يوسف ضياء الخالدي.. مؤسس بلدية القدس
تاريخ النشر: 11th, June 2024 GMT
يوسف ضياء الدين الخالدي (1842 – 1906)، واحد من رجالات فلسطين المقدسيين البارزين الذين قاموا بدور مهم في الحياة السياسية والدستورية في فلسطين والدولة العثمانية.
تدرّج يوسف الخالدي في مناصب سياسية بالدولة العثمانية وتولى رئاسة بلدية القدس من 1876 إلى 1873، ثم عين نائبًا عنها لدى مجلس المبعوثان (البرلمان العثماني) قبل أن يعيّن قنصلا عثمانيا في مدينة "بوتي" الروسية.
ولد يوسف ضياء الدين الخالدي في القدس عام 1842 لعائلة مرموقة، وكان والده محمد علي قاضيا في مرعش وأرضروم إبان الحكم العثماني، أما جده لأمه موسى الخالدي فقد كان قاضي عسكر الأناضول.
تزوج يوسف الخالدي لكنه لم ينجب، وهو واحدٌ من العشرات من أبناء العائلة الخالدية، الذين أثْروا الحضارة مع أقرانه وإخوانه وأبنائهم من هذه العائلة.
وأنجبت العائلة الخالدية طائفة من رجالات الدين والعلم والأدب والصحافة والسياسة، أمثال روحي ياسين الخالدي (1864-1913)، رائد البحث التاريخي الحديث، والشيخ راغب نعمان الخالدي (1858 -1951) مؤسس المكتبة الخالدية، والصحفي الأديب جميل الخالدي (1876-1952) وهو من رواد الصحافة الفلسطينية، وغيرهم.
تلقى يوسف ضياء الدين الخالدي تعليمه الأول في "المدرسة الفخرية" بالقدس، وكان يريد متابعة الدراسة في جامع الأزهر، إلا أن والده رتّب له الدراسة في الكلية البروتستانتية في جزيرة مالطا، وبقيت هناك سنتان درس فيهما الحساب واللغات اليونانية والفرنسية والإنجليزية.
في عام 1859 عمل متدربا في المحكمة الشرعية في القدس، ثم سافر بعدها إلى إسطنبول لدراسة الطب، لكنها لم تستهوه فتركها بعد سنتين، والتحق بكلية روبرت الأميركية هناك لدراسة الهندسة، إلا أنه لم يتمها بسبب وفاة والده وعودته إلى القدس عام 1867.
وقد شاهد في الأستانة (إسطنبول) افتتاح المدارس الحديثة ونمو حركة الإصلاح، فحاول تطبيق ذلك في القدس. ونجح سنة 1867 – 1868 بمساعدة راشد باشا والي سوريا في إنشاء أول مدرسة رشيدية بالقدس بعد جهود كبيرة، ولكن خاب أمله لأنه لم يتعين مديرا للمدرسة التي تسلم زمامها تركي جيء به من إسطنبول.
أقام الخالدي في فيينا ودرس اللغة العربية في مدرسة اللغات الشرقية فيها. وهو أول من عني بتحقيق ديوان لبيد وطبعه في فيينا عام 1880، وتولى إدارة مقاطعة وطكي في ولاية تبليس الكردية، وألّف كتابا في قواعد اللغة الكردية.
واضع أول قاموس كردي-عربيعُيّن مترجمًا في الخارجية بإسطنبول، إذ كان يتقن العربية والتركية واللاتينية والإنجليزية والفرنسية، وكذلك الكردية التي تعلمها في الفترة بين عامي 1887 و1893.
ويوسف الخالدي هو واضع أول معجم كردي-عربي بعنوان" الهدية الحميدية"، نُشر عام 1893 في إسطنبول، ويضم 5425 كلمة، ويتضمن مقدمة حول بنية اللغة الكردية، وخصائصها وقواعدها، وهناك نسختان أصليتان من القاموس، واحدة لدى عائلته والأخرى لدى مكتبة "بايزيد" في إسطنبول.
كان يوسف الخالدي من العاملين على إنشاء "المكتبة الخالدية" في القدس، وهي أول دار كتب عربية من نوعها أنشئت في بيت المقدس.
