ثريا عبدالجواد مقرر مساعد «العدالة الاجتماعية» بالحوار الوطنى لـ«المصري اليوم»: تحقيق العدالة الاجتماعية جزء من مشروع الدولة
تاريخ النشر: 5th, August 2023 GMT
أكدت الدكتورة ثريا عبدالجواد، مقرر مساعد لجنة العدالة الاجتماعية بالحوار الوطنى، أهمية تطوير برامج واستراتيجيات الحماية الاجتماعية في مصر إلى صورة تشريعات تكون ملزمة لكل مؤسسات الدولة بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، لافتة إلى أن الحماية الاجتماعية إجراء تتخذه الدول والحكومات لحماية الطبقات الضعيفة.
أخبار متعلقة
مقرر المحور الاقتصادي بالحوار الوطني: العدالة الاجتماعية هي تحقيق التوازن بين «بتوع الساحل» و«المُهمشين»
مقرر لجنة الصناعة بالحوار الوطني: العدالة الاجتماعية حق لكل المصريين
الحوار الوطني..طلعت عبد القوي يوصي باستراتيجية وطنية للعدالة الاجتماعية
وأضافت في حوار لـ«المصرى اليوم»، أن تكافؤ الفرص والحماية الاجتماعية موضوعات مكملة للعدالة الاجتماعية، مشددة على أن المساواة خطوة هامة وضرورية للوصول إلى فرص متكافئة لجميع الأفراد على حد سواء ودون تمييز.. وإلى نص الحوار:
■ برأيك كيف يمكن تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص؟
- في لجنة العدالة الاجتماعية وضعنا جملة من الموضوعات التي لو تم تناولها بشكل مفصل ودقيق نتوصل إلى أسباب غياب العدالة الاجتماعية من المجتمع، مثل الحماية الاجتماعية والفرق بينها وبين العدالة الاجتماعية، ولكننا ركزنا على القضايا التي تدور حولها مسائل يمكن من خلال معالجتها أو بيان أوجه النقص فيها تحقيق شىء من العدالة، لأنه لا يوجد مجتمع يحقق العدالة بشكلها الكامل، فالعدالة كما نقول دائما في مجتمعاتنا «فريضة بائنة».
■ ما العلاقة بين تكافؤ الفرص والحماية الاجتماعية؟
- بالنسبة لتكافؤ الفرص والحماية الاجتماعية هما موضوعات مكملة للعدالة الاجتماعية، وإذا تحدثنا عن الفرق بين الثلاثة مفاهيم التي ناقشتها اللجنة المساواة والعدل وتكافؤ الفرص، نستطيع القول بأن المساواة تضمن تحقيق تكافؤ الفرص، فإذا كانت هناك مساواة بين الجميع في الفرص الاجتماعية وأقصد بها إتاحة الفرص التي يستحقها الإنسان كفرص العمل والتعليم والدخل والسكن والعلاج، والتى هي بمثابة حقوق تقتضى تحقيق العدالة أن يكون هناك مساواة تضمن تكافؤ الفرص، بمعنى أن يكون هناك فرصة متكافئة للجميع للحصول على الحقوق، والعدل يقتضى تحقق الحياد والإنصاف في توزيع الفرص.
كما أن الإخلال والتمييز بين الناس في الفرص الاجتماعية يؤدى إلى مظاهر عدم العدالة الاجتماعية، فحينما يكون التعليم بمصروفات باهظة معناه أننا نقتصر التعليم على كل من يمتلك مقدرة مادية جيدة، ويجب أن يكون معلوما أن الفرص التعليمية الجيدة تؤهل لدخل جيد ووظيفة جيدة ولارتقاء اجتماعى جيد ومكانة اجتماعية جيدة، لذلك لابد من توفير الشروط والضوابط اللازمة للحصول على فرصة.
■ هل يمكن توضيح الفرق بين برامج الحماية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية؟
- الحماية الاجتماعية إجراء تتخذه جميع الدول والحكومات لحماية الطبقات الضعيفة في المجتمع وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، ذلك أن الأمم المتحدة أصدرت معاهدات ومواثيق دولية لتحقيق الحماية الاجتماعية لكل الفئات وأن كثيرا منها يوقع عليها من كل دول العالم إيمانا بضرورة عدالة الفرص الاجتماعية، فالمناقشات داخل اللجنة أوضحت أهمية وضرورة تطوير الحماية الاجتماعية لدينا.
