حكاية «عم محمد» أشهر أقدم سنان سكاكين في الإسكندرية
تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT
مازلت محافظة الإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط، تحضن بداخلها الكثير من المهن القديمة التي تعود عمرها الي المائة عام، من أشهر المهن التي كان لها ذاع كبير بين المهن الأخرى، وهي السنان أو سنان السكاكين و في قلب المدينة العريقة، وبين أزقة سوق المنشية النابضة بالحياة، تقع ورشة، أقدم سنان سكاكين في المنطقة حيث حكايةٌ تمتدّ جذورها لأكثر من 100 عام، تُحكي قصةَ إرثٍ عريقٍ يتوارثه الأبناء عن الآباء، حكايةُ شغفٍ وحرفيةٍ تُقاوم رياح التغيير وتُحافظ على رونقِ مهنةٍ مهددةٍ بالانقراض.
يقول الحاج «محمد مصطفى»، أقدم سنان السكاكين أنه منذ عام 1937، وُضعت الطلقة الأولى لهذه الحكاية، عندما فتح أجدادي الورشة المتواضعة، ليُصبح سنان الملك فاروق نفسه. ومنذ ذلك الحين، توالى على الورشة أبناءُ العائلة، حاملين معهم أسرارَ المهنة ودقتها، حافظين على شعلةِ الإبداع والتجديد حيث روي ذكرياتٍ من ورشته، فيذكر كيف كانت تُصنع وتُسنّ في الماضي أدوات التشريح الطب الشرعي، بالإضافة إلى الأدوات اليدوية والمستوردة من الخارج بأشكالٍ وأحجامٍ مختلفة. ويُشير إلى أن أنواع الحجارة المستخدمة في سن المعادن تختلف، ففي بعض الورش يُستخدم الماء مع حجر السن، بينما يعتمد هو على حجر خاص من النمسا وبولندا لسن الأشياء الدقيقة وحفظ المعدن.
وأكد «مصطفي» للأسبوع أن مهنة السنان تتطلب مهاراتٍ عالية، فبالإضافة إلى المعرفة الدقيقة بأنواع الحجارة وطرق السن، يجب على السنان أن يكون مُلمًا بخصائص المعادن المختلفة، وأن يتعامل معها بحذرٍ ودقةٍ لضمان سلامته وسلامة من حوله لافتا أنه مع مرور الزمن، واجهت مهنةُ سنّ السكاكين العديدَ من التحديات فمع انتشار المنتجات الصينية رخيصة الثمن، اتجه البعض لاستخدامها في المنازل، مُهددين بذلك وجودَ هذه المهنةِ العريقة مؤكداً أنه لم يستسلم بل واصلَ العملَ بِإصرارٍ وعزيمةٍ، مُؤمنًا بأنّ جودةَ عملهِ لا تُقارن بأيّ منتجٍ صناعيّ مشيراً أن احتفاظه علي المهنة جاء لاستمرار الحرف اليدوية العريقة في مدينة الإسكندرية وهذا يأتي فبفضل خبرة أجيال من السنانين، تُحافظ هذه الورشة على تقنياتٍ أصيلةٍ لسنّ السكاكين.
وأضاف أن الورشة تُقدم خدماتها بجودةٍ عاليةٍ تُلبي احتياجات العملاء، وتُقاوم في الوقت ذاته موجة التغيرات العصرية التي تُهدد بانقراض هذه المهنة لافتا أن موسم الذروة للعمل يكون مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، حيث يُقبل الجزارون والأهالي على سن سكاكينهم استعدادًا للذبح.
وعن مراحل سن السكاكين قال الحج محمد أن المرحلة الأولى يتم فيها إصلاح أي إعوجاج وذلك من خلال الطرق عليها حتى تستقيم جوانبها ثم تبدأ المرحلة الثانية، وهى تمريره على الحجر الهاشمي حتى يتم حد سن السكين وتنظيف جوانبها، وذلك من خلال تكريها على الحجر أكثر من مرة وغمسها في الماء ثم تدخل السكينة مرحلة أخرى وهى مرحلة حجر الجلخ، وهذا الحجر هو المسئول عن إزالة الطبقة القديمة من على سن السكين وتسمى الرايش وعمل سن جديد حاد ويتم بعدها غمس السكاكين في الماء مرة أخرى حتى تبرد لأنها تكون ساخنة جدا نتيجة حجر الجلخ.
