في ربيع إحدى السنوات، قرر أليكس، الشاب الأميركي المغامر، السفر إلى فيينا، العاصمة النابضة بالحياة والموسيقى، كان يحلم دائماً بزيارة هذه المدينة الجميلة، ليغوص في ثقافتها، ويتذوق أشهى المأكولات النمساوية، ويستمتع بالمقاهي الكلاسيكية التي تنثر الألحان الساحرة في الأجواء.
بمجرد وصوله، انطلق أليكس في استكشاف المدينة، مبهوراً بجمالها الأخاذ وشوارعها التي تتنفس التاريخ، ولكن، لم يمضِ وقت طويل حتى وجد نفسه في أول المواقف الطريفة، أثناء طلبه وجبة في أحد المطاعم، حيث كان يأمل في تذوق الشنيتزل- (schnitzel) الشهير، لكنه وجد نفسه يحدق في طبق مليء بالكرات الغريبة التي عرف لاحقاً بأنها «كنودل»،  وهي كرات من العجين تقدم كطبق جانبي.


بعد تلك الحادثة المضحكة، قرر أليكس أن يستكمل جولته في المدينة، مستمتعاً بالعمارة الفخمة والمتاحف الغنية بالتاريخ، ولكن، في خضم تجوله وانبهاره، تعرض لموقف لم يكن في الحسبان، فقد انزلق هاتفه من يده أثناء التقاطه صورة بجوار قصر شونبرون، ليجده قد اختفى بين الأحجار القديمة.
وجد أليكس نفسه فجأة منقطعاً عن العالم، بلا خرائط إلكترونية أو ترجمة فورية، مما جعله يواجه التحديات بشكل مباشر، استعان بخريطة ورقية قديمة وجدها في جيب حقيبته وبدأ في استخدام إشارات اليد والكلمات الألمانية البسيطة التي يعرفها للتواصل مع الناس، كانت تلك التجربة تعيده إلى أيام السفر القديمة، حيث كان الاستكشاف يعتمد على الحدس والمساعدة البشرية أكثر من الأجهزة الذكية.
مع مرور الأيام، بدأ أليكس يعتاد على الحياة بدون هاتفه، استمتع بفقرات الموسيقيين في الشوارع، وتذوق الحلويات المحلية من بائعي الأرصفة، وحتى التجول في الأسواق الصغيرة، مكتشفاً جوانب جديدة في فيينا لم يكن ليلاحظها لولا هذا الانقطاع غير المتوقع عن العالم الرقمي.
مع توالي الأيام، بدأ يشعر بالامتنان لهذه التجربة الفريدة، وأصبح أكثر جرأة في استكشافاته وتفاعلاته مع السكان المحليين، الذين وجدهم دائماً يتحلون بالود ومستعدين للمساعدة، استمتع بالجلوس في الحدائق، مراقباً الحياة تمر من حوله، وسعد بزيارة الكنائس والقصور التاريخية، مستغرقاً في العمارة الرائعة والقصص التي تحكيها الجدران القديمة.
وبينما كان يستمتع بكوب من القهوة في مقهى تقليدي، التقى بمجموعة من السياح الذين فقدوا طريقهم، باستخدام خريطته الورقية ومعرفته المحدودة بالألمانية، تمكن من مساعدتهم، مدركاً كم أصبح ملماً بالمدينة أكثر من أي وقت مضى.
تلك الرحلة إلى فيينا علمته أن الأشياء لا تسير دائماً كما خططنا لها، وأن هناك جمالاً في اللا متوقع والعفوي، فكانت الأحداث الطريفة والغريبة التي مر بها بمثابة دروس في الصبر والتكيف والانفتاح على الثقافات والأفكار الجديدة، وتذكير بأن السعادة والمغامرة غالباً ما تكون في رحلة الحياة نفسها، لا في الوجهة وحدها.
وهكذا، انتهت رحلة أليكس في فيينا، تاركةً في نفسه أثراً لا يُمحى، وشوقاً للمزيد من الاستكشافات بروح جديدة ونظرة مختلفة تجاه التجارب الحياتية.

أخبار ذات صلة علي يوسف السعد يكتب: قرطبة.. مرة أخرى علي يوسف السعد يكتب: البندقية.. بمنظور مختلف

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: علي يوسف السعد فيينا

إقرأ أيضاً:

كيف تتقبل الآخرين؟!

 

 

 

محفوظ بن راشد الشبلي

mahfood97739677@gmail.com

 

يشكو كثير من الناس من أنَّ فلاناً به خِصلة لا تُعجبه فيه فلا يتقبله، رغم مجالسته في جمع الآخرين وفي نفسه نفور منه، وآخر يشكو من طبع فلان في أمر مُعين، لكنه يُجالسه، وآخر يكن لشخص احتراماً بالغاً، لكنه لا يتقبل منه فعلًا مُعينًا، وتبقى الأنفس في نفور دائم في تعاملهم من أشخاص يُداومون مجالستهم، ولكن في نفوسهم بعض الحساسية تجاههم.

