الانقلاب الأخير في النيجر يساعد في توضيح العديد من القضايا في السياسة العالمية، وليس أفريقيا فقط، كما كتب ستيفن بلانك في مقال بموقع "هيل" الأميركي.

وعدد بلانك، وهو باحث في معهد أبحاث السياسة الخارجية، بعض هذه القضايا، منها أن حرب روسيا في أوكرانيا أدت إلى حدوث تحولات سياسية عالمية، من بينها الأهمية المتزايدة لجنوب الكرة الأرضية.

وتؤكد القمة الروسية الأفريقية الثانية التي عقدها (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين مؤخرا في سانت بطرسبرغ اعترافه بهذه الحقيقة وموضوعيتها.

وثانيا، يسلط هذا الانقلاب الضوء في نفس الوقت على إستراتيجية روسيا الطموحة، وحتى العدوانية، في جميع أنحاء أفريقيا، فضلا عن التحديات المتأصلة للحكم وبناء الدولة، وفق تعبير الكاتب.

وثالثا، يكشف الانقلاب أيضا أن التحديات الإقليمية التي لم تُلب توفر ذريعة لصراع القوى العظمى عبر القارة.

ويرى بلانك أن انقلاب النيجر يمثل إطاحة أخرى بالحكومات الديمقراطية من قبل العسكريين المرتبطين بصورة واضحة بموسكو من خلال مبيعات الأسلحة أو علاقات مع مجموعة فاغنر، التي يدعمها بوتين وحكومته مباشرة، حسب قوله. وأضاف أن الانقلابات في النيجر والسودان وبوركينا فاسو ومالي تظهر تشابها مذهلا مع بعضها البعض.

من الواضح أن الغرب، على الرغم من قوته الكلية المتفوقة في جميع الأبعاد، لا يزال يفتقر إلى أي فكرة عن كيفية تنسيقها لصالح إستراتيجية شاملة. كما أنه لا يدرك تماما الأهمية المتزايدة للبلدان الأفريقية في التنافس العالمي الجاري الآن

وتابع بأنه في كل هذه الحالات يمكن تمييز اليد الروسية ذات الخبرة الطويلة في تقويض الحكومات، ودعم العملاء الأفارقة لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية متبادلة. وربما ليس من قبيل الصدفة أنه بعد يوم واحد من انقلاب النيجر، برز المتظاهرون على الساحة وهم يهتفون بشعارات مؤيدة لروسيا ومعادية للغرب، ولا سيما شعارات مناهضة لفرنسا.


وأشار المقال إلى ما قاله مدير الأبحاث بمركز أفريقيا للدراسات الأمنية في واشنطن، جوزيف سيجيل، إنه بعد انقلاب بوركينا فاسو "قالت حسابات على تليغرام مرتبطة بفاغنر إن النيجر هدفنا التالي". ولاحظ المتحدث أيضا أن "روسيا كانت مهتمة برؤية استيلاء عسكري، والذي ربما يوفر لها فرصة للحصول على مزيد من النفوذ".

وأردف بلانك بأنه لو صح هذا التحليل، فإن هذا الانقلاب قد تم إلى حد ما بتحريض وتسهيل من قبل المخابرات الروسية وقوات فاغنر.

ويوضح الانقلاب الأخير أدوات القوة والتكتيكات والأهداف الروسية للدول في أفريقيا، بل، للدول النامية الأخرى في مناطق أخرى. وقد يفسر أيضا عدم حل بوتين لفاغنر، بعد تمرد يونيو/حزيران، بسبب محوريتها في إستراتيجية روسيا العالمية، كما جاء المقال.

وختم المقال بأنه من الواضح أن الغرب، على الرغم من قوته الكلية المتفوقة في جميع الأبعاد، لا يزال يفتقر إلى أي فكرة عن كيفية تنسيقها لصالح إستراتيجية شاملة. كما أنه لا يدرك تماما الأهمية المتزايدة للبلدان الأفريقية في التنافس العالمي الجاري الآن.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

النيجر تقرر اعتماد الهوسا لغة وطنية وهوية ثقافية

في خطوة تاريخية تحمل دلالات عميقة على المستوى الثقافي والسياسي، قررت حكومة النيجر جعل لغة الهوسا لغة وطنية، مما يقلص من استخدام اللغة الفرنسية التي كانت سائدة في البلاد طوال سنوات الاستعمار الفرنسي وبعده.

هذا التحول اللغوي يأتي في وقت يشهد فيه المجتمع النيجري تغييرات كبيرة على جميع الأصعدة، بما في ذلك التوجهات الثقافية والسياسية.

دعم الهوية الثقافية الوطنية

حسب تقرير نشرته إذاعة فرنسا الدولية، فإن النيجر أعلنت رسميا عن تحويل لغة الهوسا إلى لغة وطنية، مما يعكس التزامها بدعم الهوية الثقافية المحلية.

ولغة الهوسا، التي يتحدث بها ملايين الأشخاص في النيجر ومناطق واسعة من غرب أفريقيا، ستكون الآن جزءا من النظام التعليمي والإداري في البلاد.

تعتبر هذه الخطوة بمنزلة إعادة الاعتبار لهذه اللغة التي لطالما كانت مرتبطة بالثقافة المحلية، في حين كانت الفرنسية تحتل مكانة مهيمنة في التعاملات الرسمية والتعليمية. هذا التحول يهدف إلى تعزيز مكانة اللغة الوطنية في المجتمع وحمايتها من الاندثار.

