محمد الحمامصي
دراسة تعد من أهم الدراسات الحيوية حاضرًا ومستقبلنًا في فهم ما يحدث في المجتمع السوداني من صراعات لا تنتهي وتنذر بتفكك الدولة السودانية.

حرب مدمرة
تعد دراسة قضية الحروب الأهلية في السودان والموقف الإقليمي والدولي منها مدخلًا لفهم أبعاد الصراعات السودانية والمواقف الدولية منها وتحليلها، وكذلك فهم دوافع القوى الكبرى في السودان وأهدفها، ومن ثم فهم الإطار العام للصراع الدولي على أرض السودان، بالإضافة إلى تشخيص عوامل الضعف في البنيان السوداني التي تجذب إليها الصراعات الدولية، وهي الخطوة المهمة والأساسية على طريق تحديد أسلوب العلاج الذي يبعد السودان من دائرة الصراع الدولي وطبيعته ويقلل من فرص التدخل الأجنبي في شؤونه.



وهذه الدراسة “الحروب الأهلية في السودان والموقف الإقليمي والدولي منه 1955 – 2005” للباحثة سالي عبدالله دوبح، تعد من أهم الدراسات الحيوية حاضرًا ومستقبلنًا في فهم ما يحدث في المجتمع السوداني من صراعات لا تنتهي وتنذر بتفكك الدولة السودانية. حيث تسلط الضوء على موضوعات وأحداث تاريخية؛ اعتمدت على الوثائق البريطانية غير المنشورة في معرفة موقف بعض الشخصيات السودانية تجاه أحداث الحرب الأهلية الأولى، التي أوضحت كثيرًا من الحقائق. كما تناقش دور الرئيس السوداني عمر حسن البشير السياسي والعسكري في أحداث الحرب الأهلية الثانية منذ وصوله إلى السلطة في 1989 وحتى 2005، بالاعتماد على تقارير مسح الأسلحة، والبرامج الوثائقية التي كشفت كثيرًا من التسجيلات المسربة للرئيس البشير وأوضحت موقفه تجاه الحرب في الجنوب.

الدراسة تعد من أهم الدراسات في فهم ما يحدث في المجتمع السوداني من صراعات لا تنتهي وتنذر بتفكك الدولة السودانية
الدراسة تعد من أهم الدراسات في فهم ما يحدث في المجتمع السوداني من صراعات لا تنتهي وتنذر بتفكك الدولة السودانية
وتم اختيار زمن الدراسة في المدة الممتدة من 1955 إلى 2005، وهي المدة الزمنية التي حدثت فيها الحروب الأهلية في السودان وما تبعها من متغيرات في المواقف الإقليمية والدولية حتى 2005 الذي يشهد نهاية الحرب الأهلية الثانية بتوقيع اتفاق نيفاشا.

وتناولت دوبح بالتفصيل كل أحداث ومجريات هذه الفترة بدءا من الحرب الأهلية السودانية الأولى، وموقف القوى الإقليمية والدولية خلال الفترة الممتدة من 1955 وحتى 1972، حيث تطورت الأحداث السياسية في جنوب السودان بدءا من العصيان المسلح للفرقة الاستوائية في 18 أغسطس 1955، وما نتج عن ذلك من قتل للكثير من الشماليين، ثم أحداث الحرب منذ بداية يناير 1964 وحتى نهاية سبتمبر من العام 1964، والمتغيرات السياسية ما بعد انتفاضة أكتوبر 1964. وانتهاء باتفاق أديس أبابا وجهود التسوية السلمية وإعلان الرئيس جعفر النميري في 1969 إيقاف الحرب وتطرق إلى اتفاقية الحكم الذاتي الإقليمي التي أنهت الحرب في 1972.

ثم الحرب الأهلية الثانية في المدة الممتدة من 1983 وحتى 1988، وأوضاع السودان ما بعد اتفاق أديس أبابا في المدة الممتدة من 1973 إلى 1982، والأسباب التي أدت إلى تجدد الحرب الأهلية الثانية وفي مقدمتها القرارات التي أصدرها الرئيس جعفر النميري التي أسهمت في انهيار اتفاق أديس أبابا وكان نتيجة ذلك العصيان المسلح من قبل جنود الكتيبة 105 ورفض الجنوبيين تلك القرارات. وقد أدى ذلك إلى سقوط نظام الرئيس جعفر النميري فضًلا عن الصراعات السياسية بين النخب السودانية وسقوط العديد من المدن في يد الجيش الشعبي لتحرير السودان.