لجنة الاسرة بالحوار الوطني
وفقا للتطور في مفهوم الحماية الاجتماعية، وأن قصر الحماية الاجتماعية على منح المعونات أو الإعانات، أو مساعدات أو مكافآت كما حدث مع العمالة غير المنتظمة أثناء جائحة كورونا هذه إجراءات تسهل وتضمن العيش، ولكن في النهاية إجراءات الحماية تستلزم أكثر من المعاونات وأكثر من الجانب الخيرى للحماية، فإجراءات الحماية في كثير من الدول تستلزم تشريعات تدور حول التأمين الصحى والتأمين ضد العجز والتأمين ضد فقدان الدخل.
ويجب أن تتطور لتكون في صورة تشريعات لتكون ملزمة لكل مؤسسات الدولة في تحقيق الحماية الاجتماعية للأكثر احتياجا في التعليم أو الصحة أو غيرها من الحقوق.
الحماية الاجتماعية جزء من العدالة الاجتماعية، فعندما تتمايز فرص الحماية الاجتماعية بمعنى وجود فروق بين الناس في المجتمع في الحصول على حقوقهم فيكون هناك فئات اجتماعية يسقط حقها في الحصول على هذه الحقوق، وبالتالى لابد من تحديد حماية اجتماعية من جانب الدولة تفرضها وتصبغها على الفئات التي لم تحصل على حقوقها كاملة، فالحماية حق وواجب في نفس الوقت وجزء من المشروع الأكبر للدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية.
■ ماذا عن الفرق بين العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص؟
- تكافؤ الفرص يقتضى عدم التمييز بين الأفراد في منح الحقوق، ولا يجب بأى حال أن يحرم أفراد من فرص التعليم بسبب أي خصائص اجتماعية أو طبيعية أو أي ظروف اجتماعية أخرى، فالأمم المتحدة طبقت في مواثيقها جملة من الحقوق الاجتماعية الاقتصادية والثقافية ممنوحة للبشر لكونهم بشرا ويستحقون بجدارة أن يكونوا بشرا فيجب أن تمنح لهم هذه الحقوق وإلغاء كافة التمايزات الاجتماعية بينهم.
■ هل المساواة تتناسب طرديا مع تكافؤ الفرص؟
- المساواة مفهوم مرتبط بالحماية وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، فتوفير تكافؤ الفرص يسهم في حصول الإنسان على حقوقه سواء كان هناك حياد في توزيع هذه الفرص أم لا، فالمساواة الاجتماعية تشكل هذا المجال لتحقيق العدالة وأعنى بالمساواة إعطاء جميع أفراد المجتمع مكانة أو معاملة متساوية بعيدا عن أي فروق اجتماعية أخرى.
وهناك صيغة ارتضتها مواثيق الأمم المتحدة ومواثيق حقوق الأمم المتحدة خاصة فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهى أن يكون هناك مساواة بين الناس في الفرص الاجتماعية وتكافؤ من أجل تحقيق العدالة ومن أجل تحقيق عدالة كاملة لكل أفراد المجتمع بغض النظر عن التمايزات الاجتماعية بينهم.
■ متى ستبدأ الجلسات المخصصة لصياغة توصيات لجنة العدالة الاجتماعية؟
- انطلاق جلسات صياغة التوصيات والمقترحات النهائية المقدمة من المشاركين في الحوار الوطنى بالتوازى مع الجلسات الفعلية هي خطوة محمودة، خاصة أن المناقشات لم تسعفنا للإلمام بكل شىء بشكل مستفيض.
كما أن النتيجة النهائية للحوار ستظهر بعد انتهاء لجان الصياغة وما تم الاستقرار عليه والذى لابد أن يعكس في النهاية القضايا والتحديات التي يعانى منها المواطن، وكيفية الخروج من الأزمة الاجتماعية، ونتمنى أن تكون ثمرة الحوار ووضعها محل التنفيذ من خلال إجراءات أو تشريعات لكل ما نعانى منه من تحديات ليست فقط في العدالة الاجتماعية ولكن في جميع القضايا.
