شبكة اخبار العراق:
2024-12-24@00:22:19 GMT

رماد الفجيعتين

تاريخ النشر: 11th, June 2024 GMT

رماد الفجيعتين

آخر تحديث: 11 يونيو 2024 - 10:53 صبقلم:أحمد صبري من رماد الفجيعة أوَّل ديوان للرَّاحل الشَّاعر سامي مهدي إلى فجيعة غزو العراق واحتلاله، عاش في ظلِّ رماد الفجيعتَيْنِ وما بَيْنَهما رافعًا هموم بلده لم يتخلَّ عن دَوْره شاعرًا ومناضلًا واجَه عاديَّات الزمن بصلابةٍ وصمود استحقَّ الإشادة بهذا الدَّوْر.ففجيعة الوطن لا يضاهيها وصفٌ آخر إلَّا عندما يُعَبِّر عَنْها الراحل سامي مهدي في دواوين شِعره منذ جيل الستينيَّات بصحبةِ روَّاد أغنوا المكتبة الشعريَّة والثقافيَّة، كان الراحل في صدارة المشهد الثقافي تاركًا بصمةً على مسار الشِّعر العراقي.

وعندما يصفه رفيق دربه الشَّاعر حميد سعيد بأنَّه عصيٌّ على الغياب شاعرًا وإنسانًا؛ لأنَّه حاضر في معمعان الفواجع، رافعًا راية الدِّفاع عن الوطن، مستلهمًا من خزين موروثه الوطني والشِّعري الَّذي اتَّسم بالجَمال والإحساس ونبض الحياة الشعريَّة. وحسنًا فعلَت عقيلة الراحل سامي مهدي ـ الزميلة ثبات نايف بتدوين ما كُتب عَنْه بعد رحيله في كتاب صدر في بغداد مؤخرًا تضمَّن شهادات من رفاق دربه على مدى مشواره الشِّعري وهم شخصيَّات سياسيَّة وفكريَّة وثقافيَّة عراقيَّة وعربيَّة.ومن بَيْنِ عشرات الشَّهادات الَّتي وثَّقت مَسيرة حياة الشَّاعر سامي مهدي، شهادة الباحث والمؤرِّخ إبراهيم العلاف الَّذي وصفَه بأنَّه «سياسي عروبي قومي وطني عراقي لم يغادر بغداد». وينقل العلاف عن سامي مهدي القول «لمَن أترك بغداد؟». وكما هو في حياته رحلَ بهدوء تاركًا تاريخًا يفخر به على مدى عمره لغايةِ رحيله عام 2012م. وقامة شعريَّة بمِثل سامي مهدي ودَوْره في الحياة الثقافيَّة وحتَّى السياسيَّة جديرة بهذه الشَّهادات من جيله ما يستحقُّ من إبراز دَوْره الوطني والشِّعري. وقبل رحيله بعامٍ، زار الشَّاعر سامي مهدي العاصمة الأردنيَّة (عمَّان) بصحبةِ زوجته المحترمة والتقاه محبُّوه في مقهى الفوانيس، وكنتُ من بَيْنِ من التقاهم، فوجدناهُ ثابتًا على موقفه، ويرنو لبغدادَ مزدهرةً وبهيَّة بعد أن تتخلصَ من رماد الفواجع.وظلَّت قصيدة الرَّاحل سامي مهدي وفيَّة لوجدها الصوفي في الولاء للشِّعر عبارةً ومعنى ومبنى، كما في شهادة الشَّاعر المغربي أمجد ناصر حسون الَّذي يقول فيها: يكاد سامي مهدي مع الشَّاعر حميد سعيد يقودان قاطرة التجديد الَّتي ترتقي أن تكُونَ مدرسة تحتذى ولا تضاهى. ويضيف: أقعدت الراحل غربتان؛ غربة الوطن وهو بَيْنَ يدَيْه يراه يحتضر، ووجع المرَض وقد شلَّ مداركه فغابت صحوة الشِّعر وهو في غيابِه العميق، إلَّا أنَّه الحاضر الغائب أبدًا. وكشفت الشَّهادات، الَّتي دوِّنت في هذا الكتاب عن مَسيرة رجُل وقامة شعريَّة بحجمِ سامي مهدي، الجانب الإنساني النبيل الَّذي يميِّز وترسم صورته كرجُل صدوق وصريح وعفيف ومبدئي جسَّدت مَسيرته. وكان الرَّاحل أراد أن يكتبَ بنَفْسه سِيرته في كتابه (شاعر في حياة) ولكنَّ هذه المرَّة تكتبه أقلام مَن عاشروه.وهذا الكتاب وما احتواه من شهادات وفاء وعرفان لشاعر كرَّس منجزه الشِّعري على مدى عمره فتحوَّل الشَّاعر الرَّاحل سامي مهدي إلى نجمٍ ساطع لا ينطفئ في سماء الوطن مهما كان رماد الفواجع يحاول حجب وهج المتحقِّق في مشواره.

