عربي21:
2024-07-08@11:52:13 GMT

الصرخة التي سمعها العالم!

تاريخ النشر: 11th, June 2024 GMT

أطلقها الفنان التعبيري إدوارد مونك (إدفارت مونش) على جسر فوق خليج أوسلو النرويجي، في عام 1893..

إنها مدينة أوسلو نفسها التي احتضنت، في مطلع تسعينيات القرن المنصرم، شرذمتين من الصهاينة اليهود والمتصهينين الفلسطينيين؛ لإعداد وطبخ "معاهدة أوسلو" التي بشَّرت (زورا) بدولة فلسطينية، ولم تفرز سوى "مُختارية" تلاحق المقاومين في بيوت الضفة الغربية وشوارعها وأحراشها، نيابة عن الاحتلال!

كان مونش يعاني من اضطرابات نفسية حادة.

. ويبدو أنه خرج في ذلك اليوم يلتمس شيئا من "الاطمئنان" مع صديقين له، غير أنه توقف فجأة، على إثر شعور مفاجئ بالإرهاق، بينما واصل صديقاه السير..

"توقفتُ هناك ارتعش من الخوف، ثم سمعت صرخة تتردد في الطبيعة بلا نهاية".. هكذا يصف مونش الشعور الذي انتابه في تلك اللحظة.. لذا أطلق على لوحته التي باتت أيقونة العُصاب والخوف الإنساني "صرخة الطبيعة"، ثم اصطلح الناس على تسميتها "الصرخة"، وأظن أن هذا الاسم هو الأكثر تعبيرا عن اللوحة.. صحيح أن ألوان اللوحة (الخليج والسماء) مزيج من الكآبة والصخب، غير أن مصدر الصرخة (كما في اللوحة) كان مونش وليس الطبيعة.. إذن فهي "الصرخة"، أو "صرخة مونش"، وليس "صرخة الطبيعة"..

رسمَ مونش أربع نسخ من هذه اللوحة؛ اثنتين بالألوان الزيتية، ومثلهما بألوان الباستل.. ولا أعرف سر هذا التعدد للعمل نفسه.. هل كان مونش يبحث في خصائص كل نوع من الألوان عن تعبير أكثر قوة عن صرخته، أم كان يشعر بأنه لم يصرخ على الجسر بما يكفي، فكرر صرخته.. السر عند مونش..

كما سمع العالم "صرخة مونش"، سمع العالم "صرخة غزة".. مع الفارق الكبير، أو الفوارق الكبيرة في الحقيقة.. فالعالم لم يسمع صرخة مونش ولم يتفاعل معها إلا بعد إزهاق أرواح نحو 78 مليونا من البشر هم ضحايا الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبعد عقد كامل من الحروب.. أما "صرخة غزة" فقد سمعها العالم مع بداية العدوان الصهيوني
متى ولماذا اكتسبت "الصرخة" شهرتها؟

"اكتسبت هذه اللوحة، رغم بساطتها الظاهرية، شعبية كاسحة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ربما يعود سبب شهرة هذه اللوحة إلى شحنة الدراما المكثفة فيها والخوف الوجودي الذي تجسده".. هكذا يقول مؤرخو الفنون..

إذا كان هذا التفسير صحيحا، فلماذا لم تكتسب اللوحة هذه الشهرة إبان الحرب العالمية الأولى التي راح ضحيتها 16 مليونا من البشر؟ لقد رسم مونش لوحته قبل الحرب العالمية الأولى بنحو عشرين سنة!

ألم يكن هذا العدد الهائل من الضحايا كافيا ليشعر الناس بالخوف الوجودي التي تجسده "الصرخة"؟

هل كان الناس (أو من بقي من الناس) بحاجة إلى قتل 62 مليونا آخرين هم ضحايا الحرب العالمية الثانية، كي يشعروا بهذا الخوف الوجودي الكامن في اللوحة؟

لا أعرف.. يبدو أن هناك خللا ما.. إما في التفسير، أو في البشر!

"أكل عيش"!