وتوقفت دوبح عند دور الرئيس السوداني عمر حسن البشير في الحرب السودانية منذ وصوله إلى السلطة في العام 1989 وحتى 2005؛ متناولة انقلابه ووصوله إلى سدة الحكم، حيث عمل نظامه على تجيير الدين في الحرب ضد الجنوبيين. كما ناقشت موقف القوى الإقليمية والدولية تجاه الحرب الأهلية الثانية في المدة الممتدة بين 1983 و2005.

وأكدت دوبح على هشاشة التكوين القومي في السودان وعجز الحكومات السودانية بعد الاستقلال عن حسم مشكلة الجنوب؛ إذ عملت حكومة إسماعيل الأزهري على تشكيل لجنة لكن تلك اللجنة لم يكن فيها تمثيل عدد الجنوبين كبيرا مقارنة بأعداد الشماليين، ورفضت مطالب الجنوبيين بالنظام الفيدرالي إلى جانب ذلك إعلان الحكومة بأن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، واللغة العربية هي اللغة الرسمية في السودان، الأمر الذي أسهم بشعور الجنوبيين بعدم الثقة. أما حكومة عبدالله خليل فعلى الرغم من السماح للجنوبيين بمشاركهم في الانتخابات في 1958 وحصول الجنوبيين على 37 مقعدًا؛ لكن الجنوبيين قدموا استقالاتهم نتيجة لمحاكمة العضو أزيوني بتهمة الفيدرالية والترويج لها، إلى جانب ذلك فشلت في إيقاف التصعيد الأمني في الجنوب.

حرب تستنزف كل الموارد

وإلى جانب ذلك؛ عانت حكومة عبدالله خليل من الصراعات الداخلية على السلطة. أما حكومة عبود فقد تعاملت مع الجنوبيين، وقد حظرت الأحزاب السياسية في جميع انحاء السودان ودعم الدعوة الإسلامية بالجنوب، وإنشاء المعاهد الدينية، وتعريب المناهج، وجعل اللغة العربية لغة التخاطب الرسمي في البلاد؛ الأمر الذي أدى إلى ازدياد أعمال العنف وظهور عدد من التنظيمات السياسية والعسكرية وكان من أبرزها الاتحاد الوطني السوداني – الأفريقي للمناطق المغلقة “الذي طالب باستقلال الجنوب في حالة رفض الاتحاد الفيدرالي”. إلى جانب ذلك ظهرت حركة أنيانا التي تكونت من الكوادر الذين شاركوا في العصيان المسلح.

وكشفت دوبح دور رئيس الوزراء الصادق المهدي أثناء الحرب الاهلية الأولى حيث عمل على تسليح الزعماء الموالين ومؤيديه، ومن ناحية أخرى كان عجز أطراف القتال، الجيش السوداني والفصائل الجنوبية وحركة أنيانيا، عن تحقيق الانتصار جاء لكي يعزز جهود الرئيس السوداني جعفر النميري وحل مشكلة جنوب السودان. فمثلت سياسته مرحلة جديدة تجاه الحكم الذاتي الإقليمي في إطار السودان الموحد، مع اعترافه بالفوارق الدينية والثقافية بين الشمال والجنوب.

ولفتت إلى أن العوامل الإقليمية مؤثرة مباشرة في حرب الجنوب السوداني وخاصة دول الجوار التي عملت على دعم حركة أنيانيا لاسيما أوغندا والكونغو وأريتريا وتشاد وإثيوبيا حيث كانت مراكز لنشاط حركة أنيانيا والفصائل الجنوبية أثناء الحرب الأولى، ومع تجدد الحرب الثانية عملت على تسليح ودعم الحركة الشعبية والجيش الشعبي وقوات التجمع الوطني المعارض ودعمهم الأمر الذي أدى إلى استمرار الحرب طوال خمسين عامًا.

نقلا عن العرب الدولية:  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: إلى جانب ذلک الممتدة من فی السودان

إقرأ أيضاً:

التلغراف: لهذا السبب فات الأوان لوقف الحرب العالمية الثالثة

نشرت صحيفة "التلغراف" البريطانية تقريرًا تحدثت فيه عن سبب فوات الأوان لوقف الحرب العالمية الثالثة، وذلك وفقا لأحد كبار المؤرخين العسكريين البريطانيين.

وقال الصحيفة، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن التنبؤ بحروب المستقبل من الممكن أن يؤدي إلى إنتاج أوهام خطيرة تعمل على تعزيز القلق بشأن أمن المستقبل، ومن المرجح أن حتى التشخيص الأكثر منطقية يكون خاطئا.