الوظائف والمسؤولياتعرض على يوسف ضياء الخالدي منصب رئيس بلدية القدس فقبله وتقلده مدة 6 سنوات، فنفذت في عهده مشاريع عديدة لتطوير المدينة مثل إنشاء الشوارع وإصلاحها وصيانتها، ومد شبكة المجاري وتعبيد طريق صالحة لسير العربات بين القدس ويافا بالتعاون مع متصرف القدس.
ولكنه اختلف مع كامل باشا متصرف القدس الجديد، وبتدخُّل من والي سوريا عزل عن منصبه.
في بداية سنة 1874 تم تعيين صديقه راشد باشا من حزب الإصلاح وزيرا للخارجية، فدعاه إلى الأستانة كي يعمل ترجمانا في الباب العالي (مقر الصدر الأعظم وكان بمثابة رئيس الوزراء)، وعمل في وظيفته تلك 6 أشهر.
كان الخالدي أحد نواب فلسطين في البرلمان العثماني، وتميز بمواقفه المعارضة لسلبيات الحكم العثماني ومخالفاته الدستورية.
فقد طالب بمحاكمة الصدر الأعظم وقادة الجيوش الذين قصروا في واجباتهم. وتزعم جبهة من النواب المعارضين أثارت بتقاريرها وخطب أفرادها غضب السلطان عبد الحميد الثاني، فعمد إلى حل المجلس وأمر بنفي 10 نواب من المعارضة خارج الأستانة، وكان من بينهم يوسف ضياء الخالدي.
لم يقتصر نشاط الخالدي على معارضة الأوضاع العثمانية، بل كان رائدا من رواد اليقظة الفلسطينية ومعارضا فعالا للحركة الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين.
فقد أرسل إلى حاخام فرنسا صادوق كاهن عام 1899 رسالة مطولة أكد له فيها أن فلسطين جزء لا ينفصل عن جسم الدولة العثمانية، وأن الهجرة اليهودية خطر يهدد مصير شعب فلسطين، وأن على اليهود التفتيش عن مكان آخر سواها.
ومن الجدير بالذكر أن زعيم الحركة الصهيونية تيودور هرتزل بادر إلى الرد على الخالدي برسالة كتبها في 19 مارس/آذار 1899 وقال فيها إنه لا خوف من الهجرة، واعتبر أن "اليهود أصدقاء تركيا"، وأن الصهيونية لا تحمل مشاعر العداء للحكومة العثمانية بل ترغب في إيجاد موارد جديدة لها عن طريق الهجرة.
ولم يكن لهذه الرسالة من أثر في موقف الخالدي، فقد ظل على معارضته للهجرة الصهيونية إلى فلسطين.
وفاتهتوفي يوسف ضياء الخالدي عام 1906 في العاصمة العثمانية إسطنبول، وقد ظل حتى آخر أيامه مراقبا تحت عيون السلطان عبد الحميد، وظل يدعو إلى حركة الدستور والإصلاح التي نشأت معه وآمن بها حتى آخر أيامه.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
البرفيسور عبد اللطيف البوني: من ضياء إلى دقلو
بدأتُ الكتابة الصحفية في مايو 1985، أي في أجواء ثورة أبريل، تلك الثورة التي جاءت لإزالة حكم نميري. وقد شاركتُ فيها من موقعي كمواطن عادي يتظاهر، ويضرب عن العمل، ويرشق بالطوب إذا اقتضى الأمر.
ولكن، لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ، لما شاركتُ فيها، إذ أرى الآن أن هذه الثورات هي التي أهلكت السودان، منذ الثورة المهدية وحتى يومنا هذا.
بالطبع، هذا لا يعني أنني ضد التغيير وضرورة إزالة أي وضع سيئ، لكنني أرى أن طريق الإصلاح هو الأنسب للتغيير، لأن الثورة كلفتها عالية.
يمكنني أن أُصنّف نفسي إصلاحيًا، ولستُ ثوريًا، وهذه قناعة ذاتية لا تقلل من احترامي للذين يرون أن “طريق الثورة هُدى الأحرار”، كما غنّى محمد الأمين لهاشم صديق، رحمهما الله، فقد عطّرا حياتنا بإبداع لا أجمل منه.
