السذاجة ماركة مسجلة باسم فلول النظام البائد، ففي أواخر عهد الدكتاتور المخلوع وعند زيارته لموسكو، فضحه الرئيس بوتين بأن جعل توسلاته الراجية حماية الدب الروسي تبث عبر الأثير، ليسمعها المواطن الغلبان ويعلم ما أصابه من ابتلاء أن يقوده رئيس مثل المدعو عمر البشير، وما أدى لانفضاض سامر الحلفاء من حول النظام البائد هو دبلوماسية ضرب العشواء التي يتبعها الحاكمون من اتباع الحزب البائد، فالطريقة التي تدار بها المؤسسات السيادية من قبل الاخوان المسلمين ومناصريهم، لا تمت إلى معايير السيادة وإدارة الدولة بصلة، ودبلوماسية ضرب العشواء هذه قد لازمت السلوك الحكومي لموظف الدولة السامي في أعلى الهرم المتمثل في الرئيس، فقد احتارت شعوب العالم حينما سمعت رأس الدولة المطلوب للعدالة يصرخ أمام تجمعات مواطنيه الفقراء، الذين أفقرهم باستغلاله لجهاز الدولة استغلالاً ناشزاً جعلهم يتكففون الناس الحافا، وهو يقسم بتطليق عقيلتيه على أنه لن يسلّم قطة صغيرة للمحكمة الجنائية لو طالبت المحكمة بذلك، وما أدهش الدنيا تلك الغوغائية التي تعاملت بها حكومة الرئيس المخلوع، مع قضية حسّاسة وكبيرة وسابقة خطيرة مثل أن يكون رئيس الجمهورية مطلوباً جنائياً لأكبر محكمة مختصة في جرائم الحرب، فبدلاً من أن تتحرك الدبلوماسية والمؤسسات العدلية ودور القضاء وروابط المحامين المنتمين للحزب، تقدم رأس الهرم بالسباب واللعن والمعايرة للمحكمة الجنائية الدولية عبر الشاشات والاذاعات، وعمل على التحشيد الشعبي المدفوع الأجر لإظهار شعبية زائفة، علها تشفي غليله من هول صدمة هذه السابقة القضائية الأولى من نوعها، المتمثلة في إصدار مذكرة اعتقال بحق رأس دولة ما يزال شاغلاً لموقعه (الدستوري)، فالسلوك الإداري لأفراد وجماعات المنظومة الاخوانية عرف عنه بعده عن العرف العام لحسن تصرف موظف الدولة (الدستوري).
روسيا لا تدعم حراكاً عسكرياً عديم الرؤية وفاشلاً على الأرض ولن تصطف مع الجماعات الإرهابية، ولنا في ذلك عبرة بما حاق بتنظيم داعش وجبهة النصرة بسوريا، فالروس لا يسجلون اللاعب المهزوم في أنديتهم السياسية، خاصة لو كان هذا اللاعب ممن هم موصومين بعار التطرف، والاتحاد السوفيتي السابق الذي تعتبر روسيا رأس سنام مشروعه السياسي والاجتماعي، قاتل طالبان على امتداد الخط الحدودي الفاصل بينه وبين أفغانستان، ووفد فلول النظام البائد الزائر لموسكو يجب أن لا يضع نفسه في مقارنة مع وفود النظام السوري، التي كانت وما تزال تستقبل بقصور القيصر استقبال الفاتحين، فالعلاقة بين موسكو والنظام السوري والبلدان المحكومة بنظم اشتراكية، علاقة متينة بحكم أواصر التاريخ المشترك، أما الأنظمة المسيطرة عليها الجماعات الإسلامية المتطرفة، لا يوجد بينها وبين الإرث الروسي كيمياء فكرية أو تعاون عدا النظام الإيراني الذي يزود موسكو بالطائرات المسيرة، لذلك جاء لقاء الدكتاتور المخلوع عمر البشير والرئيس الروسي فلاديمير بوتين فاتراً وفاضحاً، لأن ثمة جفاء فكري بين الرئيسين، هذا فضلاً عن العلاقات المتوازنة بين الدب الروسي والبعير الصحراوي في جزيرة العرب، ومعلوم ذلك الدور الكبير للمحور الخليجي كوسيط لإيقاف الحرب، فذهاب وفد الحكومة السودانية (غير الشرعية) لموسكو لن يجد المباركة الروسية، لأن المحور الخليجي يحمل ملف الوساطة بين الطرفين المتحاربين بتخويل دولي، لذا يعتبر تحرك وفد النظام البائد المختطف لقرار الدولة السيادي مجرّد محاولة يائسة مكتوب عليها الفشل منذ البداية، والطريقة العرجاء التي يدير بها الانقلابيون الحرب لن تجديهم، ذلك نسبة لوجود وعي عميق للدوائر الإقليمية والعالمية بتعقيدات المعضلة السودانية، وعلم تام بحقيقة إخفاق جيش السودان في الحفاظ على سيرورة الانتقال، وفشله الذريع في الوصول لانتخابات عامة يختار فيها الشعب من يمثله.