تحقيقات وحوارات الدكتورة ثريا عبدالجواد مقرر مساعد لجنة العدالة الاجتماعية بالحوار الوطنى استراتيجيات الحماية الاجتماعية العدالة الاجتماعية مبدأ تكافؤ الفرصالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: زي النهاردة شكاوى المواطنين العدالة الاجتماعية مبدأ تكافؤ الفرص زي النهاردة الحمایة الاجتماعیة الفرص الاجتماعیة تحقیق العدالة الحوار الوطنی الحوار الوطنى تکافؤ الفرص یکون هناک أن یکون
إقرأ أيضاً:
بالحوار معًا نتقدم
حضرت الأسبوع المنصرم ملتقى «معًا نتقدم» في نسخته الثالثة، وقد سبق لي أن شاركت في النسخة الثانية العام الماضي، وسعدت بهذه الدعوة لحضور هذه اللقاءات المهمة التي تستهدف تعزيز التواصل بين الحكومة والمجتمع، وإشراك الشباب في عملية التطوير والتحديث، ومواصلة البناء في كافة القطاعات، من خلال الحوار والتشاور وبما يحقق الأهداف المنشودة، ويسهم في توضيح الكثير من المرئيات وتقريب الآراء بين القاعدة والقمة، وتذليل الصعاب في مسيرتنا النهضوية الراهنة، وهو ما تهدف إليه قيادتنا الحكيمة من هذا الملتقى السنوي، من خلال الحوارات المفتوحة. ولا شك أن هذا الحضور الكبير من كل التخصصات من جيل الشباب، يعد أحد أهم الثمرات في مسيرة نهضتنا المتجددة التي يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- والاهتمام بما يُطرح ويناقش في هذا الملتقى من شبابنا في القضايا المطروحة.
ولا شك أن للحوار ثمراته العظيمة سواء للجهات المسؤولة، أو للمواطن نفسه المستهدف من هذا الملتقى في المقام الأول، ليتعرف كلاهما على ما يتم طرحه من الرؤى والأفكار والحوارات والتعليقات، على ما تم مناقشته في هذه الجلسات المفتوحة. وقد أسهمت الكثير من الحوارات والمناقشات عبر التاريخ الإنساني، في إجلاء الكثير من الحقائق والتبصير بها، والاهتداء إلى ما هو أدق وأصوب فيما يهم المواطن وتطلعات الوطن ورقيه وتقدمه، وإيجاد الرأي الثاقب والصالح والمتوازن في حياة الأمم والشعوب، كما أوجدت المثقف المنفتح المبدع والمعرفة الحقة والكلمة الصادقة النافعة. ولذلك أعتقد كما لمسته من النقاشات المهمة، وهذا ما أراه إيجابيًا في كل الحوارات، في ملتقيات (معًا نتقدم)، من حيث الاقتراب من الجيل الجديد؛ لفهم ما يدور في عقله ومعرفة كيف يفكر؟ وما تطلعاته؟ ولماذا نظرته للمستقبل قلقه وسلبية عند البعض؟ ولذلك فإن الحاجة الملحة للاقتراب أكثر من الجيل السابق للجيل الحالي، خاصة أن الرؤى الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، إذ حصلت بها تحولات كبيرة وسريعة، وما زال التسارع قائمًا ومستمرًا في هذا العصر، وهذه حاضرة في عقلية هذا الجيل، في ظل الانفتاح الإعلامي الهائل، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت قوة فكرية وثقافية وإعلامية هائلة، خاصة مع هذا الجيل والأجيال المستقبلية؛ ولهذا فإن التحاور مع جيل الشباب، أصبح مطلبًا لا غنى عنه، لكي يتم النقاش من خلال ندوات، أو هذه الملتقيات الموسعة ،كما هي في ملتقى «معًا نتقدم»، لتتقارب الإفهام وتتحاور بعقلانية واعية ومدركة للتحولات الراهنة، والاستماع لما يجري من خطط وبرامج ومشاريع ولما يدور في خلد هذا الجيل من أفكار وتطلعات وملاحظات، وما يُطرح من تساؤلات وعلامات استفهام حول ما يدور في خضم هذه التحولات، وما يجري من برامج وخطط، وتشابك الكثير من قضايا التي نعيشها، وما يعد الإعداد له من خطط مستقبلية، وبكيفية واضحة حتى يتم التعرف على مرئياته كفرد وكمجموع، وهو المستهدف الجيل الحاضر الذي يعد المحور لهذه الأفكار والتطلعات الراهنة.
