عزلة ثم إبعاد فتمكّن اقتصادي وسياسي.. أيّ مستقبل للأقلية العربية في النيجر بعد سقوط بازوم؟
تاريخ النشر: 5th, August 2023 GMT
ظلت الأقلية العربية في النيجر، على هامش الحياة السياسية، تُقاسي حياة البداوة والترحّل وأحيانا شبح الإبعاد بسبب عدم اعتراف الدولة بمواطنتهم، وما أن صعد الرئيس المعزول محمد بازوم إلى أعلى هرم السلطة، ساد الظن أن التاريخ فتح صفحة جديدة ستريح ذوي الأصول العربية، لكن جاء الانقلاب عليه في 26 يوليو/تموز ليعيد خلط الأوراق.
تقول المرويات التاريخية إن مجموعات من قبيلة أولاد سليمان اجتاحت "إمبراطورية كانم" أواخر القرن الـ 19، قادمة من الشمال. وفي مطلع القرن العشرين وحتى 1923 منه تمددوا غربا وانضموا إلى رعاة من قبيلة "شوا" في نيجيريا والكاميرون والنيجر.
وبعد الجفاف الذي أصاب منطقة الساحل، تحركت أعداد كبيرة من العشائر العربية السودانية نحو النيجر، بينما لحقت بهم مجموعات أخرى إبان الحرب الأهلية في تشاد والحرب بين ليبيا وتشاد في ثمانينيات القرن العشرين، واستقر هؤلاء بالقرب من مدينة "ديفا" أقصى جنوب شرق النيجر، ولذلك يطلق عليهم "عرب ديفا".
أين يتركز وجودهم وما علاقاتهم بمحيطهم؟
يُعرف عرب النيجر أيضا بعرب "شُوا" ويشار إليهم بالبقّارة (رعاة البقر)، ويتحدثون بشكل رئيسي اللغة العربية ولهجة هذه القبيلة المعروفة باسم العربية التشادية، كما أنها معروفة باسم "شوا العربية" ويمثلون 1.5% أو أقل من ذلك بقليل من السكان.
ويتركز وجودهم في منطقة "ديفا"، وتُعرف كذلك بمنطقة "مانغا" وهي أحد أقاليم النيجر الثمانية، وتقع في الجنوب الشرقي للبلاد، وتتميز بتنوع عرقي، حيث تعيش فيها عدة عرقيات مثل "التبو" و"الفول" و"الكانور". وكانت هذه المجموعات تعيش بسلام حتى فترة الجفاف، حيث بدأ التنافس على الموارد، وظهرت الصراعات، ومنها ما تم تسييسه، بين هذه المجموعات.
ما إسهام هذه المجموعات في الحياة العامة؟لم تنخرط المجموعات العربية في الحياة السياسية بسبب طبيعة الحياة البدوية التي تميل إلى الانعزال والمحافظة على خصوصية المجموعة، إلا مؤخرا عندما أحسّت بخطورة بقائها خارج المسرح السياسي، وبدأت في توجيه أبنائها للالتحاق بالجيش وأجهزة الدولة المختلفة، مع وجود تمثيل رمزي لها في البرلمان منذ وقت مبكر.
رغم ذلك، تميز العرب بحضورهم في عدد من المجالات:
الرعي: إذ تملك القبائل العربية ثروات هائلة من الإبل والأغنام لا ينافسها فيها أحد. التجارة: تجارة الماشية بين النيجر وليبيا ونيجيريا. الصناعة: تفيد بعض التقارير أن العرب بعد الانتقال إلى المدن، أصبح لديهم إسهام وافر في الاقتصاد فدخلوا مجالات التصنيع، وتملكوا فيها حصصا كبيرة قياسا بحجمهم وحداثة خوضهم هذه المجالات. المواصلات: السيطرة على شبكة المواصلات التي تربط النيجر بنيجيريا وغيرها. الجيش: بعد ظهور الجماعات المسلحة، التحقت أعداد منهم بالجيش، وكانوا يعزفون عن ذلك سابقا، وبالذات بعد ظهور حركة "بوكو حرام" عام 2004. السياسة: حيث أصبح لهم وجود قوي في مؤسسات الدولة والبرلمان والوزارات والمناصب، كالمستشارين ومساعدي الرئيس بعد وصول بازوم للرئاسة خاصة.عشرات آلاف العرب رحّلتهم النيجر بزعم أنهم لا يحملون جنسيتها (الجزيرة) لماذا قررت النيجر إبعاد بعض القبائل العربية؟
عام 2006، قررت النيجر إبعاد 150 ألفا من عرب "ديفا" شرق البلاد إلى تشاد بحجة أنهم ليسوا مواطنين. وهؤلاء هم المجموعة التي انتقلت إلى النيجر في ثمانينيات القرن العشرين وحصلت على جنسيتها في ذلك الوقت.
وجاء على لسان وزير داخلية النيجر آنذاك، مونكايلا مودي، أن السكان الأصليين "يشعرون بالاستياء من سلوك هؤلاء العرب ولم يعد بإمكاننا التغاضي عنه".