لا تتهم نفسك عزيزي القارئ بالجهل أو السطحية، إذا لم ترَ في هذه اللوحة إلا "شخابيط".. فهي بالفعل "شخابيط".. وما كان ينبغي لها إلا أن تكون "شخابيط".. فالخائف يرتعش من الداخل على الأقل، وقد كان مونش خائفا ومضطربا.. واليد المرتعشة لا تتحكم بالقلم أو الفرشاة.. لذا، فإن مونش اختار الأسلوب الصحيح في التعبير عن خوفه واضطرابه اللذين سيطرا عليه فوق جسر أوسلو.. إنه فنان بحق..

لكن.. هل هذه "الشخابيط" تساوي 120 مليون دولار؟ الإجابة: قطعا كلا.. ولا ألف دولار حتى..

إذن فما السبب في أن يدفع أحدهم 120 مليون دولار في عمل لا يساوي أكثر من ألف دولار؟ الإجابة: إنه استثمار في "شهرة اللوحة".. فكم هو مثير ورائع لدى البعض أن يمتلك عملا لا يوجد شخص على ظهر الأرض إلا ورآه، وهو وحده الذي يملك أصل هذا العمل.. جنون وسَفَه في نظر البعض، و"شطارة" وخبرة بالاستثمار في نظر آخرين.. ألم يشتر أحدهم لوحة المسيح المخلِّص ليوناردو دافينشي بنصف مليار دولار، ثم قيل لاحقا إنها مزيفة؟

يقول يورون كريستوفرسن، الناطق باسم متحف مونش: إن لوحة الصرخة عمل فني لا يقدر بثمن، وهي تمثل رجلا يعكس وجهه مشاعر الرعب، واقفا على جسر، يمسك رأسه بيديه ويطلق صرخة، على خلفية من الأشكال المتماوجة، وتدرجات اللون الأحمر الصارخة. لقد أنتج إدفارت مونش أيقونة الذعر الوجودي في تأمل عواقب موت الإله النيتشوي، والمسؤولية التي ألقيت على كاهل الإنسان الأوروبي، في إيجاد مغزى ومعنى للحياة"

يذكرني هذا الكلام "العميق" للناطق باسم متحف مونش بكلام زملائي في كلية الفنون الجميلة عن أحد مشاريعي التي أنجزتها أثناء الدراسة! إذ دخلتُ قاعة الرسم ذات يوم، فوجدت عددا من الزملاء متحلقين حول مشروعي الذي حصل على تقدير "امتياز"، وكل منهم يفسر سبب حصول المشروع على هذا التقدير العالي..

كان المشروع إعلانا عن سيارات "فيات" الإيطالية.. وكان أغرب تفسير سمعته: إن سبب تميز الإعلان هو تغيير موقع حرف "A" في كلمة "FIAT"! فقد أخطأت ووضعته قبل حرف "I" فأصبحت "FAIT" ومن ثم تنطق "فايت" وليس فيات".. فكان هذا الخطأ الإملائي "الفادح" في نظر ثلة من فناني المستقبل، سببا في تميز هذا المشروع وحصوله على درجة "امتياز"!

للأسف، كلام كثير من المشتغلين بالنقد الفني (على اختلاف مجالاته) لا يختلف كثيرا عن كلام زملائي طلبة الفنون.. إنه "أكل عيش" لا أكثر!

صرخة غزة

بعد قرن وثلث القرن من "صرخة مونش" على جسر أوسلو، انطلقت صرخة أخرى من غزة التي وقفت وحيدة في وجه معاهدة أوسلو التي أراد موقعوها (الفلسطينيون قبل الصهاينة) أن تكون المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية.. إلا أن غزة بقيت صامدة تقود المقاومة، وتثخن في العدو، وتطيح بمشاريع العِمالة والخيانة، وأوهام التطبيع، واحدا تلو الآخر..

وكما سمع العالم "صرخة مونش"، سمع العالم "صرخة غزة".. مع الفارق الكبير، أو الفوارق الكبيرة في الحقيقة.. فالعالم لم يسمع صرخة مونش ولم يتفاعل معها إلا بعد إزهاق أرواح نحو 78 مليونا من البشر هم ضحايا الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبعد عقد كامل من الحروب.. أما "صرخة غزة" فقد سمعها العالم مع بداية العدوان الصهيوني، في الأسبوع الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وتفاعل معها بعد نحو ثلاثة أشهر، وباتت القضية الأولى في العالم بعد نحو أربعة أشهر، ثم تحولت إلى قنبلة سياسية وأخلاقية وإعلامية وإنسانية تنفجر (كل يوم) في وجه الكيان الصهيوني، وداعميه، ومؤيديه، في شتى بقاع الأرض..