وأشار أن السكاكين يوجد بها أنواع كثيرة منها سكين لسلخ الجلد وسكين التقطيع وساطور شق العجل و ساطور تكسير العضم مؤكدا إن الورشة التي تعود عمرها الي المائة عام كان رحلةٌ عبر الزمن تُثري ثقافتنا و تُحافظُ على هويتنا، وتُؤكّدُ على أنّ الإبداعَ والحرفيةَ لا يعرفانِ حدودًا، وأنّ العشقَ والولاءَ لمهنةٍ ما هما سرّ النجاحِ والاستمرار.
وتعبر قصةٌ الحج محمد صاحب اقدم ورشة لسن السكاكين ملهمه بأهميةِ التمسكِ بجذورنا والاعتزازِ بِإرثنا الحضاريّ، ودعوةٌ للحفاظِ على هذهِ المهنِ العريقةِ من الانقراض، لِتظلّ شمسُ الإبداعِ والإتقانِ تُضيءُ دروبَ أجيالٍ قادمة.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الإسكندرية الملك فاروق عيد الأضحى المبارك منطقة المنشية
إقرأ أيضاً:
منيرة تونسية تحيي مهنة المسحراتي في رمضان ..صور
خاص
تخرج منيرة في ساعات الليل حاملة طبلة قديمة تجوب الشوارع مُعلنةً عن حلول موعد السحور، ومتحدية العادات والتقاليد التي جعلت من مهنة المسحراتي شأنًا خاصًا بالرجال في بلدتها.
واجهت منيرة الكيلاني أو “منورة” كما يلقبها جيرانها، ذات الـ62 عامًا، الكثير من التحديات في عملها هذا ببلدتها بمحافظة المنستير شمال شرق تونس، ، لكنها استطاعت أن تفرض نفسها كأول امرأة في هذه المهنة.
وتعد مهنة المسحراتي أو “البوطبيلة” من أقدم المهن في تونس، وهي جزء لا يتجزأ من التقاليد الرمضانية، ولكن هذه العادة بدأت في التلاشي لتصبح مقتصرة على بعض المدن والقرى، لكن في حي منيرة، كان الحال مختلفًا، فهي إحدى القلائل اللاتي قرّرن أن يحملن طبلة المسحراتي في يديهن والحفاظ على هذا الموروث الثقافي.
تقول منيرة التي لم تتوقع يومًا أن تحمل طبلة والدها الراحل، الذي كان يُعدّ أحد أبرز “المسحراتية” في حيّهم، وتكمل مسيرته بعد وفاته منذ خمس سنوات: “كنت أستمتع وأنا صغيرة بصوت إيقاع طبلة والدي وهو يوقظ الجيران للسحور، كان الصوت يملأ الحي، وكأنّه يحمل الأمل في كل ضربة و اليوم، أريد أن يبقى هذا الصوت حاضراً، لا أريد له أن يختفي مع الزمن.”
تعمل منيرة في العادة في جمع القوارير البلاستيكية وبقايا الخبز لتقوم ببيعهم لاحقا، لكنها وجدت في مهنة بوطبيلة بعض ما يسدّ حاجيات عائلتها ووالدتها الملازمة للفراش، قائلة: “بدأت بالخروج للعمل كـ”بوطبيلة” منذ سنة 2019 فأصبحت هذه المهنة مورد رزقي الذي أساعد به عائلتي طيلة شهر الصيام”.
تحظى منيرة بالتشجيع من جيرانها وسكان حيها، فتقول: “لقد صار الساكنون يعرفونني جيدًا، كلما مررت عليهم ليلاً، يبادلونني التحية، وفي اليوم الذي لا أوقظهم فيه للسحور، يأتي أغلبهم ليطمئنوا عليّ، وقد شعروا بفقدان هذه العادة.”
وتابعت: “كل يوم أخرج على الساعة الثالثة فجرا وأنا أحمل الطبلة دون خوف لأنني وسط أهلي وجيراني وأنا أردد “يا نايم وحّد الدايم .. يا غافي وحد الله جاء رمضان يزوركم”.
ترى منيرة أن مهنة البوطبيلة تمثل جزءًا من هويتنا الثقافية التي يجب الحفاظ عليها، فحتى وإن كانت المكافآت المالية لهذه المهنة ضئيلة، إلا أن قيمة ما تقدمه من سعادة لأسرتها ولأهل الحي لا تُقدر بثمن.
واختتمت: “هذه المهنة لا تدر عليّ سوى القليل من المال، الذي يمنحني إياه الجيران بمناسبة عيد الفطر، ورغم ذلك، أنا متمسكة بها لأنها تمثل جزءًا من هويتنا الثقافية، جزءًا من تقاليدنا التي يجب أن تبقى حية”.