روسيا مهتمة جداً ببلدان الساحل والصحراء في الشمال والغرب الافريقي، وقد قدمت المساعدات العسكرية للشعوب الطامحة في الخروج من قبضة الأوروبيين، للحصول على نظم حكم شبه مستقلة تعمل على تحقيق أشواق شعوبها، وقد نجحت تلك الشعوب في تغيير أنظمتها واختيار نخب مدنية وعسكرية لحكمها، أما في الحالة السودانية تهتم روسيا جداً بالتقدم العسكري الذي أحرزته قوات الدعم السريع ميدانياً، خاصة في دارفور الإقليم المتاخم لدول الساحل والصحراء، هذا النجاح العسكري لا يمكن أن تهمله روسيا أو تخسره، وذلك لما لأي قوة عسكرية ضاربة من أهمية قصوى لمشروع روسيا القائم بإفريقيا، خاصة وأن هنالك شعرة معاوية بين الروس والقوات المسلحة السودانية الجديدة (الدعم السريع)، صاحبة الكفاءة العسكرية العالية، والحائزة على الانتصارات الميدانية الواضحة، فدولة روسيا الفدرالية ليست مجموعة من المتطرفين الذين يتعاطون السياسة مثل تعاطي جماهير ناديي الهلال والمريخ للتشجيع المتشنج دعماً لفريقيهما، ودولة المؤسسات لا تأخذ الأمور كما يشتهيها السيد مالك عقار نائب قائد الجيش المهزوم، ولن تجامل أمين مال الانقلاب مهما قدم من باقات الورود وأكاليل الزهور لقبر فلاديمير لينين، ما هكذا تساس الأمور يا مكتب قائد الانقلاب، فالحماقة التي اتسم بها الدكتاتور الذي أسقطه ثوار ديسمبر ليست الطريقة المثلى، لإدارة شأن دولة ذات امتدادات متداخلة مع الغرب الافريقي الذي توليه روسيا العظمى الأهمية الكبرى، فحتى زيارة نائب قائد الانقلاب الآخر لبعض بلدان الغرب الافريقي جاءت متأخرة، كتأخر العقل الانقلابي المركزي الذي درج على تسفيه حكومات غرب افريقيا والتهكم على مجتمعاتها، دون أن يدرك حقيقة أن قوات الدعم السريع تتمتع بعلاقات استراتيجية متينة مع هذه الدول وشعوبها، لكل هذا وذاك سوف تظل روسيا داعمة لخط إيقاف الحرب في السودان، لأنها لم تتدخل في الشأن الافريقي من أجل إشعال الحروب أصلاً، وإنما للتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري.
إسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: النظام البائد
إقرأ أيضاً:
حب الوطن الصادق والإخلاص هو الذي سيجمعنا ويوحدنا
د. طبيب عبدالمنعم عبدالمحمود العربي
المملكة المتحدة
يا وطن الضياع لك الله سودانايل 19\3/2022
بقلم د طبيب عبدالمنعم عبدالمحمود العربي
المملكة المتحدة
في الضياع والحسرة نولد ونعيش سودانيين بدون هوية محسوسة ، ثم نموت فقراء في عالم النسيان ويموت معنا الوطن فقيراً رغم ما يحتويه من كنوز الدنيا. فالموت و الدمار لا يستثنى الأحياء ولا الجمادات وكل عناصر الجمال والبنية التحتية . كل ذلك يتم بفعل أيدي مخربة للأسف هي أيدي الأبناء الذين يمهدون للغرباء بكل أريحية ميادين اللعب واللهو بخيرات الوطن بل إستعماره. والعجب والحسرة تمزق نياط قلوب المواطنين الشرفاء وهم يرون الغرباء على نشوة سكرة الفوز بإمتلاك خيرات هذا الوطن يرقصون وباستغفال عقول الجهلاء من القوم هكذا تخلقت وتكونت متحورة من عدم شريحة للأسف الشديد صارت فى غفلة هي قمة هرم عظماء أمة حظها عثر لأنها طيلة العمر لم تفق من ضربة ابتلاءات السنين التراكمية . ما يدور فى السودان من فوضى ونهب وسلب وقهر وتجبر وإذلال للمواطنين خاصة النخب المستنيرة من العلماء والأدباء والمثقفين والمفكرين والأطباء والمهندسين….إلخ علامة من علامات آخر الزمن " أقصد علامات الساعة "
انتبهوا يا قوم. انتبهوا يا شباب. عضوا على ترابكم بالنواجذ، لا تهنوا وتتراجعوا عن تحقيق أهدافكم السامية، ولا تتركوا الوطن وتبيعون بيوتكم و تهاجرون إلي دول الجوار التي يسعدها هجركم الديار. فالقضية جداً لحظيرة والمقصد بعيد المرمى من كل ما يجري فى السودان من مسرحيات رخيصة الإعداد والإخراج, الهدف تفكيك النسيج الإجتماعي وتفكيك البلاد "المدن والقرى والأقاليم", واستعمار جديد فى ثياب الواعظينا الدولية تحت عباءة مهتوكة للأسف هي محلية الصناعة " وما أقذره هذا النوع من الحب الوهمي والوعظ الشيطاني"