المصدر: شبكة اخبار العراق

إقرأ أيضاً:

كووج إيْ نُومْ أو رحيل الحضور لدينق قوج

خالد فضل
ليسمح لي د. فرانسيس دينق في استخدام عبارته من لغة أهلنا دينكا نقوك التي أوردها في كلمته الرصينة وفاءا لحق أستاذه وزميله الراحل بروفسير محمد إبراهيم خليل قبل ايام , وبالفعل فإنّ المرء ليأسى حقا عند رحيل أؤلئك النفر الكرام من السودانيين/ات الذين شكّلوا أحد الدعائم الأساسية في مسيرة حياة هذا الشعب الذي ما يزال يكابد لتحقيق أدنى مقومات البقاء على قيد الحياة ؛ حفظ الارواح نفسها . ولعل شهادة قيّمة ممن هم في قامة فرانسيس دينق تعتبر في حد ذاتها قبس من الوعي والتنوير التي تزداد حاجتنا إليها في أوقات العطب الإنساني/الوطني الراهن فهي ليست شهادة عاطفية في لحظة الفقد إنّما خبرة حياة بذلها الراحل في سبيل الغايات النبيلة التي يهفو إليها أغلبية أبناء وبنات شعبه , عرضها صديقه وزميله بإسلوبه البديع ولغته الحيّة وسرديته الروائية المبدعة . للبروف الراحل محمد إبراهيم خليل واسع الرحمات والعزاء لأسرته ولكل من عرف مقامه وفضله . بيد أنّني هنا استلف عبارته من لغة الدينكا (كُووج إيْ نُومْ) ومعناها إيقاف الرأس في وضع مستقيم , ودلالاتها الروحية (لا نحزن على شخص ترك وراءه أطفالا ليستمر اسمه وتأثيره في هذا العالم )
فقد فُجع آلاف السودانيين/ات في شطري البلد الكبير شمالا وجنوبا بالرحيل المفاجئ لدينق قوج مما كان وقعه قاسيا على القلوب والمشاعر , ولعل محجوب شريف قد عبّر عن الذهول في يابا مع السلامة لروح عبدالكريم ميرغني عليهم جميعا رحمات الله :
يا موت لو تركتو مننا قد سرقتو
كنا نقول ده وقتو لكنك حقيقة
في الواقع عبّر الجميع عن الجميع فيما كتبوه عن دينق قوج , فما من سطر خُطّ أو كلمة قيلت وفاء له إلا وكانت هي لسان الآخرين ولو جاءت بعبارة أخرى , هنا يستوقفني قول فرانسيس عن الإنسان الذي يموت ورأسه في وضع مستقيم . إنّ دينق قد خلّف آلاف الأبناء بهذا المعنى لهذا ضمن خلود اسمه وتأثيره في هذا العالم , فكل كلمة ؛ ولابدّ أنّها صادقة قيلت عنه هي مولود يحيا ويؤثر في الحياة , وليس بالضرورة الأولاد البيولوجيين الذين رُزق بهم فحسب . وهذه مأثرة وميزة لا يحوزها كثيرون , فكم من راحل لم يأبه بفقده أحد .وكم من يسعد بعض الناس برحيله . ومن السيئ أن يعمد بعض ذوي السلطة والنفوذ إلى حجب الناس ومنعهم من التعبير عن الفقد على أضيق نطاق , فقد حدث منع إقامة سرادق العزاء للراحل د. خليل إبراهيم في منزل عائلته بحي السلمة جنوب الخرطوم بسبب أنّ المرحوم كان على خصومة مع السلطة الإسلامية الحاكمة وقتذاك . مع الأسف تكرر هذا الموقف مرّة أخرى قبل أيام , حسبما قرأت في أحد المواقع السودانية _إنْ صحّ الخبر_ أنّ عناصر من قوات الدعم السريع قد منعت إقامة سرادق عزاء لأحد الضباط في القوات المسلحة السودانية من منطقة تُلس بجنوب دارفور كان قد قُتل في معارك الفاشر . أمّا الأسوأ مطلقا و هذه مرحلة سحيقة من مراحل فقدان الحس الإنساني على كل حال أنْ يتم التمثيل بالجثث بعد قتلها ذبحا أو بالرصاص مثلما وقع من مشاهد مقززة من كلا الجانبين في محرقة السودان الراهنة , فيما كان دينق قوج يفتح داره ويوفر ما يستطيعه ليس للفارين من الحرب فحسب بل حتى قطعان المواشي يتعهد بضمان سلامتها في منطقة الرنك .
