الدكتور علي الغامدي وهو دبلوماسي سعودي سابق قال في كتاب له لم يطبع بعد:( إن الباكستانيين شديدو التعلُّق بالمدينة المنورة ) ودلّل على ذلك بموقف طريف خلال زيارة وفد باكستاني تجاري وكانت الغرفة التجارية قد أقامت حفل استقبال لهذا الوفد.
وورد أثناء كلمات الترحيب والرد عليها أن أحد أعضاء الوفد جاء من المدينة المنورة ولم أعد أذكر اسمه فما كان من نائب رئيس الغرفة -وكان من رجال الأعمال البارزين- إلا أن قال على الميكروفون وقد أشار إلى العضو القادم من المدينة المنورة: “إني أشعر برغبة في احتضانك وتقبيلك ما دمت قادماً من المكان الذي يسكنه الحبيب المصطفى” .
وقد نشرت في هذا العمود الأسبوع الماضي قصة عمران خان رئيس وزراء باكستان السابق حين قدم المدينة المنورة فلم ينتعل فيها احتراماً لساكنها عليه الصلاة والسلام.
وقرأ المقال الأستاذ محمد الكثيري ،فأرسل إليّ تعليقاً يقول فيه: ” وأذكر كذلك أن الشيخ محمد متولي الشعراوي -رحمه الله- كان لا يمشي في المدينة المنورة إلا حافي القدمين معلّلاً ذلك بالقول: لعل قدمي تطأ مكانا وطئته قدم الحبيب صلى الله عليه وسلم.
لقد سررت عندما سلمني الأستاذ خالد المعينا، رئيس مجلس إدارة البلاد للصحافة والنشرسابقا مسودة كتاب الدكتور الغامدي للتصحيح وكان بعنوان “40 سنة في مضارب الدبلوماسية” فقلت له لا بدّ من اسم المؤلف الثلاثي لأن علي الغامدي يوجد منه آلاف. فقال لي: علي محمد سعيد الغامدي. وهذا الاسم مكرر كثيرا في القبيلة الكريمة. لكن ما دام المرحوم معه شهادة الدكتوراة فذلك أيسر في التعرف عليه. ثم إنه في الخارجية فصار علماً على رأسه نار.
ولدى قراءة الكتاب علمت أن المؤلف كان في إحدى السنين ذاهباً في إجازة وكان في مدينة بعيدة عن السفارة التي كان يعمل بها ،فأرسل برقية بانطلاقه في إجازته، ولكنه ختم البرقية بكلمة “للمعلومية”. وقد رنّت هذه الكلمة في جدران السفارة رنيناً مزعجاً فما كان السفير ولا موظفو السفارة يتقبلون أن يقول لهم مرؤوس أقل منهم في سلم الوظيفة “للمعلومية”. قال: وعاتبوني عتاباً قاسياً ومن ذلك قول السفير لي: أنت إنسان كبير. فقلت له: الكبير هو الله.
لقد وددت أن أتعرف على الكاتب لكن يا للخسارة فقد توفي رحمه الله في 28 إبريل 2024م. وترك للأجيال من بعده خلاصة تجربته الدبلوماسية في كتابه هذا. وهو نفس ما فعله الدكتور غازي القصيبي حين ألف كتاب “حياة في الإدارة”. ومن قبله أحمد أمين كتب ” حياتي” وطه حسين كتب “الأيام”.
وقد ورد عن عمر بن الخطاب حكمة أنقلها من ذاكرتي. “يكفينا ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ولم يبق لنا الا التجارب “. للمعلومية.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: المدینة المنورة
إقرأ أيضاً:
قرار تعيين شيخنا الفاضل الدكتور عمر بخيت وزيرا للأوقاف هو قرار موفق
قرار تعيين شيخنا الفاضل الدكتور عمر بخيت وزيرا للأوقاف هو قرار موفق وصادف الرجل المناسب للمكان المناسب حسب ما أرى.
