحاربة إلى وضع مصلحة الشعب السوداني فوق الأهداف العسكرية. كما شدد على ضرورة محاسبة مرتكبي انتهاكات القانون الإنساني الدولي بموجب إعلان جدة، لضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم.

أوضح السفير أن الأطراف المتصارعة وحدها القادرة على إنهاء العنف، مشيرًا إلى أن تكلفة التقاعس عن التحرك الدولي باهظة، حيث يدفع المدنيون السودانيون الثمن الأكبر من هذه الحرب المستمرة.

الإمارات تناشد مجلس الأمن لتفعيل أدواته

في إطار تغطية جريدة وموقع الفجر للأحداث الدولية، أشار السفير أبو شهاب إلى ضرورة استخدام مجلس الأمن كل أدواته للضغط على الأطراف المتنازعة للجلوس على طاولة المفاوضات. كما دعا إلى تمكين المساعدات الإنسانية عبر الحدود وخطوط النزاع، مع التأكيد على أهمية إنهاء ظاهرة "تسليح الجوع" التي تفاقم معاناة المدنيين.

وأضاف أن تمديد تصريح معبر أدري الحدودي يشكل تطورًا إيجابيًا، مرحبًا بإدخال المساعدات إلى مخيم زمزم. وشدد على أهمية حماية العاملين في المجال الإنساني وضمان وصول المساعدات دون قيود أو عوائق.

حماية النساء ومواجهة الادعاءات السودانية

ناقش السفير الآثار الجانبية المدمرة للعنف المستمر، وخاصة على النساء والفتيات اللواتي يمثلن غالبية النازحين. وأشار إلى أن الإمارات لا تدعم أي طرف في الصراع، رافضًا الادعاءات السودانية التي اتهمت الإمارات بدعم أحد الأطراف.

وأكد السفير أن هذه الادعاءات تهدف إلى صرف الأنظار عن رفض القوات المسلحة السودانية الانخراط في محادثات السلام. وبيّن أن الإمارات ستواصل دعم الشعب السوداني استنادًا إلى العلاقات التاريخية التي تجمع البلدين.

شكر وتقدير للمساعي الدولية

اختتم السفير محمد أبو شهاب مداخلته بتوجيه الشكر لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والولايات المتحدة لتنظيم المناقشات الحاسمة حول الأزمة الإنسانية في السودان، مشيرًا إلى أهمية التعاون الدولي لإيجاد حل مستدام للأزمة.

مقالات مشابهة

  • جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية تُطلق مبادرة «هوية أصيلة وإرث مستدام»
  • جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية تُطلق مبادرة «هوية أصيلة وإرث مستدام»
  • وزير الإنتاج الحربي: مصنع 99 أحد القلاع الصناعية فى توفير احتياجات القوات المسلحة
  • التنمية الصناعية: تسعير المصانع تم على أساس التكلفة الفعلية للإنشاءات والمرافق 2021
  • محافظ أسيوط يتفقد مصنعًا للمستلزمات الطبية بالمنطقة الصناعية بعرب العوامر بمركز أبنوب
  • جامعتا “محمد بن زايد للعلوم الإنسانية” و”نهضة العلماء” بإندونيسيا تنظمان ملتقى علميا
  • بدعم من مركز الملك سلمان للإغاثة.. مركز الأطراف الصناعية في تعز يُقدم خدماته لـ 416 مستفيدا
  • متى تلامس النكبة «العربية» ضمير الإنسانية؟!
  • السيطرة على حريق مصنع الفوم في المنطقة الصناعية بالعاشر من رمضان
  • عاجل - الإمارات تدعو إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في السودان