فقد اثبت عمليا قيمة الفرد عندما يرتقي كإنسان , وكم تهفو النفوس السوية إلى الكمال الإنساني , ويكدح الفرد الحر المستنير إلى ذلك المقام عساه يبلغ منه درجات , لذلك يبدو رحيله كحضور قوي وآسر وفعّال أكثر منه غياب . أذكر أنّ الأب الراحل جون فراشيني (إيطالي الجنسية كان قسيسا ضمن بعثة كمبوني ) قد ألقى ما يعرف بوعظ الأحد أمام جمع من المصلين في إحدى الكنائس بأم درمان ؛ كان موضوعها عن فكرة الموت , تمّ بثها مسجلة في عزاء قصير أقامته مدرسة كمبوني الخرطوم حينها , قال ما معناه : إنّ الناس هنا تحزن وهي تردد , أبونا كان معانا قبل شوية , كنت اسمعه يتحدث قبل قليل .. إلخ في الحقيقة انتقلت الروح إلى الحياة الأبدية بجوار الأب , هل ألحياة وسطكم أفضل أم الحياة بجواره ؟ أليس كل ما نرجوه بعد موتنا أن تسكن أرواحنا بسلام وأمان إلى جواره ؟ فلا تبكوا أو تحزنوا إذا حضرتم الإسبوع القادم وقالوا لكم أبونا جون مات ..لقد كانت مصادفة ذات مغزى في تقديري أنّ ذلك الأب كان يتحدث ويضرب المثل بنفسه, ليتوفى في نفس اليوم . وبقيت كلماته تلك مؤثرة حتى الآن .
ودينق الذي يقف رأسه في وضع مستقيم ؛برزق الله , كان تأثيره متعديا لحدود ضيّقة , لقد وضح أنّه يمثل روح وطن إنساني كبير جدا , ذابت في لحظات وفاته أي سمات تميّز بين هذا أو ذاك من الناس وانهمرت المشاعر الصادقة في التعبير عن فداحة الفقد و ولعل روحه الآن ترقد بسلام في رحاب الرب الخالق الأحد , وفي مقام أفضل من أي مقام في دنيا الناس.
حضور دينق في موته جعلني أفكّر من زاوية أخرى في حجم ما يضيع على الناس نتيجة جهلهم بالآخر أو تصنيفه مسبقا بأي صفة لاحقة لجوهره كإنسان . أعني هنا مباشرة , لو أنّ دينق بكل خلاله وسجاياه التي عرفها عنه من عرفه لاحقا كان قد توفي قبل إتفاقية السلام الشامل , عندما كان أعضاء وعناصر الحركة الشعبية وربما كلّ الجنوبيين تلحقهم الدمغة المقيتة من خائن وعميل وصهيوني وكافر صليبي على مستوى الخطاب الإعلامي والرسمي , ونعوت التحقير في الثقافة الشعبية السائدة في معظم أرجاء الشمال وأواسط السودان تُرى هل كان أيّا منها ينطبق عليه حقّا ؟ الإجابة الصحيحة في تقديري , أنّ تلك الصفات الذميمة إنما مجرد هُراء والدليل أنّ دينق قوج وربما مئات الآلاف أو الملايين ممن دمغوا بها إتضح في الحقيقة أنّهم من ذوي القيم الرفيعة . فهل نفكّر الآن فيمن لا نعرف قبل دمغهم جملة واحدة بما ليس فيهم ؟ تُرى كم نظلم الآخر لمجرد جهلنا به .
إنّ الوفاء لروح دينق قوج والحرص على بقاء تأثيره مستمرا في الحياة تجعلنا أكثر تمسّكا لنشر وممارسة ما كرّس له حياته القصيرة العامرة من قيم الخير والنقاء والصدق والشهامة والوفاء , نشر روح المحبّة والتسامح ولجم خطاب الكراهية والعداء للآخر المختلف . هذا هو سبيل الشفاء مما نعانيه من شقاء .ولروح صديقنا وزميلنا الراحل صادق الدعوات بالرحمة والمغفرة , لأسرته وجميع من عرفه خالص العزاء

الوسومخالد فضل

مقالات مشابهة

  • سامية سامي خلال إعلان قرعة الحج السياحي: تطوير ضوابط الحج اتساقا مع سبل تنفيذ البرامج
  • سامي الجميل: لدينا فرصة تاريخية لانتخاب رئيس بلا وصاية
  • بعد تكريمه..تامر حسني يوجه رسالة لـ محمد سامي
  • كووج إيْ نُومْ أو رحيل الحضور لدينق قوج
  • «الثقافة» تحتفل بذكرى ميلاد علي إسماعيل بحفل الفنان محمد سامي وفرقته
  • حريق مدمر في بوردور: شبهة جنائية وراء اشتعال 6 حافلات عامة وتحولها إلى رماد!
  • عفاف مصطفى تفجر مفاجأة: محمد سامي يتحول لنجم سينمائي قريبًا!
  • ماس محمد رحيم تكشف كواليس أول ميني ألبوم لها.. لحنه والدها قبل رحيله
  • بعد العثور على سيارته مُصابة بطلقات ناريّة في الجنوب... إليكم مصير الشاب مهدي
  • سامي الجميّل: لإقرار قانون اللامركزية وتحقيق إنماء متوازن على كامل الأراضي اللبنانية