ولا شك أن في عصرنا الراهن ـ وقد أشرت إليه في كتابة سابقة ـ مع التغيرات التي حدثت وتحدث الآن في قضايا ومشكلات عديدة، ومع الرؤى المتاحة في الوسائط الإعلامية، فهناك الكثير من الأفكار التي يطرحها الشباب في هذه الوسائط، منها: قلة أو غياب فرض العمل، مع زيادة المخرجات في كل التخصصات والتي تتراكم كل عام، أيضًا الحديث عن الفساد، أيضا ما يقال عن تفاوت الفرص بين الشباب في التوظيف، وهي بلا شك ليست توجهًا أو حالة ثابتة، والحديث عن مصادرة بعض المؤلفات في معرض الكتاب، ومنعها من البيع في المكتبات، وهذه الرؤى التي يناقشها الشباب وتطرح بتزايد بين الفترة والأخرى، ومسألة الربط بين قضية الفساد وبين غياب فرص العمل، بمعنى أنه يرى لولا الفساد، لسارت الأمور بصورة سليمة وتلقائية في فرص التوظيف حسب فهم البعض، صحيح أن الفساد رأس «البلاوي» في كل دول العالم! وترك بعض الدول في قائمة الدول الفاشلة، ولذلك فإن التوجه لمحاربته يجب أن يكون من الأولويات والبرامج. قد يقول البعض: إن الشباب بطبيعته، دائما يكون ثائرًا من كل شيء؟ ومن أي شيء؟ من خلال رؤى سلبية يختزلها في توقعات حدية، لا تتغير في نظره، ومع أن هذا التوقع ليس دقيقا في كل الظروف.
لكنني أرى أن هذا النقد تعوزه الدقة في جوانب وملاحظات عديدة، صحيح أن هذا الجيل بطبيعة تكوينه وسنه، يميل إلى عدم التصديق في بعض ما يقال، لكن أحيانًا يرى أن بعض التصريحات من بعض المسؤولين، تعطي مؤشرات عن أشياء سوف تتحقق، لكن لا يتم تنفيذها، مما يترك انطباعًا سلبيًا لدى هذا الجيل في عدم المصداقية، في بعض ما ينشر، وهذه تحتاج إلى تفسير في نظر الشباب، وهو الانقطاع بين الأقوال والأفعال، وقد حصلت تجارب في بيانات وتصريحات في بعض السنوات التي مضت، وهذه حقيقة، وعلى النخب المثقفة والمسؤولة، أن تدرك أن هذا الجيل أتيحت له من الفرص في المعرفة والاطلاع فيما هو متاح ومتزايد من حيث التطور العلمي، أكثر من جيلنا نحن الذين حرمنا في سنواتنا اليافعة، لم نعشها، سواء من المعرفة أو التكنولوجية، كما هو متاح الآن، من وسائل الاطلاع الواسعة، ولذلك فإن هذا الجيل مطّلع ويعرف الكثير مما يدور في عالم اليوم، حتى لا نقلل من معرفة هذا الجيل وسعة اطلاعه ومعرفته.
كما أن الأزمات الاقتصادية، وزيادة الأسعار، مع عدم وجود فرص للعمل، لها آثارها النفسية والاجتماعية، والصحية للأجيال الجديدة، وهذه أزمات مرت بها دول كثيرة، ومن هنا فالحوار مع هذا الجيل، اعتبرها ضرورة وطنية؛ لأن العالم المفتوح له مخاطره، وتحدياته، بما يعرضه من آراء وأفكار قد لا نتفق معها، وقد تؤثر في الجيل الجديد، بما تملكه من طرق للتأثير، وهو في هذا السن، وقد أكد جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله تعالى ـ
في خطابه في 23 من فبراير، على اهتمامه بالشباب وقال نصًا: «وسوف نحرص على الاستماع لهم وتلمس احتياجاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم، ولا شك أنها ستجد العناية التي تستحقها». وهذا اللفتة من جلالته ستكون لها أثرها الإيجابي في حوار الأجيال القادم بإذن الله.
