الحروب في السودان تؤكد هشاشة التكوين القومي وعجز الحكومات عن الحسم
تاريخ النشر: 11th, June 2024 GMT
محمد الحمامصي
دراسة تعد من أهم الدراسات الحيوية حاضرًا ومستقبلنًا في فهم ما يحدث في المجتمع السوداني من صراعات لا تنتهي وتنذر بتفكك الدولة السودانية.
حرب مدمرة
تعد دراسة قضية الحروب الأهلية في السودان والموقف الإقليمي والدولي منها مدخلًا لفهم أبعاد الصراعات السودانية والمواقف الدولية منها وتحليلها، وكذلك فهم دوافع القوى الكبرى في السودان وأهدفها، ومن ثم فهم الإطار العام للصراع الدولي على أرض السودان، بالإضافة إلى تشخيص عوامل الضعف في البنيان السوداني التي تجذب إليها الصراعات الدولية، وهي الخطوة المهمة والأساسية على طريق تحديد أسلوب العلاج الذي يبعد السودان من دائرة الصراع الدولي وطبيعته ويقلل من فرص التدخل الأجنبي في شؤونه.
وهذه الدراسة “الحروب الأهلية في السودان والموقف الإقليمي والدولي منه 1955 – 2005” للباحثة سالي عبدالله دوبح، تعد من أهم الدراسات الحيوية حاضرًا ومستقبلنًا في فهم ما يحدث في المجتمع السوداني من صراعات لا تنتهي وتنذر بتفكك الدولة السودانية. حيث تسلط الضوء على موضوعات وأحداث تاريخية؛ اعتمدت على الوثائق البريطانية غير المنشورة في معرفة موقف بعض الشخصيات السودانية تجاه أحداث الحرب الأهلية الأولى، التي أوضحت كثيرًا من الحقائق. كما تناقش دور الرئيس السوداني عمر حسن البشير السياسي والعسكري في أحداث الحرب الأهلية الثانية منذ وصوله إلى السلطة في 1989 وحتى 2005، بالاعتماد على تقارير مسح الأسلحة، والبرامج الوثائقية التي كشفت كثيرًا من التسجيلات المسربة للرئيس البشير وأوضحت موقفه تجاه الحرب في الجنوب.
الدراسة تعد من أهم الدراسات في فهم ما يحدث في المجتمع السوداني من صراعات لا تنتهي وتنذر بتفكك الدولة السودانية
الدراسة تعد من أهم الدراسات في فهم ما يحدث في المجتمع السوداني من صراعات لا تنتهي وتنذر بتفكك الدولة السودانية
وتم اختيار زمن الدراسة في المدة الممتدة من 1955 إلى 2005، وهي المدة الزمنية التي حدثت فيها الحروب الأهلية في السودان وما تبعها من متغيرات في المواقف الإقليمية والدولية حتى 2005 الذي يشهد نهاية الحرب الأهلية الثانية بتوقيع اتفاق نيفاشا.
وتناولت دوبح بالتفصيل كل أحداث ومجريات هذه الفترة بدءا من الحرب الأهلية السودانية الأولى، وموقف القوى الإقليمية والدولية خلال الفترة الممتدة من 1955 وحتى 1972، حيث تطورت الأحداث السياسية في جنوب السودان بدءا من العصيان المسلح للفرقة الاستوائية في 18 أغسطس 1955، وما نتج عن ذلك من قتل للكثير من الشماليين، ثم أحداث الحرب منذ بداية يناير 1964 وحتى نهاية سبتمبر من العام 1964، والمتغيرات السياسية ما بعد انتفاضة أكتوبر 1964. وانتهاء باتفاق أديس أبابا وجهود التسوية السلمية وإعلان الرئيس جعفر النميري في 1969 إيقاف الحرب وتطرق إلى اتفاقية الحكم الذاتي الإقليمي التي أنهت الحرب في 1972.
ثم الحرب الأهلية الثانية في المدة الممتدة من 1983 وحتى 1988، وأوضاع السودان ما بعد اتفاق أديس أبابا في المدة الممتدة من 1973 إلى 1982، والأسباب التي أدت إلى تجدد الحرب الأهلية الثانية وفي مقدمتها القرارات التي أصدرها الرئيس جعفر النميري التي أسهمت في انهيار اتفاق أديس أبابا وكان نتيجة ذلك العصيان المسلح من قبل جنود الكتيبة 105 ورفض الجنوبيين تلك القرارات. وقد أدى ذلك إلى سقوط نظام الرئيس جعفر النميري فضًلا عن الصراعات السياسية بين النخب السودانية وسقوط العديد من المدن في يد الجيش الشعبي لتحرير السودان.