شيخنا عمر هو صاحب فضل علي كبير،فقد تربينا على يديه وعلى دروسه وخطبه،وعرفته من وقت مبكر،فكان نعم الشيخ ونعم الرجل فقد حببنا في الدين و المسجد منذ صغرنا،وأذكر أن الوالد رحمه الله تعالى كان يحب صوته وتلاوته لجمالها ونداوتها،فالشيخ هو أول من جعلني أتقدم الناس و أتكلم وأخطب فيهم،و أول من وجهني وصوبني على ذلك،وقد انتفعت به انتفاعا عظيما،في القرآن الكريم،و في الخطابة و استفدت منه في سعة صدره ورحابة نفسه،وسداد رأيه ،و بُعد نظره، والشيخ يحب الخير لغيره و لا يحتكره على نفسه وهذه صفة نادرة وعظيمة،فقد كان السبب في ظهوري على التلفاز لأول مرة بعد ترشيحه لي ،وكان كثيرا ما يرشحني لبرامج دعوية جزاه الله خيرا.
والشيخ مع حفظه للقرآن ؛الحفظ المتقن؛فقد صلينا وراءه التراويح والتهجد دهرا من الزمان،ومع إلمامه بالتفسير وفنونه،والفقه ومسائله،ومع ذلك فهو صاحب نظرة مقصدية،وأفق بعيد،وقد رزقه الله عزوجل بصيرة وحكمة،فالعلم قد يحصله الإنسان لكن الحكمة لا يوفق إليها كل أحد،فالشيخ من الحكماء العقلاء،يعرف كيف يكسب قلبك،ويعرف كيف يلم الشمل بعد تفرقه،ويعرف كيف يدرأ الفتن في جحرها،وأذكر أنه كان محل استشارة الناس كلهم،فالتاجر يستشيره في تجارته،والزوج يستشيره في مشاكل بيته،والطالب يستشيره في دراسته،وهذا غير تفوقه الأكاديمي فهو صاحب الدكتوراه في التفسير و هو الأستاذ بالجامعات السودانية و شغل منصب رئيس قسم الثقافة بجامعة الخرطوم فترة من الزمان،مع ظهوره في برامج الإفتاء على شاشات التلفزيون المختلفة،وقد زار دولا عديدة وولايات كثيرة داعيا إلى الله ومعلما،والشيخ مع ذلك رزقه الله عزوجل تواضعا عجيبا،فهو مع الكبير كالابن و مع الصغير كالأب و مع من فوقه منزلةً كالطالب،ومع أقرانه نعم الأخ.
والشيخ في ظني لن تغيره الوزارة و لا المناصب،ولا هو بذلك الرجل الذي تغره زخرف الدنيا ، فالشيخ اللهم بارك مع مشيخته فقد كان تاجرا حصيفا ذكيا ماهرا،اشتغل بعرق جبينه و كون نفسه بنفسه حتى بلغ مبلغا في التجارة،ولا هو بالرجل الذي يعتمد على هبات الناس أو ما في أيديهم ،بل الشيخ يصدق فيه أنه كان صاحب اليد العليا منفقا متصدقا.
ولا أقول هذا الكلام بقصد التهنئة له على تعيينه وزيرا للأوقاف، فإن الوزارة ما سميت بذلك إلا من الوزر فهي أمانة وخزي وندامة يوم القيامة إلا من أداها بحقها،وليست التهنئة بالمناصب من شأن السلف،ولا أقول ذلك تملقا حاشا لله ،لكنني أقول هذه الكلمات من باب التعريف بقامة من قامات بلادي،و أقول هذا الكلام من باب من صنع إليكم معروفا فكافئوه،والشيخ قد صنع إلي معروفا كبيرا وعظيما.
والشيخ ماشاء الله تبارك الله مع أن تعينه لم يتم أسبوعين إلا وهو كل يوم من مدينة إلى مدينة ومن فعالية إلى فعالية
ونرجو من الله عزوجل أن يوفق شيخنا في هذه الوظيفة و أن يعينه على أدائها حق الأداء،و نسأل الله أن يوفقه ليكون له أثر كبير في هذه الوزارة العظيمة،و أن يضع بصمته فيها ويبقى أثره فيها مدة من الزمان
مصطفى ميرغني
إنضم لقناة النيلين على واتساب