وبعد توتر الأوضاع بين الحكومة و"عرب ديفا"، تدخلت تشاد وقررت حكومة النيجر تعليق قرار الترحيل.
كيف تفاعل عرب النيجر مع التحولات بالمنطقة؟بعد الجفاف الذي شهدته المنطقة، دخل العرب في صراع على الموارد مع جيرانهم من قبائل "الهوسا" و"الكانوري"، وحاربت مجموعات كبيرة منهم ضد "تمرّد" الطوارق في تسعينيات القرن العشرين. إضافة إلى مشاركة بعضهم في حملات "الفزعة" التي قد تأتي من خلف الحدود مثل تشاد والسودان، ودفعهم ظهور الحركات المتطرفة للتسلح خاصة وأنهم كثيرو الترحال مع ثروات من الماشية التي هي مطمع البيئة ذات الموارد الشحيحة في النيجر.
ما تداعيات سقوط بازوم على الدول التي تتمدد فيها هذه القبائل؟بعد الانقلاب الأخير ضد الرئيس بازوم ذي الأصول العربية، ظهرت تصريحات بعض جنرالات النيجر، واتهمت بازوم بإرسال جنود من العرب للمشاركة في حرب السودان دعما لقوات الدعم السريع. بل قدرت بعض الأوساط السودانية أن عددهم يصل 6 آلاف مقاتل. وبغض النظر عن العدد فإن مشاركتهم لم تعُد سرا، وكذلك احتفاء هؤلاء بالدعم السريع، وينطبق هذا على عرب تشاد أيضا.
ومع تداخل المجموعات العرقية بين هذه الدول وتمددها وهشاشة الوضع السياسي والأمني فيها، مع وجود فصائل مسلحة ذات دوافع متعددة، فإن المنطقة قد تكون مقبلة على انفجار جديد، ومرحلة من حروب لا تنتهي بسهولة في ظل توافر عناصر الإشعال والاستغلال.
فالأوضاع في تشاد والسودان وأفريقيا الوسطى في حالة فوضى عارمة، وإذا التحقت النيجر بهذا المسرح فلربما تتمدد الحالة من الأطلسي إلى البحر الأحمر.
ماذا ينتظر عرب النيجر بعد سقوط محمد بازوم؟ما لا شك فيه أن الفرصة التي لاحت لعرب النيجر كانت كبيرة، وأتاحت لهم الاقتراب من دولاب الدولة والتعاطي مع السياسة والمشاركة الفعلية في الحكم، وهذا مرجعه إلى الجهود التي بذلها الرئيس المعزول الذي أصبح وزيرا وهو في الثلاثين من عمره، وكان يدرك أهمية الدخول في معترك الحياة السياسية، ونجح فيها إلى حد كبير بالعمل قياديا في الحزب الحاكم.
خلاصة القول، إن هناك مكاسب كبيرة حققتها المجموعات العربية في الفترات الأخيرة -رغم التربص بها وقلة اهتمام أغلبها بالمشاركة السياسية وخوض العمل الحزبي. كما أن نجاحهم في المجال الاقتصادي، والتحاقهم بالحياة المدنية يمنحهم دافعا قويا وحصانة كافية ضد الاستضعاف الذي عانوا منه سابقا، لكن هذا يتطلب قيادة واعية ومدركة لطبيعة المراحل وقراءة الواقع والتعامل معه بموضوعية، كما يعتقد المراقبون.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: القرن العشرین العربیة فی
إقرأ أيضاً:
بعد سقوط الأسد..قدماء الانتفاضات العربية يحذرون السوريين
فيما يحتفل السوريون المبتهجون بسقوط الرئيس بشار الأسد، تنتشر تحذيرات مخيفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي العربية من مستقبل قاتم محتمل.
وتقول صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إن نهاية آل الأسد جاءت على أيدي جماعة مسلحة لها صلات سابقة بتنظيم "القاعدة" هي هيئة تحرير الشام، ما زاد حدة الفزع بين العرب الذين يدركون جيدًا السجل الدموي لنظام الأسد.وكتب عز الدين فشير، أستاذ العلوم السياسية المصري في جامعة دارتموث في الولايات المتحدة، على فيس بوك "المتفائلون بمستقبل سوريا، ألم يكونوا معنا خلال السنوات الأربع عشرة الماضية؟".
Veterans of Arab uprisings warn Syrians of perils ahead https://t.co/xxKVtYQaNT
— Middle East & Africa (@FTMidEastAfrica) December 15, 2024وكتب مستخدم مصري آخر على وسائل التواصل الاجتماعي: "أليس ما حدث في العراق، وبعد ذلك الانتفاضات العربية كافياً للخوف من القادم؟"
في 2011، اجتاحت موجة من الانتفاضات الشعبية العالم العربي، وأطاحت بالطغاة في مصر وليبيا وتونس وأشعلت الآمال في الحكم الديمقراطي، والازدهار الاقتصادي، الا أن تلك الآمال تحطمت لاحقاً بسبب الأنظمة المستبدة الجديدة أو الحروب الأهلية. وفي نفس الوقت، بدأت انتفاضة سوريا، لكن حكومتها لم تسقط إلا بعد 13 عاماً.