عند البحث في تكوينات البعض يُبهمنا تصرفاتهم وطبائعهم ونبحث عن عيب، فهل المشكلة فيهم أم في الذين يتعاملون معهم، فكون النفس البشرية تختلف بتكوينات الأشخاص في اختلاف البيئة التي يعيشون فيها والناس المحيطين بهم ومكسبهم العِلمي والثقافي المُكتسب لديهم تجد تلك العوامل تصقل شخصياتهم وبها تُبنى عقلياتهم وطريقة تصرفاتهم وينتج عن ذلك كله مسألة تقبلهم للآخرين من عدمها وبطريقتهم التي يرتؤونها للغير.

ليس عيبًا أن تتقبل إنسانًا أو لا تتقبله، ولا يوجد اختلاف في ذلك؛ بل الخلاف في نظرة الشخص للآخرين كيف يُترجمها في نفسيته وكيف يُبدي بها لغيره وهل المشكلة هي عيب فيه أم في من ينتقيهم لكي يتقبلهم وتتوق نفسه لهم من عدمه، وهي مسألة تخص الشخص نفسه وليس لها اختصاص بالآخرين، فالآخرون ليس لديهم مدى في سيكولوجية انتقائك لهم ولا يُحددون طريقة مُعينة للتعامل معك كونك لم تُفصح لهم عن ما يُعجبك فيهم كي تَقبلهم به وليس لديهم استعداد لتغيير سيكولوجية أساليبهم ونَمَطهم كي يكسبوا ودك ولخاطر عينيك من عدمه.

من تجربة شخصية سألني شخص عن فلان، فأجبته بما يظهر منه في مُعاملته معي، فقال بكل غرابة إنَّ به عيباً لا يستسيغه ولا يتقبله، وسألني عن مدى تقبلي له، فأدهشني الأمر كون علاقتي به مبنية على ما يجده مني ولا أعي كيف علاقته به، وبما يُبديه له من تعامل؛ فأدركت حينها أن اختلاف المعاملات مع الآخرين هي ردة فعل منهم تجاههم، وليست عيبًا فيهم كما يدعي هو تجاههم، كي لا يستسيغهم ولا يتقبلهم، ولا يُحبذ التعامل معهم. فكما تُعامل الناس سيعاملونك. وفي كل الأحوال الناس ليسوا ديناميكيين، كي يعملوا لأجلك، وليسوا مُلزمين بك في تطويع تعاملهم معك وليسوا كاملين إن كنت تدعي الكمال والكامل هو اللّه وحده سبحانه.

 

خلاصة القول.. لا يُمكن أن تجد في الناس توافقًا كاملًا في تطبيع أفكارك فيهم، كي يُعجِبوك ويرضوك كما تريد؛ بل هي مسألة ثقافة تعامل منك، إن تقبلت فيهم جزئية تحبها دون غيرها وبها وعليها، ستَبني جانب علاقتك بهم وتقبلك لهم، واترك بقية طباعهم التي لا تُعجبك لهم، فأنت غير مسؤول عنهم فيما لا يهمك ولا يعنيك فيهم، وعليك بما وجدته في جانبهم الذي أحببته. أمّا أن تُطوع النَّاس حسب أفكارك فهي مسألة لا يمكنك تعميمها على الكل، وإن عشت على ذلك، فأنت الخسران في مسألة تقبلك، وليست مشكلة فيمن تتعامل معهم، ويجب عليك مُحاسبة نفسك وإصلاح فكر تعاملك نظير شكواك من عدم تقبلك للآخرين.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • “سدايا” تستعرض مستقبل الذكاء الاصطناعي العام والتحديات التي تواجهه بمشاركة أكثر من 16 جهة حكومية
  • زيدو يوسف يقترب من الفتح
  • مرصد: أكثر من 20 مادة خطيرة تستخدم في الحياة اليومية بالعراق
  • "مكبل الأيدي والأرجل".. العثور علي جثة شاب داخل شقة بمصر القديمة
  • تدشين حملة رقابة وتفتيش على محلات بيع اللحوم في صنعاء القديمة
  • ولي عهد رأس الخيمة يزور خالد عبدالله يوسف
  • تشبث بالقارب لإعادة هاتفه.. معاقبة صيادين قتلا ”عقرب” غرقا في المياه
  • كيف تتقبل الآخرين؟!
  • فنُّ الشِّعر
  • إعدام عاملين لقتل سائق توك توك وسرقة هاتفه بالقليوبية