الفرنسية تقتصر على كونها لغة عمل

ورغم هذا التغيير الكبير، فإن الحكومة أكدت أن اللغة الفرنسية ستظل لغة عمل في البلاد، مما يعني أنها ستظل مستخدمة في المؤسسات الحكومية، والمراسلات الرسمية، والأنشطة التجارية.

إعلان

هذا القرار قد يكون خطوة نحو تقليص الاعتماد على الفرنسية تدريجيا في الحياة اليومية، مع تركيز أكبر على تعزيز لغة الهوسا في المجالات التعليمية والإدارية.

وتعكس هذه السياسة الجديدة تزايد تأثير الحركات الثقافية التي تدعو إلى تعزيز اللغات المحلية في مواجهة الهيمنة الغربية، حيث يطمح المواطنون والسياسيون إلى بناء هوية وطنية مستقلة بعيدا عن التأثيرات الاستعمارية.

النيجر والتوجهات الإقليمية

القرار النيجري يأتي في سياق أوسع من التحولات السياسية في المنطقة. ففي مارس/آذار الماضي، أعلنت النيجر وبوركينا فاسو ومالي عن انسحابهم المشترك من منظمة الفرانكوفونية، في خطوة تعكس تزايد الحركات الإقليمية المطالبة بالاستقلال الثقافي والسياسي عن فرنسا.

وكانت بوركينا فاسو قد بدأت خطوة مماثلة في وقت سابق، إذ قلصت في عام 2023 مكانة اللغة الفرنسية، وأعادت النظر في وضعها بصفتها "لغة رسمية"، في إطار إصلاحات لغوية تهدف إلى تعزيز الهوية الثقافية المحلية.

خريطة النيجر (الجزيرة) الاختيار الإستراتيجي للغة الهوسا

تفسير اختيار لغة الهوسا في النيجر يكمن في قوتها التمثيلية العالية بين السكان، إذ يتحدث بها نحو 55% من السكان، مما يجعلها اللغة الأكثر انتشارا في البلاد، متفوقة على لغات أخرى مثل الديرما-صونراي التي تُستخدم من قبل نحو 23% من السكان.

هذه النسب المرتفعة تعكس أهمية الهوسا في الحياة اليومية للنيجريين، وتضعها في موقع متقدم لتعزيز مكانتها اللغوية في مؤسسات الدولة والمجتمع.

الآثار الاجتماعية والسياسية

من جانب آخر، يتوقع عديد من المحللين أن يكون لهذا التحول اللغوي تأثيرات كبيرة على المستوى الاجتماعي، فلغة الهوسا تمثل جزءا كبيرا من حياة الناس اليومية في النيجر، وهي وسيلة للتواصل بين مختلف المجموعات العرقية في البلاد.

لهذا، يمكن أن يؤدي هذا التغيير إلى تعزيز التماسك الاجتماعي والتقليل من الفجوات اللغوية التي قد تكون قد تسببت في الانقسامات بين المواطنين في الماضي.

إعلان

أما من الناحية السياسية، فإن القرار يعكس رغبة الحكومة في تقليل الاعتماد على فرنسا، وبالتالي تعزيز سيادة النيجر الثقافية واللغوية.

هذه الخطوة قد تكون بمنزلة نموذج يحتذى به في باقي دول القارة الأفريقية التي لا تزال اللغة الفرنسية جزءا أساسيا من حياتها اليومية.

تأثير القرار على التعليم والإعلام

أحد أبرز التحديات التي ستواجه الحكومة النيجرية هو كيفية تطبيق هذا القرار على أرض الواقع، خاصة في النظام التعليمي.

فمع تعزيز مكانة لغة الهوسا في المناهج الدراسية، قد تكون هناك حاجة لإعادة تدريب المعلمين وتطوير مواد تعليمية جديدة تتماشى مع هذا التوجه. هذا التحول قد يتطلب استثمارا كبيرا في البنية التحتية التعليمية لتوفير الموارد اللازمة لتعليم لغة الهوسا.

وفيما يتعلق بالإعلام، من المتوقع أن يتم تكييف البرامج الإعلامية لتشمل مزيدا من المحتوى بلغة الهوسا، مما قد يسهم في نشر الثقافة المحلية وتعزيز الفهم العام بين المواطنين حول هذا القرار الهام.

مقالات مشابهة

  • حمدان بن محمد ووزير التجارة والصناعة الهندي يشهدان توقيع 8 مذكرات تفاهم للارتقاء بالتعاون في قطاعات إستراتيجية
  • بعد تشييع نجله .. الشيخ منصور الحنق: يدعو قوات الشرعية بجمي فصائلها والمقاومة الى مشروع استعادة الجمهورية ودحر الانقلاب
  • حزب الله مستعد لحوار حول إستراتيجية دفاع وطني
  • صحف عالمية: لا إستراتيجية في حرب غزة ولا مؤشر على استسلام حماس
  • وفد أمريكي يصل إلى القنصلية الروسية في إسطنبول لإجراء محادثات مع روسيا
  • باحث: زيارة ماكرون لمصر أزعجت الاحتلال وأثرت على الداخل الإسرائيلي
  • النيجر تقرر اعتماد الهوسا لغة وطنية وهوية ثقافية
  • “الدوما” الروسي يقر معاهدة شراكة إستراتيجية مع إيران
  • باحث في العلاقات الدولية: زيارة ماكرون للعريش امتداد لرسائل الموقف المصري بشأن غزة
  • مقال لضابط إسرائيلي سابق: الأوهام تُسير الحرب بغياب أية إستراتيجية