وقالت زينة إرحيم، وهي صحافية سورية انتقلت إلى لندن في 2017، إن التحذيرات التي تلقتها من أصدقاء تونسيين ومصريين كانت "تبسيطية ولم تأخذ السياق السوري في الاعتبار. وكأنهم يقولون: هؤلاء الفقراء سعداء لكنهم لا يعرفون ما ينتظرهم".
وأضافت "أنا متفائلة بعض الشيء. فنحن السوريون ندرك إخفاقاتنا أكثر مما ندرك إخفاقات الآخرين. وآمل أن نتعلم ليس فقط من دروس الآخرين، بل وأيضا من تجاربنا الخاصة".
Veterans of Arab uprisings warn Syrians of perils ahead via @FT
https://t.co/l17uIUDx6Z
وبالنسبة للسوريين، هذه لحظة من الأمل الشديد، حتى وإن كانت مشوبة بالخوف والقلق. فالكثير من السوريين يشعرون بنفس النشوة التي شعر بها آخرون في المنطقة عندما تخلصوا من مضطهديهم في 2011.
وعندما تنحى الرئيس المصري حسني مبارك، الذي حكم مصر 30 عاماً، في 2011 بعد 18 يوما من الاحتجاجات السلمية، تدفقت الحشود المبتهجة إلى ميدان التحرير في القاهرة، مرددة: "ارفع رأسك عالياً، أنت مصري".
وفي وقت لاحق، فازت جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية، وفي 2012، انتُخِب محمد مرسي، أحد زعماء الجماعة، رئيساً بأغلبية ضئيلة. وأدى حكمه القصير إلى نفور العديدين، بما في ذلك الجماعات المؤيدة للثورة. وثارت الأحزاب العلمانية، والنخب من عهد مبارك، ومجموعة من المصريين الذين شعروا بالفزع من صعود الإسلاميين، ضد حكمه.
وقال هشام قاسم، الناشر المصري، إن التحول فشل لأن الإسلاميين "كانوا يحاولون احتكار الوضع، ولم يتم التعامل مع الاقتصاد على محمل الجد".
وأضاف "كان الجيش يقف على الحياد ولم يكن مستعدًا حقًا للتخلي عن السلطة، لكن الفشل كان يرجع إلى حد كبير إلى الأداء السيئ للقوى السياسية في البلاد".
وبعد انتفاضة تونس، نجت الديمقراطية الوليدة لمدة عقد، لكنها انهارت عندما أغلق قيس سعيد، الرئيس الشعبوي المنتخب ديمقراطياً، البرلمان في 2021، وأعاد كتابة الدستور لتركيز السلطة في يديه وبدأ في سجن المنتقدين.
ورحب التونسيون بذلك بعدما سئموا السياسة الفوضوية وانخفاض مستويات المعيشة والحكومة غير الفعّالة. في أكتوبر(تشرين الأول)، فاز سعيد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بـ90 % من الأصوات بعد سجن المرشح الأكثر مصداقية من بين اثنين سُمح لهما بالترشح ضده.
وقالت ألفة لملوم، عالمة السياسة في تونس، إن الدرس المستفاد من تونس هو أن "الحريات الديمقراطية لا يمكن أن تبقى دون أساسيات الحياة الكريمة".
وأضافت "كانت الاحتجاجات في السنوات العشر الماضية من العاطلين عن العمل وغيرهم حول الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. على الناس أن يروا أن حياتهم تتغير للأفضل".
وبعدما أطاحت انتفاضة في ليبيا بمعمر القذافي في 2011، انقسمت البلاد بين حكومتين متنافستين. وخاضتا حربًا أهلية في 2019، حيث قامت روسيا والقوى الإقليمية بتسليح ودعم أطراف مختلفة.
ومنذ ذلك الحين، استقرت النخب الحاكمة المتنافسة في تعايش غير فعال، وتمول نفسها من خلال سحب عائدات النفط الليبية.
ويقول المحللون إن مسار سوريا يبدو من غير المرجح أن يتتبع خطوات دول ما يسمى "الربيع العربي". إن تفتتها تحت مجموعات متمردة مسلحة مختلفة، إلى جانب فسيفساء من الأقليات، يعني أن التحديات ستكون مختلفة.
كما جاء انهيار نظام الأسد بعد حرب أهلية استمرت 13 عامًا قُتل فيها نصف مليون، معظمهم على يد النظام، وأصبح الملايين لاجئين.
وأدى القمع الشرس من الأسد للمظاهرات السلمية في 2011 إلى تحويل الثورة السورية إلى انتفاضة مسلحة أصبحت فيها الفصائل الإسلامية في نهاية المطاف أقوى المجموعات. ودعا الأسد حلفاء أجانب، في البداية إيران والمسلحين الذين تدعمهم إيران بما في ذلك حزب الله، ثم روسيا، التي قصفت قواتها الجوية المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.