وأحيانًا في غياب الحوار تحولت في بعض الدول إلى توترات وصدامات، وسببها غياب الحوار المبني على غايات نبيلة وإيجاد قواسم مشتركة للتقارب، مما يجعل الأحكام المسبقة تجاه الآخر المختلف، ليست بعيدة عن الصواب، وهذا ما يعزز قيمة الحوار وتأثيره في إبعاد الكثير من قضايا الشائكة التي قد تكون دافعة للاختلاف، لأسباب ومفاهيم مغلوطة، وتوجسات لرواسب قديمة، جعلت الصورة السلبية عاكسة للوعي غير الناضج ثقافيًا، ولذلك فإن إيجابيات الحوار وثمراته على التواصل الإنساني، يسهم إسهاما فاعلًا في تفعيل القبول بين المتحاورين، ويفتح الباب إلى قبول النقد ـ من خلال الحوار ـ والارتقاء به إلى آفاق رحبة، مما يسهم في كسر الحواجز السابقة التي كانت مانعة للحوار المفضي للروح الإيجابية، ولذلك الكلمة الطيبة المحمّلة بالرغبة الصادقة في الحوار، سيكون لها أثرها المهم في التقارب، مما يسهم في إذابة الجليد القائم بين أطرافها، والذي قد يبدأ قويًا ومتثاقلا في البداية، لأسباب كما أشرنا آنفًا، من حيث الخلفيات الثقافية والفكرية المسبّقة التي قد جعل سوء الفهم مؤثرًا بين المتحاورين، فالروح الطيبة السباقة إلى الفهم والتفاهم عبر الحوار، تستطيع إزاحة رواسب كثيرة متراكمة عبر قرون، أسهم غياب الحوار في جعلها رزمًا من الأنواء الفكرية المؤثرة في إبعادها عن واقع الحياة الاجتماعية، وهذه الرواسب سهلة التلاشي، إذا ما جعل أطراف الحوار وضرورته له الأولوية على قضايا ثانوية معيقة، لكن الحوار بجديته ومحدداته الصادقة سيكون بلا شك ناجحًا بقابليته من كل الأطراف، فتعزيز الحوار بين الحضارات أو الثقافات الإنسانية، مطلب مهم لا غنى عنه لكل الإنسانية، لإيجاد المساحة والأرضية الدافعة للتفاهم والتواصل والتقارب، بما يحقق الأهداف السامية في الحياة ومتطلباتها، وإبعاد عقبات والتوجسات وسوء الفهم وقلق المستقبل، الذي قد لا يعطي الحقائق الناصعة كما تدور وتجري، في ظل غياب الحوار الإيجابي المشترك، باعتباره المنهج الصحيح للتفاهم والتقارب بين الأمم في هذا الكون الفسيح وبما يجعل الحياة، بعيدة عن الخلافات والأزمات التي ربما تحصل لعوامل متعددة في خضم صراع الحياة وتشابكها وتعقيداتها.
ومن هذه الرؤى الثاقبة فإن الحوار كقيمة إنسانية مهمة، هو الأقدر على فتح النوافذ بين الأطراف عند الاختلاف على أسس متوازنة ومنفتحة للتقارب الذي يؤسس لثقافة الحوار بين الحضارات، كبديل لإشاعة صدام الحضارات وصراعها، وقد كتبت في هذا الأمر وقلت ما نصه: إن الحضارات منذ ما قبل التاريخ تقابلت وتعايشت، وصارعت أحيانًا، لكن ظلت أقرب للتفاهم والتعايش من خلال الحوار الندي في المشتركات الإنسانية، لكن الأهم والأجدر بالقبول هو الاستعداد للحوار من خلال الفهم المشترك.
هذا الرأي يمثل طرحًا إيجابيًا لكيف تنجح الحوارات، ونضع لها من الوسائل ولطرق التي تعين على التجاوب بين أطرف الحوار، ومنها نعرف طبائع الناس وثقافتهم للوصول للقلوب، وفتح مغاليق الأحكام المسبقة وهذه مهمة لا نجاح الحوار. لذلك هذه الحوارات كانت سببا في قبول هذا الدين القويم، إلى القيمة العظيمة لأهمية الحوار وإيجابياته، وكذلك في السنة النبوية، وأقوال العلماء والحكماء، لأهمية ودور الحوار في قبول هذا الدين والاستجابة له والسعي إليه باقتناع، وهذا مما يحسب لدور الحوار وتأثيره في تقارب الأفكار، وهذه حكمة إلهية اقتضتها مشيئته ـ سبحانه وتعالى ـ أن جعل الناس تتعدد في آرائها، وأفهامها، وتنوعها المعرفي والعقيدي، وجعل الحوار وسيلة من وسائل التقارب والتعارف والتعاون بين أبناء الجنس البشري، لعمارة الكون والهداية والخلق والإيمان.
وهذا ما وضعه جلالة السلطان المعظم -حفظه الله- في مسألة إشراك الشباب في الحوارات الوطنية لتكون الحوارات وسيلة لفهم تطلعاتهم المستقبلية، وفتح الباب لهم للتحدث والمناقشة، والنقد في بعض القضايا المطروحة من قبل الجهات الحكومية، وبالفعل وجدت من خلال النقاشات مدى التفاعل الذي أبداه الشباب في هذا الملتقى من خلال الحوارات الجادة والمنطقية والإيجابية، وهو بلا شك ما يجعل الرؤى تقترب من بعضها البعض، وهذا ما يجهل الملتقى يحقق أهدافه الحوارية الثاقبة، سواء في هذه الجلسات أو الجلسات القادمة إن شاء الله.