وتوقفت دوبح عند دور الرئيس السوداني عمر حسن البشير في الحرب السودانية منذ وصوله إلى السلطة في العام 1989 وحتى 2005؛ متناولة انقلابه ووصوله إلى سدة الحكم، حيث عمل نظامه على تجيير الدين في الحرب ضد الجنوبيين. كما ناقشت موقف القوى الإقليمية والدولية تجاه الحرب الأهلية الثانية في المدة الممتدة بين 1983 و2005.
وأكدت دوبح على هشاشة التكوين القومي في السودان وعجز الحكومات السودانية بعد الاستقلال عن حسم مشكلة الجنوب؛ إذ عملت حكومة إسماعيل الأزهري على تشكيل لجنة لكن تلك اللجنة لم يكن فيها تمثيل عدد الجنوبين كبيرا مقارنة بأعداد الشماليين، ورفضت مطالب الجنوبيين بالنظام الفيدرالي إلى جانب ذلك إعلان الحكومة بأن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، واللغة العربية هي اللغة الرسمية في السودان، الأمر الذي أسهم بشعور الجنوبيين بعدم الثقة. أما حكومة عبدالله خليل فعلى الرغم من السماح للجنوبيين بمشاركهم في الانتخابات في 1958 وحصول الجنوبيين على 37 مقعدًا؛ لكن الجنوبيين قدموا استقالاتهم نتيجة لمحاكمة العضو أزيوني بتهمة الفيدرالية والترويج لها، إلى جانب ذلك فشلت في إيقاف التصعيد الأمني في الجنوب.
حرب تستنزف كل الموارد
وإلى جانب ذلك؛ عانت حكومة عبدالله خليل من الصراعات الداخلية على السلطة. أما حكومة عبود فقد تعاملت مع الجنوبيين، وقد حظرت الأحزاب السياسية في جميع انحاء السودان ودعم الدعوة الإسلامية بالجنوب، وإنشاء المعاهد الدينية، وتعريب المناهج، وجعل اللغة العربية لغة التخاطب الرسمي في البلاد؛ الأمر الذي أدى إلى ازدياد أعمال العنف وظهور عدد من التنظيمات السياسية والعسكرية وكان من أبرزها الاتحاد الوطني السوداني – الأفريقي للمناطق المغلقة “الذي طالب باستقلال الجنوب في حالة رفض الاتحاد الفيدرالي”. إلى جانب ذلك ظهرت حركة أنيانا التي تكونت من الكوادر الذين شاركوا في العصيان المسلح.
وكشفت دوبح دور رئيس الوزراء الصادق المهدي أثناء الحرب الاهلية الأولى حيث عمل على تسليح الزعماء الموالين ومؤيديه، ومن ناحية أخرى كان عجز أطراف القتال، الجيش السوداني والفصائل الجنوبية وحركة أنيانيا، عن تحقيق الانتصار جاء لكي يعزز جهود الرئيس السوداني جعفر النميري وحل مشكلة جنوب السودان. فمثلت سياسته مرحلة جديدة تجاه الحكم الذاتي الإقليمي في إطار السودان الموحد، مع اعترافه بالفوارق الدينية والثقافية بين الشمال والجنوب.
ولفتت إلى أن العوامل الإقليمية مؤثرة مباشرة في حرب الجنوب السوداني وخاصة دول الجوار التي عملت على دعم حركة أنيانيا لاسيما أوغندا والكونغو وأريتريا وتشاد وإثيوبيا حيث كانت مراكز لنشاط حركة أنيانيا والفصائل الجنوبية أثناء الحرب الأولى، ومع تجدد الحرب الثانية عملت على تسليح ودعم الحركة الشعبية والجيش الشعبي وقوات التجمع الوطني المعارض ودعمهم الأمر الذي أدى إلى استمرار الحرب طوال خمسين عامًا.
نقلا عن العرب الدولية:
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: إلى جانب ذلک الممتدة من فی السودان
إقرأ أيضاً:
الإمارات.. رؤية شاملة لإنهاء الأزمة السودانية
أبوظبي (الاتحاد)
أوضح خبراء ومحللون أن دولة الإمارات تؤدي دوراً حيوياً ضمن الجهود الإقليمية والدولية لوقف الحرب الدائرة في السودان، مشيرين إلى أن التحركات الإماراتية تعكس رؤية شاملة لإنهاء الأزمة الإنسانية، وضمان وحدة السودان واستقراره، وذلك بالتنسيق الكامل مع منظمات المجتمع الدولي، وعلى رأسها الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة.