ووفق الصحيفة؛ فقد أدى تطوير الأسلحة النووية إلى تغيير كبير في شروط أي صراع عالمي مستقبلي؛ فلا شك أن هناك خطط طوارئ أعدتها القوات المسلحة في كل مكان لمواجهة مجموعة من الاحتمالات التي كان يمكن اعتبارها خيالية في العالم الحقيقي، ورغم أن التاريخ قد يساعدنا على التفكير في شكل الحرب المستقبلية، إلا أننا نادرا ما نتعلم دروس التاريخ.

ومع ذلك؛ فإن السؤال حول الكيفية التي قد تندلع بها حرب عالمية ثالثة يطاردنا اليوم أكثر من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب العالمية الأخيرة. إن مجرد التخمين هو دليل على توقعاتنا بأن الحرب من نوع ما تظل حقيقة في عالم يتسم بعدم الأمان المتعدد. وتشكل الصراعات في أوكرانيا وغزة وميانمار والسودان تذكيرًا بهذا الواقع الحاضر دائمًا. وتشير التهديدات المنتظمة من جانب روسيا بشأن استخدام الأسلحة النووية إلى أن خيالاتنا قد لا تكون بعيدة كل البعد عن الواقع.

وفي محاولتنا التنبؤ باندلاع حرب مستقبلية، ربما ينبغي لنا أن نطرح سؤالاً آخر: لماذا نشن الحرب في الأساس؟ لقد كانت الحرب سمة مميزة للتاريخ المسجل بأكمله تقريبًا، وقد سبق العنف الحربي إنشاء الدول الأولى. ويظل السؤال الأساسي المطروح هو السبب وراء تطوير البشر للنزعة القتالية إلى جانب قدرتهم على التعاون الاجتماعي.



إنه اللغز الذي تصارعت معه العلوم الإنسانية طوال معظم القرنين العشرين والحادي والعشرين. وبالنسبة لعلماء الأحياء التطورية وعلماء النفس، كانت الحرب وسيلة للإنسان المبكر لضمان البقاء وحماية الأقارب والتعامل مع الأزمات البيئية.

وبينت الصحيفة أن أي عالم أحياء بشري ليس لديه شك حاليًّا في أن العنف موجود في جيناتنا، ولكن من شبه المؤكد أن أشباه البشر الأوائل، المنظمين في مجموعات صغيرة من الصيادين وجامعي الثمار أو الصيادين، استخدموا العنف للحماية من المتسللين، وتأمين الموارد والغذاء، وفي بعض الأحيان للعمل كحيوانات مفترسة في المجتمعات المجاورة. إن اللجوء إلى العنف كأحد عناصر أدوات البقاء للإنسان المبكر أصبح معياريًا نفسيًا، فضلًا عن أنه مفيد بيولوجيًا. وفي هذه القراءة، يعتبر القتال أمرًا متأصلًا بعمق في التنمية البشرية.

ومع ذلك، فإن هذا الرأي يتحدى العلوم الأخرى، التي ترى أن الحرب ظاهرة مرتبطة بتطور الثقافات المستقرة والأنظمة السياسية، سواء كانت قبيلة أو دولة أولية أو دولة؛ فلم تكن الحرب مثل الحرب الحديثة، حيث كانت منظمة في جيوش جماعية ومزودة بالصناعات العسكرية، ولكنها اتخذت أشكالًا متنوعة، تشمل غارة مميتة، أو مواجهة طقسية، أو مذبحة، مثل عمليات القتل في ناتاروك، التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع قبل الميلاد.

وذكرت الصحيفة أنه من الواضح أنه لم يكن من الضروري أن تكون هناك دولة للانخراط في العنف، كما أظهرت الحرب القبلية في مئات السنين القليلة الماضية، لكن الحرب تعني ظهور نخبة محاربة وثقافة يتم فيها تقدير الحرب وتأييدها. لقد كان هناك عدد قليل جدًا من الثقافات التي لم تلعب فيها الحرب دورًا، وعادةً ما تكون دورًا مركزيًا، في حياة المجتمع.

وأفادت الصحيفة بأن الحروب تُشن دائمًا من أجل شيء ما، سواء كان ذلك إرضاء الآلهة عن طريق أسر الأسرى لإعدامهم أو التضحية بهم، أو طمعًا في الموارد، أو الحروب من أجل المعتقد، أو فرض السلطة على الآخرين، أو البحث عن مزيد من الأمن، أو مجرد حرب دفاع ضد حيوان مفترس. وقد ظل هذا المزيج من الدوافع ثابتًا بشكل ملحوظ.