إن هذا التدرج في التفاعل مع "صرخة غزة" منطقي جدا، عكس ما يعتقد البعض.. فالحرب الصهيونية الأخيرة على غزة سبقتها ست حروب، كان أطولها 51 يوما، وهي حرب 2014 التي أراد الصهاينة أن ينجزوا خلالها ما عجزوا عن إنجازه في حرب 2012 التي أوقفها الرئيس الشهيد محمد مرسي، بعد أسبوع واحد فقط من نشوبها، بتحذيره الشهير: "لن نترك غزة وحدها".. لذا اعتقد العالم أن هذه الحرب كسابقاتها.. ستنتهي بعد أسابيع.. غير أن الأمر هذه المرة اختلف كليا وجذريا..

وحشية العدوان.. عدد الضحايا المدنيين لا سيما من الأطفال والنساء.. الحصار المميت وليس الخانق وحسب.. الجوع.. العطش.. الدمار الواسع.. نسف كل ما يدخل تحت اسم "البنية التحتية".. صمود الشعب الأعزل الذي دفع مؤثرين كُثر حول العالم إلى القراءة في الإسلام، ومنهم من أسلم.. الأداء غير المتوقع للمقاومة.. الخسائر غير المسبوقة في قوات وآليات العدو.. تكالب القوى العظمى على فئة قليلة تمارس حقها الشرعي والمشروع في مقاومة المحتل.. كل ذلك ومع محصلته التي تزداد كل يوم زاد التفاعل تدريجيا، حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم..

صرخ مونش في نوبة عصبية؛ بسبب مرضه النفسي.. أما غزة فتصرخ؛ لأنها تتعرض لقصف وحشي منذ تسعة شهور، على يد مرضى نفسيين يقودون سِتا من أقوى دول العالم، مع تخاذل وتواطؤ من ذوي القربى!
في الجوار، وعلى مرمى حجر.. في الأردن، والسعودية ومصر، كان التواطؤ "الرسمي" مع العدو الصهيوني واضحا، أما الشعوب فتتميز من الغيظ، وتكاد تموت قهرا وكمدا إلا قليلا ممن تبنوا موقف حكوماتهم المخزي والمشين الذي سيذكره التاريخ مسبوقا بالتوبيخ ومتبوعا باللعنات!

وإذا كان مونش قد سجل صرخته رسما وهو المريض النفسي، فكيف لا نسجل نحن "المعافين" صرخة غزة التي تحمل من المعاني والدلالات أضعاف ما في صرخة مونش مع الفوارق..

صرخ مونش في نوبة عصبية؛ بسبب مرضه النفسي.. أما غزة فتصرخ؛ لأنها تتعرض لقصف وحشي منذ تسعة شهور، على يد مرضى نفسيين يقودون سِتا من أقوى دول العالم، مع تخاذل وتواطؤ من ذوي القربى!

لقد جسدت "صرخة مونش" خوفه واضطرابه الداخلي، أما "صرخة غزة" فتجسد الشموخ والألم، الغضب والدماء، التحدي والدمار.. إنها ليست صرخة الشاكي الباكي؛ لأن قوى الشر والبغي تطرب للأنين، وإنما هي صرخة المتوعِّد الموبِّخ الذي يمارس حقه في مقاومة المحتل، ولا ولن ينسى ثأره ما بقي حيا.. هذا ما حاولت أن أسجله في هذه اللوحة، وسأسجله (إن شاء الله) في لوحات قادمة تحت العنوان نفسه "صرخة غزة" تجدونها في معرضي الرقمي قريبا، بحول الله..