وشدد الخبراء والمحللون، في تصريحات لـ «الاتحاد»، على أهمية الدعم غير المحدود الذي تقدمه الإمارات للحلول السياسية التي تعكس إرادة الشعب السوداني، مستنكرين الادعاءات الباطلة والحملات الإعلامية التي تقودها القوات المسلحة السودانية لتشويه الدور الإنساني والدبلوماسي للدولة.
وأشاروا إلى أن الواقع يكشف عن تعنت واضح من جانب حكومة «بورتسودان» التابعة للقوات المسلحة السودانية، ورفضها لكل مبادرات السلام المطروحة، بما فيها مبادرات ترعاها أطراف دولية موثوقة.
جهود إماراتية
وفي الوقت الذي تتواصل فيه جهود الوساطة الدولية لإحياء مسارات السلام في السودان، والتي تعثرت في أكثر من مناسبة نتيجة غياب الإرادة السياسية من بعض الأطراف، تبرز الإمارات كواحدة من الدول المحورية التي جمعت بين الدعم الإنساني الفعال، والتحرك الدبلوماسي المستمر، والدعوة الدائمة للحوار.
وكانت الإمارات من أوائل الدول التي دعت إلى وقف فوري لإطلاق النار منذ اندلاع المواجهات، في أبريل 2023، وقدمت مساعدات غذائية وطبية عاجلة إلى عدة مناطق متضررة.
ويرى مراقبون، أن الفرصة لا تزال قائمة للوصول إلى تسوية سياسية، شرط أن تتخلى الأطراف المتصارعة عن منطق الحسم العسكري، وأن تنفتح على مقترحات الحل السياسي التي تدعمها القوى الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الإمارات التي لم تتوان عن تقديم كل دعم ممكن للسودانيين، بعيداً عن الأضواء أو المصالح الآنية.
تزييف الحقائق
واعتبر المحلل السياسي الكويتي، خالد العجمي، أن الادعاءات الباطلة التي تروجها القوات المسلحة السودانية ضد الإمارات تمثل محاولة لتزييف الحقائق والهروب من المسؤولية، مؤكداً أن الدولة لم تكن في يوم طرفاً في الأزمة السودانية، بل سعت، ولا تزال، إلى دفع أطراف النزاع نحو حل سياسي شامل يوقف الحرب، وينهي معاناة المدنيين.
وأوضح العجمي، في تصريح لـ«الاتحاد»، أنه بمتابعة جهود الإمارات، نجد أنها ركزت على ثلاثة مسارات متوازية، الأول إنساني، يتمثل في دعم مراكز الإيواء والمساعدات الغذائية والطبية للسودانيين، سواء داخل السودان أو في دول الجوار، والثاني دبلوماسي، من خلال التنسيق مع أطراف دولية، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، والثالث استراتيجي، يقوم على الحفاظ على وحدة السودان، ومنع تفككه أو تحوله إلى بؤرة صراع مزمن.
وأشار إلى أن محاولة تصوير الإمارات كطرف منحاز في الأزمة تهدف إلى تخريب فرص السلام، مؤكداً أن المجتمع الدولي يدرك جيداً طبيعة الأجندات التي تتحرك خلف هذه الاتهامات، ويعرف من يعرقل مسارات الحوار، ومن يقدم مبادرات واقعية لحل الأزمة.
التزام أخلاقي
من جانبه، قال الدكتور عماد الدين حسين بحر الدين، الباحث في الدراسات الاستراتيجية، إن موقف الإمارات ينطلق من التزام أخلاقي وإنساني، وهو امتداد لنهجها المعروف في دعم استقرار الدول العربية.
وأوضح حسين لـ «الاتحاد»، أن الإمارات لم تتدخل في الشأن السوداني لصالح طرف ضد آخر، بل تحركت ضمن مظلة دولية، وبشراكة مع قوى إقليمية ودولية لإيجاد مخرج سياسي يضع حداً للحرب التي قضت على أرواح آلاف السودانيين، وشردت الملايين، ودمرت البنية التحتية، ومزقت النسيج الاجتماعي.
وأشار إلى أن الحل في السودان لن يأتي من خلال التصعيد، بل من خلال العودة إلى طاولة المفاوضات، مؤكداً أن وحدة السودان أكبر من أي حسابات فئوية أو شخصية، موضحاً أن من يرفض الحلول السياسية، ويتهرب من التفاوض، لا يريد للسلام أن يتحقق، لأنه يعتبر استمرار الحرب ضماناً للنفوذ.
ودعا حسين إلى التركيز على هدف واحد فقط، وهو إنقاذ السودان من الانهيار الشامل، عبر دعم كل مبادرة صادقة تسعى للسلام، والتعامل بمسؤولية مع الواقع المعقد الذي تعيشه البلاد.