استمررتُ في الكتابة الصحفية، الراتبة وشبه الراتبة، في عهد سوار الذهب/الجزولي الانتقالي، ثم سنوات الصادق المهدي الحزبية، وطوال عشريات الإنقاذ الثلاث، وعهد البرهان، ثم مرحلة البرهان/حميدتي/حمدوك.
وتوقفتُ عن الكتابة تمامًا في مارس 2021، أي في عهد البرهان/حميدتي/حمدوك، ثم أصبح التوقّف إجباريًا بعد أن كان اختياريًا، وذلك بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023.
بعد التوقف، عدتُ إلى الحواشة التي ورثتُها عن الوالد، فأصبحتُ مزارعًا محترفًا، بعد أن كنتُ أتعامل معها مجبرًا في الطفولة، وهاويًا بعد التخرّج، ثم مراقبًا بعد وفاة الوالد في 2013، رحمه الله رحمة واسعة.
أما عودتي الأخيرة للحواشة، فقد كانت مختلفة؛ إذ أدمنتها وأحببتها كما أحبها الوالد، والأهم أنني طوّرت اهتمامي الأكاديمي والإعلامي بمشروع الجزيرة، فالتجربة العملية علّمتني ما لم أكن أعلم.
في تلك الأيام “الحواشية”، زارني في القرية الصديق العزيز ضياء الدين بلال، الذي كان قادمًا من قطر في أول إجازة له. ولضياء الدين حاسّة صحفية متقدة، وقدرة عالية على تحويل كل ما تقع عليه حواسه إلى عمل إعلامي متقن.
فلا شك أنه لاحظ هيئة المنزل المتغيرة، حيث كانت جولات المحاصيل المختلفة، المرفوعة في اللساتك والمغطاة بالمشمع، تحتل صدر الحوش، والكارو عند الباب، وحاجات تانية “حامياني”.
أخرج ضياء جواله الذكي، وثبّت كاميرته، وأوقفني أمام المحاصيل، وسألني سؤالًا مباشرًا: إلى ماذا وصلتَ في تجربتك الجديدة؟
رغم أنه فاجأني، أجبته بما جاد به الذهن، وبثّ ضياء ذلك الفيديو في صفحته الواسعة الانتشار، فأقام ذلك الفيديو الدنيا، بعد أن ظننتُ أنني أصبحت خارج ذاكرة الناس.
بذل ضياء جهدًا مقدّرًا لإقناعي، وإقناع الأستاذ عمار فتحي شيلا، مدير قناة النيل الأزرق، بعودة برنامج “سبت أخضر” الذي كنتُ أقدّمه، لكن “الدعامة” كانوا أسرع!
لقد قلتُ لضياء إنني توصلتُ إلى وعيٍ بالمشروع، لو قرأتُ مجلدات، لما وصلتُ إليه. ومن تجربتي الخاصة، أرى أنه يمكن مضاعفة العائد من المشروع، في ظل أوضاعه الحالية، شريطة أن يُغيّر المزارع فهمه وعلاقته بالحواشة.
وقلتُ: مثلما اختفى المفتش أو كاد، يجب أن يختفي “مندوب المزارعين”، فكلاهما أقعد بالمشروع. وهذا لا يعني الاستغناء عن الزراعيين، بل إن المشروع بحاجة إلى عشرات الآلاف من الزراعيين، إن لم نقل مئات الآلاف، بمعدل خبير زراعي – وليس مفتش – لكل ألف فدان. وساعتها، ستكون نسبة الدخول إلى كليات الزراعة أعلى من كليات الطب.
قمتُ بتخطيط ذهني لتقديم ما توصلتُ إليه، وناقشتُ بعض المزارعين والمهتمين فيما وصلتُ إليه، وقررتُ إقامة جلسة تفاكرية لبعض الذين أثق في معرفتهم، لتقويم أو تصحيح أو حتى رفض الرؤية التي توصلتُ إليها.
وبينما كنتُ في تلك الحالة من “اللملمة الذهنية”، اندلعت الحرب الحالية، فحدث ما حدث، وأصبحنا في أنفسنا المجروحة، وقريتنا المنكوبة، ووطننا الكبير المغدور…
ألم أقل لكم إن هذه الحرب، بإصرارها غير المرئي، لا تُعدّ ولا تُحصى؟
البرفيسور عبد اللطيف البوني
إنضم لقناة النيلين على واتساب