هبوا يا شباب ، السودان وطنكم، أرضه وخيراتها لكم ، أنهاره لكم، بحره لكم ، جباله وسهوله كلها لكم ولمن يأتي من بعدكم، وعزته ونصرته واستقلاله وحل مشاكله لا تتم إلا بفعل أيديكم وتماسكها وتدبيركم أنتم".وللحرية الخضراء باب بكل يد طاهرة عفيفة قوية وصادقة يدق. على باب الوطن لعله يسمع فيجيب. دعونا نقف رافعين الأيدي بالدعاء و نحملكم الأمانة، وفقكم الله. والعزة والحرية لك يا وطن فالله وحده نستوصيك
تعقيب على المقال أعلاه:
قلت في مرة من المرات مخاطبا أحد أصدقاء القلم الحر " كثيرون غيرنا يجمعهم معنا في الكتابة حب الوطن العذري وحب الخير و أمنيات الشموخ لسكانه و لكل ربوعه، أشواقنا للعودة إليه لا توصف ونيرانها لا تهدأ ، و زدت بقولي كم كتب وكتب السودانيون حتى كادت الأقلام والصحف أن تجف وصرنا كلنا كمن يدق على حديد بارد، ويظل الحال في حاله بل يتدهور كل يوم بسرعة تدهور العملة السودانية. فهل ياترى يقرأ المسؤلون أو بعضهم كل ما يُكتب من رأي ونقد مفيد فيهضمونه ؟ ما أغلى النصح والنقد والإرشاد الذي يدفع به أصحاب الأقلام من غير إنتظار أجر أو شكر. قلت له لو كان الموضوع المكتوب عبارة عن "خناقة" بين إثنين لارتفع منسوب عدد القراء مقارنة بعدد قراء المواضيع الهادفة التي تنضح أدبا جما أو نقداً بناءً ". قال لي "لا تحزن سيكفي من يقرأ لنا وإن قل عددهم لا داعي ليضع الكتاب القلم طالما النية سليمة والعزيمة قوية كلها خالصة لله و حب ومصلحة الوطن وناسه، سيأتي يوم يشهد التاريخ فيه للجميع "
هذا المقال الذي تم نشره يوم التاسع عشر من شهر مارس ، 2022 فقط قبل سنة من وقوع هذه الحرب الكارثية ولعينة، أعيد نشره اليوم و وبعد سنة من نشره للأسف قد حدث ما لا كنا نريد أن يحدث، ومكررا أعيد هنا نفس السؤال " ياترى هل يقرأ المسؤولون كل ما تكتبه أقلام السودانيين الحريصين على مصلحة الوطن والمواطن ؟. ربنا إنك تشهد أن جل الكتاب يبلغون بالمفتوح كل مسؤول همومهم وهم صادقين في ما يكتبون بكل حسن نواياهم وصدق التعبير عن هواجسهم وحبهم للوطن والخوف عليه من خطورة أمور تحاك في الخفاء أو العلن تهدد بل تستهدف خيراته "في ثوب إستعمار شيطاني جديد". من هؤلاء الكتاب من قضى نحبه (كتاباتهم تسبح حرة في فضاءات الشبكة العنكبوتية) ومنهم من لا يزال يجاهد نفسه ويكتب رغم ويلات النزوح وضيق ذات اليد . توثيق الشاب الإعلامي سوار الدهب " القافلة عمران" لمآسي وتخريب هذه الحرب الكؤود الداحسية يقطع نياط القلوب وتبيض له قرنيات العيون من هول الألم و البكاء. تأثرت مع آخرين كثر وصببت معهم دموعاً يشهد الحزن أنها أتت من فؤاد من التأثر مجروح مدمم وأنا أتابع توثيقه للدمار الهائل و الصور المختلفة من المعاناة التي يعيشها أهل السودان في مواجهة صعوبات الحياة في عدم الاستقرار وعيشة معقولة آمنة من الخوف، ووجود ماء يصلح للشرب و الحصول على فرص تشخيص الأمراض وعلاجها وتوفر الكاش لأن كل شيء صارت تكلفته غالية و بالفلوس. فالجيوب خاوية و لا جدوى من إنتظار "تحقيق حلم الجوعان عيش" لتمطر السماء ذهباً. قصة فيديو استئصال عين الطفلة الصغيرة "سلام" النازحة من أمدرمان "مسقط رأسها" بمستشفى مروري الجامعي أبكت عيون كل من شاهد توثيق الشاب سوار الذهب لتلك القصة التي تحكي عن سقوط وطن بأكمله نتيجة التدهور الكبير في كل شيء خاصة الخدمات الطبية . فحنفيات غسل وتطهير الأيدي قبل إجراء العملية بغرفة عمليات مستشفى مروي التي شوهدت في الفلم تشكوا حال فقرها وتدهورها "وعدم صلاحيتها" بسبب هذه الحرب اللعينة البليدة التي ستدوم تداعياتها السلبية لعقود من الزمن حتى يهيء الله للوطن "صلاح الدين" لينقذ البلاد.