وأنتهز هذه الفرصة لدعوة المبدعين في أنحاء العالم أن يرسموا "صرخة غزة" كما وصلتهم.. ففي هذا العمل إيقاظ لمعاني إنسانية جمَّة أراد لها إله المادة الأمريكي أن تموت.


x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه صرخة اللوحة غزة غزة لوحة معاناة صرخة الألم مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرب العالمیة هذه اللوحة صرخة غزة

إقرأ أيضاً:

اعلموا أنَّ ما خفيَ أعظمُ وما ستكشفه الأيامُ أخطرُ

في ظلال #طوفان_الأقصى “89”

اعلموا أنَّ ما خفيَ أعظمُ وما ستكشفه الأيامُ أخطرُ

بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي

ستنتهي الحربُ وسيتوقف القتال، وسينقشع الغبار وستتضح الصورة، وستتكشف الحقائق، وستوثق المعلومات، وستظهر بوضوحٍ وجلاءٍ وبالأدلة والبراهين، والأسماء والشواهد، والتواريخ والأماكن، حجم نتائج العدوان الإسرائيلي المروع على قطاع غزة، وما خلفه من دمارٍ وقتلٍ وخرابٍ، وستفضح الصورة الأخيرة العجز الدولي المتآمر، والصمت الشريك، والدعم المعادي، والإسناد الظالم، وسيكتشف العالم أن ما حجبه غبار الحرب، ستكشفه شمس اليوم الأول لوقف العدوان.

مقالات ذات صلة الشيخ سالم الفلاحات يكتب .. ضَريبة المُواطَنة والمعتقلون 2024/07/08

وسيعرف العالم بعد أن تضع الحرب أوزارها حقائق جديدة، وسيطلع على وقائع صادمة، وسيرى صوراً غير تلك التي اعتاد مشاهدتها أو أعرض صفحاً عن رؤيتها، وما زالت آثارها باديةً للعيان، ودليلاً على العدوان، كأعمال القصف الجوي والمدفعي والغارات الكثيفة والقنابل الثقيلة، التي سجلتها وسائل الإعلام الدولية وصورتها، ووثقتها أصولاً الهيئات الرسمية والمدنية ودونتها، بما لا يدع مجالاً للشك بأن هذا العدو الأهوج الأحمق، المجرم القاتل، قد ارتكب في حق الشعب الفلسطيني أبشع الجرائم ضد الإنسانية، بارتكابه آلاف المذابح والمجازر الدموية البشعة بحق المدنيين العزل، واللاجئين الباحثين عن الأمن والأمان والسلامة.

وسيماط اللثام عن مئات بل آلاف الجرائم التي تمت بصمت، ونفذت بهدوء، وارتكبت عمداً وقصداً، وقام بها جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي بأوامر مباشرة من مسؤوليهم، وبتصرفٍ فرديٍ منهم، وبعبثيةٍ لافتةٍ، وساديةٍ مفرطةٍ من متطرفيهم، وبنوايا ثأرية ودوافع انتقامية، جبلوا عليها وعُرفوا بها، دون أن تكون هناك مبرراتٌ لها أو مسوغاتٌ تجيزها، اللهم إلا الطبيعة العفنة، والنفوس المريضة، والأحقاد الدفينة، وحب القتل وغريزة الفساد، والإحساس بالفوقية الكاذبة وبالسامية الزائفة، التي تجيز لهم القتل، وتشرع في عرفهم استعباد البشر، ممن نجو من لوثتهم، وخالفوا فطرتهم، وانسجموا مع العقل الرشيد والقلب النابض ذي الوجيب.

لا تقتصر الجريمة الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني على الأرقام المعلنة فقط، كعدد الشهداء والجرحى، والبيوت المدمرة، والشوارع المخربة، والمساجد التي سويت ومآذنها بالأرض، والأسواق والمراكز والمحال التجارية، والجامعات والمدارس والمستشفيات، وغيرها مما أصبح ركاماً على الأرض، أو حفراً فيها، أو أثراً بعد عينٍ، إذ تغيرت المعالم وتبدلت الشواهد، ولم يعد يعرف أهل المناطق مناطقهم، أو يميزوا شوارعهم، التي باتت بخرابها واحدة، وبدمارها متشابهة، وستكشف الأيام القادمة يقيناً أن هذه الأرقام هي جزءٌ من كلٍ أكبر، وأن ما لم يعلن أو يكتشف خلال العدوان وأيام القتال، سيكون أكبر وأخطر، وأكثر ألماً وأشد قسوةً.