وحسب الصحيفة؛ يعد الاستيلاء على الموارد دافعًا واضحًا للحرب، وهو تفسير يمتد من الرومان القدماء عندما دمروا مدن العدو واستولوا على العبيد والكنوز ودفعوا الجزية، إلى القوات اليابانية في سنة 1942 عندما استولت على النفط والمواد الخام في جنوب شرق آسيا اللازمة لشن المزيد من الحروب.

وتمتد الحروب العقائدية لآلاف السنين؛ بدءًا من الفتوحات الإسلامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أوائل العصور الوسطى، وعصر الحروب الصليبية المسيحية التي أعقبت ذلك، إلى حملات الجهاد الحالية للإسلام المتشدد.

ونقلت الصحيفة عن توماس هوبز قوله في كتابه الطاغوت سنة 1651، إن الأمن معرض للخطر دائمًا في عالم فوضوي حيث لا توجد قوة مشتركة واحدة لفرضه. وتشكل الحدود أساس المخاوف الأمنية وانعدام الثقة، كما تظهر الحربان في أوكرانيا وغزة اليوم. لكن الحدود الصينية الطويلة مع البدو الرحل على السهوب والحدود الشاسعة للإمبراطورية الرومانية المتأخرة كانت أيضًا مواقع لانتهاكات مستمرة ومعارك دفاعية وحملات عقابية.

وربما يكون السعي إلى السلطة هو التفسير الأكثر شيوعا للحرب، وهو التفسير الذي يحظى بشعبية خاصة بين علماء السياسة وعلماء الاجتماع. وترى نظرية انتقال القوة؛ التي ظهرت لأول مرة في ذروة الحرب الباردة، سباقًا مستمرًّا بين القوى المهيمنة الكبرى حيث تحاول إحداهما تجاوز قوة الأخرى. ويقال إن السباق قد ينتهي بالحرب حيث تسعى قوة متراجعة إلى حماية موقعها، أو تسعى قوة صاعدة إلى الحلول محلها.

وأفادت الصحيفة أنه في وقت من الأوقات، تم تطبيق النظرية على الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، لكنهما لم يشنا أبدًا الحرب ضد بعضهما البعض؛ والآن يتم تطبيقه على الحرب المحتملة بين الولايات المتحدة والصين، والتي أصبحت السيناريو المفضل لأولئك الذين يتوقعون صراع القرن الحادي والعشرين. ومع ذلك، تعمل هذه النظرية بشكل سيئ. لقد بدأت الحربان العالميتان بمهاجمة قوة كبرى لقوة أقل أهمية، ومن ثم قامت بجر قوى أخرى إلى هذه الدوامة. وقد يحدث هذا بالفعل مع تايوان، كما يحدث بالفعل مع أوكرانيا.

وتنجح القوة في تفسير ذلك عندما يتحول التاريخ إلى الأفراد الذين دفعوا أنفسهم ليصبحوا الغزاة العظماء، والرجال الذين حشدوا الدعم من شعوبهم لغزو غير محدود. ولكن طالما أنهم يقودون، وهناك أشخاص على استعداد لاتباعهم، فإن الحرب غير محدودة ومدمرة على نطاق واسع. وهذا هو التفسير الأكثر خطورة والذي لا يمكن التنبؤ به لاستمرار الحرب، وهو يغطي السجل التاريخي بأكمله، وهو واحد من المؤشرات الأكيدة على أن الحرب لا يزال لها مستقبل وكذلك ماض طويل.

واختتمت الصحيفة التقرير بالقول إن حروب المستقبل تعتمد على تراث قاتم. وهذا التراث هو السبب الرئيسي الذي يجعل من الممكن تصور حرب مستقبلية.  والحقيقة المحزنة هي أن فهمنا لأسباب حدوث الحروب لم يسهم حتى الآن إلا قليلاً في تجنب الحرب باعتبارها عنصرا دائما في الشؤون الإنسانية.

مقالات مشابهة

  • السودان: إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه
  • دعونا نضع حداً لحرب الضعفاء هذه: الجزء الأول
  • السودان: إنقاذ ما لم يمكن إنقاذه
  • حرب السودان في عامها الثاني.. مفترق طرق
  • عادل الباز: تهديدات.. مستمرة ومسمومة
  • الأمة يعلّق على استراتيجية السعودية تّجاه السودان
  • الحكومة تؤكد تقليص مدة دراسة الطب إلى ست سنوات وإدماج الذكاء الإصطناعي في التكوين
  • التلغراف: لهذا السبب فات الأوان لوقف الحرب العالمية الثالثة
  • وثائق سرية تكشف عن تجنيد الإمارات لمرتزقة يمنيين لمساندة قوات الدعم السريع في السودان
  • الحسمُ في بنود الصفقة فلاحٌ والتفاوضُ عليها ضياعٌ