التحية للشاب سوار الذهب وأهديه هذه الكلمات التي جاءت عفوية بعد صحبتي معه زيارته لمستشفى مروي عبر اليوتيوب والتحية للزملاء الأماجد الأطباء والطبيبات وطاقمهم الطبي المعاون هناك وفقهم الله ورعاهم وسدد خطاهم وربنا ييسر للسودان من الذين يدعمون بسخاء إصلاح حال الخدمات الصحية من مراكز علاجية وغيرها ذات صلة في كل المدن القومية المهمة. أيضا الشكر للشاب سوار الدهب لأنه كذلك قد وثق للحقيقة الغائبة "أن الجنود البيض هم ملائكة تمشي على الأرض بين الناس" ، يبذلون العطاء بصبر وسخاء رغم إنكار الناس أفضالهم، هم لا ينتظرون جزاءً ولا شكوراً :
سرطان عين الطفلة "سلام"
الوالدان أسموها سلام
صغيرة وبريئة أخت الثلاثة فهم أربعة
فروا من أمدرمان ، المصيبة كانت موجعة
فالحرب داهمتهم كوقوع الصاعقة
الأم بصغارها خرجت مسرعة
صارت الأسرة كلها نازحة مشردة
من بلد لي بلد من غير هدف معذبة متنقلة
الام رغم الهم صابرة وتحمد ربها
شمالا مشت الأميال الطوال متعثرة
وحطت عند مروي البعيدة جدا منهكة
ما فكرت في حلفا البعيدة أو دنقلة
سكنت أمام البوابة المستشفى المتواضعة
المصير مجهول والخوف على عين سلام
الطفلة الوديعة الوردة اليانعة
عينها الشمال فجأة صارت مشكلة
ظهرت غريبة للعيان بارزة متورمة
قالوا إنه ورم خبيث "لا حول ولا قوة"
فالحالة جداً خطيرة ومقلقة
ولابد من عملية استئصال مستعجلة
قبل الإنتشار وتفاقم خطورة المشكلة
لكن من وين الفلوس للعملية المقررة
فثلاثمائة دولار العلاج بالطبع غير متوفرة
أمها والحال صعيب في حيرة وذهول
فقدت التفكير واتجاهات البوصلة
و رغم ذلك ظلت تتطلع حامدة وشاكرة
صابرة تنتظر من السماء رحمة ومعجزة
على ربها وأهل الخير صارت تدعو متوكلة
من حظ الطفلة سلام البريئة و صابرة
أن حالتها لفتت نظر عين رحيمة و ثاقبة
صدفة زارت المستشفى ضمن قافلة متجولة
ومن بيعد النظرة كانت حنينة وصائبة
ورحمة الله هكذا تنزلت عليها عاجلة
بفضل وجود سوار الذهب الشاب الهمام
فمساعدته بالدعم المادي كانت كافية
والعين الخبيثة في النهاية أستئصلت
على يد الجراحة القديرة الماهرة
أميمة والطاقم الصبور الرحيم
رغم الظروف والحروب الماثلة وجائرة
و أوضاع المستشفيات البالية
ثقتهم في الله بالنجاح كانت حاضرة
فيا سلام والسلامة يا أم سلام تعم
والعافية بعد الكيماوي تجيكم عاجلة
ويتم الشفاء و يا رب الطمأنينة الكاملة
كل عام يارب يا أهلنا أنتم بخير وعافية وعائدون إلى الديار الحبيبة بعد إستيعاب هذا الدرس الذي كان جداً قاسياً
عبدالمنعم
aa76@me.com