سيصدم العالم كله عندما يعرف حقيقة الأرقام، وعدد الضحايا والشهداء، ويرى بأم العين التي لا تكذب أن أغلب الشهداء هم من الأطفال والنساء والشيوخ والمسنين وذوي الحاجات الخاصة، الذين لجأوا إلى المقار الأممية، ومراكز المؤسسات الدولية، ومدارس الأونروا والبعثات الدولية، وإلى غيرها من المراكز التي ترفع أعلامها وتحمل هويتها، ورغم ذلك فإنها لم تسلم من القصف الصاروخي والمدفعي، ولم يشطبها العدو من قائمة أهدافه، ولم ينجُ اللاجئون إليها، والباحثون عن السلامة فيها، من القتل والإصابة بجراحٍ بليغة وحروقٍ خطيرة.

ستنتهي الحرب وسيتوقف العدوان، وسيعود الفلسطينيون إلى ما تبقى من بيوتهم، وإلى ركام منازلهم وحطام محالهم، وأنقاض مدارسهم ومساجدهم، وسيتفقدون ما بقي مما كان لهم، وسيبحثون عن المفقودين من عائلاتهم، وهم يعلمون أنهم قتلوا جميعاً، إما خنقاً تحت الأنقاض والركام، وإما إعداماً في السجون والمعتقلات، أو في الشوارع والطرقات والمستشفيات، ثم دفنوا جميعاً كما هم، مقيدين ومكبلين وآثار التعذيب باديةً عليهم، وبعضهم ما زالت الأمصال معلقة بأوردتهم، وآثار العمليات والضمادات باقية على أجسادهم.

وستبدأ السلطات الوطنية في غزة، الفلسطينية الوجه واليد والقلب واللسان احصائياتها، وستعلن للعالم أجمع ما ألحقه العدو بالشعب الفلسطيني من دمارٍ وخرابٍ، وما أحدثه من تلويث وتسميم، وتغيير وتبديلٍ، وأن حجم الأسلحة التي استخدمها، والصواريخ التي أطلقها، والقنابل التي فجرها، تفوق في قوتها وخطورتها، وآثارها ونتائجها، مئات المرات القنبلة النووية التي أطلقت على مدينيتي هيروشيما وناجازكي اليابانيتين، لكن العالم أصر على إنكار الحقائق، ورفض الاعتراف بالوقائع، وأيد العدوان وساعد الاحتلال، وزوده بالسلاح والعتاد، وأيده في السياسة والإعلام.

ما بعد انتهاء الحرب سيغرق العدو في أوحاله، وسيختنق بسبب أفعاله، وستحاصره جرائمه، وستفضحه الصورة، وسيتخلى عنه أصحابه، وسينفض عنه حلفاؤه، وسيعض أصابعه ندماً، وسيلعن قيادته علناً، وسيدرك أن ما ارتكبه في حق الشعب الفلسطيني لم يفت في عضده ولم يضعفه، ولم يخفه ولم يرهبه، ولم يكوِ وعيه أو يغير قناعاته، بل إن جرائمه ضد الفلسطينيين خلقت منهم أجيالاً جديدة أقوى وأقدر، وأصبر وأصدق، وأكثر وعياً وأشد بأساً، وجعلت منهم قوةً لا تهزم، وإرادة لا تكسر، ويقيناً بالنصر لا يتزعزع.

بيروت في 8/7/2024

moustafa.leddawi@gmail.com

مقالات مشابهة

  • لوحة “استراحة خلال الرحلة إلى مصر” تباع بمبلغ خيالي
  • اعلموا أنَّ ما خفيَ أعظمُ وما ستكشفه الأيامُ أخطرُ
  • أمريكا ليست قدراً
  • فرص ذهبية في التطوع بكأس العالم 2026.. «إلحق قدم»
  • هل يستطيع حزب العمال تحسين مكانة بريطانيا في العالم؟
  • قنبلة "Little Boy"
  • مدرب أولسان يقود منتخب كوريا الجنوبية
  • أكثر 10 دول يرغب الناس في الهجرة إليها
  • العالم على بعد خطوة من حرب مدمرة..!
  • من بيليه الى المجهول حويدر